لجريدة عمان:
2025-11-17@11:54:49 GMT

العـرب والغـرب والمعـرفـة المتبادَلـة

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

يعـتـقـد العـرب والمسلمون أنّهم يعرفـون الغرب - ثـقافةً واجتماعاً سياسيّاً ومنظوماتِ قـيمٍ - بما يكـفي لِيَسُوغ لهم الحكـمُ عليه: سلـباً وإيـجابـاً؛ من هذا الموقع ومن ذاك. ويعتـقـد الغربيّون، من جهتهم، أنّهم يعرفون العرب والمسلمين - ديناً وحضارةً ومجتمعات - بما يجوز لهم معه أن يصدروا أحكاماً عليهم «مطابِقة» أو «صحيحة».

وقد تجـد بين هـؤلاء وأولئك مَن يدّعي أنّه يَعـرِف آخَـرَهُ أكـثر ممّا يعـرفُه ذلك الآخَـر، ويَسُوق للاستدلال على ذلك الكثيرَ ممّا في حوزته من القرائن والشّواهـد - مصدوقِها والمكـذوب - التي يقوم بها الدّليلُ على ما يذهب إليه. بل إنّ الغالب على كلّ فريقٍ منهما ادّعاؤُهُ التّـفـوُّقَ على الثّاني في المعرفة به، حتّى بالنّسبة إلى أولئك الذين لا يجهرون بذلك الاعتـقاد من الجانبيْـن.

بعيداً عن لعبةِ المقارنات بين مَـقامات المَعَارف التي لـدى كـلّ مجتـمعٍ وثـقافـةٍ عن آخَـرِهما - والتي ينغمس فيها بعضٌ من هنا ومن هناك - ما من مناصٍ من الاعتراف بأنّ قـدْراً مّا من العِـلْم بعالمَيْ الغـرب والعـرب والإسلام تَحَصَّل لدى كـلّ مجموعةٍ اجتماعيّة وثـقافـيّة عن الأخرى، بمعزلٍ عمّا يمكن أن يخالِط بعضَ ذلك العِلْـم، أو أكـثـرَه، من مزاعـمَ أو، على الأقـلّ، من ميْـلٍ - صريحٍ أو مضمَـر- إلى تضخيم قيمته أو مدى موضوعـيّـتـه. لا يـتبـيّـن مَـنَاطُ ذلك الاعـتراف إلاّ متى أحرزنا نجاحاً في أن نَـمِـيـز بين المصادر التي منها مَأْتى ذلك العِلْم أو تلك المعرفة المتبادَلة بالآخَـر؛ وهذه مهمّة تستدعي من الجَهـد كـثيرَه: إن على صعيد الاستطلاع والسَّـبْـر، أو على صعيد تصنيف أنماط ذلك العِـلْم بالآخَـر ومستوياتـه. على أنّ المدخل الأساس إلى ذلك هـو الإبَـانة - السّريعة - عن وجوه تلك المعرفة المتبادَلة، والشّروط الموضوعيّة التي حصلت فيها، والبيئات التي وقعتْ في نطاقها فصولُ الاتّصال والتّواصل بين العالميْـن اللّذيْـن تبادلا الصُّـوَر والتّمـثُّـلات عن بعضهما؛ ففي ذلك ما يُسعِـف عمليّـةَ التّبيُّـن الواقعيّ والمنطقيّ لحجّـيّـةِ قـوْلِ كلّ فريقٍ بحيازة معرفةٍ بآخَره. وليس شرطاً لاستقامةِ أمْـرِ هذا التبيُّـن أن نعود به إلى زمنٍ سحيـقٍ من العلاقة بين العالَميْن، بل تكفي تجربةُ الصّلات الحديثة والمعاصرة بينهما (منذ قرنين مثلاً) لتكون مختَـبَراً ملائماً لفحص فرضيّة المعرفة المتبادَلة تـلك.

تكـوّنت معرفةٌ بالغـرب من قِـبل العرب والمسلمين منذ ابتـدأ الاحتكاكُ بين العالَميْـن، في نهايات القـرن الثّامن عشر، حتّى اليوم وتطوّرت مع الزّمن متأثّـرةً بحوادثَ كبيرة على طريق العلاقة أو على طريق التّطـوُّر التّاريخيّ العامّ. من البيّن أنّها معرفة صُـقِـلَت في مجرى النّـموّ وانتقـلت من «معرفة» انطباعيّـة مبْناها على ما انطبع في الذّهن من مشاعرَ وانطباعات، في لحظة الاتّصال الأولى، إلى معرفة أدنى إلى التّـكامل من سابقاتها الجزئـيّـة، وأقرب من المحتوى من سابقـتها الدّائرة على سطوح الغرب وقـشوره؟ ولقد ظلّ يسع تلك المعرفة أن تستـفـيدَ من مواردَ وإمكانـيّاتٍ أتاحها تطـوُّر الصّلة بين العالميْـن من أجل إنماء ذاتها وتغـذيتها باستمرار. لعلّ أظهر تلك المُـتاحات من الموارد تلك المتمثّـلة في حيازة المعرفة بألْسُن الغـرب وثـقافـته؛ وفي يُسْـر الاتّصال اليوميّ المباشر من طريق تجربة العيش المشترك في مجتمعات العالميْن، خاصّةً في مجتمعات الغـرب التي استقبلت موجاتٍ متعاقـبةً إليها من المهاجرين العرب والمسلمين. قـد لا تكون هذه المُتاحات فـتحت إمكاناً فعليّاً لتصويب العلاقة بين العرب والغرب لكـنّها، قطعاً، وفّرت فرصاً أجزلَ لتـنمية المعارف المتبادَلة، وصارت في حُكْم البوابّات الأعرض التي وَلج منها الوعيُ العربيّ إلى عالَم الغرب قصد فهْـمه وبناءِ معرفةٍ به، بصرف النّـظر - في سياقـنا الابتـدائيّ هـذا - عـمّا يمكن أن يكون عليه مضمونُ تلك المعرفة ومدى «انطباقها» على موضوعـها.

نظيرُ هذه المعرفة تَكَـوَّن لدى الغـرب عن العـرب منذ نـيّـفٍ وقرنين؛ منذ داهمت عساكرُه ديارَهم وأحكَمَتْ إداراتُه الاستعماريّة قبضتها على شعوبهم. ولقد خضعت هذه المعرفة لِمَا خضعتْ له الأولى من أحكام التّـطوّر فوجدتْ نفـسها، هي الأخرى، تـنـتـقـل من لحظة اكـتـشاف منظومات تلك المجتمعات العربـيّة الموطوءةُ أراضيها، واكتـشافِ اختلافها عن مألوف الغـرب، إلى لحظة العِلْم التّـفصيليّ بتلك المنظومات وقواعدِها المؤسِّسة. وسواء تعلّق الأمر في هذه الأخيرة بمعرفة المؤسّسة الكولونيالـيّـة وأجهزتها عـالَم الاجتماع العربيّ، الواقع تحت سيطرتها العسكريّـة والسّياسيّة، ومنظومات اعتـقاداته وعوائـده، أو تعلَّق بمعرفة النّخب الفـكريّة الغربـيّة - والمستشرقون في جملتها- ذلك العالَم وتراثَه الثّـقافيّ والدّينيّ وتاريخَه السّـياسيّ، فهي اتّسعـتْ نطاقـاً - في الحاليْـن - وتعـمّـقـت أكـثـر من ذي قـبـل نظراً إلى ما أتاحه الاتّصـالُ المباشر بعالم العرب والمسلميـن من إمكانـيّـات شتّى للوقـوف على كـثـيـرٍ ممّا كان محجوباً عن مجتمعات الغـرب ونُخبـه من ظواهـرَ ومعطيـات، في ما مضى، أو الوقوف على ما كـان العِلْـمُ به لا يُجـاوِز، في السّابـق، نطاق تمـثُّـلاتٍ شاحبةِ الملامـح.

من البيّـن، إذن، أنّ معـرفةً مّـا متبادَلـة بين العـرب والغـرب تكـوّنت خلال المائـتيْ عام المنصرمة لا تُوزَن بمكايـيل معارف الماضي ولا هي تُـقَـاسُ بتلك المعارف، لأنّها فاقـت في الحجم والمحتوى سابقاتها التي تكـوّنت لمئات السّـنين، بين العالميْـن، في الحقـبة التي سبقت بداية القرن التّـاسع عشر. بهذا المعنى، لا يصدُر الغربيّـون ولا العـرب عن ادّعاءٍ حين يزعُـمون لأنـفـسهم حيازةَ مثـل تلك المعرفة عن آخَـر كـلٍّ منهما. غـير أنّ السّؤال الأجدر بالمـقاربـة، في المعرض هـذا، ليس السّؤال الذي يستـقصي في شأن وجود هـذه المعرفة أو عـدم وجودها، بـل الذي ينصـرف إلى البحث في نـوع تلك المعرفة التي لدى فريـقٍ عن آخـر والميدان الذي تدور عليه وفيه. هكذا لا نستطيع أن نجيب، على نحـوٍ مقـنع، عن سـؤالٍ من قـبيل: هل نعرف بعضَـنا بعضَـا؟ إلاّ مـن طريق البحث في سؤالٍ أدقّ عن تلك المعرفـة: ماذا نعـرف عن بعـضنا بالتحـديـد؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک المعرفة ذلک الع

إقرأ أيضاً:

"ملتقى توأمة الجامعات العربية" يدعو لتحويل المعرفة إلى مشاريع قيِّمة

 

صحار- الرؤية

اختتمت بجامعة صحار أعمال الملتقى الثالث للألكسو لتوأمة الجامعات العربية، بتنظيم من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، واللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، والذي أقيم تحت شعار «الجامعة المُنتجة» بمشاركة أكثر من 36 خبيرًا وأكاديميًا من 16 دولة عربية ودولية.

ةاتفق المشاركون على أهمية مواصلة العمل المشترك لتطوير نموذج عربي للجامعات المُنتجة يسهم في دعم الابتكار وتحويل المعرفة إلى مشاريع ذات قيمة مضافة تعزّز التنمية المستدامة في الدول العربية.

وشهد الملتقى، الذي انعقد على مدى يومين تقديم مجموعة من الجلسات الحوارية التي تناولت أبرز الاتجاهات الحديثة في بناء نموذج عربي للجامعات المنتجة، واستثمار مخرجات البحث العلمي بما يحقق مفهوم الجامعة المُنتجة، والجامعة المُنتجة: نماذج عربية وعالمية، والشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي والمؤسسات العالمية، وتعظيم الاستفادة من الشراكات والتعاون البحثي كنهج استراتيجي للتأثير الشامل، إضافة إلى جلسة التوصيات العملية لبناء نموذج عربي للجامعات المنتجة.

وعلى هامش الملتقى التقت معالي الأستاذة الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بعدد من ممثلي مؤسسات التعليم العالي العربية، بهدف تعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار والذكاء الاصطناعي، ومنهم: الكلية الجامعية الذكية في فلسطين، والجامعة اللبنانية الفرنسية، ومؤسسة عبد الحميد شومان، وجامعة العقبة للعلوم الطبية، والجامعة الأردنية. وجرى خلال اللقاءات بحث سبل تطوير التبادل الطلابي وبرامج التدريب والتمكين في مجالات تقييم البرامج الأكاديمية.

وأشاد المشاركون بأهمية الملتقى كمنصة فكرية لتعزيز التكامل بين التعليم والبحث العلمي والصناعة، ودوره في دعم توجهات رؤية "عُمان 2040" نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وأوضح الدكتور عبدالله بن محمد الشكيلي المدير التنفيذي لمركز ريادة الأعمال بجامعة نزوى أن مشاركة الجامعة جاءت تأكيدًا لدورها الريادي في تبني مفهوم الجامعة المُنتجة، مشيرًا إلى أهمية تبادل التجارب العربية والدولية التي عرضها الملتقى، وما تحمله من فرص لتطوير مناهج علمية وخطط استراتيجية تعزز من تحول الجامعات العُمانية إلى جامعات مُنتجة قادرة على تسويق ونقل المعرفة وتقديم بحوث تُسهم في التنمية.

وأكد خالد بن خلفان الروشدي نائب مدير دائرة التواصل والتسويق بجامعة صُحار أن استضافة الجامعة لهذا الحدث يأتي انسجامًا مع خطتها الاستراتيجية الرامية إلى تعزيز حضورها الإقليمي والدولي، مبرزًا ما شهده الملتقى من مشاركة ثرية ومتنوعـة من مختلف الدول، إلى جانب حضور واسع من طلبة الجامعة الذين وجدوا في هذا الحدث فرصة للاطلاع على مستجدات التعليم العالي وتبادل الخبرات مع مؤسسات أكاديمية من المنطقة والعالم.

مقالات مشابهة

  • مكتبة أجيال المستقبل تحتفل بعيد الاتحاد الـ 54
  • المعرفة في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
  • طريقة معرفة لجنتك الانتخابية في انتخابات مجلس النواب 2025 المرحلة الثانية
  • جمال بن حويرب: التسامح ممارسة يومية
  • «كهرباء دبي» تشارك في «قمة المعرفة»
  • "ملتقى توأمة الجامعات العربية" يدعو لتحويل المعرفة إلى مشاريع قيِّمة
  • جلسات تناقش الترجمة وأدب الرحلات والحضارات القديمة في «الشارقة للكتاب»
  • انتخابات مجلس النواب 2025.. رابط وخطوات معرفة لجنتك الانتخابية في الإعادة
  • ورشة عمل بجامعة عين شمس بالتعاون مع بنك المعرفة المصري .. الأحد
  • «مكتبات الشارقة العامة» تحتفي بمئة عام من نشر المعرفة