ما حكم الشراء من منتجات الداعمين للكيان الصهيوني؟

الجواب المباشر عن هذا السؤال هو أن المقاطعة مما أرشد إليه هذا الدين الحنيف بأدلة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة، أي المقاطعة الاقتصادية، ولذلك في نشوب حرب بين المسلمين وغيرهم من أهل الشرك والكفر من أهل العداوة والجبروت فإن من وسائل دفع العدو قطع سبل الإمداد الاقتصادي، وأصل ذلك في كتاب الله عز وجل في قوله جل وعلا: «مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ» وكان ذلك في مواجهة بين المسلمين واليهود، وتحدث اليهود أن محمدا وأصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن أصحابه أنهم يفسدون في الأرض، فبين ربنا جل وعلا في كتابه الكريم أن ما كان من وسائل قطع الإمداد والتضييق على العدو المحارب، وأن في مثل هذا الصنيع الذي أذن الله عز وجل به خزي للفاسقين، وهذا ما سعى إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن وطئت قدماه الشريفتان مدينته صلى الله عليه وآله وسلم،

فإنه سعى إلى قطع سبل الإمداد الاقتصادي عن قريش والمشركين واتخذ في سبيل ذلك كل ما يمكنه لمنع القوافل وتحويل التجارة إلى المدينة المنورة، وهذا ما صنعه أيضا في المدينة نفسها، حينما فتح سوقا للمسلمين كانت مستقلة عن سوق اليهود، وحينما قام في إجراء هذه السوق بأن جعلها سوقا حرة مفتوحة خالية من الضرائب، وحث أصحابه على الاتجار وعلى عرض ثمارهم وزروعهم وسلعهم فيها ليستقلوا عن اليهود الذين وقع معهم معاهدة، وكانت السيادة إليه -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك فإنه لم يغفل عن أهمية البناء الاقتصادي والتضييق على العدو إما أن يكون العدو كامنا أو أن يكون العدو قائما محاربا.

ومن سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام أيضا أنه أقر ما فعله أبو جندل وأبو بصير وكان إسلامهما في الفترة إبان توقيع رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلح الحديبية، أما أبو جندل فكان قبيل التوقيع حتى أنه أتى ولمّا يوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلح، ولكن مع ذلك تمسك مشركو قريش بما في الصلح من موعدة، فرد أبو جندل والتحق بسيفة البحر فكان يقطع القوافل عن قريش، ثم بعد ذلك أيضا أسلم أبو بصير ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فبعثت إليه قريش برجلين يعيدانه تنفيذا لما كان فيه الصلح، فرجع معهما إلا أنه فعل فعلته بأحدهما، وليس هذا محل للبحث الآن، ثم التحق بصاحبه أبي جندل فكانا يقطعان طرق القوافل عن المشركين.

وهذا ما فعله ثمامة بن أثال وهو سيد قومه بني حنيفة في طرق القوافل من الشام خاصة فيما يتعلق بالحبوب والثمار، فلا يأتي اليوم أحد ويجادل في مشروعية المقاطعة، ولا يمكن أيضا أن يجادل في أثرها، فإن أثرها بالغ فهذه الشركات الداعمة للكيان الصهيوني التي لا يخفى أمرها على أحد، ليس حديثنا في بعض الشركات التي لم يتضح أمرها بعد، فمقاطعتها أولى وأسلم، وإنما الحديث عن الشركات التي صرحت وعلم حالها أنها مؤيدة داعمة وأنها تخصص نصيبا من أرباحها وأنها توفر لهم ما يحتاجون إليه من إمداد سواء كان ذلك في الأغذية أو في المشروبات أو في الملابس أو في العتاد العسكري أو في غيرها فإن كسر شوكتهم بالمقاطعة الاقتصادية التي يستطيعها الأفراد والتي يكون الأمر فيها إليهم، ليس بحاجة إلى إذن من جهة، وهذا فعل للأشخاص أنفسهم فيما يشترونه ويقتنونه وفي السلع التي يختارونها، فمرد هذا الأمر إليهم، فمقاطعة هذه الشركات هو من الجهاد بالمال من التضييق على العدو الغاشم الذي اعتدى بكل إجرام ووحشية على إخواننا في غزة وفلسطين وفي لبنان.

فهذه المقاطعة هي نكاية بالعدو وقطع لسبل الإمداد الاقتصادي وزعزعة لهيمنة هذه الشركات الداعمة للكيان الصهيوني وفيها رفع لمعنويات إخواننا المستضعفين وفيها بعث لرسالة للعالم أجمع، وأن هذه الأمة أمة حية، وأنها يشد بعضها بعضا، وأنها إزاء مواجهتها لعدوها فإنها تقف صفا مرصوصا ويدا واحدة، وأن يوقن الناس أن ذلك من أسباب استمطار رحمة الله عز وجل ونصره لعباده المستضعفين، فهذا مما هو متاح في أيدي الناس ويحمل كل هذه المعاني والدلالات ويستند إلى هذه الأدلة الشرعية، فلا التفات إلى ما يزعمه المثبطون والمتقاعسون والمتكاسلون.

فهذا الدين دين واقعي يتعامل مع هذه الأمور بواقعية لكنه يغلب المصالح العليا للأمة ويغتفر المضار الصغيرة فدعوة البعض بأن بعض هذه الشركات تشغل عددا من القوى العاملة الوطنية هذه مزاعم فارغة، لأن الصحيح أن هذه الشركات الكبرى لا تشغل من القوى العاملة الوطنية إلا نزرا يسيرا ونسبة قليلة منهم، وهذه حقيقة يدركها كل أحد من المطاعم والمقاهي بهذه العلامات التجارية المعروفة المؤيدة للشركات الكبرى في مختلف أنواع السلع والخدمات، فإنها لا تشغل قوى عاملة محلية وطنية إلا بمقدار يسير ولعلها في بعض الوظائف فقط ومع ذلك فما من شيء من التكاليف الشرعية ومما أمرنا الله عز وجل به إلا وفيه قدر من التكليف المقدور عليه المستطاع، وهذا ابتلاء لنا، فالحياة ابتلاء، فالله تعالى يقول: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» وقال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» هذه العبادة استقامة والتزام وتدين وصلاح وأمر بمعروف ونهي عن منكر، هذه كلها وراءها تكاليف لا بد أن يحمل المرء نفسه عليها، وأن يتحمل تبعاتها، وأن يوجد الحلول إذا كانت هناك منتجات محلية فينبغي أن تشجع، وأن تنشأ شركات وطنية لإيجاد البدائل المناسبة لهذه السلع والخدمات والمنافع، التي تعتبر فرصة مواتية لأرباب الأموال ولأصحاب العقول والمهارات ويبتكروا ويوجدوا صناعات وسلعا محلية وطنية، وأن يشغلوا فيها الشباب العمانيين والقوى العاملة الوطنية.

في قوله تعالى: «مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ» ما هو العبقري الحسان؟ الرفرف هو البسط عند كثير من المفسرين وقيل طرف الفسطاط، والفاضل من الفرش، والبسط ويقصد به ما يوشى به ويزين الفراش أو البساط، كناية عن وثارة ذلك الفراش أو البساط، والعبقري هذا الوصف يستعمل في العربية لوصف ما تناهى في الحسن، وفاق في الجمال، فيوصف بأنه عبقري، آخذا هذا الوصف مما كانوا يتصورونه بأن هذه الأرض هي أرض الجن فتأتي بالعجيب الغريب متناهيا في الدقة والجمال، فإنهم يصفونه بأنه عبقري من الماديات أو حتى من المعنويات فكأنه ينتسب إلى عالم بلغة المعاصرة، عالم من الإبداع والإتقان والحسن والجمال، فهنا الوصف أيضا للفرش والبسط في هذه الآية الكريمة والله تعالى أعلم.

يقول السائل: رغم المكانة السامية التي يتبوأها حامل العلم وصاحب الإيمان إلا أنه قد يكون هناك فراغ بينهم وبين مكارم الأخلاق وحسن المعاملة، أود من فضيلتكم أن تحدثنا عن أهمية اقتران العلم والإيمان بمكارم الأخلاق. أما اقتران مكارم الأخلاق بالعلم والإيمان فهذا ظاهر في أجل صوره فيما وصف به ربنا تبارك وتعالى نبيه الكريم حينما قال: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» فإن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله الذي بوئ هذه المنزلة جعل خلقه دليل صدق للقرآن، إلى هذا الحد أثر هذا الوصف الشريف الباذخ الذي وصف به ربنا جل وعلا نبيه محمد صلى الله عليـه وسلم في هذه الآية الكريمة، فهي شهادة من الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يظهر معاني الإيمان وحقيقته وجوهره وحسن الاستقامة والتدين لله عز وجل فإنها تظهر للناس في حسن الخلق ولذلك وصف خلقه عليه الصلاة والسلام بأنه خلق عظيم، ثم جعل هذا الوصف دليلا على صدق القرآن نفسه فخلقه عليه الصلاة والسلام دليل صدق القرآن الكريم إذ لو وجد مطعن في خلقه لطعن في هذه الآية الكريمة وهذا يعني طعن في القرآن نفسه، ولكن لم يوجد عاقل منصف يقبل قوله طعن في خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو من خصومه، فيكفينا أن نتبين هذه المنزلة العظيمة للخلق لمن كان في منزلة أعلى علما ودينا، فإن ذوي العلم هم أولى الناس أن يتمثلوا أخلاق القرآن الكريم وأن يتأسوا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وربنا تبارك وتعالى وصف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بوصف دقيق يبين أثر الخلق وهو النبي المسدد بالوحي، الذي يعرف أصحابه رضوان الله تعالى عليهم منزلته ومكانته فيهم ومع ذلك فإنه يقول: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذا قلب رحيم، وكان واسع الحلم، كان في الذروة من الأخلاق، ولذلك وصفه ربه بقوله «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ» كان لين الجانب لأصحابه صلى الله عليه وسلم، ثم بيّن ما يمكن أن يكون عليه الحال لو لم يكن هو عليه الصلاة والسلام على هذا الخلق العظيم وعلى لين الجانب ورحمة القلب بأصحابه وبأمته، فقال: «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» والحديث يطول في معنى لانفضوا من حولك، فمن يقرأ كلام الإمام الطبري في هذا الموضع، وكلام الإمام القرطبي في هذا الموضع لرأى أمرا عجبا في معنى الانفضاض عنه عليه الصلاة والسلام من أصحابه المذكورين، هنا أتذكر بعضا منها، ثم إلى آخر ما نتصور من الانفضاض عنه عليه الصلاة والسلام فبعضهم لطّف العبارة وقال: تفرقوا عنك، ولكن منهم من نص وقال: لتركوك وتركوا ما جئت به إلى هذا الحد. فالمسألة مسألة ذات شأن عظيم فقد يورث الخلق السيئ نفرة عن الدين كله، وقد يورث انكفاء عن الاستقامة والصلاح.

ولذلك بعد هذا الجزء في الآية الكريمة يذكرهم ربنا تبارك وتعالى بالأصول والمبادئ التي لا بد أن تراعى في إقامة أول مجتمع المسلمين، «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» الأعجب هو ما جاء بعد هذه الآية مباشرة قال: «إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» وها هو عليه الصلاة والسلام يقول: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، ويقول: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» ويقول: «إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق»، فأولى الناس بتمثل هذه الأخلاق العالية والسمت الرفيع والأدب الجم هم أولو العلم المنظور إليهم، وهم ذو المكانة التي يتأسى الناس بأقوالهم وأفعالهم ويتخذونهم قدوات ولا بد للمجتمع من قدوات حسنة تحرص على أن تكون في الذروة من الأخلاق الرفيعة العالية وأن يصبروا على أذى الناس، وأن يكظموا غيظهم، وأن يتجملوا بالحلم، وأن يوسعوا صدورهم للناس، حتى أن بعض المفسرين يقول: إن في قول الله تبارك وتعالى: «ألم نشرح لك صدرك» شرح الصدر هذا هو من إعدال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتحمل أعباء الوحي والتبليغ فإن من كان في هذه المنزلة لا بد أن يكون واسع الأفق، منشرح الصدر، محتملا لأذى الغير، صبورا حليما متحليا بأعلى الخلال وأجمل الفضائل، فهذا هو الرابط المتين الذي نجده بين العلم والأخلاق في ديننا الحنيف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم رسول الله صلى الله علیه وسلم علیه الصلاة والسلام الآیة الکریمة تبارک وتعالى هذه الشرکات الله عز وجل الله تعالى هذه الآیة هذا الوصف أن یکون ذلک فی کان فی فی هذه

إقرأ أيضاً:

هل التوسل بالنبي في الدعاء حرام شرعا؟.. الإفتاء توضح

أكدت دار الإفتاء المصرية، أن علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها أجمعوا على جواز واستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم، واتفقوا على أن ذلك مشروعٌ قطعًا ولا حرمة فيه، وهو ما ندين الله به؛ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبٌّ وأحد صيغ الدعاء إلى الله عز وجل المندوب إليها، ولا عبرة بمن شذ عن إجماع العلماء.

وأضافت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، أن القول في التوسل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الله الصالحين؛ فإن جمهور العلماء أكدوا على أنه مشروعٌ ولا حرمة فيه.

أدلة جواز التوسل بالنبي من القرآن

وذكرت دار الإفتاء عددا من الأدلة التي تبين جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن، وفي السطور التالية بيانها:

هل صيام 6 أيام من شوال ثوابه يعادل صوم العمر كله؟.. الإفتاء: بشرطهل تصح صلاة المرأة بجوار زوجها بسبب ضيق المكان؟.. الإفتاء توضحهل يتحقق ثواب الجماعة بأداء الرجل الصلوات المفروضة مع زوجته؟.. الإفتاء توضحهل نسيان النية في صيام الست من شوال يبطلها؟.. الإفتاء توضح الحكم

1- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35]. وفي ذلك أمرٌ للمؤمنين أن يتقربوا إلى الله بشتى أنواع القربات، والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء من القربات التي ستثبت تفصيلًا في استعراض أدلة السُّنة، وليس هناك ما يُخَصِّصُ وسيلةً عن وسيلة، فالأمرُ عام بكل أنواع الوسائل التي يرضى الله بها، والدعاء عبادة، ويُقبل ما دام أنه لم يكن بقطيعة رحم أو إثم، أو احتوى على ألفاظ تتعارض مع أصول العقيدة ومبادئ الإسلام.

2- قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]. وفي هذه الآية يُثنِي الله عز وجل على هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا لله، وتقربوا إليه بالوسيلة في الدعاء.

3- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]. وهذه الآية صريحة في طلب الله من المؤمنين الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغفار الله عند ذاته صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة، وأن ذلك أرجى في قبول استغفارهم، وهذه الآية باقية وحكمها باقٍ.

أدلة جواز التوسل بالنبي من السنة النبوية

1- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني، قال: «إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك»، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: «اللهم إني أَسألُكَ وأَتَوَجَّه إليكَ بنبيكَ محمدٍ نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجَّهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه فِيَّ» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصحَّحه جماعة من الحفاظ منهم: الترمذي وابن خزيمة والطبراني والحاكم.

وهذا الحديث دليلٌ على استحباب هذه الصيغة من الأدعية؛ حيث علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد أصحابه، وأظهر الله معجزة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث استجاب لدعاء الضرير في نفس المجلس، وإذا علَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا من أصحابه صيغةً للدعاء ونُقِلَتْ إلينا بالسند الصحيح دلَّ ذلك على استحباب الدعاء بها في كل الأوقات حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وليس هناك مُخَصِّصٌ لهذا الدعاء لذلك الصحابي وحده، ولا مُقَيِّد لذلك بحياته صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالأصل في الأحكام والتشريعات أنها مطلقة وعامة، إلا أن يثبت المخصِّص أو المقيِّد لها.

قال الشوكاني في "تحفة الذاكرين" (ص: 212، ط. دار القلم): [وفي الحديث دليل جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن] اهـ.

ومما يدل على أن هذا الدعاء عامٌّ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد انتقاله الشريف أن ذلك الصحابي الجليل أرشد من له حاجة إلى هذا الدعاء بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك فيما رواه الطبراني في "المعجم الصغير"، والبيهقي في "دلائل النبوة": "أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف رضي الله عنه، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف رضي الله عنه: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصلِّ فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضى لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورُحْ إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قاله له، ثم أتى باب عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان وأجلسه معه على الطُّنفسة، وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل ضرير ..." ثم ذكر الحديث.

قال العلامة الحافظ السيد عبد الله بن الصديق الغماري: وهذا إسناد صحيح؛ فالقصة صحيحة جدًّا، وقد وافق على تصحيحها أيضًا الحافظ المنذري في "الترغيب"، والحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد". اهـ.

والقصة تدل على ما يدل عليه الحديث مع إغلاق الباب على مَن حاول أن يزعم أن الحديث خاص بحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مُخَصِّص كما ذكرنا، ولكن ذلك يشد العضد ويؤيد الصواب إن شاء الله تعالى.

2- حديث الخروج إلى المسجد للصلاة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي؛ فإني لم أخرج أشَرًا ولا بَطَرًا ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكَّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته» رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة، وهو حديث صحيح، صحَّحَهُ كلٌّ من الحافظ البغوي، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري، والحافظ الدمياطي، والحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني.

والحديث يدل على جواز التوسل إلى الله في الدعاء بالعمل الصالح وهو سير المتوضئ إلى الصلاة، وبحق السائلين لله.

3- حديث أنس رضي الله عنه عند موت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، وهو حديث طويل، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين» رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" وغيرهما. والحديث في سنده مقال، إلا أن معناه مُؤَيَّد بما مر من أحاديث صحيحة.

4- توسل آدم عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن يغفر الله له، وذلك في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت مُحمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لأنك لَمَّا خلقتني بيدك، ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم؛ إنه لأحب الخلق إليَّ، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك» رواه الطبراني في "الأوسط" والحاكم في "المستدرك"، وقد صححه الحاكم حيث عقبه بقوله: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

وقد بالغ الحافظ الذهبي عندما حكم بوضعه؛ لأن في سنده عبد الرحمن، وعبد الرحمن ليس بكذاب ولا متهم، بل هو ضعيف فقط، ومثله لا يجعل الحديث موضوعًا، وأقصى ما فيه أن يكون ضعيفًا، والضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال، وفي الحديث دلالة واضحة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء.

5- حديث «أعينوا عباد الله»؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من نوى الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلينادِ: أعينوا عباد الله» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" والطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال عن سنده الحافظ الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات.

وفي الحديث دليل على الاستعانة بمخلوقات لا نراها، قد يسببها الله عز وجل في عوننا ونتوسل بها إلى ربنا في تحقيق المراد كالملائكة، ولا يبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين؛ فهي أجسام نورانية باقية في عالمها.

6- قصة الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره في زمن عمر، فعن مالك الدار وكان خازن عمر قال: "أصابَ الناسَ قحطٌ في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال: ائتِ عمر، فأقرئه مني السلام، وأخبره أنهم يُسقَون، وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت". رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وهو حديث صحيح صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال في "فتح الباري" ما نصه: "وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتِي الرجل في المنام فقيل له: ائتِ عمر... الحديث، وقد روى سيف في "الفتوح" أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة" اهـ. وهذه الرواية صحح إسنادَها كذلك الحافظُ ابن كثير في "البداية والنهاية"، وصححها أيضًا كبار الحفاظ، فتصلح أن تكون دليلًا على جواز الطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاستسقاء والدعاء بعد انتقاله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.

7- قصة الخليفة المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه وهي: "أن مالكًا رضي الله عنه لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي ثاني خلفاء بني العباس: يا أبا عبد الله أَأَستقبلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله عز وجل يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله" اهـ.

وفيه إشارة إلى اعتبار حديث توسل آدم عليه السلام عند الإمام مالك، وأنه يرى أن من الخير استقبال قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستشفاع به صلى الله عليه وآله وسلم. وقد روى هذه القصة أبو الحسن علي بن فهر في كتابه "فضائل مالك" بإسناد لا بأس به، وأخرجها القاضي عياض في "الشفاء" من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه، كذلك ذكره السبكي في "شفاء السقام"، والسمهودي في "وفاء الوفاء"، والقسطلاني في "المواهب اللدنية"، قال ابن حجر الهيثمي في "الجوهر المنظم": قد رُوِيَ هذا بسند صحيح، وقال العلامة الزرقاني في "شرح المواهب": إن ابن فهر ذكر هذا بسند حسن، وذكره القاضي عياض بسند صحيح.

وللعلامة الشوكاني كلام نفيس في هذه المسألة ننقله على طوله لِمَا فيه من الفوائد، يقول رحمه الله تعالى في كتابه "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد": [وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث فيه، ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في "سننه" والترمذي وصححه وابن ماجه وغيرهم: أن أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت في بصري فادعُ الله لي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «توضَّأ وصلِّ ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد إني أستشفع بك في رد بصري، اللهم شفع النبي فِيَّ، وقال: فإن كان لك حاجة فمثل ذلك»، فَرَدَّ اللهُ بصرَه. وللناس في معنى هذا قولان:

أحدهما: أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لَمَّا قال: كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، وهو في "صحيح البخاري" وغيره، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته في الاستسقاء، ثم توسل بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه، فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعًا وداعيًا لهم.

والقول الثاني: أن التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه، ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعًا سكوتيًّا؛ لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في التوسل بالعباس رضي الله عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لأمرين؛ الأول: ما عرَّفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم. والثاني: أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسلٌ بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة؛ إذ لا يكون الفاضل فاضلًا إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في "الصحيحين" وغيرهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة؛ أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله، فارتفعت الصخرة"، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركًا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم، وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصُّلَحاء من نحو قوله تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، ونحو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ [الرعد:14]، ليس بواردٍ، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه؛ فإن قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] مصرِّح بأنهم عبدوهم لذلك، والمتوسل بالعالم مثلًا لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18] فإنه نهيٌ عن أن يُدعَى مع الله غيرُه كأن يقول: بالله وبفلان، والمتوسِّل بالعالم مثلًا لم يَدْعُ إلا الله، فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عَمِلَه بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم، وكذلك قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الرعد: 14]. فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم، والمتوسل بالعالم مثلًا لم يَدْعُ إلا الله ولم يَدْعُ غيرَه دونه ولا دعا غيره معه، وإذا عرفت هذا لم يَخْفَ عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجًا زائدَا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ۝ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ۝ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ﴾ [الانفطار: 17-19]. فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبيًّا أو غير نبي فهو في ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الأعراف: 188]. فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر الله شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فكيف يملك لغيره، وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء، وقد جعل الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى، وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له: "سل تُعطه واشفع تشفع". وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]: «يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئًا، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئًا». فإن هذا ليس فيه إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلًا عن غيرهم شيئًا من الله، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يُتوسَّل به إلى الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببًا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين] انتهى كلام الشوكاني.

مقالات مشابهة

  • حكم زيارة القبور والأضرحة في الإسلام.. أمين الفتوى يجيب
  • طاعات بعد رمضان.. عبادات احرص عليها في هذه الأيام
  • استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة
  • آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها
  • هل التوسل بالنبي في الدعاء حرام شرعا؟.. الإفتاء توضح
  • سماحة المفتي العام و”نائبه” يستقبلان المهنئين بعيد الفطر
  • المفتي العام ونائبه يستقبلان المهنئين بعيد الفطر المبارك
  • المفتي العام يحذر من تداول نسخة من القرآن الكريم
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
  • ( 1.587 ) مليون مؤمّن عليه فعال بالضمان الاجتماعي