بائع السميت.. قصة تركية تتحدى الزمن
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
إسطنبول ـ هذه المدينة التاريخية التي تجمع بين حضارات الشرق والغرب، تعيش كل يوم على إيقاع حياة مليئة بالحركة والجمال، في خضم هذا الحراك، يظهر بائع السميت، المعروف باسم "فارس الشارع"، الذي يجوب شوارع المدينة حاملا معه عبق الماضي العريق ونكهة الحاضر المفعم بالحياة، فالسميت بالنسبة للأتراك ليس مجرد خبز، بل هو أحد أبرز رموز الحياة اليومية.
قديما، كان بائع السميت يبدأ يومه مع الفجر، حيث يُحضّر العجين بحبٍ وإتقان، ويزين عربته بألوان زاهية، ويرتدي طاقيته التقليدية، وبحلول الصباح الباكر، تنتشر رائحة السميط الطازج في الهواء، لتصبح دعوة لا تُقاوم للمارة، ومع نغمة صوته المميزة حين ينادي "سميت! سميت!" يصبح البائع جزءًا لا يتجزأ من الموسيقى اليومية في شوارع إسطنبول الصاخبة.
أما حاليا، ونظرا للطلب الكبير والصعوبة في الإنتاج، لا يقوم معظم بائعي السميت في إسطنبول بتحضيره بأنفسهم، بل يحصلون عليه من المخابز التي تقوم بإنتاجه بكميات كبيرة خلال ساعات الصباح الباكر.
عربة بائع السميت تجذب السياح الراغبين في تذوق نكهته الإسطنبولية المميزة (الجزيرة) عبق العثمانيين في كل لقمةيعود تاريخ السميت إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، فقد كان جزءا من المأكولات الشعبية التي تتزين بها الأسواق القديمة، ويتميز بشكله الدائري المغطى بالسمسم المحمص، ويُحضّر من دقيق القمح والدبس، ليحصل على لونه الذهبي المميز.
وقد وثق الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611-1682م) ذكر السميت وباعته الجائلين في كتابه الشهير "سياحت نامه" أو "كتاب الرحلات" خلال تجوله في إسطنبول في القرن السابع عشر الميلادي.
وأشار جلبي إلى وجود 70 مخبزًا متخصصًا في إنتاج السميت في المدينة، وكان هؤلاء الباعة جزءا أصيلا من مشهد الشارع اليومي، إذ يتنقلون بين الأحياء حاملين صواني السميت على رؤوسهم، يغطونها بمفارش ذي ألوان مبهجة للحفاظ على نظافته، وحمايته من أتربة الطرقات.
اشتهر باعة السميت بقدرتهم على تلبية حاجات العامة في وقت كانت الظروف الاقتصادية تتطلب توفير مأكولات سريعة وفي متناول الأيدي، ولا يزال السميط يحتفظ بمكانته كرمزٍ للأصالة والذكريات لدى الأتراك إلى يومنا هذا.
ومع مرور الزمن، تطورت طرق تحضير السميت، فظهرت نكهات جديدة كإضافة الجبن أو الزيتون، أو حتى الشوكولاتة. ورغم انتشار المحال المتخصصة في بيع أنواع السميت المختلفة، ظل البائع المتجول يحمل نكهة الماضي ويقدمها بحب للزبائن الذين يبحثون عن الأصالة في كل قطمة.
معدل التضخم أثر على سعر السميط (غيتي إيميجز) الأتراك والسميت.. عشقٌ لا ينتهييستهلك الأتراك ما يزيد عن 2.5 مليون قطعة سميت يوميًا في مدينة إسطنبول وحدها، مما يجعله أكثر المأكولات شعبية في البلاد. وينتشر آلاف الباعة الجائلين في عموم المدينة وأحيائها وأزقتها الضيقة، فهذا الخبز بالنسبة للأتراك أكثر من مجرد طعام.
كما أن باعته الجائلين يشكلون جزءًا من تاريخ المدينة العتيق، ونسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها، في رمزية بسيطة تصل الماضي بالحاضر في سيمفونية تعزف على طرقاتها بصورة يومية، حينما يتجمع المارة عند عربات السميت، الذي يتناولونه في الغالب مع كوب من الشاي الساخن، كأحد الطقوس اليومية التي لا غنى لهم عنها.
بائع السميط.. حنين إلى الماضي بكل تفاصيله (الجزيرة) عقبات وهمومووفقا لآخر الإحصاءات، فهناك نحو مليون بائع متجول في شوارع مدينة إسطنبول وحدها، من بينهم نحو 8 آلاف يعملون في بيع السميت، إلا أن هناك من أشار إلى أن العدد المذكور يعود إلى المسجلين قانونا لدى البلدية، وأن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
ورغم بساطته، إلا أن هذا الخبز التركي الدائري يعد من بين السلع التي أثرت عليها زيادة معدلات التضخم، وباتت القطعة التي كانت تباع إلى وقت قريب بنحو ليرة تركية واحدة، يتراوح سعرها اليوم بين 10 إلى 15 ليرة، ويختلف السعر حسب المنطقة وطريقة البيع.
وقفت إلى جانب أحد باعة السميت الذي يضع عربته المميزة بلونها الأحمر في ميدان إسكودار العتيق، عرفني على اسمه على أنه محمد أو "ميهمت" كما يلفظها الأتراك، قال إن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الباعة الجائلين، ومن بينهم باعة السميت، أقلها صعوبة الطقس خاصة في فصل الشتاء، حيث يعملون في طقس مكشوف لساعات طويلة تصل أحيانا إلى 12 ساعة يومية، في ظروف جوية بالغة البرودة.
وعندما أشرت إلى الزيادة الملحوظة في سعر القطعة الواحدة، تكلم عن الزيادة في تكلفة المكونات الأساسية مثل الطحين والسمسم، الأمر الذي زاد من الضغوط على بائعي السميت المستقلين بالتبعية.
ورغم ما سبق، إلا أن المرونة التي يعمل بها بائع هذا الخبز الشهير، حيث يتنقل بعربته المميزة بين المناطق المزدحمة، جعلته يضمن أكبر قدر من المبيعات، كما أن الدولة أتاحت لهم استخدام المساحات العامة في الميادين والأسواق والشوارع الحيوية، كأحد المشاهد التراثية التي تجذب أنظار السائحين وزوار المدينة.
السميت موجدود بشوارع إسطنبول في كل الأوقات والظروف (رويترز-أرشيف) تجربة لا تنسىومهما ذكرنا من هموم ومشاكل، يبقى تناول السميت من بائع الشارع تجربة فريدة، تحمل نكهة الأصالة والتاريخ في كل لقمة، وقد بلغ من عشق الأتراك لهذا الخبز أن خلدوا بائعه فصنعوا له تمثالا شهيرا، يتمركز في أحد ميادين المنطقة التاريخية في حي إمينونو، بالقرب من السوق المصري، في ملمح جلي على أن بائع السميت، يحمل في جعبته حنينا إلى الماضي وذكرياته الخالدة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
سفينة مساعدات تركية تصل لبنان
أنقرة (زمان التركية) – وصلت إلى لبنان سفينة مساعدات إنسانية، انطلقت في إطار حملة “حشد المساعدات للبنان الآن”، التي دشنتها منظمات مدنية في تركيا.
ورست السفينة المحملة بألف طن من المساعدات بميناء بيروت، في ظل الهجمات التي تستهدف المدنيين الأبرياء، بفعل الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان.
وتم إعداد السفينة بشكل مشترك من قبل هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات IHH، وجمعية حجر الولاء، ومؤسسة اليتيم، وجمعية أطفال الأرض، وجمعية الإغاثة الإنسانية الدولية فقط، ومؤسسة فتح، وجمعية أطباء المعونة الدولية، وجمعية كن أملا للإغاثة الإنسانية، ومؤسسة دار الأيتام.
واستقبل السفينة الإغاثية بميناء بيروت كل من النائب عن حزب العدالة والتنمية، حسن طوران، ورئيس مجموعة الصداقة البرلمانية اللبنانية التركية، حسن مراد، وسفير تركيا في بيروت، علي باريش أولوسوي، والأمين العام لهيئة المعونة العليا اللبنانية، محمد هاير، وممثلو المنظمات غير الحكومية.
وصرح سفير تركيا في بيروت علي باريش أولوسوي خلال استقبال السفينة أن تركيا مع لبنان بكل الوسائل، قائلا: “اليوم نثبت مرة أخرى أننا لم نتخلى على لبنان، الذي يعاني من أزمة انسانية تتفاق ويتعرض للهجمات الاسرائيلية، رفقة مؤسسات المجتمع المدني وليس فقط المؤسسات الحكومية.
وأوضح النائب عن حزب العدالة والتنمية، حسن طوران، في كلمته بأنهم مع لبنان قائلا: “لقد كنا دائمًا مع شعب لبنان ولبنان عبر تنسيق منظمات المجتمع المدني”.
أشار البيان الصادر أن السفينة وصلت وعلى متنها 259 قطعة من معدات البحث والإنقاذ و 31 ألف و 554 بطانية و 9 آلاف و 484 قطعة من حفاضات الأطفال و 4 آلاف و 900 طرد غذائي و 494 قطعة من حفاضات المرضى و 3 آلاف و 168 علبة من الحلاوة زنة 500 جرام و 2 ألف و709 قطعة من المناديل المبللة و 155 ألف و 500 وعاء و 10 آلاف عبوة معكرونة و5 آلاف و 200 قطعة من العدس و 167 ألف و 137 من منتجات النظافة المختلفة و 395 ألف و 418 وجبة جاهزة للأكل و 8 آلاف و 545 أدوات مكتبية مختلفة و 47 ألف و 892 من المواد الطبية المختلفة و 252 ألف و 96 من مختلف المنسوجات و 418 طرد من الغطاء و 261 طرد من المنديل و 9 آلاف و 524 قطعة من منتجات النظافة الأنثوية و 3 آلاف و 698 قطعة من الزيت السائل و 47 ألف و 464 قطعة من الطعام و 20 من معدات الخيام والقماش المشمع و 3 آلاف و 588 قطعة من منظف الصحون و 5 آلاف و 761 قطعة من منظف الملابس و 40 ألف و 550 كوب كرتوني و 5 آلاف و 940 قطعة من بسكويت الأطفال و 2 ألف و 772 طرد من حليب الأطفال و 4 آلاف و53 قطعة من النعال و 24 ألف قطعة من الأسرة والإسفنجة.
Tags: الحرب الاسرائيلية على لبنانالمساعدات التركية إلى لبنانميناء بيروت