من أجل صناعة ذاكرة ثقافية عمانية
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
العلوم.. بمختلف أبوابها تقوم على تأريخ طويل من التراكم المعرفي، فلا علم من دون مقدمات، فمن العلوم ما يرجع إلى مئات وآلاف السنين، ومنها ما يمتد إلى بداية الوجود الإنساني.. بل هناك بحوث علمية وأطروحات فلسفية تقرأ ما قبل وجود الإنسان، وتأثيره على مسار حياة البشر، ووُجِدتْ فروع تدرس تأريخية العلوم كـ«علم العلم» و«تأريخ العلم».
إن الاهتمام بمسيرة العلوم وما أنتجته الإنسانية عبر تاريخها الطويل ليس جديدًا، فهو يمتد إلى ما قبل الميلاد، فينقل عن أرسطوطاليس (ت:322ق.م) اهتمامه بتاريخ العلوم؛ الإنسانية والطبيعية، وبجَمْعِ ما يتمكن من معلومات ومواد.. بل جَمَعَ حيوانات ونباتات؛ ليجري تجاربه عليها، وقد ذُكر بأنه أقام متحفًا طبيعيًا، وأنشأ مكتبة كبيرة تحتوي على مختلف العلوم، وبهذا يعدّ أرسطو مؤسس أقدم وعاء لذاكرة ثقافية؛ تشتمل على الطبيعيات والإلهيات والفلسفات والآداب والسياسة ونحوها. وهناك من يذهب إلى أن أول متحف تأسس عام 530ق.م في بلاد ما بين النهرين، وقيل: عام 2500ق.م في بابل. وأيًا كان التاريخ الصحيح.. فالمقصود أن البشرية منذ عصورها العتيقة اهتمت بذاكرتها الثقافية. الذاكرة الثقافية.. إرث إنساني، يتعدى الحيّز الزمكاني للمجتمع الذي يحتضنها، فهي الأحداث والمعارف والعلاقات البشرية؛ تعاونًا وتنافسًا، التي تشكّل ذهنية مجتمع ما وضميره وتؤثر على ممارسة أفراده، منذ نشأته الأولى، وتتراكم ما بقي قائمًا. وقد ينقرض المجتمع وتبقى ذاكرته محفوظة بمختلف وسائل الحفظ، فالذاكرة الثقافية.. أطول عمرًا من حاضنتها الاجتماعية. وهي كلٌ متكاملٌ؛ كلُ عنصر يؤثر على الآخر، وأي تقسيم لها فهو اعتباري لتسهيل جمع عناصرها، ثم دراستها، ولهذا الغرض؛ يمكن تصنيفها إلى تاريخية وحضارية وعلمية ووطنية وقومية. والذاكرة.. وعاء يضم كل ما يتعلق بأي علم وفن، يتسع وطابها ويضيق بحسبما تخصص له، فذاكرة الأمة أوسع من ذاكرة المجتمع، والذاكرة القومية التي تضم مجموعة من الشعوب أوسع من الذاكرة الوطنية لدولة واحدة، وذاكرة العلوم الطبيعية أكبر من الذاكرة النباتية أو الحيوانية، وهكذا في سائر الذاكرات. الفرنسي جوستاف لوبون (ت:1931م)، والذي أصفه بـ«العين الثانية لفلسفة الحضارة»، يذهب إلى أن أخلاق الأمم تتغير ببطء شديد، وأنها تظل محافظة على أخلاق نشأتها الأولى، وهي صلبة أمام تبدل الأنظمة عبر الزمان؛ سواءً أكانت دينية أم سياسية أم عرقية. إن للأمة «جينات ثقافية» كالجينات البيولوجية في الكائنات الحية، والتحوّل في جذور بُنية الأمة هو ما يغيّر هيكلتها، ولذا؛ لابد من الوقوف على الذاكرة الثقافية للأمة لفهم أخلاقها القائمة، فمن دون جمع ذاكرتها؛ ثم دراستها بتحليلها وتفكيك مكوناتها معرفيًا، تبقى تصرفات أفرادها غير معللة ولا متوقعة، خاصةً؛ إن حكم على أخلاقها بحسبما يطفو على السطح. مثلًا؛ يمكن أن تصف أمة بأنها متسامحة، ولكن عندما يُمَس شيء من عاداتها أو معتقداتها ينفجر وريد تعصبها، وربما تصاعد دخانه إلى العنف، فهي متسامحة.. ليس لقدرتها على استيعاب المتغيّرات وإنما لأنها مخدَّرة بجمودها، فإن أردت أن توقظها من سباتها غلى دم تعصبها وكشرت عن أنياب غضبها. لنأتِ إلى ذاكرتنا الثقافية.. إن أهم وعاء ذاكرة عرفه المجتمع العماني هو المخطوطات؛ فهي مكتنز العلوم كالتاريخ والأدب والفقه واللغة، ومستوعب الأخلاق الفردية والمزاج الاجتماعي والتلاقح الحضاري، فالمخطوط العماني قبل المكتبة والجامعة والمتحف، هذه المؤسسات.. لم نعرف معظمها إلا في زماننا. وأما المكتبات فقد كانت محدودة ثم تطورت في العصر الحديث كمًا ونوعًا. ومع أهميتها إلا أنها تبقى أمام مفهوم الذاكرة الثقافية مخازن للمعرفة ومصادر للذاكرة، تنتظر ترقيتها إلى «ذاكرة عمانية» بمفهومها الثقافي الحديث. وكما نجد ذاكرتنا العمانية مدونة في أسفار الأولين؛ فإن ذاكرة المعاصرين؛ لاسيما كبار السن، المسماة بالذاكرة الشفهية أو التاريخ المروي، هي الأخرى تشكل رافدًا مهمًا لذاكرتنا الثقافية.. بل هي الرافد الحي، الذي علينا أن نبذل الجهد لجمع محتوياته قبل أن يغور بموت أصحابه. هناك من قاموا بجمع جانب من عناصر هذه الذاكرة؛ سواءً من الباحثين أم المؤسسات، وهي بداية جيدة وضرورية، بيد أنه من المهم تكثيف الجهود وتوحيدها، ووضع خطة علمية وعملية لطرائق الجمع، بحيث تغطي جميع البلدان العمانية. هناك مصادر أخرى للذاكرة.. منها: النقوش القديمة كالرسمات على صفحات الحوائط الجبلية، فهي إما رموز دينية واجتماعية، أو تعبير عن وقائع حربية وسياسية واجتماعية، أو كتابات أبجدية تعود إلى ما قبل الإسلام كخط المسند الذي لم تجمع نقوشه ولم تفك رموزه في عمان حتى الآن. ومنها: الكتابات الجدارية بالخط العربي، والتي تحفل بها الجوامع والحصون والبيوت العودة «الكبيرة» ونحوها، ففيها مادة مهمة عن حوادث الدهر وصروفه المتقلبة، وعن أسماء أشخاص ووفياتهم؛ عاشوا على أرض عمان وتركوا بصمتهم عليها. ومنها: الأطلال والمواقع الأثرية، التي تحتاج إلى استنطاق بربطها بأحداث زمانها، والوضع الاجتماعي والسياسي الذي عاشه منشئوها. وبرغم الجهود الكبيرة التي بذلت في التنقيب عن الآثار الغابرة في عمان؛ إلا أن الكشف الآثاري لا يزال في بداياته، ناهيك عن قلة تحليله الثقافي وضعف ربطه بالحركة الحضارية التي سادت المنطقة حينذاك. المعتقدات والعادات والتقاليد والألعاب الشعبية والأغاني والموسيقى.. أيضًا روافد للذاكرة الثقافية العمانية. فمعرفة مكان ظهورها؛ سواءً أكانت محلية، أم وافدة على عمان واستقرت فيها، وتتبع طريقة ممارستها، ومدى التطور الذي لحقها، كل ذلك يسهم في فك «الخارطة الجينية» للذاكرة العمانية. وعلينا ألا ننسى بأن عمان على مدى تأريخها استقبلت هجرات بشرية، وتعرضت إلى الغزو، وتمددت في حكمها إلى بقاع احتكت بسكانها، كل هذا رافد لذاكرتها. وبالجملة؛ هناك الكثير من مظان ذاكرتنا الثقافية؛ وإنما ذكرت بعضها على سبيل المثال، وتبقى على مؤسساتنا وباحثينا مواصلة جهودهم في تكوين هذه الذاكرة. إن الذاكرة الثقافية العمانية متوزعة في أمكان كثيرة، قد لا نلقي لها بالًا، في حين هي مخازن للمعرفة ومكانز للعلم، ولذلك؛ كل الجهود العلمية مهمة لجمعها وبنائها. وفي زمننا يوجد الكثير مما يمكن الاستفادة منه لبناء هذه الذاكرة، بدءا من الجامعات والمكتبات والمراكز الثقافية والإعلام؛ بمختلف أنواعه، وليس انتهاءً بالناس الذين هم جزء من الذاكرة وناقلوها. ولابد من الإشارة إلى الجهود التي تقوم بها مؤسسات عديدة في سلطنة عمان، منها: وزارة الثقافة والرياضة والشباب؛ في جمع المخطوطات وتحقيقها، والمنتدى الأدبي؛ بوصفه مؤسسة للإنتاج العلمي، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومركز ذاكرة عمان، والمتحف الوطني، ومتحف عمان عبر التاريخ، ومتحف البليد، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وعموم المكتبات الأهلية؛ خاصةً التي تحوي المخطوطات والوثائق. إن ما نحتاج إليه في المرحلة القادمة من عمر الدولة الحديثة؛ وضع دراسة لمشروع متكامل للذاكرة الثقافية العمانية، يُبنى على أسس منهجية علمية؛ وتستخدم فيه أحدث أدوات التقنية الرقمية، مع فريق واسع مدرب على جمع المعلومات، وفريق من الباحثين المقتدرين على التحليل العلمي الموضوعي لمسيرة العماني؛ منذ بدأ حياته على أرض عمان حتى اليوم، مع نخبة من المفكرين والفلاسفة؛ ليسهموا في فهم الشخصية العمانية والتحولات التي أصابتها والمآلات التي تنتظرها. لم تعد الذاكرة الوطنية ترفًا علميًا ولا هدرًا ماليًا، وإنما أصبحت من ركائز ومنطلقات صناعة المستقبل الثقافي. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذاکرة الثقافیة
إقرأ أيضاً:
مش عايز يجيلك زهايمر.. طعام خارق يعالج الذاكرة وضعف التركيز
يعاني عدد كبير منا من النسيان المتكرر وضعف الذاكرة ويخشي كثيرون الإصابة بالزهايمر.
ووفقا لما جاء في موقع" دكتور أكس" يعمل البندق على تعزيز الدماغ وعلاج مشاكل عديدة في المخ والأعصاب.
يجب اعتبار البندق من الأطعمة التي تعزز من قوة الدماغ، فهو يحتوي على عناصر تساعد على تحسين وظائف الدماغ والإدراك، كما يساعد على منع الأمراض التنكسية في وقت لاحق من الحياة.
بسبب المستويات العالية من فيتامين E، والمنجنيز، والثيامين، وحمض الفوليك، والأحماض الدهنية، فإن اتباع نظام غذائي مكمل بالبندق يمكن أن يساعد في الحفاظ على عقلك حادًا ويعمل في أفضل حالاته، مما يجعل البندق أطعمة ممتازة للدماغ .
تتزامن المستويات العالية من فيتامين E مع انخفاض التدهور الإدراكي مع تقدم الأفراد في السن ويمكن أن يكون له دور رئيسي في الوقاية من أمراض العقل وعلاجها مثل الزهايمر والخرف ومرض باركنسون وقد ثبت أن المنجنيز يلعب دورًا رئيسيًا في نشاط الدماغ المرتبط بالوظيفة الإدراكية.
يشار إلى الثيامين عادة باسم "فيتامين الأعصاب" ويلعب دورًا في وظائف الأعصاب في جميع أنحاء الجسم، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في الوظيفة الإدراكية وهذا هو السب في أن نقص الثيامين يمكن أن يكون ضارًا بالدماغ .
تساعد المستويات العالية من الأحماض الدهنية والبروتينات الجهاز العصبي وتساعد أيضًا في مكافحة الاكتئاب.
في دراسة نشرت في مجلة Nutritional Neuroscience ، تم اختبار البندق لمعرفة خصائصه الوقائية للأعصاب وعند تناوله كمكمل غذائي، كان البندق قادرًا على تحسين الشيخوخة الصحية والذاكرة ومنع القلق .
بالإضافة إلى ذلك، قامت مراجعة منهجية نُشرت في عام 2021 بفحص تأثيرات تناول المكسرات على الأداء الإدراكي. وفي حين كانت النتائج غير حاسمة في النهاية فيما يتعلق بمدى قدرة تناول المكسرات على حماية الإدراك طوال الحياة، فإن النتائج تشير إلى أن المكسرات تفيد الإدراك لدى "الأفراد الأكثر عرضة لخطر ضعف الإدراك".
الحوامل وكبار السن
البندق من الأطعمة الغنية بحمض الفوليك ويُعرف حمض الفوليك بأهميته لنمو العمود الفقري والدماغ أثناء الحمل، كما يساعد في إبطاء الاضطرابات التنكسية المرتبطة بالدماغ لدى كبار السن.
الوقاية من السرطان
بفضل العدد العالي من مضادات الأكسدة الموجودة في البندق، فهي من الأطعمة المهمة لمكافحة السرطان وقد أظهرت الدراسات قدرة فيتامين (هـ) على المساعدة في تقليل خطر الإصابة بسرطان البروستاتا والثدي والقولون والرئة، مع منع نمو الطفرات والأورام. كما أظهر فيتامين (هـ) إمكانيات المساعدة في عكس مقاومة الأدوية المتعددة وعلاجات السرطان.
وفي دراسات أخرى، وجد أن مركبات المنجنيز تظهر نشاطًا محتملًا مضادًا للأورام. على سبيل المثال، وجدت الأبحاث التي أجرتها كلية الكيمياء والهندسة الكيميائية في جامعة جيانغسو في الصين ونشرت في مجلة الكيمياء الحيوية غير العضوية أن مركب المنجنيز يمكن أن يكون "مركبًا محتملًا مضادًا للأورام يستهدف الميتوكوندريا".
وفي الوقت نفسه، توصلت دراسة أجريت عام 2023 ونشرت في مجلة Advanced Biomedical Research إلى أن "زيت البندق يبدو أنه يسبب موت الخلايا السرطانية من خلال آلية موت الخلية المبرمج".