صفحة سوداء من تاريخ تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من تاريخ تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان (الكيزان) مأساة الهلالية نموذجاً (1-5)
يا مولعي
هذا زمان ..... تتري ...
فرسانه ..
يتنفسون .. الحقد
مصاصي ..دماء
وعلى صهول الخيل
يلوحون ..
بــ(جيم ثري)
لا يأبهون لإرث ( تاج الدين )
والقاطنين
على تخوم .. الفاشرِ
بمثابة مقدمة:
الكارثة الإنسانية التي حدثت في الأيام السابقة وما زالت تحدث داخل مدينة الهلالية - والتي تعد من أقدم المدن السودانية الواقعة على نهر النيل الأزرق - هذه الكارثة الإنسانية هي صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من صفحات تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) وإن شئت إحدى سلسلة تداعيات تلك الحرب التي كانت رصاصتها الأولى بالمدينة الرياضية لمدينة الخرطوم في صباح السبت الأسود 15 أبريل 2023 و حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يتوقف تبادل النيران بين القوات المسلحة السودانية، وبعض المليشيات المساندة لها من جهة ومليشيات الجنجويد – الدعم السريع حالياً – من جهة أخرى.
الإعلاء من شأن العنف الدموي:
لعل بعض قرائي الاعزاء عندما يفرغوا من قراءة السطر الأخير من الفقرة السابقة، لعل بعضاً منهم سينفعلون، محتجين على زعمي بوجود علاقة بين تنظيم الاخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) والحملات الإنتقامية لمليشيات الجنجويد – الدعم السريع حالياً – على أهالي قرى ومدن بعينها بولاية الجزيرة بصورة عامة وعلى مدينة الهلالية بصورة خاصة وما ترتب على ذلك من زهق لأرواحٍ ونهب وإتلافٍ لممتلكات مواطنين عزل، لم ولن يكونوا في يوم من الأيام، طرفاً أصيلاً فيما يحدث في الخرطوم العاصمة - بمدنها الثلاث: الخرطوم، أمدرمان والخرطوم بحري - وما لحق بولاياتٍ أخرى تتاخم ولاية الخرطوم وقد تبعد عنها بعدد من الفراسخ.
لم ولن يكون هؤلاء الضحايا من المواطنين العزل لقرى ومدن ولاية الجزيرة، طرفاً فيما حدث ويحدث من خلال هذه الحرب التي اشتغلت نيرانها من أجل حسمٍ صراع سياسي لعودة تنطيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) لحكم السودان وشعبه مجدداً، مستخدمين في ذلك آليات القتل المجاني من أسلحة قديمة وحديثة الصنع، وفي ذلك تطبيقاً حرفياً لهتافٍ قديم لجماعات الإسلام السياسي – ومن بينهم بكل تأكيد تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) - وأعني بذلك شعار ( فلترق منا دماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء ) ذلك الشعار الذي يجاهرصراحةً بتغيب الحوار والإعلاء من شأن العنف الدموي لحسم أي قضايا خلافية ليقابله عنفاً مضاداً، ألقى بظلاله على ما يجري داخل السودان من أحداث جسام، وأفضى – بعد أشهر قلائل من اندلاع شرارة هذه الحرب - إلى وصف توماس هوب: (حرب الكل ضد الكل) .. وهذا حديث آخر سوف أعود إليه بإذن الله ضمن سطور الحلقات المقبلة من سلسلة هذه المقالات.
ولكن دعني صديقي القارئ المحتج على ما كتبت في الفقرة الأولى من مقدمة هذا المقال وبما عنونت به هذه المقالات المتسلسلة، دعني أوضح لك – بعضاً مما يتعلق بمسألة الوشائج التي تربط بين مليشيات الجنجويد وتنظيم الأخوان المسلمين بالسودان (الكيزان ) ولنعد قليلاً للوراء لسنوات خلت، وتحديداً للعام 2019م وهو سنة ليست ببعيدة كثيراً عن العام الماضي الذي شهد في منتصف الشهر الأخير من ثلثه الأول، شرارة حرب الصراع على السلطة بين الفريق أول/ عبد الفتاح البرهان مستعيناً بالقوات المسلحة السودانية ومما ساندها لاحقاً من مليشيات غير نظامية. وبين الفريق أول/ محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومليشيات الجنجويد – قوات الدعم السريع حالياً - بتاريخها الدموي الحافل بدءاً بجرائم الإبادة الجماعية بولايات دافور في العام 2003 وربما كانت لهم جرائم ضد الإنسانية قبل ذلك العام.
من تداعيات هذه الحرب – ويمكنني أن أطلق عليها حرب البرهان/حميدتي – أنها أفضت إلى أكبر موجة نزوح ولجوء في تاريخ السودان الحديث، بعد أن افقدت معظم السودانيين - في المناطق المتنازع عليها من قبل طرفي صراع حرب البرهان/حميدتي - بعد أن أفقدتهم أعز ما يمتلكون من أرواح غالية ومن سقط متاع بذلوا جهدهم وعرقهم في جمعه، واسكانه داخل بيوتٍ، كانت عامرة بضحكاتهم وإجتماع أنسهم، مثلما شهدت أحزانهم وإلتفاف جيرانهم من حولهم مواساةً وتعزية.
عودة إلى الوراء قليلاً:
ولعلي أدعوك معي – صديقي القارئ المحتج – للرجوع إلى العام 2019 لتنتهي خطواتنا عند عتبات نهار السبت السادس من أبريل من ذلك العام. والمدن الثلاث للعاصمة الخرطوم، تشهد أجواءاً ساخنةً، ليس مردها فقط إنحسار فصل الشتاء ليفسح مجالاً لنهارات الصيف الثقيلة على قلب السودان وأهله وضيوفه، وإنما مردها كذلك لعنفوان الشوارع السودانية بالعاصمة والأقاليم في ذلك اليوم، وقد تدافعت تظاهراتها، فيما تواضع على تسميته من قبل تجمع المهنيين السودانييين بالمواكب، اقتباساً من بيت شعر بالقصيدة الغنائية: (أرض الخير) للشاعر السر قدور والتي حلق بها الفنان الجميل: إبراهيم الكاشف نحو آفاقٍ بعيدة حينما صدحت حنجرته الذهبية بهذا الأبيات: ( مواكب ما بتتراجع تاني .. أقيف قداما وأقول للدنيا : أنا سوداني)، قبل أن تشتهر النسخة المحرفة منها ( وأقول للدنيا : أنا أسواني ) بعد أن رددها أحد الفنانيين الأسوانيين في إحدى الأعراس، حيث التواجد التاريخي لنوبيي الشمال الجغرافي في مدينة أسوان وما جاورها من قرى النوبة والتي لا تبعد كثيراً عن بقية نوبيي الجنوب الجغرافي بمدينة وادي حلفا وحتى مدينة دنقلا بشمال السودان. وهذا حديث آخر!.
موكب السادس من أبريل للعام 2019:
بالرغم من العنف الممنهج لوقف تلك التظاهرات الحاشدة التي اكتنزت بها شوارع مدينة الخرطوم واتخمت في نهار السبت السادس من ابريل من نفس ذلك العام، فيما تواضع على تسميته بموكب مليونية ستة أبريل، الذي كانت وجهته في ذلك النهار، مباني قيادة الجيش السوداني بمدينة الخرطوم، حيث (كان ترحيب نظام المخلوع عمر البشير بموكبنا حفياً فقد أمطرونا بعبوات الغاز المسيل للدموع (البُمبان) ظننتها تأتي من نهاية شارع النجومي ولكنها جاءتنا أيضاً من رئاسة جهاز الأمن غير بعيد من شارع سعد الدين فوزي .. تفرقنا أيدي سبأ في ذلك المكان، ولكننا لم نغادره) ، رغم ذلك العنف الممنهج من قبل النظام الحاكم في تلك الفترة، عبر منسوبيه في القوات الأمنية والعسكرية لمنع احتشاد تلكم التظاهرات إلا أنها – أي التظاهرات – انتهت باعتصام المتظاهريين بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بمدينة الخرطوم، ليسدل الستار لاحقاً وبصورة رسمية – بعد أشهر قلائل من إعتصامهم - على فترة الحكم العسكري الثالث بالسودان وذلك في عصر الخميس 11 أبريل 2019 عندما تلى الفريق أول/ أحمد عوض بن عوف بياناً رسمياً (مانفسو) تحدثت سطوره عن تنحية المشير/عمر البشير (واعتقاله وتعطيل العمل بالدستور، وذلك في بيان للجيش طال انتظاره ) .وقد بث ذلك البيان الرسمي عبر أثير ( هنا أمدرمان ) إذاعة جمهورية السودان .
اتوقف هنا عن الحديث على أن اعاود الحديث في الحلقات القادمة من هذه المقالات بإذن الله عما فعله بعض منسوبي تنظيم الحركة الإسلامية في القوات المسلحة السودانية بتقويض النظام الديمقراطي وذلك بإيعاذ من د.حسن الترابي (عراب الحركة الإسلامية) بالسودان الذي أراد فرض تطبيق تعاليم التنظيم على السودان دولة وشعباً عبر آلية الإنقلاب على السلطة، عكس صاحب كتاب ( نظرات في منهج العمل الإسلامي) د. جعفر شيخ إدريس الذي رغب في تطبيق تعاليم ومنهج الحركة الإسلامية بالسودان عبر آلية الدعوة فقط، مستخدماً – والحديث إليه – ( المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكتشف الترابي في وقت مبكر) –.وذاك حديث آخر.
كما أنني سوف ألقي مزيداً من الضوء في الحلقة الثانية - تحديداً - من سلسلة هذه المقالات (صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من تاريخ تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) – مأساة الهلالية نموذجاً ) مسلطاً مزيداً من الضوء على العلاقة التي تربط بعض قيادات في الجيش النظامي – القوات المسلحة السودانية – بقيادات في تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) من جهة، والحبل السري الذي يصل ما بين تلك القيادات العسكرية مع مليشيات الجنجويد – قوات الدعم السريع حالياً .
- يتبع -
مزمل الباقر
الجيزة في 8 نوفمبر 2024
meezo1211@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة الدعم السریع حالیا مدینة الخرطوم هذه المقالات صفحة سوداء فی ذلک
إقرأ أيضاً:
الاعيسر مبعوث الكيزان لرجم الشيطان!
في مشهد لا يخلو من مفارقة تثير العجب، وزير الإعلام في حكومة بورتسودان العائد من بريطانيا حيث التمدن والمؤسسات والنهج الديمقراطي ليُفاجئنا بخطاب أقرب إلى طقوس "رجم الأوثان"، بدلًا من تقديم خطاب دولة يليق بتجربته وخبراته. الوزير خالد الأعيسر الذي سبق أن سوق لنفسه بسيرة معرفية ومهنية محترمة، تمتد من جامعة بولتون في المملكة المتحدة إلى أروقة الإعلام العربي في كبريات الصحف والقنوات، شارك مؤخرًا في فعالية نُظمت تحت عنوان (رجم الشيطان)!! حدثنا (خاطبت اليوم مسيرة (حماة الوطن) التي نظمتها منظمة عتاب الثقافية تحت شعار (رجم الشيطان) وشاركت فيها جماهير غفيرة من مدينة بورتسودان. جاءت المسيرة بهدف رجم دمية تمثل رمزية قائد المليشيات المتمرد، والتأكيد على رفض الشعب السوداني لعودة ميلشياته بأي شكل من الأشكال إلى الحياة السودانية. لقد انتهى عهد المليشيات وأعوانها ورعاتها بلا رجعة)!
وانتشر مقطع مصور للوزير وهو يفتتح مشهد "الرجم"، وسط مجموعة من المؤيدين الذين يعلو صوت تكبيرهم وزغاريدهم، في لحظة بدت وكأنها مسرحية شعبوية ساخرة لا تليق بمقام رجل دولة، لكنها تشبه حالات وزراء حكومة الحركة الإسلامية، أمثال الشهير (اللمبي) الجنرال عبد الرحيم محمد حسين لصيق المخلوع البشير ووزير الداخلية الأسبق، وبدعة خطة وزارته (الدفاع بالنظر)! لكن السؤال الجوهري هنا، أما كان الأجدر بوزير يحمل الجنسية البريطانية، ويحمل إرثًا من الخبرات الإعلامية الدولية، بدل التهافت في التمكين في السلطة، أن يوجه خطابه ومجهوده نحو رفع الوعي، لا الانزلاق في استعراضات لا تحل أزمة ولا توقف حربًا، ألم يكن من أولى أولوياته أن يُذكّر منظمي هذه الفعالية بخطورة انتشار السلاح وتعدد المليشيات، وأن يضع في مقدمة حديثه أهمية بناء السلام، وترسيخ العدالة، والتأسيس لخطاب يواجه جذور الأزمة، بدل هذه الجهالات؟ إن تشبيه "حميدتي" بالشيطان، وتجسيده في دمية، قد يبدو متنفسًا عاطفيًا، لكنه لا يعالج الدماء المسفوكة، ولا يعيد المهجّرين، ولا يُصلح الخراب الممتد على أرض الوطن، وأكثر من ذلك شيطنته واجرام ميلشياته مفهومة في اللحم والدم لدى من أُخرجوا من ديارهم، وأُريقت دماؤهم، وانتهُكت أعراضهم. وفي رجم دمية لن يجدوا المواساة.
والوزير بحكم موقعه وخبراته الإعلامية الراقية! يفترض أن يُسهم في إعداد الراي العام المستنير ببرامج ترفع من شأن العدالة وحقوق الإنسان، وأن يُحذّر من أخذ المواطنين بالشبهات، وأن يُسلّط الضوء على القضايا الكبرى، بحكم خبراته في المعيشة في بلدان المواطنة ذات الحقوق المتساوية، مثل الاختفاء القسري للمواطنين، وفيات المعتقلين، والتقارير التي وثّقت أسباب الوفيات داخل معتقلات الدعم السريع في سوبا، توثيق الشهادات الطبية، والكشف عن الكوادر التي أُجبرت على العمل تحت التهديد، والمعلومات التي انتشرت في وسائل الإعلام حول وفاة 78 شخصًا داخل المعتقل، كلها قضايا تمسّ جذور الأزمة وتهم أنسان السودان، وتُعنى بما يحفظ دماء الناس وكرامتهم. فها هو الوزير، صاحب العلوم المتعددة، يجمع في خطابه ما بين مفاهيم العوالم الحضرية... وعصور الجاهلية! بينما كان يُنتظر منه أن يُعلّم وأن يستبدل منصة الوعي بمنصة الرجم. فهل يعقل أن تتحول وظيفة الإعلام، لا سيما من موقع وزاري، إلى أداء تعبوي سطحي رجعي مهووس؟ أم هي سخرية الاقدار علي يد وزارة الأعيسر أعادتنا إلى هذا المشهد الكاريكاتوري... لنرجم الدمى بدل أن نرجم الفساد والعنف والجهل ونوقف الحرب.
إن رعونة الوزير وفرحته الطفولية برجم الدمية تؤكد، فعلاً، أن الإعلام والأقلام قد آلت إلى غير أهلها. فالشيطان الحقيقي لا يسكن في مجسّم بلاستيكي، بل يتجسّد في عبادة المناصب، والتشبّث بالكراسي على جماجم الضحايا، والخضوع لبطانة السلطة. وهي ذات المغريات التي استخدمتها الحركة الإسلامية لصناعة (حميدتي)، ولاتزال تصنع في المزيد من الميليشيات، وهي الاَن سوف تدفع بوافدٍ بلدان الحضارة إلى أن ينحني أمام الرعاع، فقط ليؤكّد ولاءه لحكّام بورتسودان.
يا سعادة الوزير في النهاية، لا تُقاس قيمة المسؤول بما يردده من شعارات أو بما يستعرضه من ماضٍ مهني، بل بما يقدمه من مواقف تتسم بالحكمة والرؤية والمسؤولية، لقد تعب الشعب السوداني طوال حكوماته المتعاقبة من الرموز والتجسيدات والدمى، والتكبير والتهليل الاجوف، وهو اليوم في أمسّ الحاجة إلى خطاب عقلاني، يُعيد للناس ثقتهم في مؤسساتهم، وفي رجالات دولتهم. أما أن يُختزل الصراع في دمية، وتُختزل العدالة والقصاص في رجم، فذلك ليس سوى محاولة يائسة لذرّ الرماد في العيون، والهروب من الأسئلة الحقيقية!
tina.terwis@gmail.com