كيفية تغسيل المرأة إذا ماتت وهي حائض.. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "هل تُغسَّل المرأة إذا ماتت وهي في حال العذر الشرعي (الحيض) غسلًا واحدًا أو غسلين؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه إذا ماتت المرأة وهي حائض فإنها كغيرها من أموات المسلمين، تغسَّل غسلًا واحدًا هو غسل الموت، أمَّا الغسل من الحيض فلا يلزم؛ لأنَّها بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة، ولعدم ورود ما يدل على التفرقة في الغسل بين من مات حائضًا وغيره، فلما لم يدل دليل على وجوب التفرقة بقي حكمهما واحد، وهو وجوب غسل واحد.
شرع الله تعالى الغسل في حق من مات من المسلمين رجلًا كان أو امرأة؛ تكريمًا لإنسانيته، وتنظيفًا لجسده، وتفضيلًا له على سائر المخلوقات، وجعله واجبًا على الكفاية في حق غيره من المسلمين الأحياء، لا يسعهم جميعًا تركه؛ لما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا خَرَّ من بعيره، فوُقِصَ فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".
وهو من الواجبات الكفائية على الأحياء تجاه الميت بالإجماع.
قال العلامة أكمل الدين البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 105، ط. دار الفكر): [وهو -أي: غسل الميت- واجب على الأحياء بالإجماع] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 128، ط. المنيرية): [وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين] اهـ.
عدد الأغسال اللازمة للمرأة إذا ماتت حال حيضها
أمَّا ما يلزم للمرأة الحائض من غسل إذا ماتت حال حيضها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها كغيرها من أموات المسلمين، لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، أمَّا غسل الحيض فلا يلزم؛ لأنَّ الحائض بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة؛ لأنها بموتها سقط عنها فرض الصلاة، وإذا سقط عنها فرض الصلاة، سقط عنها فرض الطهارة وهو الغسل التي تؤدي به الصلاة.
قال العلامة الشرنبلالي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 213، ط. المكتبة العصرية) فيما يُفعل بالميت عند تغسيله: [(وُضِّئ)... إلا أن يكون صغيرًا لا يعقل الصلاة فلا يوضأ، (بلا مضمضة واستنشاق) للتعسر، ويمسح فمه وأنفه بخرقة، عليه عمل الناس، (إلا أن يكون جنبًا) أو حائضًا أو نفساء، فيكلف غسل فمه وأنفه؛ تتميمًا لطهارته] اهـ.
وقال الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 117، ط. دار الكتب العلمية): [(ويوضأ) من يؤمر بالصلاة (بلا مضمضة واستنشاق) للحرج، وقيل: يفعلان بخرقة، وعليه العمل اليوم، ولو كان جنبًا أو حائضًا أو نفساء فُعلا اتفاقًا تتميمًا للطهارة] اهـ.
فأفاد ذلك أن المغسِّل مكلف بمضمضة الحائض واستنشاقها، ولم يوجبوا في حق من ماتت حائضًا غسلًا آخر غير غسل الموت، ولو كان واجبًا لما اكتفوا بالمضمضة والاستنشاق في خصوصهما.
وقال الشيخ محمد عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 519، ط. دار الفكر): [ولا يغسل شهيد المعترك إن كان غير جنب، بل (وإن أجنب) أي كان شهيد المعترك جنبًا أو حائضًا أو نفساء... لانقطاع التكليف بالموت...؛ لأن غسل الجنب عبادة متوجهة على الأحياء عند القيام للصلاة، وقد ارتفعت عن الميت] اهـ. ومثل الجنب في ذلك الحائض.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 46، ط. دار الكتب العلمية): [(ويغسل الجنب والحائض) والنفساء (والميت بلا كراهة)؛ لأنهما طاهران كغيرهما، (وإذا ماتا غسلا غسلًا واحدًا فقط)؛ لأن الغسل الذي كان عليهما انقطع بالموت، كما تقدم في الشهيد الجنب] اهـ.
وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (2/ 101-102، ط. دار الكتب العلمية): [(والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل يسقط غسلهما بغسل الموت)؛ لتداخل الموجبات، كما تقدم فيما إذا اجتمعت أحداث توجب وضوءًا أو غسلًا، ونوى أحدهما ارتفع سائرها] اهـ.
وقد حَكى الإمام ابن المنذر، والإمام ابن القطان هذا القول عن عامة أهل العلم جميعًا، واختاروه.
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 340، ط. دار طيبة): [واختلفوا في الجنب والحائض يموتان كم يغسلان؟... وروينا عن عطاء أنه قال: «يصنع بهما ما يصنع بغيرهما»؛ قال أبو بكر: وهذا قول عوام أهل العلم، وبه نقول؛ وذلك أنا لا نعلم فيما سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم من غسل الموتى تفريقًا بين من مات منهم جنبًا، أو غير جنب، أو حائضًا، وقد يجنب الرجل في غير وقت الصلاة، وإنما يجب عليه الاغتسال إذا دخل وقت الصلاة، فيؤدي فرض الصلاة، وإذا سقط بوفاته عنه فرض الصلاة أشبه أن يسقط عنه فرض الطهارة التي تؤدى بها الصلاة] اهـ.
وقال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 183، ط. الفاروق الحديثة): [الجنب والحائض إذا ماتا يصنع بهما ما يصنع بغيرهما، وهذا قول كل من أحفظ عنه من أهل العلم] اهـ.
وما ذكرناه متفق مع ما قرَّر الفقهاء من أن الغسل لا يتعدد بتعدد موجبه؛ فلو اجتمعت على المرأة أحداث توجب الغسل؛ كالحيض مع الجنابة، أو الوطء مرات عديدة، أو التقاء الختانين مع الإنزال -ومثله اجتماع حدث الموت مع حدث الحيض-؛ فإنه يجزئها غسل واحد تنوي به رفع الأحداث جميعها؛ لأن الموجب واحد فتداخلا.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 169، بحاشية ابن عابدين- ط. دار الفكر): [يكفي غسلٌ واحدٌ لعيدٍ وجمعةٍ اجتمعا مع جنابةٍ، كما لِفَرْضَيْ جنابةٍ وحيضٍ] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 130، ط. دار الفكر): [الأحداث إذا كان موجبها واحدًا واجتمعت تداخل حكمها وناب موجب أحدها عن الآخر] اهـ.
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 34، ط. دار المنهاج): [وإن مات الجنب أو الحائض... غُسِّلَا غسلًا واحدًا...؛ لأن موجبهما واحد، وهو الحدث، فتداخلا؛ كغسل الجنابة والحيض في حال الحياة] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (6/ 70-71، ط. دار هجر): [والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل...؛ لأنهما خرجا من أحكام التكليف، ولم يبق عليهما عبادة واجبة، وإنما الغسل للميت تعبد، وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة، وهذا يحصل بغسلة واحدة، ولأن الغسل الواحد يجزئ من وجد في حقه شيئان، كالحيض والجنابة، كذا هذا] اهـ.
وذهب الإمام الحسن البصري إلى أن المرأة الحائض إذا ماتت، فإنها تغسَّل غسلين، أحدهما: غسل الحيض، والآخر: غسل الموت، ولا يُكتَفى بتغسيلها غسل واحد.
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 340، ط. دار طيبة) [واختلفوا في الجنب والحائض يموتان كم يغسلان؟ فكان الحسن يقول: "يغسل الجنب غسل الجنابة، والحائض غسل الحيض، ثم يغسلان غسل الميت"] اهـ.
فقد ورد في الأثر عن أشعث، عن الحسن، قال: "إِذَا مَاتَ الْجُنُبُ، قَالَ: يُغَسَّلُ غُسْلًا لِجَنَابَتِهِ، وَيُغَسَّلُ غُسْلَ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُغَسَّلَ" أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في "مصنفه".
إلَّا أن هذا القول ليس على إطلاقه، بل مقيد بكونها طهرت من الحيض حال حياتها، ثم ماتت قبل أن تغتسل؛ بمعنى: أنها قد وجب عليها الغسل أثناء حياتها، فلم تفعله حتى ماتت، أما إذا ماتت حال كونها حائضًا، فإنه مع جمهور الفقهاء في أنها كغيرها من أموات المسلمين لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، ولا يجب أن تغسَّل غسل الحيض.
المختار للفتوى في هذا المسألة
المختار للفتوى هو قول جمهور الفقهاء من أن المرأة الحائض إذا ماتت حال حيضها أو بعد طهرها من الحيض ولم تغتسل فإنها كغيرها من أموات المسلمين، لا يلزم لها إلا غسل واحد، وهو غسل الموت، أمَّا الغسل من الحيض فلا يلزم؛ لأنَّها بموتها قد خرجت من أحكام التكليف، ولم يبقَ عليها عبادة واجبة، ولعدم ورود ما يدل على التفرقة في الغسل بين من مات حائضًا وغيره، فلما لم يدل دليل على وجوب التفرقة بقي حكمهما واحد، وهو وجوب غسل واحد.
الخلاصة
بناءً على ما سبق: فإذا ماتت المرأة وهي حائض فإنها كغيرها من أموات المسلمين، تغسَّل غسلًا واحدًا هو غسل الموت، ويسقط غسل الحيض؛ لسقوط التكليف عنها بالموت.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اهـ وقال الإمام قال الإمام وقال الشیخ الإمام ابن فرض الصلاة ر الفقهاء دار الفکر غسل المیت غسل الحیض من الحیض فی الغسل ولم یبق ا الغسل لا یلزم ا غسل ا من مات
إقرأ أيضاً:
أفطرت أياما من رمضان في شبابي ولا أتذكر عددها.. دار الإفتاء توضح الحل
استقبلت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من أحد الأشخاص يسأل عن حكم الإفطار في أيام من شهر رمضان في شبابه وعدم تذكر عدد تلك الأيام.
أوضح السائل أنه عندما كان شابًا، وتحديدًا في السنة الأولى من زواجه، أفطر عدة أيام من رمضان، لكنه الآن لا يستطيع تحديد عددها بدقة، ويريد معرفة ما يجب عليه فعله الآن بعد أن أصبح رجلًا مسنًا.
إجابة دار الإفتاء عن السؤال
ردت دار الإفتاء المصرية بأن المسلم الذي أفطر أيامًا من رمضان في شبابه، سواء بسبب الزواج أو لأي عذر آخر، عليه أن يقضي هذه الأيام على كل حال.
هل النوم عذر لترك صلاة الفجر وأدائها في الصباح.. أمين الفتوى يجيب حكم زواج المسلمة من غير المسلم.. علي جمعة يحسم الجدل بـ«الأدلة»
وأضافت الدار أنه إذا كان السائل غير متأكد من عدد الأيام التي أفطرها، فعليه الصيام حتى يتأكد تمامًا من أنه قد أدى ما عليه وأن ذمته أصبحت بريئة من الدين المتعلق بهذه الأيام.
وأشارت دار الإفتاء إلى أنه إذا كان الشخص عاجزًا عن الصوم بسبب التقدم في العمر أو مرض يمنعه من الصيام بشكل دائم، فإن عليه إخراج الفدية عن كل يوم أفطره، وذلك بإطعام مسكين عن كل يوم.
وأوضحت الدار أيضًا أنه في حالة ما إذا كان فساد الصوم في تلك الأيام ناتجًا عن جماع في نهار رمضان، فإن عليه كفارة، وهي صيام شهرين متتابعين، أو إطعام 60 مسكينًا إذا كان غير قادر على الصيام، مشيرة إلى أن الكفارة تكون مرة واحدة فقط حتى وإن تكرر الجماع في أيام متعددة.
التأكيد على أهمية الصيام وحرمة الإفطار بدون عذر
أكدت دار الإفتاء أن صيام شهر رمضان هو فريضة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل، مشيرة إلى قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.
وقد نقلت عن الإمام ابن كثير في تفسيره، أن هذا النص يعد تأكيدًا واضحًا لوجوب الصيام على كل مسلم مقيم يتمتع بصحة جيدة عند دخول شهر رمضان.
كما شددت دار الإفتاء على أن الإفطار عمدًا في نهار رمضان بدون عذر شرعي يُعد من الكبائر التي تنتهك حرمة هذا الشهر الفضيل. واستشهدت بحديث نبوي شريف رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ».
النصيحة الختامية
اختتمت دار الإفتاء بيانها بنصح كل من أفطر في رمضان بغير عذر أن يبادر بالتوبة الصادقة، وأن يسعى لقضاء ما عليه من أيام أو إخراج الفدية إذا كان غير قادر على الصيام، مع ضرورة تقدير عدد الأيام بناءً على غلبة الظن. وبهذا، يسعى المسلم لتطهير ذمته والوفاء بما أوجبه الله عليه.