علي جمعة يوضح خطر الفكر ما بعد الحداثي على المجتمعات والعقائد
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق أنه تُعد مدارس ما بعد الحداثة الفكرية من الاتجاهات التي تسعى إلى تفكيك المفاهيم الثابتة وتغيير دلالات الألفاظ بما يتناسب مع توسع العالم المعاصر. إلا أن هذه المدارس، بحسب د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، تمثل تهديدًا حقيقيًا للقيم الإنسانية والعقائدية، بل إنها تنذر بتدمير الأسس التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية السوية.
يرى البعض في مدارس ما بعد الحداثة أن عملية وضع المفاهيم والمعاني ينبغي أن تكون مرنة، بحيث لا تتقيد بالموروثات. ومن ضمن هذه المدارس، يطرح الفكر المتطرف أن هناك خمسة أشياء يجب أن تزول لتتحقق "الحرية الفكرية" المطلقة: الثقافة، والدين، والأسرة، والدولة، واللغة. هذا المنظور، بحسب د. علي جمعة، يشكل تحديًا كبيرًا للثوابت الاجتماعية والدينية التي بنيت عليها المجتمعات الإنسانية على مر العصور.
ويضيف جمعة: "هذه الأفكار تحاول أن تفتح المجال لأيديولوجيات مدمرة، فإلغاء هذه الأسس الخمسة سيؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وتفكيك الأسرة، وتدمير البنية الاجتماعية التي تحافظ على تماسك الشعوب."
العداء للإسلام والقيم الأخلاقيةالمدارس الفكرية ما بعد الحداثية تسعى، وفقًا لرؤيتها، إلى تحرير الفرد من كل القيود، مما يعني التحرر من القيم الدينية والخلقية التي تحدد السلوكيات الاجتماعية. ومن أبرز مثال على ذلك هو محاولة هذه المدارس تغيير المعنى التقليدي للأسرة وتوسيع مفهومها ليشمل أي اثنين بغض النظر عن جنسهم أو علاقاتهم. هذه المحاولات تمهد لإضفاء الشرعية على سلوكيات شاذة، مثل الشذوذ الجنسي، الذي أصبح يُعتبر "حقًا من حقوق الإنسان" في بعض الأوساط الفكرية الغربية.
وقال جمعة: "من الخطير أن نرى كيف تحول مفاهيم كانت تُعد من المسلمات، مثل الأسرة، إلى مفاهيم قابلة للتغيير بحسب أهواء الأفراد. فهذا تطور فكري مأساوي، يقود إلى تشويه الفطرة الإنسانية."
إعادة تعريف "الحرية" في الفكر ما بعد الحداثيمن أخطر الأمور التي أثارها جمعة في حديثه هي كيفية تلاعب الفكر ما بعد الحداثي بمفاهيم أساسية مثل "الحرية". ففي البداية كانت الحرية تعني تحرر الإنسان من العبودية والرق، لكنها، بحسب هذه المدارس الفكرية، أصبحت تعني التحرر من أي قيد أخلاقي أو ديني. "الحرية" في هذا السياق تحولت إلى تفلت من كل القيم والمبادئ، وهو ما يتعارض مع ما يراه د. علي جمعة: "هذه ليست حرية، بل هي فوضى قد تقود البشرية إلى ضياع تام."
الفكر المريض والفجوة بين الفن والجمالينبه جمعة إلى أن من أخطر نتائج هذا الفكر هو الخلط بين الفن والجمال وبين التفلت والفساد. "إن ما يُسمى إبداعًا وفنًا في هذه المدارس ليس إلا محاولة للتلاعب بالعقول وإضفاء مشروعية على السلوكيات المشوهة والمخالفة للفطرة السليمة." وقد أشار إلى أن هذا الفكر يعرض المجتمعات لخطر الانزلاق إلى مستويات منخفضة من التفكير والعيش، قائلاً: "ما يدعون إليه ليس إبداعًا، بل هو انحدار فكري وأخلاقي، وقد نرى في المستقبل سمادير السكرانين الذين يعيشون في أوهام غير قابلة للإفاقة."
خطر الفكر ما بعد الحداثي على المستقبليدعو جمعة إلى ضرورة التصدي لهذا الفكر المتطرف الذي يهدد قيم المجتمعات الإسلامية والإنسانية. "نحن لا نهاجم السلوك البشري في هذه الأفعال المنكرة مثل الزنا والشذوذ وشرب الخمر فحسب، بل نهاجم الفكر الذي أسس لهذه الأفعال، ودعا إليها. إذا تمكنا من إصلاح الأساس الفكري والعقائدي، سنستطيع القضاء على هذه الأمراض الفكرية."
ويختتم جمعة بالقول: "علينا أن نعود إلى الجذور التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، التي هي حضارة أخلاقية وفكرية قائمة على قيم ثابتة تُصون الفطرة الإنسانية، وتنبذ كل ما يهددها من أفكار هدامة. إن العودة إلى قيمنا الأصلية، والتمسك بها، هو الحل الوحيد لدرء هذا الفكر المريض، الذي يهدد كل ما هو جميل وصحيح في حياتنا."
إن الفكر ما بعد الحداثي يشكل تحديًا خطيرًا للإنسانية، إذ يسعى إلى هدم كل ما هو ثابت في المجتمع من دين وأخلاق وثقافة. ولهذا، يتطلب التصدي لهذا الفكر جهودًا فكرية وعقائدية مستنيرة للحفاظ على القيم الإنسانية السامية وضمان استقرار المجتمع في ظل هذه التحديات الفكرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة الحرية المطلقة المجتمعات الإنسانية استقرار المجتمعات علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء لمحاولات كبار العلما الجمهوري العالم المعاصر الفكر المتطرف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء السلوكيات الإنسانية الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق كبار العلماء مفتي الجمهورية قيم الإنسانية سلوك البشر مجتمعات الإنسانية هذه المدارس هذا الفکر علی جمعة
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب يُناقش سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب
شهدت "قاعة الصالون الثقافي"؛ ندوة بعنوان "سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب"، وذلك ضمن "المحور الثاني" للفعاليات، حيث شارك فيها كل من: الدكتور خيري دومة، الدكتور قحطان الفرج الله، الدكتور محمود الضبع، وأدار الجلسة؛ الدكتور محمود عبد الغفار.
أعرب الدكتور محمود عبد الغفار؛ عن سعادته بالمشاركة في لقاء يحتفي بشخصية عظيمة؛ مثل؛ الدكتور سليمان العطار؛ وأكد أن العطار؛ جمع بين الإنسانية والأكاديمية في جميع مراحل حياته، ما انعكس إيجابيًا على كل من تعامل معه، سواء في الإطار الأكاديمي أو الإنساني. كما عبّر عن سعادته بتنظيم ندوة تناقش هذه الشخصية النقدية والأكاديمية الفريدة في تاريخنا الحديث؛ وأشار إلى أن العطار؛ قد تميز بجوانب حياتية زاخرة بالمواقف الإنسانية والأخلاقية النادرة، مؤكدًا أنه لم يكن يهتم بالمال، وكان يرى أن ما في جيبه ليس ملكه وحده؛ وأوضح أنه كان يدفع أجورًا مرتفعة للسائقين، تفوق الأجرة الطبيعية، فقط لرؤية السعادة على وجوههم.
ومن جانبه، أوضح الدكتور محمود الضبع؛ أنه يحسب نفسه من المحظوظين في مصر؛ لأنه عاشر وتعرف على أساتذة كبار؛ مثل؛ الدكتور سليمان العطار؛ ووصفه بأنه إنسان مسالم؛ لم يخض صراعات مع أحد، ما جعله يترك إرثًا علميًا وإنسانيًا عظيمًا؛ وأشار إلى جوانب غير معروفة عن العطار، منها صداقته مع الملك "خوان كارلوس"، والتي دفعته إلى إهداء مكتبته، كما تحدث عن حرص "العطار"؛ على جمع المفردات والتعبيرات عند زيارته قرى البرتغال، ما مكّنه من تقديم ترجمات دقيقة تعكس المعنى الحقيقي للنصوص؛ وليس مجرد ترجمة حرفية؛ وأن أحد أهم كتب العطار هو "مقدمة في تاريخ الأدب العربي"، الذي يتناول مفهوم "الشعرية الصحراوية"؛ وأن "العطار"، رغم كونه خريج كلية الزراعة، التحق بعد ذلك بكلية الآداب؛ وتخصص في اللغة العربية، مما أتاح له الجمع بين البحث العلمي والإنسانيات.
وتابع الضبع؛ حديثه؛ عن فلسفة "العطار"، مشيرًا إلى تأثره العميق بـ الإمام الغزالي، وهو ما انعكس في رؤيته للعالم والإنسان، حيث كان يؤمن بأن "جحيم الإنسان الحقيقي يكمن في عقله"، وأن "عالم الموت يسكن داخل الفكر البشري"؛ كما عبّر عن تأثره الشديد بالجانب الإنساني للعطار، موضحًا أنه كان الشخص الوحيد الذي استطاع إخراجه من عزلته.
أما الدكتور خيري دومة، فقد أشار إلى صعوبة الحديث عن شخصية مثل "سليمان العطار"، نظرًا لتعدد جوانبها الموسوعية؛ وذكر أنه كان أحد طلاب "العطار" عندما عاد من الخارج، وأشاد بقدرته على التدريس بأسلوب فريد، خاصة في "مقدمة ابن خلدون"، مؤكدًا أنه كان عابرًا للتخصصات، وترك بصمة واضحة في مختلف المجالات التي تناولها؛ وقد وأشار إلى أن "العطار" كان قادرًا على الجمع بين العلوم الطبيعية والإنسانية، مما جعله واحدًا من أهم أساتذة قسم اللغة العربية، موضحًا أنه، رغم التزامه بالأسس الأكاديمية، كان يفتح آفاقًا تأملية واسعة، ويتميز بحس متفرد في تقديم رؤاه الفكرية والعلمية؛ وأوضح أن "العطار"؛ لم يقتصر على الإطار الأكاديمي، بل كان دائم البحث عن أفق فكري جديد، وحرص على تجاوز الحدود التقليدية في الدراسة والتأمل، ما انعكس على أسلوبه في التعامل مع طلابه وتلامذته.
من جهته، أعرب الدكتور قحطان الفرج الله؛ عن مشاعر متناقضة بين السعادة والحزن وهو يتحدث عن أستاذه "سليمان العطار"، مشيرًا إلى الخسارة الكبيرة التي يمثلها رحيله؛ وسرد العديد من المواقف الإنسانية التي جمعته بالعطار، ومنها حرصه على شراء الصحف بشكل دائم، حيث كان يقول له: "يجب أن نشتري الصحف حتى لا تنقرض هذه المهنة"، كما وصفه بأنه كان أنموذجًا نادرًا لـ "الإنسان الموسوعي" الذي فرّق بوضوح بين الفكر؛ ومصادر الفكر، وساهم في تطوير "نظرية التبعية" في العالم العربي؛ وأشار إلى أن "العطار": في أيامه الأخيرة كان منعزلًا بشكل ملحوظ، حيث ندر تواصله مع الآخرين، وعندما اتصل به "الفرج الله"؛ في آخر أسبوع من حياته، كانت مكالمته الأخيرة تحمل نبرة وداع مؤلمة.
واختتم "الفرج الله"؛ حديثه؛ بالتأكيد على أنه قام بجمع جميع ما كتبه "العطار"؛ على وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لقيمة كتاباته الفكرية والإنسانية العميقة، مشددًا على فخره الكبير بأنه كان أحد طلابه.