«الدستورية» تفتح الملف الشائك بعد ٤٣ عاماً.. قانون الإيجار القديم قريباً على جدول أعمال النواب
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
على مدى 43 عاماً ظل العمل بقانون الإيجار القديم- رقم 136 لسنة 1981، الذى نظم معايير تحديد قيمة تأجير الأماكن السكنية- ملفا شائكا نظراً لما يتعلق به من أبعاد اجتماعية لعدد كبير من الأسر المصرية.. وطوال تلك السنوات كان الحديث عن ضرورة إدخال تعديلات على القانون نظراً للضرر الكبير الواقع على ملاك العقارات المؤجرة بعد أن أصبحت القيمة الإيجارية التى لا تتعدى الجنيهات لا تتناسب مع قيمة العقار المؤجر سواء كانت هذه العقارات فى الاماكن الراقية أو المتوسطة أو حتى الشعبية.
فى نفس الوقت كانت هناك أبعاد أخرى فى التعامل مع هذا الملف.. فهناك على الجانب الآخر ملايين المستأجرين من كبار السن أو ضيقي الحال، الذين لا يستطيعون استئجار وحدة سكنية بالقيمة الإيجارية الموجودة حالياً والخاضعة فى أغلبها لقانون الإيجارات الجديد بعقد محدد المدة وقيمة إيجارية يفرضها مالك العقار ومن ثم توالت مشروعات القوانين على البرلمان، والتى تناقش العلاقة بين المالك والمستأجر فى قانون الايجار القديم، ومنها ما تمت مناقشته ووضع تصورات بشأنه، غير أن جميعها لم تتم مناقشته فى الجلسات العامة وبعضها ظل حبيس الأدراج.
الآن ومع صدور حكم المحكمة الدستورية أول أمس السبت 9 نوفمبر الجاري والذى قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر جرت المياه فى النهر مرة أخرى.
الحكم حدد موعد تطبيقه فى اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد فى مجلس النواب والذى بدأ فى الاول من أكتوبر الماضي ويستمر لمدة تسعة أشهر، ومن ثم أصبح لزاماً على مجلس النواب مناقشة القانون.
دراسة مستفيضة
مجلس النواب بدوره وفور صدور الحكم، أصدر بياناً بشأن حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم (24) لسنة 20 قضائية دستورية بتاريخ 9 نوفمبر2024.
وأشار البيان إلى أن مكتب مجلس النواب كلف لجنة الإسكان بإعداد دراسة مستفيضة عن ملف قوانين "الإيجار القديم"، بما في ذلك تقييم أثرها التشريعي، وفق محددات معينة أهمها الخلفية التاريخية لهذه التشريعات، وأحكام المحكمة الدستورية المتعلقة بها.
وذكر البيان أن لجنة الإسكان بمجلس النواب أعدت تقريرًا مبدئيًا عن موضوع الإيجار القديم ومن المقرر عرضه على المجلس خلال الجلسات العامة القادمة.
وأشار مجلس النواب إلى أنه سيواصل مناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بروح من التوازن والعدالة، ملتزمًا بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر..
من جانبه أكد د.محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب، أنه سيتم اتباع النظام الأمثل فيما يخص قانون الإيجار القديم، وأن حكم المحكمة الدستورية سهل الطريق لتطبيقه ووضع محددات لافتاً أن حكم المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية تثبيت قيمة الإيجار القديم تخص القطاع السكني فقط ولا يختص بالقطاعات الأخرى.
وأوضح فى تصريحات تليفزيونية أن هناك بابا أوسع لإقرار تشريع متوازن يحقق مصالح الجميع، مؤكداً أن مجلس النواب ينظر لمحدودي الدخل من السكان، وهذا الموضوع موجود على أجندة دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب للنظر فيه مشيراً إلى أن هذا القانون سيكون مادتين فقط ليس أكثر من ذلك.
من جانبها قالت الدكتورة هناء سرور عضو لجنة الصحة بالبرلمان أن حكم المحكمة الدستورية العليا والمتضمن: "عدم دستورية الفقرة الأولى في كل من المادتين رقمي (١) و (٢) من القانون رقم (١٣٦) لسنة ١٩٨١، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر خطوة مهمة تحقق التوازن في العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بما يضمن عدالة توزيع الأعباء والمنافع بين الطرفين ويدفع نحو زيادة الإيجار بشكل متناسب مع الوضع الحالي.
وأشادت النائبة ببيان مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالي رئيس المجلس في هذا الشأن والذى أشار إلى أن المجلس هو الحارس الأمين لحقوق الشعب وأنه سيواصل مناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المُشار إليه، بروح من التوازن والعدالة، ملتزمًا بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر، فالأمر لا يتعلق فقط بضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، بل بخلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعي وتدعم النسيج المجتمعي.
وأشارت سرور إلى أن المحكمة الدستورية أكدت أهمية وضع ضوابط موضوعية ومرنة لتحديد الأجرة السنوية، بحيث تراعي الأوضاع الاقتصادية المتغيرة وتحقق توازناً عادلاً بين حقوق الطرفين ويعني هذا أن التشريعات الجديدة يجب أن تتضمن آليات تتيح تعديل الأجرة بناء على مؤشرات اقتصادية واضحة، مثل معدلات التضخم ومستويات الدخل من أجل ضمان عدم استغلال المستأجرين من جهة، والحفاظ على عوائد مناسبة للملاك من جهة أخرى.
على جانب آخر تقدم النائب محمود قاسم عضو مجلس النواب، ببيان عاجل إلى المستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزراء العدل والإسكان والتنمية المحلية، بسرعة تشكيل لجنة وزارية لإجراء دراسة عاجلة حول هذا الحكم والإسراع في اتخاذ جميع الإجراءات للتدخل التشريعى تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا.
وطالب قاسم في بيانه الحكومة بأن تتدارس بعناية فائقة نصوص الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا حتى يتم التدخل التشريعى بصورة متوازنة وحتى لا يتم التعرض مرة ثانية بعدم دستورية التعديل التشريعى مشيداً بحرص المحكمة الدستورية العليا في أحكامها على النص صراحة بضرورة تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية مما يوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن، فلا يمكّن للمؤجر فرض قيمة إيجارية استغلالًا لحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه ولا يهدر عائد استثمار الأموال- قيمة الأرض والمباني- بثبات أجرتها بخسًا لذلك العائد فيحيله عدما.
كانت المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة يوم "السبت "أول أمس برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر- رئيس المحكمة، قد أصدرت عددًا من الأحكام في الدعاوى الدستورية المنظورة أمامها، جاء من بينها أن ثبات أجرة الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى الخاضعة للقانون رقم 136 سنة 1981، يخالف أحكام الدستور، ووجوب تدخل المشرع لإحداث التوازن فى العلاقة الإيجارية.
وقضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنته من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
وتضمن الحكم أن المحكمة عملت الرخصة المخولة لها بمقتضى المادة (49) من قانونها وحددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها، وذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السُكنى الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
وشيّدت المحكمة قضاءها على سند من أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية تنطوي على خصيصتين: أولاهما الامتداد القانوني لعقود إيجارها، والأخرى التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلاهما ليس عصيًا على التنظيم التشريعي، فإذا كان الامتداد القانوني قد حدد نطاقًا بفئات المستفيدين من حكمه، دون سواهم، فإن تحديد الأجرة يتعين دومًا أن يستند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، مما يوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن..
وأضافت المحكمة أن النصين المطعون عليهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7٪ من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، وهو ما مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية.
تاريخ قانون الإيجار القديم
نظم القانون رقم 49 لسنة 1977 إجراءات ومدة وبنود عقود تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما ينظم القانون رقم 136 لسنة 1981 معايير تحديد قيمة أجرة تأجير الأماكن وزيادتها السنوية، لكن فى 14 نوفمبر 2002 تصدت المحكمة الدستورية لذلك وقضت الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذي يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق في شغل العين بانتهاء إقامة آخرهم بها سواء بالوفاة أو الترك، وفى عام 2011 فسرت المحكمة الدستورية الحكم بأن تكون لمرة واحدة.
وأثر هذا الحكم هو عدم جواز امتداد العقد إلى أقارب المستأجر المقيمين معه بحبث يكون مقتصرا على جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلى وهم "الأبناء والزوجات والوالدان"، ويبدأ العقد معهم وينتهى بوافاتهم، بشرط الإقامة الهادئة المستقرة لمدة سنة على الأقل قبل وفاة المستأجر الأصلي.
ووفقا لمنطوق الحكم فإن موعد تنفيذ الحكم سيكون في اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب وهو ما يعنى ضرورة قيام البرلمان من الآن وحتى فض دور الانعقاد بصياغة مشروع قانون بتعديل الفقرتين الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الخاص بقيمة الزيادة السنوية للإيجار بالنسبة للوحدات السكنية المؤجرة بهذا القانون.
علما بأن دور الانعقاد العادى بدأ في شهر أكتوبر 2024 الجاري ويستمر لمدة تسعة أشهر وعقب انتهائه يبدأ تنفيذ الحكم أي يرجح في يونيو أو يوليو ٢٠٢٥.
يُذكر أنه تم تعديل قانون الإيجار القديم في عام 2022 للأشخاص الاعتبارية، بحيث تتم زيادة قيمة الإيجار بنسبة 15% سنويًا لمدة خمس سنوات، ثم تنتقل الوحدة إلى المالك بعد ذلك، وطالب العديد من الخبراء والمسئولين بتعديل قانون الإيجار القديم، بحيث يتم تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مجلس النواب المحكمة الدستورية لجنة الإسكان قانون الإيجار القديم حکم المحکمة الدستوریة العلیا قانون الإیجار القدیم عدم دستوریة الفقرة الأجرة السنویة قیمة الإیجار بعدم دستوریة دور الانعقاد هذا القانون من المادتین مجلس النواب تاریخ ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
قانون العفو العام من زاوية أخرى
آخر تحديث: 6 فبراير 2025 - 9:58 ص بقلم: علي الكاش قال ابن أم الصاحب:
فَإنْ تَمْنَعُوا مَا بِأيْدِيكُمُ … فَلَنْ تَمْنَعونِي إذَا أنْ أقُولاَ
(الوحشيات/219).
ابتهج زعماء اهل السنة بصدور قانون العفو العام سيء الصيت الذي تم تمريره مع قانون الأحوال الشخصية وإعادة العقارات في المناطق المتنازع عليها، واخذوا يجولون ويصولون في المحافظات ذات الأكثرية من اهل السنة من أجل الدعاية الانتخابية، دون ان يبينوا الحقيقة المرة لِما تم التصويت عليه، وان النواب الشيعة التفوا على ما ورد في منهاج حكومة محمد شياع السوداني بشأن العفو العام، ومرروا أهدافهم المشبوهة في اطلاق سراح اللصوص والفاسدين وتجار المخدرات وغالبيتهم من الشيعة. لقد فشل نواب السنة في تحقيق العفو العام وما حققوه مجرد تلبية لرغبات النواب الشيعة رغم انوفهم، على قول إبْرَاهِيْمُ بن سيّابة:
تَجَلَّلْتَ بِالسَّبِّ لَمَّا رَأَيْتَ … أَدِيْمكَ صحَّ وَمَنْ سَبَّ سُبُّ
إِذَا لَمْ نَجِدْ فِيْكَ مِنْ مَغْمَزٍ … سَلَكْنَا إِلَيْكَ طَرِيْقَ الكَذِب
(الدر الفريد3/131)
ان ما شُرعه مجلس الدواب لم يكن قانون عفو مطلقا، فما ورد هو عبارة عن إعادة تحقيق لعدد من القضايا التي سُجن اصحبها بوشاية المخبر السري، لعه الله دنيا وآخرة، وهذا يعني:
ـ لا يوجد عفو عام بل إعادة تحقيق، وهذا الاجراء سوف يستغرق ربما سنوات بسبب وجود آلاف القضايا ذات العلاقة.
ـ إعادة التحقيق قد يكون نتيجته إبقاء الحكم على حاله او الغاءه، بمعنى ان الأمر سيتوقف على نزاهة القضاة، ولا أحد يجهل ان القضاء العراقي مسيس وطائفي للنخاع.
ـ الطرف الذي كسب من هذا القانون هو الاطار التنسيقي الذي استطاع ان يشمل اللصوص والفاسدين بالعفو، وغالبيتهم من الشيعة، بمعنى ان الاطار التنسيقي هو الطرف الرابح من صفقة السلة الواحدة.
ـ كان العفو عن الصوص والفاسدين وتجار المخدرات عفوا صريحا ومتكاملا، وسيتم بأجراء سريع لأنه لا يحتاج الى إعادة تحقيق.
ـ افصح احد النواب الشيعة ان باب السجون ستُفتح أمام السجناء الشيعة أما السنة فلا، وتلك هي الحقيقة.
ـ لم يتحدث القانون عن كيفية تعويض الأبرياء ممن قضوا في السجن عدة سنوات، وكيف سيتم احتساب مدة سجنهم لغرض تعويضهم.
ـ لو تم على سبيل الفرض ان السجين ( عبر وشاية المخبر السري ـ كان بريئا مما نسب اليه، اليس من المفروض ان يتضمن القانون حكما على المخبر السري لأن خدع القضاء وجنى على انسان بريء؟
ـ من المعروف ان حوالي 90% من المسجونين بتهمة الإرهاب من اهل السنة، وان 90% من المسجونين بتهمة السرقات وتجارة المخدرات والأعضاء البشرية هم من الشيعة، فكفة الميزان سترجع ربح الأطراف الشيعية من القانون، وخسارة الأطراف السنية.
ـ كانت سلة القوانين مهزلة، لعبها النواب الشيعة بطريقة ذكية وخبيثة في نفس الوقت، في ظل غباء النواب من أهل السنة، وكان بطل السيرك البرلماني هو رئيسه البهلوان محمود المشهداني وهو ولائي من اتباع الولي الفقيه. الحقيقة المرة
قبل التوسع في الموضوع لنستعرض معا ما جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي بتأريخ 11/12/2024، بوجود حالات تعذيب للنساء المعتقلات في السجون الحكومية بالعراق، إضافة الى حالات بيع أعضاء بشرية. حتى يمكن تقديم صورة واضحة ومتكاملة عن وضعية السجناء في العراق، والتقرير ليس من مخيلتنا بل من لجنة برلمانية، لذا لا يمكن الطعن في مصداقيته او يحملنا الغير الانحراف عن بوصلة الحقيقة، ونشر الأكاذيب والافتراء على الحكومة وخصوصا عن القضاء ووزير العدل الذي تظن مخيلته المريضة ان السجون العراقية عبارة عن فنادق خمسة نجوم يقدم فيها الخدمات الجيدة وافضل الطعام على ايدي خبراء في فن الطهي في الوقف الشيعي (الوقف الشيعي هو من يتولى هذه المهمة ولا اعرف ما علاقته بطعام السجناء).
جاء في تقرير اللجنة البرلمانية ” اكتشفنا حالات تعذيب ممنهج للنساء في بعض دوائر التحقيق وبعضها تعاني من إصابات بليغة، فيما تعرضت حالات أخرى للوفاة جراء التعذيب، مع وجود طفل عمره 10 أعوام في أحد السجون وقد تم اعتقاله بتهمة الإرهاب، فضلاً عن رصد حالات بيع أعضاء بشرية واستئصال كلى وما شابه داخل السجون، تقوم بها شبكات محترفة بالتعاون مع إدارة السجن. وأن أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون التحقق مما يجري داخل المعتقلات الحكومية المعلنة، بينما يتمتع المخبر السري بحرية واسعة، وتأثير كبير على صدور الأحكام القضائية. أن التعذيب الجسدي والنفسي موجود في معظم السجون، وهو محمي بالتعاون بين المسؤولين في السجون وبعض المساجين، ووصل الحال إلى بيع أجساد بعض المساجين من الفئات العمرية الصغيرة. كما أن الاكتظاظ في السجون وصل إلى أكثر من 300%، مع نوعية طعام سيئة يتم تبديلها إلى نوعية أفضل خلال الزيارات الرسمية فقط، أن سجن التاجي شمالي بغداد مثلا، مبني من مادة (الساندويتش بنل) ويضم (11000) سجين، رغم انه لا يستوعب اكثر من (4000) فقط.
هذا هو حال السجون العراقية، وسوف نهتم بفقرة واحدة منه، ونضع باقي الكوارث جانبا وهي ” أن أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون التحقق مما يجري داخل المعتقلات الحكومية المعلنة، بينما يتمتع المخبر السري بحرية واسعة، وتأثير كبير على صدور الأحكام القضائية”. ومن هذا نستشف التالي:
ـ النواب في البرلمان واللجنة المختصة بمراقبة السجون لا يستطيعوا التحقق مما يجري في داخل السجون، مع انهم اعلى سلطة في البلاد ومن مسؤوليتهم الرقابة على أداء الحكومة.
ـ يتمتع المخبر السري بحرية واسعة وصلاحيات كبيرة، على العكس من نواب البرلمان.
ـ يمارس المخبر السري تأثيرا كبيرا على صدور الاحكام القضائية.
ـ احكام القضاة مرتهن بوشاية المخبر السري، بمعنى ان القضاء غير نزيه في احكامه، والاحكام التي صدرت خصوصا في مجال تهمة الإرهاب مرجعها وشايات، لكن القضاء العراقي تعامل معها كحقائق، بحجة ان التهمة صدرت من المحققين، وهم حصرا من الشيعة.
لنعود الى تصريح وزير العدل السابق (حيدر الزاملي وهو من الشيعة) في مقابلة مع الفضائية السومرية إن ” أكثر من (500) مخبر سري تم إلقاء القبض عليهم مؤخرا وتقديمهم للمحاكمة بعد توجيه تهمة الادعاء الكيدي إلى قضاياهم”، وعندما سئل بشأن وجود سجناء قضوا شهورا في المعتقلات دون أن تتم محاكمتهم؟ أجاب أن ” جزءا من هذا الكلام صحيح، فهؤلاء كانوا موجودين في معتقلات الاحتلال الأميركي، وعند خروج الاحتلال تبين أن مجموعة منهم لا يملكون أوامر قضائية وتم إيداعهم في السجون من دون ملفات”. علما انه سبقت هذه الوجبة من المخبرين السريين وجبة سابقة تضم (498) مخبرا سريا. هذا يعني أن حوالي (1000) مخبر سري كان يبتلوا على الناس بوشايات كاذبة، مع العلم ان هناك مخبرين سريين لم يتم كشفهم بعد. ولو افترضنا جدلا ان كل مخبر سري قد أوشى بعشرين ضحايا ـ على اعتبار انها مهنة يكتسب منها مالا ـ سيكون عدد المتهمين (20000) ضحية! مع العلم ان بعض الضحايا فيهم من أعدم، أو أغتصب هو أو زوجته أو أخته أو ابنته، ومنهم من تعرض الى تعذيب جسدي وعوق، كما ورد في تقرير اللجنة البرلمانية او انتزعت أجزاء من جسمه للتجارة بها، ، ومنهم من قضى سنوات في الاعتقال قبل أن يكتشف القضاء الحكيم النزيه التهم الكيدية؟
هل توجد دولة في العالم تأخذ بوشايات المخبرين السريين دون التدقيق بها، وتكفل لهم الحصانة التامة دون الإعلان عن أسمائهم او حضورهم الى المحكمة؟
وماذا بشأن القضاة الذين لا يعرفوا بأن هناك قاض في السماء يراقب أعمالهم، ويحاسبهم على احكامهم الجائرة وفق وشايات المخبرين السريين؟ قال الشاعر:
إذا جار الأميرُ وكاتباه … وقاضي الأرض داهن في القضاءِ
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ … لقاضي الأرض من قاضي السماءِ!
الا يستحق هؤلاء القضاة أيضا العقوبة لأنهم حكموا بموجب تهم كيدية زائفة ولم يتأكدوا منها؟
هل هذه دولة القانون التي تدعونها أم هذه دولة الفوضى والظلم والكذب والدجل؟ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ” الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّار، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ”.
لا أظن القاضي الثالث موجود في العراق الا اللهٌم ما ندر!
لا افهم سبب الإصرار على عمل قانون المخبر السري؟ لماذا لا يُلغى هذا القانون سيء الصيت؟
ولماذا لا تُلغى حصانة المخبر السري على أقل تقدير، وأن لا يكون شبحا، لا يمثل أمام القاضي ولا يحضر الجلسة، جاسوس مجهول، وظالم مجهول يحمي القانون في دولة القانون.
إن كان عمل المخبر السري وطنيا والغرض أن يكشف الإرهابيين ويقدم معلومات عنهم! فلماذا التستر عليه؟ اليس هذا ما يقوم به رجال الأمن والمخابرات علنا؟ أم لأن الأمر بنكهة طائفية مقززة لذلك يستمر العمل به؟
الخاتمة
أقولها بثقة وجرأة ( الذباب على الكنيف اطهر من مخبر سري سفيه، وقاضي غير نزيه).
وأقول للمخبر السري قول العلاء بن قرظ:
إذا ما الدهر جرَّ على أناسٍ … حوادثه أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا … سيلقى الشامتون كما لقينا