لجريدة عمان:
2025-06-30@21:50:05 GMT

العـرب والغـرب والمعـرفـة المتبادَلـة

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

يعـتـقـد العـرب والمسلمون أنّهم يعرفـون الغرب - ثـقافةً واجتماعاً سياسيّاً ومنظوماتِ قـيمٍ - بما يكـفي لِيَسُوغ لهم الحكـمُ عليه: سلـباً وإيـجابـاً؛ من هذا الموقع ومن ذاك. ويعتـقـد الغربيّون، من جهتهم، أنّهم يعرفون العرب والمسلمين - ديناً وحضارةً ومجتمعات - بما يجوز لهم معه أن يصدروا أحكاماً عليهم «مطابِقة» أو «صحيحة».

وقد تجـد بين هـؤلاء وأولئك مَن يدّعي أنّه يَعـرِف آخَـرَهُ أكـثر ممّا يعـرفُه ذلك الآخَـر، ويَسُوق للاستدلال على ذلك الكثيرَ ممّا في حوزته من القرائن والشّواهـد - مصدوقِها والمكـذوب - التي يقوم بها الدّليلُ على ما يذهب إليه. بل إنّ الغالب على كلّ فريقٍ منهما ادّعاؤُهُ التّـفـوُّقَ على الثّاني في المعرفة به، حتّى بالنّسبة إلى أولئك الذين لا يجهرون بذلك الاعتـقاد من الجانبيْـن.

بعيداً عن لعبةِ المقارنات بين مَـقامات المَعَارف التي لـدى كـلّ مجتـمعٍ وثـقافـةٍ عن آخَـرِهما - والتي ينغمس فيها بعضٌ من هنا ومن هناك - ما من مناصٍ من الاعتراف بأنّ قـدْراً مّا من العِـلْم بعالمَيْ الغـرب والعـرب والإسلام تَحَصَّل لدى كـلّ مجموعةٍ اجتماعيّة وثـقافـيّة عن الأخرى، بمعزلٍ عمّا يمكن أن يخالِط بعضَ ذلك العِلْـم، أو أكـثـرَه، من مزاعـمَ أو، على الأقـلّ، من ميْـلٍ - صريحٍ أو مضمَـر- إلى تضخيم قيمته أو مدى موضوعـيّـتـه. لا يـتبـيّـن مَـنَاطُ ذلك الاعـتراف إلاّ متى أحرزنا نجاحاً في أن نَـمِـيـز بين المصادر التي منها مَأْتى ذلك العِلْم أو تلك المعرفة المتبادَلة بالآخَـر؛ وهذه مهمّة تستدعي من الجَهـد كـثيرَه: إن على صعيد الاستطلاع والسَّـبْـر، أو على صعيد تصنيف أنماط ذلك العِـلْم بالآخَـر ومستوياتـه. على أنّ المدخل الأساس إلى ذلك هـو الإبَـانة - السّريعة - عن وجوه تلك المعرفة المتبادَلة، والشّروط الموضوعيّة التي حصلت فيها، والبيئات التي وقعتْ في نطاقها فصولُ الاتّصال والتّواصل بين العالميْـن اللّذيْـن تبادلا الصُّـوَر والتّمـثُّـلات عن بعضهما؛ ففي ذلك ما يُسعِـف عمليّـةَ التّبيُّـن الواقعيّ والمنطقيّ لحجّـيّـةِ قـوْلِ كلّ فريقٍ بحيازة معرفةٍ بآخَره. وليس شرطاً لاستقامةِ أمْـرِ هذا التبيُّـن أن نعود به إلى زمنٍ سحيـقٍ من العلاقة بين العالَميْن، بل تكفي تجربةُ الصّلات الحديثة والمعاصرة بينهما (منذ قرنين مثلاً) لتكون مختَـبَراً ملائماً لفحص فرضيّة المعرفة المتبادَلة تـلك.

تكـوّنت معرفةٌ بالغـرب من قِـبل العرب والمسلمين منذ ابتـدأ الاحتكاكُ بين العالَميْـن، في نهايات القـرن الثّامن عشر، حتّى اليوم وتطوّرت مع الزّمن متأثّـرةً بحوادثَ كبيرة على طريق العلاقة أو على طريق التّطـوُّر التّاريخيّ العامّ. من البيّن أنّها معرفة صُـقِـلَت في مجرى النّـموّ وانتقـلت من «معرفة» انطباعيّـة مبْناها على ما انطبع في الذّهن من مشاعرَ وانطباعات، في لحظة الاتّصال الأولى، إلى معرفة أدنى إلى التّـكامل من سابقاتها الجزئـيّـة، وأقرب من المحتوى من سابقـتها الدّائرة على سطوح الغرب وقـشوره؟ ولقد ظلّ يسع تلك المعرفة أن تستـفـيدَ من مواردَ وإمكانـيّاتٍ أتاحها تطـوُّر الصّلة بين العالميْـن من أجل إنماء ذاتها وتغـذيتها باستمرار. لعلّ أظهر تلك المُـتاحات من الموارد تلك المتمثّـلة في حيازة المعرفة بألْسُن الغـرب وثـقافـته؛ وفي يُسْـر الاتّصال اليوميّ المباشر من طريق تجربة العيش المشترك في مجتمعات العالميْن، خاصّةً في مجتمعات الغـرب التي استقبلت موجاتٍ متعاقـبةً إليها من المهاجرين العرب والمسلمين. قـد لا تكون هذه المُتاحات فـتحت إمكاناً فعليّاً لتصويب العلاقة بين العرب والغرب لكـنّها، قطعاً، وفّرت فرصاً أجزلَ لتـنمية المعارف المتبادَلة، وصارت في حُكْم البوابّات الأعرض التي وَلج منها الوعيُ العربيّ إلى عالَم الغرب قصد فهْـمه وبناءِ معرفةٍ به، بصرف النّـظر - في سياقـنا الابتـدائيّ هـذا - عـمّا يمكن أن يكون عليه مضمونُ تلك المعرفة ومدى «انطباقها» على موضوعـها.

نظيرُ هذه المعرفة تَكَـوَّن لدى الغـرب عن العـرب منذ نـيّـفٍ وقرنين؛ منذ داهمت عساكرُه ديارَهم وأحكَمَتْ إداراتُه الاستعماريّة قبضتها على شعوبهم. ولقد خضعت هذه المعرفة لِمَا خضعتْ له الأولى من أحكام التّـطوّر فوجدتْ نفـسها، هي الأخرى، تـنـتـقـل من لحظة اكـتـشاف منظومات تلك المجتمعات العربـيّة الموطوءةُ أراضيها، واكتـشافِ اختلافها عن مألوف الغـرب، إلى لحظة العِلْم التّـفصيليّ بتلك المنظومات وقواعدِها المؤسِّسة. وسواء تعلّق الأمر في هذه الأخيرة بمعرفة المؤسّسة الكولونيالـيّـة وأجهزتها عـالَم الاجتماع العربيّ، الواقع تحت سيطرتها العسكريّـة والسّياسيّة، ومنظومات اعتـقاداته وعوائـده، أو تعلَّق بمعرفة النّخب الفـكريّة الغربـيّة - والمستشرقون في جملتها- ذلك العالَم وتراثَه الثّـقافيّ والدّينيّ وتاريخَه السّـياسيّ، فهي اتّسعـتْ نطاقـاً - في الحاليْـن - وتعـمّـقـت أكـثـر من ذي قـبـل نظراً إلى ما أتاحه الاتّصـالُ المباشر بعالم العرب والمسلميـن من إمكانـيّـات شتّى للوقـوف على كـثـيـرٍ ممّا كان محجوباً عن مجتمعات الغـرب ونُخبـه من ظواهـرَ ومعطيـات، في ما مضى، أو الوقوف على ما كـان العِلْـمُ به لا يُجـاوِز، في السّابـق، نطاق تمـثُّـلاتٍ شاحبةِ الملامـح.

من البيّـن، إذن، أنّ معـرفةً مّـا متبادَلـة بين العـرب والغـرب تكـوّنت خلال المائـتيْ عام المنصرمة لا تُوزَن بمكايـيل معارف الماضي ولا هي تُـقَـاسُ بتلك المعارف، لأنّها فاقـت في الحجم والمحتوى سابقاتها التي تكـوّنت لمئات السّـنين، بين العالميْـن، في الحقـبة التي سبقت بداية القرن التّـاسع عشر. بهذا المعنى، لا يصدُر الغربيّـون ولا العـرب عن ادّعاءٍ حين يزعُـمون لأنـفـسهم حيازةَ مثـل تلك المعرفة عن آخَـر كـلٍّ منهما. غـير أنّ السّؤال الأجدر بالمـقاربـة، في المعرض هـذا، ليس السّؤال الذي يستـقصي في شأن وجود هـذه المعرفة أو عـدم وجودها، بـل الذي ينصـرف إلى البحث في نـوع تلك المعرفة التي لدى فريـقٍ عن آخـر والميدان الذي تدور عليه وفيه. هكذا لا نستطيع أن نجيب، على نحـوٍ مقـنع، عن سـؤالٍ من قـبيل: هل نعرف بعضَـنا بعضَـا؟ إلاّ مـن طريق البحث في سؤالٍ أدقّ عن تلك المعرفـة: ماذا نعـرف عن بعـضنا بالتحـديـد؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک المعرفة ذلک الع

إقرأ أيضاً:

عمتي “أم غالب الغرير” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي

عمتي ” #أم_غالب_الغرير ” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي

من قلم د. ماجد توهان الزبيدي

إبنة عمي وعمتي معاً السيدة الفاضلة “وضحى الغرير الصقور”(أُم غالب) ماتزال تعيش ببيت من الشعر في الهواء الطلق، وتمتلك :”شلّية”من المواشي،تنفق من خلالها على أسرتها ..سيدة مستقلة إدارية تؤمن بالعمل والرضا والقناعة …هي مدرسة في الإستقلال وعدم التبعية، ليت الكثير من حكومات العرب تقتفي اثرها وتؤمن بنهجها الإداري الإقتصادي للكف عن التبعية المُذلة للغير الأجنبي..سيّدة فاضلة قدوة  لأبنائها ، وهي مثلي،أو أنا مثلها، لا نؤمن ب”البطاقة الذهبية” أو “الذكية” لشراء إحتياجاتنا من “المولات”،مما جعل كلانا غير مدين لأحد بفلس واحد،حتى الآن، والحمد لله،مما جعل من رؤوسنا وهاماتنا مرفوعة تكاد ان تُلامس السحاب! المجد لكل سيدة وسيّد يؤمن أن الكرامة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالتدبير والعفة والقناعة كمقدمات إجبارية لإستقلال الأفراد والحكومات معاً ،وكشروط لمواصلة الصهيل والنشيد على طول المدى ! المجد ل”وضحى” ولأمهاتنا العظيمات من أمثالها ممن عرفن بالفِطرة  أن “نصف البطن يٌغني عن ملئه” و”القناعة كنز لا يفنى” و”ماجاع من دبّرَ،ولا عَريَ من خيّطَ” !المجد لأمهاتنا الفاضلات ممن كن يجعن كي يُطعمن أولادهن بعد أن يَربطنَ حجرا على  بطونهِن لتخفيف آلام الجوع في “مِعدِهن”! المجد لكل حُرّة عربية “جاعت ولم تأكل بثدييها”!

بكل صدق مباشر ودقيق:أرى في “أم غالب” صورة طبق الأصل ،ل/ من،”ام ماجد ” والدتي الفاضلة المرحومة، التي عاشت وعشنا معها في بيت الشعر والخيمة والبراكيّة عقوداً، من الزمن ولم نجع، او، نظمأ على الرغم من ندرة الطعام  وبُعد ينابيع الماء!وكانت رحمها الله ،كلمّا ضاقت علينا، ونادرا ماكانت تُفرج علينا، تزرع في أرواحنا الأمل بالغد، والصبر على الحاضر، بعد أن تكون ووالدنا قد ضربا لنا المثل والقدوة في الصبر والقناعة والرضا بالقليل المُتاح،مع إستقامة في النهج الحياتي والتمسك بالثوابت والتطلع للغد القادم مبتسماً دونما شك او خوف !وهو ماكان!وماهو كائن الآن!

مقالات ذات صلة الإيهام بالغرق: سياسة ترامب لتحقيق المكاسب / فضل داوود 2025/06/27

“أم غالب” و”ام ماجد” ومن سار على دربهما من قبائل العرب من “نواق الشط”ل”صلالة” ومن  أم القوين” ل”رفح” الموّحدة،تثبتان لكل حكومات العرب والعجم معاً ،ماضياً ً ومستقبلاً،وإلى أن تقوم الساعة،أن الطعام والشراب واللباس وسيلة لغاية ،وأن السعادة والرقي والنجاح وما شابهها من صفات مُثلى، إنما تتحقق في الوصول للغايات ،وأن الأمور ليست ببداياتها أبداً، في كل مجالات الحياة ،وإنما هي بنهاياتها!فالفرح الحقيقي والسعادة الحقيقية تكمنان في  الوصول للمربع النهائي الأخير! فأنت تجد العديد من أبناء القصور والفلل والعيش الرغيد يتوسلون الله ،كي يأتون بجملة، او ،فقرة تامة المعنى ،ولا يأتون!أو، جرأة في قول حقيقة،  أمام الملأ،وعلى العلن،بينما أنت ترى من جاع وعري ،ومايزال يعيش الكفاف ،يصدح على طول المدى وإتساع المنابر والشاشات والصحائف،بقول الحق والجراة التي سقفها السماء في قول مايؤمن به ،أنه لصالح الوطن والأمة،إلى درجة أن أولئك القوم من أهل الثراء،يرتعشون من سماع هؤلاء الفقراءبصهلون،  بنطق الآراء الجريئة وضح النهار،إذ ،أن ،هؤلاء وليس أولئك القوم يُطبّقون، بل ويصدقُ عليهم قول ،فحل البلاغة العربية وأمير بيانها ،”علي بن ابي طالب” ـ كرّم الله وجهَهُ :”رضينا قسمة الجبّار فينا …لنا علم وللجُهال مال”! او كما قال عليه الرضوان من الله ،هو وصحابة رسول الله الفدائي الجريء المجاهد الأعظم “محمد بن عبدالله بن عبد المطلب” الذي لم يشبع من وجبة طعام طيلة عمره ،صلّى الله عليه وسلم ـ،تماماً كالفدائي الذي رأيته َ أنت قبل أيام،ينتعل “حفّاية” ومن دون بطن من شدة الجوع،ٌعندما، إعتلى برج أعظم دبابة بالعالم حالياً،وألقى في جوفها عبوة”شواظ”متفجرة من صناعة محلّيّة،بنواحي مدينة “خان يونس” فوق رؤوس سبع من ضباط وجنود العدو المُغتصب للقبلة الأولى من نصف قرن ونيّف ،وأذل ببطولته،كل أركان حكومة الرؤوس الثلاث الصهيونية،في مشهد لم تفز به، كل معارك وبطولات الحربين العالميتين الماضيتين، ولا كل حروب العرب مع الغُزاة الصهاينة ،وحَسَدهُ على فعلته،هذه، جنرالات عرب وعجم بالمئات ،لا يقدرون على فعلها في الأحلام ،”ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا”فكيف بيقظتهم!(27 حزيران)

مقالات مشابهة

  • إيران والغرب.. صراع العِلم والتقنية
  • التعليم والمعرفة تحتفل بتخريج الدفعة الأولى من مدارس الشراكات التعليمية
  • وزير التعليم العالي يكرم 20 جامعة مصرية مدرجة في النسخة العامة لتصنيف QS لعام 2025
  • غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
  • إيران بعد صمت القنابل والصواريخ
  • كأس العالم للأندية 2025 .. ماذا حصد العرب من البطولة؟
  • التعليم الجيد مفتاح العراقيين نحو غدٍ أفضل
  • عمتي “أم غالب الغرير” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي
  • كم المبالغ المالية التي حصل عليها العرب بعد المشاركة في كأس العالم للأندية؟
  • إيران تصعّد والغرب يحذر بعد اعتماد قرار وقف التفتيش الدولي للمحطات النووية