ليس من العسير علينا أن نصدق أن الروائي جزائريَّ الأصل كمال داود؛ الفائز مؤخرًا بجائزة الجونكور الأدبية المرموقة، هو فرنسيٌّ أكثر من الفرنسيين أنفسهم، كما تشدق ذات مرة، بل ونُضيف إلى ذلك أيضا، أنه إسرائيليٌّ أكثر من الإسرائيليين، وصهيوني أشد من الصهاينة. يشهد على ذلك دموع التماسيح التي يذرفها بين الفينة والأخرى على أصدقائه الإسرائيليين الطَّيِّبين الذين يتفهّم رغبتنهم «في العيش والإقامة في مكان [هو فلسطين طبعًا] بعد ثلاثة آلاف عام من التنقّل في عالم مليء بالتفرقة»، كما كتب في رسالتِه المُعزِّية «إلى إسرائيلي مجهول» بعد وقت قصير من حادثة السابع من أكتوبر 2023، في مقال نُشِرَ في صحيفة «لوبوان» الفرنسية اليمينية.
هذا التمسُّح الفاقع بالصهاينة، مضافًا إليه تنكُّره لكل ما هو عربيّ أو إسلاميّ، هو ما جلب جائزة الجونكور الأدبية المرموقة لكمال داود، بغضّ النظر عن المستوى الفنّي لروايته «حوريات» الفائزة بالجائزة هذا العام (2024)، وروايته الأخرى «ميرسو: تحقيق مضاد» الفائزة بجائزة الجونكور للرواية الأولى عام 2015. فنحن نعلم أن السياسة مُقدَّمة على القيمة الأدبية في منح مثل هذه الجوائز، كما نعلم تمامًا أن كمال داود الذي دخل الأدب من بوابة الصحافة، ليس بأفضل إبداعًا من الأدباء الفرانكفونيين الكبار، مثل كاتب ياسين أو آسيا جبّار أو محمد ديب الذين لم يَنَلْ أيٌّ منهم هذه الجائزة. والمتابع لمقالات ومقابلات كمال داود يعرف تمامًا أنه ينتهز أي حدث ارتكبه هذا أو ذاك من المتطرفين، سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم، ليرتدي قبّعة المحلل الفيلسوف، ويُعمِّمَ ما اقترفه ذلك المتطرف على الإسلام والمسلمين عامة، تمامًا كما حصل في مقاله في صحيفة لوموند الفرنسية عام 2016 بعنوان «كولونيا مدينة الأوهام» الذي انطلق فيه من حادثة تحرش جماعي وقعت في محطة القطارات المركزية في مدينة كولونيا الألمانية خلال احتفالات رأس السنة ذلك العام واتُّهِم فيها مهاجرون لهم «ملامح شمال إفريقية وعربية» كما قيل. كتب داود في هذا المقال: «هذا الآخر (يقصد المهاجر) جاء من عالم واسع أليم ومروع، وهو عالم عربي إسلامي زاخر بالبؤس الجنسي، وبعلاقته المريضة تجاه المرأة والجسد الإنساني والرغبة»، وطَفِقَ يحرّض ألمانيا على المهاجرين، منتقدا اليسار السياسي «الساذج» الذي رحب بهؤلاء المهاجرين متجاهلًا عمدًا، في رأيه، الفجوة الثقافية التي تفصل العالم العربي/الإسلامي عن أوروبا!
وإذا كان المثقف يُراجِع أفكاره أحيانًا فيستبدل بعض القناعات بقناعات أخرى اكتسبها بإعمال الفكر والتأمل وتنامي خبرة الحياة، فإن آراء كمال داود ومواقفه لا تخضع في العادة لهذا الأمر، وإنما لتبدل الجمهور المخاطَب والمصلحة الشخصية. يُلفِتُنا الكاتب الجزائري المقيم في فرنسا فارس لونيس إلى أن الأمر الأساسي الذي غاب في قراءات «حوريات»؛ رواية داود الفائزة بالجونكور، أن هذه الرواية المُسيَّسة هي إعادة كتابة معكوسة لرواية أخرى مسحها كمال داود من قائمة أعماله، هي «يا فرعون» (صادرة عن «دار الغرب» في وهران عام 2005). في تلك الرواية («يا فرعون») ــ يضيف لونيس ــ «يدافع داود عن أطروحة «العسكر هو المجرم الوحيد» في الحرب الأهلية. أما في «حوريات»، فالأطروحة المدافَع عنها هي عكس الأولى: «الإسلاميون هم مجرمو الحرب الأهلية الفعليون». في «حوريات» يبرئ كمال داود استبداد السلطة من خلال اختلاقه لشعب جزائري أحمق، رجعي ومتطرف في جوهره، غير قابل لبلورة مشروع سياسي جاد إلا من خلال الكره الأعمى لفرنسا ولغتها». وكأننا هنا أمام رواية موجهة للقارئ الجزائري/ العربي هي «يا فرعون»، ورواية أخرى موجهة للقارئ الفرنسي، الغربي هي «حوريات». الأمر نفسه تكرر في روايته «ميرسو: تحقيق مضاد» (المترجمة إلى العربية بعنوان «معارضة الغريب»). إن من العلامات الدالّة على انتهازية مؤلف هذه الرواية ــ كما يقول فارس لونيس- أن طبعتها الأولى الصادرة في الجزائر عن «دار برزخ» في سنة 2013، مختلفة بعض الشيء - وفي أمور جوهرية من الناحية السياسية - عن طبعة دار «آكت سود» المنشورة في فرنسا في العام التالي، «فالنقد الموجه لشخص الكاتب ألبير كامو في الطبعة الجزائرية أكثر حِدَّة من نقد الطبعة الفرنسية. في الجزائر، يناهض كمال داود كولونيالية أدب ألبير كامو؛ أمّا في فرنسا، فهو يُعرب عن ثَنائهِ على الموهبة الأدبية لصاحب رواية «الغريب»، وعن تبجيله خاصَّةً للغة الفرنسية».
ليس كمال داود إذن سوى تجسيد لظاهرة الأدب الموجَّه لخدمة السرديات الغربية، لا سيما في تناوله للهوية الإسلامية والعربية، إذْ يوظف ثقافته الأصلية لا ليقدمها للعالَم، وإنما لتكون قُربانًا على مذبح هُويٍّة أخرى، وليُثبتَ للفرنسيين ليس فقط أنه فرنسيٌّ مثلهم، بل أكثر فرنسيةً منهم. من هنا جاء السؤال الجوهري الذي طرح نفسه بقوة: هل فاز بجائزة الجونكور حقًّا بفضل قيمة روايته الفنية، أم لأنّه يعزف على وترٍ يُطرِبُ مانحي الجوائز الغربية؟
الإجابة أوضح من أن تقال.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کمال داود
إقرأ أيضاً:
الناقد طارق الشناوي: هل يفعلها عبدالرحيم كمال ونرى الأبواب المغلقة وقد صارت على الأقل مواربة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
انتقد الناقد الفني طارق الشناوي، البيان الصادر من وزارة الثقافة أمس الخميس بشأن قرار انتداب الكاتب عبدالرحيم كمال لبيب علي، للعمل مساعدًا لوزير الثقافة لشئون رئاسة الرقابة على المصنفات الفنية، واصفا إياه بـ«البيان الملتبس»
وكتب «الشناوي» عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، البيان الملتبس الذي صاحب قرار تعيين الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، فهو مساعد وزير الثقافة لشئون الرقابة اي أن الرقيب من الناحية القانونية هو الوزير.
وتابع: «هذا البيان يحتاج بيان، ربما كانت مجرد صياغة قانونية، لأن عبدالرحيم موظف في وزارة الإعلام والمسمي الوظيفي له ( درجة ثانية)، بينما مدير الرقابة يجب أن يصل إلى مسمي (درجة أولي) لعبكة ادارية، ولكنها ستؤدي حتما إلى ارتباك ما لا أزال أري أن عبدالرحيم كمال سيراهن علي الحرية».
وواصل: «رغم أن بيان وزير الثقافة أمعن في الالتباس، عندما أشار إلى أن الرقيب الجديد سيدعم الرقابة، المفروض أن الرقيب جاء لدعم هامش الحرية، الرقابة كلنا ندرك أنها (ميت فل وعشرة)، وتمارس واجباتها بضراوةً، وننتظر بالفعل أن نرى انفراجة، ويتسع الباب امام المبدعين ويرتفع السقف، فهل يفعلها عبدالرحيم ونرى الأبواب المغلقة، وقد صارت على الأقل (مواربة)».
ويشار إلى أن الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، أصدر قرارًا أمس الخميس بانتداب الكاتب عبدالرحيم كمال لبيب علي، للعمل مساعدًا لوزير الثقافة لشئون رئاسة الرقابة على المصنفات الفنية.
وأكد وزير الثقافة، أن هذا القرار يأتي في إطار الرؤية التي تسعى وزارة الثقافة لتحقيقها بهدف تطوير العمل الرقابي على المصنفات في مصر، معربًا عن تطلعاته بأن هذا الاختيار سيسهم بشكل كبير في تعزيز دور الرقابة على المصنفات الفنية بما يضمن الحفاظ على القيم المصرية الثقافية والاجتماعية وتوفير المناخ الداعم لمجالات الإبداع والابتكار الفني.
فيما أعرب الكاتب عبدالرحيم كمال، عن تقديره لهذه الثقة من وزير الثقافة مؤكدًا العزم على بذل قصارى جهده إزاء تطبيق أعلى معايير الجودة في الرقابة، مع مراعاة احترام حرية التعبير وحقوق الملكية الفكرية.
عبد الرحيم كمال لبيب علي، كاتب سيناريو وروائي وصحفي وناقد فني، وُلد في عام 1971 بمحافظة سوهاج بصعيد مصر. تخرج من المعهد العالي للسينما – قسم السيناريو عام 2000، ومنذ ذلك الحين أسس مسيرته المهنية في كتابة السيناريو والقصة القصيرة والرواية والمسرحية. وهو عضو في اتحاد الكُتّاب المصريين ونقابة المهن السينمائية؛ ما أكسبه خبرة واسعة ومكانة مرموقة في الوسط الفني المصري.
وفي مجال الأدب، قام عبد الرحيم كمال بإصدار عدة أعمال منشورة، من أبرزها رواية «كل الألعاب للتسلية» ورواية «موت العالم» – المعروفة بمذكرات محمود غزالة وكتاب «مصر الحال والأحوال»، بالإضافة إلى رواية «أبناء حوره» ومجموعات قصصية ونصوص صوفية مثل «قصص بحجم القلب»، و«منطق الظل»، و«ظل ممدود».
كما امتدت إسهاماته إلى الشاشة الصغيرة؛ حيث كتب سيناريوهات مسلسلات تلفزيونية بارزة مثل «الحشاشين» و«جزيرة غمام» و«نجيب زاهي زركش» و«القاهرة كابول» و«أهو ده اللي صار» و«الخواجا عبد القادر»، و«شيخ العرب همام»، بالإضافة إلى مشاركاته السينمائية في أفلام مثل «خيال مآتة» و«الكنز» و«على جنب يا اسطى»، كما الف مسرحيات على خشبة المسرح القومي، منها «قمر العشاق» و«فى مديح المحبة».
كما شارك كعضو في لجان تحكيم لمهرجانات سينمائية وثقافية محلية ودولية، وحصد عددًا من الجوائز التقديرية مثل جائزة الدولة التقديرية للتفوق في الآداب لعام 2024، وجائزة أفضل مؤلف من مهرجان القاهرة للدراما لعام 2022، وغيرها من الجوائز المرموقة.