هل تغسل المرأة إذا ماتت وهي في حال العذر الشرعي (الحيض) غسلًا واحدًا أو غسلين؟ إذا ماتت المرأة وهي حائض فإنها كغيرها من أموات المسلمين، تغسَّل غسلًا واحدًا هو غسل الموت، أمَّا الغسل من الحيض فلا يلزم؛ لأنَّها بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة، ولعدم ورود ما يدل على التفرقة في الغسل بين من مات حائضًا وغيره، فلما لم يدل دليل على وجوب التفرقة بقي حكمهما واحد، وهو وجوب غسل واحد.

 

حكم غسل الميت


شرع الله تعالى الغسل في حق من مات من المسلمين رجلًا كان أو امرأة؛ تكريمًا لإنسانيته، وتنظيفًا لجسده، وتفضيلًا له على سائر المخلوقات، وجعله واجبًا على الكفاية في حق غيره من المسلمين الأحياء، لا يسعهم جميعًا تركه؛ لما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا خَرَّ من بعيره، فوُقِصَ فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وهو من الواجبات الكفائية على الأحياء تجاه الميت بالإجماع.

قال العلامة أكمل الدين البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 105، ط. دار الفكر): [وهو -أي: غسل الميت- واجب على الأحياء بالإجماع]. وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 128، ط. المنيرية): [وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين].

 

عدد الأغسال اللازمة للمرأة إذا ماتت حال حيضها


أمَّا ما يلزم للمرأة الحائض من غسل إذا ماتت حال حيضها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها كغيرها من أموات المسلمين، لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، أمَّا غسل الحيض فلا يلزم؛ لأنَّ الحائض بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة؛ لأنها بموتها سقط عنها فرض الصلاة، وإذا سقط عنها فرض الصلاة، سقط عنها فرض الطهارة وهو الغسل التي تؤدي به الصلاة.

 

قال العلامة الشرنبلالي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 213، ط. المكتبة العصرية) فيما يُفعل بالميت عند تغسيله: [(وُضِّئ)... إلا أن يكون صغيرًا لا يعقل الصلاة فلا يوضأ، (بلا مضمضة واستنشاق) للتعسر، ويمسح فمه وأنفه بخرقة، عليه عمل الناس، (إلا أن يكون جنبًا) أو حائضًا أو نفساء، فيكلف غسل فمه وأنفه؛ تتميمًا لطهارته]..وقال الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 117، ط. دار الكتب العلمية): [(ويوضأ) من يؤمر بالصلاة (بلا مضمضة واستنشاق) للحرج، وقيل: يفعلان بخرقة، وعليه العمل اليوم، ولو كان جنبًا أو حائضًا أو نفساء فُعلا اتفاقًا تتميمًا للطهارة].

فأفاد ذلك أن المغسِّل مكلف بمضمضة الحائض واستنشاقها، ولم يوجبوا في حق من ماتت حائضًا غسلًا آخر غير غسل الموت، ولو كان واجبًا لما اكتفوا بالمضمضة والاستنشاق في خصوصهما.

وقال الشيخ محمد عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 519، ط. دار الفكر): [ولا يغسل شهيد المعترك إن كان غير جنب، بل (وإن أجنب) أي كان شهيد المعترك جنبًا أو حائضًا أو نفساء... لانقطاع التكليف بالموت...؛ لأن غسل الجنب عبادة متوجهة على الأحياء عند القيام للصلاة، وقد ارتفعت عن الميت] اهـ. ومثل الجنب في ذلك الحائض.

وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 46، ط. دار الكتب العلمية): [(ويغسل الجنب والحائض) والنفساء (والميت بلا كراهة)؛ لأنهما طاهران كغيرهما، (وإذا ماتا غسلا غسلًا واحدًا فقط)؛ لأن الغسل الذي كان عليهما انقطع بالموت، كما تقدم في الشهيد الجنب].

وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (2/ 101-102، ط. دار الكتب العلمية): [(والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل يسقط غسلهما بغسل الموت)؛ لتداخل الموجبات، كما تقدم فيما إذا اجتمعت أحداث توجب وضوءًا أو غسلًا، ونوى أحدهما ارتفع سائرها].

وقد حَكى الإمام ابن المنذر، والإمام ابن القطان هذا القول عن عامة أهل العلم جميعًا، واختاروه.

 

هل يجوز للمرأة ترديد الأذكار والتسبيح في فترة الحيض؟.. أزهري يوضح كيفية الغسل من الجنابة للرجال والنساء.. خطواته وشروط صحته

قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 340، ط. دار طيبة): [واختلفوا في الجنب والحائض يموتان كم يغسلان؟... وروينا عن عطاء أنه قال: «يصنع بهما ما يصنع بغيرهما»؛ قال أبو بكر: وهذا قول عوام أهل العلم، وبه نقول؛ وذلك أنا لا نعلم فيما سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم من غسل الموتى تفريقًا بين من مات منهم جنبًا، أو غير جنب، أو حائضًا، وقد يجنب الرجل في غير وقت الصلاة، وإنما يجب عليه الاغتسال إذا دخل وقت الصلاة، فيؤدي فرض الصلاة، وإذا سقط بوفاته عنه فرض الصلاة أشبه أن يسقط عنه فرض الطهارة التي تؤدى بها الصلاة].

وقال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 183، ط. الفاروق الحديثة): [الجنب والحائض إذا ماتا يصنع بهما ما يصنع بغيرهما، وهذا قول كل من أحفظ عنه من أهل العلم].

وما ذكرناه متفق مع ما قرَّر الفقهاء من أن الغسل لا يتعدد بتعدد موجبه؛ فلو اجتمعت على المرأة أحداث توجب الغسل؛ كالحيض مع الجنابة، أو الوطء مرات عديدة، أو التقاء الختانين مع الإنزال -ومثله اجتماع حدث الموت مع حدث الحيض-؛ فإنه يجزئها غسل واحد تنوي به رفع الأحداث جميعها؛ لأن الموجب واحد فتداخلا.

قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 169، بحاشية ابن عابدين- ط. دار الفكر): [يكفي غسلٌ واحدٌ لعيدٍ وجمعةٍ اجتمعا مع جنابةٍ، كما لِفَرْضَيْ جنابةٍ وحيضٍ].

وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 130، ط. دار الفكر): [الأحداث إذا كان موجبها واحدًا واجتمعت تداخل حكمها وناب موجب أحدها عن الآخر].

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 34، ط. دار المنهاج): [وإن مات الجنب أو الحائض... غُسِّلَا غسلًا واحدًا...؛ لأن موجبهما واحد، وهو الحدث، فتداخلا؛ كغسل الجنابة والحيض في حال الحياة].

وقال الإمام شمس الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (6/ 70-71، ط. دار هجر): [والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل...؛ لأنهما خرجا من أحكام التكليف، ولم يبق عليهما عبادة واجبة، وإنما الغسل للميت تعبد، وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة، وهذا يحصل بغسلة واحدة، ولأن الغسل الواحد يجزئ من وجد في حقه شيئان، كالحيض والجنابة، كذا هذا].

وذهب الإمام الحسن البصري إلى أن المرأة الحائض إذا ماتت، فإنها تغسَّل غسلين، أحدهما: غسل الحيض، والآخر: غسل الموت، ولا يُكتَفى بتغسيلها غسل واحد.

قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 340، ط. دار طيبة) [واختلفوا في الجنب والحائض يموتان كم يغسلان؟ فكان الحسن يقول: "يغسل الجنب غسل الجنابة، والحائض غسل الحيض، ثم يغسلان غسل الميت"] اهـ.

فقد ورد في الأثر عن أشعث، عن الحسن، قال: "إِذَا مَاتَ الْجُنُبُ، قَالَ: يُغَسَّلُ غُسْلًا لِجَنَابَتِهِ، وَيُغَسَّلُ غُسْلَ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُغَسَّلَ" أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في "مصنفه".

إلَّا أن هذا القول ليس على إطلاقه، بل مقيد بكونها طهرت من الحيض حال حياتها، ثم ماتت قبل أن تغتسل؛ بمعنى: أنها قد وجب عليها الغسل أثناء حياتها، فلم تفعله حتى ماتت، أما إذا ماتت حال كونها حائضًا، فإنه مع جمهور الفقهاء في أنها كغيرها من أموات المسلمين لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، ولا يجب أن تغسَّل غسل الحيض.

المختار للفتوى في هذا المسألة


المختار للفتوى هو قول جمهور الفقهاء من أن المرأة الحائض إذا ماتت حال حيضها أو بعد طهرها من الحيض ولم تغتسل فإنها كغيرها من أموات المسلمين، لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، أمَّا الغسل من الحيض فلا يلزم؛ لأنَّها بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة، ولعدم ورود ما يدل على التفرقة في الغسل بين من مات حائضًا وغيره، فلما لم يدل دليل على وجوب التفرقة بقي حكمهما واحد، وهو وجوب غسل واحد.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحيض غسل ا واحد ا وقال الإمام الإمام ابن فرض الصلاة قال الإمام وقال الشیخ غسل الحیض ر الفقهاء دار الفکر غسل المیت من الحیض غسل واحد فی الغسل ا الغسل لا یلزم ولم یبق ا غسل ا من مات

إقرأ أيضاً:

هيئة وسيط الجمهورية تباشر  عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها

أعلن وسيط الجمهورية، مجيد عمور، يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة، أن هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025. عملية استطلاع آراء المواطنين. على مستوى مندوبياتها المحلية، من أجل تقييم خدماتها وتحسينها المستمر.

ولدى إشرافه على افتتاح ورشة عمل حول “جودة الخدمة العمومية-المؤشرات و الإطار العملياتي”،قال عمور أن “هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 وعلى مستوى كل المندوبيات المحلية. في استطلاع رأي كل مواطن يتقدم إليها قصد تقييم خدماتنا وكيفية التكفل بانشغالات المواطن”.

وأضاف أن هذه الحملة ستنظم تحت شعار: “شارك برأيك فتقييمك يهمنا.. معا من أجل تحسين خدماتنا”، وذلك “بواسطة لوحات إلكترونية على مستوى مكاتب الاستقبال”. مشيرا أنه يمكن أيضا للمواطن الإدلاء برأيه من خلال الموقع الإلكتروني لهيئة وسيط الجمهورية. “

وبذات المناسبة ,اعتبر السيد عمور أن “ثقة المواطن بالإدارة ترتبط بالدرجة الأولى بجودة الخدمة التي يتلقاها من المرفق العام ومدى حرص هذا الأخير على ضمان توافق الخدمة المقدمة مع تطلعات المواطن من جهة, وتطابقها مع الخطاب السياسي للسلطات العليا الذي يؤكد دوما على جعل المواطن محور اهتمام السياسات العمومية”.

وفي ذات السياق، أضاف وسيط الجمهورية بالقول أن “رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ألزمنا جميعا بأن نجعل المواطن أينما كان، يلمس التغيير الحقيقي ويتألف مع الإدارة والمرفق العام في كل ربوع الوطن، بعيدا عن أي توجس من المساس بكرامته”.

مقالات مشابهة

  • قرار دولي هام وعاجل بشأن محاكمة رفعت الاسد
  • كيفية التعامل مع عظام الميت في القبر عند دفن آخر .. دار الإفتاء تجيب
  • مائدة مستديرة لحزب العدل حول النظام الانتخابي.. وتباين آراء الأحزاب
  • تقومين بغسل شعرك يوميًا؟ إليك فوائد واضرار غسل الشعر يوميًا
  • تقرير دولي: 37% من الخبراء لا يرجحون خفض سعر الفائدة من «الفيدرالي الأمريكي» غدا
  • حكم الرد بعد إلقاء السلام على الذاكر والداعي
  • هيئة وسيط الجمهورية تباشر  عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها
  • ماتت جامعة الدول العربية سريرياً والقاتل سم القومجية والتوريث
  • رسالة كاتبة إلى أختها المعارضة التي ماتت قبل أن ترى سقوط بشار
  • رئيس تحرير المال: الصحافة الورقية ماتت