سابعاً: علي يستخدم المبادئ والتصلب ومعاوية يستخدم السياسة والتكتيك

ونحن نتابع مواقف علي -رضي الله عنه- ونقرأ سيرته وأحداثه ندرك أنه كان رجلاً تنفيذياً ميدانياً في الدرجة الأولى وليس رجل سياسة وتخطيط وحكمة، ولذلك كان يُغْلب في كثير من المحطات والمواقف، ولم يكن يقدر كثيراً منها حق قدرها، ومن تلك المواقف مثلاً عدم تقديره أبعاد وتبعات عزل معاوية من ولاية الشام رغم النصائح التي قدمت له من المغيرة بن شعبة ومن ابن عباس والتي كانت واضحة وضوح الشمس، وباعتقادي لو أنه لم يعزل معاوية عن الشام ما نافسه معاوية، ولما استخدم قميص عثمان للخروج عليه ومنافسته، ولما خيض كل ذلك الصراع.

فلقد نصح عبدالله بن عباس، وكذلك المغيرة بن شعبة، علياً -رضي الله عنه- بعدم عزل معاوية من ولاية الشام، ولكنه أبى إلا أن يعزله، واستمع إلى غِرَّيين طريين لا خبرة لهما لا بالرجال ولا بالسياسة، وهما محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب اللذين كان حماس الشباب يدفعهما دفعاً لاستخدام القوة، والعجب العجاب أن يترك علي نصح المغيرة وهو أحد دهاة العرب الخمسة أيضاً وابن عباس.

فلئن صدقت رواية الواقدي (قال علماء الحديث لا يحتج به في الحديث ويحتج به في المغازي) في نصيحة عبدالله بن عباس لعلي، أما والله فهو رجل يرى الحوادث من خلف حجاب، ويرى بنور الله، فما أشار على علي برأي إلا تحقق كالشمس في رابعة النهار، وكان علي يخالفه الرأي في كل شيء ولا يحدث إلا ما يقوله بن عباس، وهنا يكون أحد المبررات له لترك علي في نهاية الطريق، فقد كان يستكفي برأيه ولا يسمع نصحاً ولا مشورة من أحد.

اقرأ أيضاً الفتوحات بين بني أمية وبني هاشم لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (7) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (6) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (5) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (4) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (3) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟ .. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (2) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (1-6) لماذا لا تردوا على كلام الغفوري؟ لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (الحلقة الاولى) الحسين بن علي في ذكرى مقتله رقم 1384: لماذا انهزم وليس هناك ابن بنت نبي غيره ؟! الصحابي معاوية بن ابي سفيان يعود للواجهة مرة أخرى في مسلسل تاريخي على قناة MBC

قال ابن عباس: قدمت المدينة وقد بويع لعلي، فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به، فحبسني حتى خرج من عنده، فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرته هذه: أرسل إلى عبدالله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس، فإنهم بهذا يهدِّئون البلاد ويُسَكِّنون الناس، فأبيت ذلك عليه يومئذ، وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى. قال: ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أني مخطئ، ثم عاد إلي الآن فقال: إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه، ثم رأيت بعد ذلك رأياً، وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله، وهم أهون شوكة مما كان.

قال ابن عباس: فقلت لعلي: أما المرة الأولى فقد نصحك، وأما المرة الآخرة فقد غشك، قال له علي: ولم نصحني؟، قال ابن عباس: لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولوا: أخذ هذا الأمر بغير شورى، وهو قتل صاحبنا، ويؤلبون عليك فينتفض عليك أهل الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكُرّا عليك (الطبري: ج4/439).

فقال علي: أما ما ذكرت من لإقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولي منهم أحداً أبداً، فإن قبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف. قال ابن عباس: فأطعني وادخل دارك، والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحمَّلنك الناس دم عثمان غداً. فأبى علي، فقال لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها، فقال ابن عباس: ما هذا برأي؛ معاوية رجل من بني أمية، وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم عليّ. فقال له علي: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإن كل ما حمل عليك حمل عليّ، ولكن اكتب إلى معاوية فمنِّه وعِده. فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبدا (الطبري: ج4/440)، (ومثله في البداية والنهاية: لابن كثير الدمشقي ج5/صـ229).

استطاع معاوية استمالة كثير من الشخصيات إلى صفه وتألفها، والإيقاع بين علي وقيس بن سعد برسالة مزورة جعلت علياً يعزل أهم شخصية في ولايته وأهم دهاته وهو قيس بن سعد عزله عن مصر واستبدله بالأشتر الذي كاد له معاوية فقتل مسموماً قبل دخوله مصر، ثم استبدله بمحمد بن أبي بكر، ثم استطاع معاوية أن يوقع بين عبدالله بن عباس وعلي أيضاً رغم مكانته من علي ودهائه أيضاً إلى جانب قيس، وبالإيقاع بينهم تخلخل صف علي كثيراً، بل كانت النازلة الكبيرة التي أودت بدولته بانسحاب ابن عباس.

لم يدرك علي أن الحرب خدعة كما نصحه ابن عباس، وأن الرسالة قد تكون مزورة ولما علم بها مؤخراً من بعض أصحابه لم يعد قيساً إليها، وبذلك يكون قد تخلص من أهم رجال دولته الذين كانوا أربع شخصيات: عمار بن ياسر وقتل يوم صفين، والأشتر وقتل مسموماً بالعسل قبل دخول مصر، وتنحي قيس وابن عباس، ومن بقي معه لم يكن لهم أي وزن بعد هؤلاء الأربعة الخلّص والمخلصين لعلي.

كان ابن عباس يقول لعلي: الحرب خدعة، ودعنا نكايد القوم، أما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحرب خدعة"؟، فقال: "بلى". فقلت: "أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد، ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم عليك"، فقال: "يابن عباس: لست من هِنّاتك ولا من هِنّات معاوية بشيء"!

يدل كلام ابن عباس على أنه أيضاً كان رجلَ رأيٍ وداهيةَ تصرف وحكمة، وكان لا يرى علي رأياً إلا رأى ابن عباس عكسه تماماً، وقد أوضحت الأيام والأحداث بعد ذلك أن مجمل آراء ابن عباس كانت صائبة، تحقق معظمها ضد علي – رضي الله عنهما.

كان معاوية وعمرو بن العاص قد صدرا الأحداث من الشام إلى العراق ومصر؛ أي: خارج مجالهما الحيوي، ولعبا في ميدان علي وفي حديقته الخلفية، وبدأت بعض أعمال الشغب والتمردات على علي في الكوفة والبصرة، واستطاع معاوية شراء بعض الولاءات داخل موطن علي في الكوفة، وكانت له طلائع تمهيدية فيها، ولم يستشهد علي إلا وقد كانت الأمور على وشك الحسم والانتهاء، وبدل أن تدور الأحداث في الشام أو قريب منها باعتبار هجوم علي على معاوية كونه متمرداً على خلافته، صار هجوم ولعب معاوية في العراق ومصر، وهو يتمدد كل فترة، في حين أن علياً -رضي الله عنه- كان يلقى مشاكل عصيبة من أتباعه وفي أرضه ورفضهم الاحتشاد بعده والتجييش لمساندة محمد بن أبي بكر في مصر حتى لا تسقط بيد عمرو بن العاص، وكانت أرضه تتقلص فترة بعد أخرى، كما هو وضع شرعيتنا اليوم في كل شيء، وكأن سيناريو صراع علي ومعاوية يتكرر بيننا مجدداً اليوم في اليمن، وعما قريب سيكون نفس الصراع في بقية البلاد العربية.

إذ إنه لما رأى أن معاوية حرك جيشه بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر، واستنصره محمد بن أبي بكر برفده بالمقاتلين، قام علي يندب أصحابه في الكوفة فخذلوه، فقال لهم: "عباد الله، إن مصر أعظم من الشام، أكثر خيراً، وخير أهلاً، فلا تغلبوا على مصر، فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم، وكبت لعدوكم. أخرجوا إلى الجرعة بين الحيرة والكوفة فوافوني بها هناك غداً إن شاء الله.

فلما كان من الغد خرج يمشي فوافاه بكرة وانتظر حتى انتصف النهار يومه ذلك، فلم يوافه رجل واحد، فرجع"( تاريخ الطبري: صـ881).

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: قراءة فی موازین القوة بین علی ومعاویة لماذا حسم معاویة المعرکة لصالحه عبدالله بن رضی الله علی فی

إقرأ أيضاً:

أرسنال يريد الانتقام من «اليونايتد» بعد «المعركة الأخيرة»!

 
معتز الشامي (أبوظبي)

أخبار ذات صلة صلاح يتحدث عن «شوط الفوضى»! اللاعبون أمام «فوهة المدفع».. سلوت يفتح النار في ليفربول!


يستضيف مانشستر يونايتد نظيره أرسنال، على ملعب «أولد ترافورد»، في الدوري الإنجليزي، اليوم الأحد، ويسعى أرسنال إلى الفوز على اليونايتد ولا شيء غيره لمطاردة ليفربول المتصدر بفارق 16 نقطة، والتمسك بأمله في الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الغائب منذ أكثر من 20 عاماً، إضافة إلى الثأر من «اليونايتد» الذي أطاح به من الكأس.
وكان الفريقان متقاربين في سباق اللقب خلال تسعينيات القرن الماضي، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن تتلاشى قدرة «المدفعجية» التنافسية، وتعرض اليونايتد لتراجع مماثل، بعد رحيل أليكس فيرجسون عام 2013، وهي المرة الأخيرة التي فاز فيها «الشياطين الحمر» بالدوري، ومع ذلك، احتل «الجانرز» بقيادة ميكيل أرتيتا المركز الثاني في الدوري خلال الموسمين الماضيين.
وفي المقابل، يعاني المدرب البرتغالي روبن أموريم، البالغ 40 عاماً، منذ أن تولى المسؤولية خلفاً لإريك تين هاج في «أولد ترافورد»، خلال نوفمبر الماضي، حيث يحتل «الشياطين الحمر» المركز الرابع عشر في جدول الترتيب، وخرج من كأسي الاتحاد والرابطة. 
ويعد الدوري الأوروبي البطولة الوحيدة المتبقية التي ينافس عليها «اليونايتد»، والتي يضمن الفوز بها مشاركته الأوروبية الموسم المقبل، بعد فقدان الأمل في احتلال مركز متقدم في «البريميرليج»، ويتأخر أرسنال «مع مباراتين أقل»، بفارق 16 نقطة عن ليفربول في ترتيب الدوري الإنجليزي، متقدماً «مع مباراة أقل» بـ3 نقاط على نوتنجهام فورست صاحب المركز الثالث، ويتقدم بـ21 نقطة على اليونايتد صاحب المركز الرابع عشر.
وخسر «الجانرز» مباراتين فقط من أصل 11 مباراة خاضها منذ خروجه من كأس الاتحاد الإنجليزي بركلات الترجيح أمام مانشستر يونايتد في 12 يناير الماضي، وجاءت الهزيمتان في آخر 5 مباريات خاضها أرسنال، حيث فاز في اثنتين فقط، وتعادل في واحدة.
واكتسح أرسنال خارج أرضه نهاية الأسبوع الماضي أيندهوفن الهولندي 7-1 في ذهاب دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا، في حين تعادل اليونايتد في إسبانيا مع ريال سوسيداد 1-1 في ذهاب دور الستة عشر من الدوري الأوروبي.
تعد المباراة المواجهة رقم 221 بين الناديين في جميع المسابقات، حيث فاز مانشستر يونايتد في 94 مباراة، بينما فاز أرسنال في 79 مباراة، وتعادلا في 47، فيما فاز «الجانرز» بمبارياته الأربع الأخيرة في الدوري الإنجليزي، بما في ذلك الفوز 2-0 في ديسمبر في مباراة الذهاب هذا الموسم، لكن اليونايتد خرج منتصراً في المعركة الأخيرة بين الجانبين، في كأس الاتحاد الإنجليزي.

مقالات مشابهة

  • فضل الله: ما يحصل من حولنا يزيدنا تمسّكًا بعناصر القوّة
  • لماذا نصلي صلاة التراويح في رمضان؟.. لا تفوتها لـ10 أسباب
  • مفتي الجمهورية يوضح حكم وهب ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء «فيديو»
  • هل يجوز وهب ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • إيرانيون ينتقدون النظام: أموالنا تذهب إلى حماس وحزب الله والعراق وأفغانستان
  • أرسنال يريد الانتقام من «اليونايتد» بعد «المعركة الأخيرة»!
  • لماذا لا يُقرّ حزب الله بالهزيمة؟
  • مجيس يكسب مصيرة والبشائر يحسم مواجهة السلام في دوري الطائرة
  • لماذا فرض الله الصيام في رمضان؟ اعرف الحكمة الإلهية
  • لماذا يجب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة في رمضان.. بسبب 7 أسرار