ماذا يخسر المجتمع والديمقراطية إذا لم يعد الدين يلعب دورًا فيه؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
الكتاب: الديمقراطية تحتاج للدين
المؤلف: هارتموت روزا
الناشر: كوسيل
تقديم الكتاب: جريجور جيسي
الطبعة الأولى
سنة النشر: 2022
عدد الصفحات: 80
لعلَّ من إنجازات الحداثة أنها أخرجت الدين والإله من مركزية الكون ووضعت الإنسان بدلا منه، حيث تموضع هذا الإنسان ـ الكائن الخيّر والعقلاني ـ بوصفه الحاكم المُهيمن القادر صاحب السيادة والجلالة والقدرة.
يَطرح عالم السياسة والاجتماع الألماني الشهير هارتموت روزا بصفته واحدًا من أبرز المفكرين في الجيل الرابع من مدرسة فرانكفورت، والتي تشتهر بنقدها للرأسمالية والسلطة. سؤالَا مركزيًا حول: ماذا يخسر المجتمع، وماذا تخسر الديمقراطية إذا لم يعد الدين يلعب دورًا فيه؟ وما هي فائدة الدين لمستقبلنا كديمقراطية؟ وهل من الحكمة حقًا أن نتخلى عن كنز الدين الغني بالأفكار؟
الحداثة أفقدت البشر القُدرة على الشعور القلبّي فأصبح الشخص يسمع بالأذن ولا يَسمع بالقلب. هذا الشعور أخرج الصفة البشرية عن طبيعتها بالإحساس القلبي وأنتج إنسانا مُغتربًا وغير متصل بأي شيء وعلى كل الأصعدة. افي الكتاب الذي بين أيدينا، وهو بالأصل مُحاضرة مُطولة تحولت لكتاب، يعود المؤلف مجددا للنقد الحاد والمعتاد للحداثة الغربية والأزمات التي أنتجتها بالغرب والعالم بشكل عام. في هذا الكتاب يركز الكتاب على موضوع الديمقراطية وفشلها ومشاكلها في الغرب. ويطرح سؤالًا غير مُعتاد في السياق الألماني على الأقل وهو: هل ديمقراطيتنا بحاجة للدين؟ وهذا بطبيعة الحال سؤالٌ مُستفز إلى حد ما لكثير من علماء السياسة وعلم الاجتماع بالغرب، فالدين شيء من الماضي والتقدم والحداثة تسير بحسبهم باتجاه معاكس. لكن في هذا الكتاب تأتي المجادلة الرئيسية للمؤلف ضمن سياق يطرح حاجتنا للدين لكي تكون ديمقراطيتنا ـ في الغرب ـ أفضل مما هي عليه في الوقت المعاصر.
السياسي الألماني المرموق والكاتب جريجور جيسي يُقدم لهذا الكتاب. يُصرح جريجور جيسي أنه كشخص لا يؤمن بالله لكنه يحذر في نفس الوقت من أن النقد للدين يجب أن لا يطغى على كل الأفكار الدينية السلمية والتي يمكن الاستفادة منها. بل يقول: إنه وفي الوقت الراهن، الأديان فقط هي القادرة على تشكيل الأخلاق والقيم الأساسية بطريقة مُلزمة في المجتمع.
يوضح هارتموت روزا في بداية كتابه أن الحداثة أفقدت البشر القُدرة على الشعور القلبّي فأصبح الشخص يسمع بالأذن ولا يَسمع بالقلب. هذا الشعور أخرج الصفة البشرية عن طبيعتها بالإحساس القلبي وأنتج إنسانا مُغتربًا وغير متصل بأي شيء وعلى كل الأصعدة. المُجتمع الحداثي بحسب الكاتب مُجبر على الاستمرار بالتحسن والتطوير والصعود، والتسريع والمضي قدمُا لدرجة أنه فقَد الإحساس بالمعنى الحقيقي للتقدم. لذا، فالجميع في حالة أزمة مستمرة، والكاتب يسأل هنا، هل بهكذا مُجتمع مأزوم نحن بحاجة للدين والكنيسة؟ الكثيرون بحسب الكاتب لا يريدون أن يكون للدين والكنيسة أي دور بالسياسة. لكن الكاتب يسأل، إذاً لماذا نعطل يوم الأحد - اليوم المُقدس عند المسيحيين - ولماذا يتم تدريس مادة دينية كاثوليكية في المدارس في ألمانيا؟! يطرح الكاتب مثل هذه الأسئلة ليقول: إن للدين دورًا في المجتمع الألماني.
يؤكد الكاتب أنه يؤمن بأن الدين يلعب دورًا في حياة البشر وذلك ببساطة لأن الدين لديه ما يُقدمه للمجتمع. لكن قبل ذلك يوضح هارتموت روزا كيف أن المجتمع الحداثي وقَعَ في أزمات عميقة ومُعقدة. فهو يقول: حتى يكون المجتمع حداثيًا فإنه يجب علينا تحقيق النمو الاقتصادي المُستمر، وزيادة الإنتاجية باستمرار، والسعي لتحقيق الابتكار المستمر في المنتجات والعمليات. هذا يعني، التحسين والنمو المُستمر وبشكل منهجي وهيكلي من أجل بناء المُجتمع والحفاظ عليه وعلى الوضع المؤسسي القائم. والسؤال بالتالي، في أي مجال أو مجالات نريد أن ننمو بالضبط؟!
يُجادل الكاتب أن كل الاحتمالات التي تُقترح للتطوير لها آثار سلبية على المُجتمع، على سبيل المثال، قد يقول أحدهم لنركز في ألمانيا على تصنيع الحواسيب والشرائح الذكية، ولكن الكاتب يقول: كل عامين نقوم بألمانيا برمي مليارات من الأجهزة فقط للتحديث ولهذا عواقب بيئية كارثية على الأرض والبيئة. وبالتالي ليس من العقلانية أن نستثمر في هكذا مجال. وخلاصة القول هنا، إن التطور والنمو لأجل النمو يُشكل خطرًا وإشكالًا كبيرًا على البشر والبيئة، حتى لو قلنا جدلاً لا نريد النمو والتطوير فإن ذلك أيضا سوف يؤسس لمشاكل اقتصادية وانهيارات وزيادة البطالة، لذلك، يمكن القول: إن المجتمع الحداثي وقع في فخ من الصعب الخروج منه بحسب الكاتب.
يبين الكاتب أن منطق المؤسسات الاجتماعية أيضا يخلق بشكل منهجي علاقة عدوانية مع العالم. فالإنسان عليه تطوير نفسه بشكل مُستمر وعليه تعلم مهارات جديدة بكل عام وعليه أن يزيد من إنتاجه مع مرور الوقت وبدون توقف، بعبارة أخرى، قائمة المهام اليومية تزداد يوما بعد يوم وبلا حدود، هذا يؤثر علينا جسديا ونفسيا، فيصبح الإنسان الحداثي عدواني تجاه الآخرين. حتى في الحوارات السياسية يكون شديد العدوانية. الأمر المثير للقلق بشأن الديمقراطيات هو أن الفرد لم يعد يَنظر إلى الآخر على أنه مُجرد شريك سياسي في الحوار وأن علينا التعامل والتفاعل معه وسماع رأيه، بل نتعامل مع الآخر باعتباره عدوا مقززا يجب إسكاته وإقصائه بشكل كامل. ولذلك يوصف الآخر في ألمانيا ـ على سبيل المثال ـ إما أنه نازي أو خائن للوطن.
هذه العلاقة العدوانية تجاه العالم، والتي تأتي من الضغط المستمر من أجل الزيادة، والنمو والتي ليس لها نهاية على الإطلاق لأنه لا يمكن تهدئتها أبدًا ولا يمكن الشعور بالرضا في ظلها، تنعكس على السياسة وتترجم إلى أنماط حياة فردية ومتشائمة وسلوك عدواني. في ظل هذا الوضع التعيس للإنسان الحداثي يسأل الكاتب لماذا تحتاج الديمقراطيات للدين. يقول هارتموت روزا أن الدين يحتوي على العناصر التي يمكن أن تذكرنا بأن العلاقة مع العالم والآخر؟ مُختلفة عن تلك التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والإنتاج وزيادة الإتاحة.
الدين بحسب الكاتب يتمتع بالقوة والتأثير، فهو يمتلك مَخزونًا من الأفكار وترسانة طقوسية مليئة بالأغاني والترانيم والإيماءات والمساحات الملائمة التي يتفاعل بها الفرد مع نفسه والمجتمع. الدين يحتوي أيضا بحسب الكاتب على التقاليد والمُمارسات التي تُشكل لدى الفرد إحساسًا بالشعور بأنه غير مُغترب عن المجتمع والذات. ولهذا فالدين يُعطي معنى للحياة غير ذلك المَعنى الذي تُقدمه الحداثة.الدين بحسب الكاتب يتمتع بالقوة والتأثير، فهو يمتلك مَخزونًا من الأفكار وترسانة طقوسية مليئة بالأغاني والترانيم والإيماءات والمساحات الملائمة التي يتفاعل بها الفرد مع نفسه والمجتمع. الدين يحتوي أيضا بحسب الكاتب على التقاليد والمُمارسات التي تُشكل لدى الفرد إحساسًا بالشعور بأنه غير مُغترب عن المجتمع والذات. ولهذا فالدين يُعطي معنى للحياة غير ذلك المَعنى الذي تُقدمه الحداثة. يؤكد الكاتب في النهاية على أنه إذا فقد المجتمع الدين، إذا نُسي هذا الشكل من المشاركة والتفاعل الموجودة في الممارسة الدينية، فهذا يعني أن هذا المُجتمع سوف ينتهي ويتلاشى.
لا شك أن الكتاب يطرح مُوضوع في غاية الاهمية، لكنه وبكل وضوح عندما يَستخدم الكاتب مفهوم الدين فهو يعني الديانة المسيحية والكاثوليكية تحديدا. رغم أن هارتموت روزا من أهم علماء السياسة وعلم الاجتماع في ألمانيا، إلا إنه يمكن القول: إن مَفهوم الدين لديه سطحي وضيق ومَحصور بالمسيحية وبعض الطقوس فيها.
لا شك أن في الديانة المسيحية لها تراث ومنظومة أخلاقية إلا أن الكاتب تعامل مع الدين من منطلق نفعي. بحيث يمكن القول: إن وجود الدين وجود نفعي في المجتمع بالنسبة للكاتب. وهذا إصرار منه على الالتزام بالعلمانية الحديثة وفكرها مما قد يضعف نقده لها، حيث أن الدين يبدو بحسب الكتاب مُسكن أو دواء مُنشط وليس علاجا ناجعا للأزمات التي تمر بها الديمقراطيات في الغرب تحديدا. وبالتالي فإن المؤلف يقترح علاقة سطحية بين الديمقراطية والدين. فعلى سبيل المثال، لو بحثنا هذا الموضوع من منظور إسلامي، فهناك منظومة أخلاقية واسعة وعميقة من الأخلاق والمبادئ والأنظمة التي تحكم التعامل الاجتماعي والسياسي. مثلا: مفهوم الأمانة الذي يدل الإنسان على فهم عميق لكيفية أنه مُستأمن على نفسه ووقته وصحته وبيئته وعلاقته مع الآخر وما يبنى على ذلك من تصرفات وقواعد حاكمة للسلوك الإنساني، يبقى أن نقول في النهاية أن نقد هارتموت روزا للحداثة والإنسان الحداثي، والغرب وما آلت إليه الديمقراطية بالغرب هو نقد مُهم وعَميق وتجدر دراسته بشكل متأني ودقيق.
*أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اسطنبول صباح الدين زعيم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الديمقراطية الدين علاقات كتاب الديمقراطية الدين عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على سبیل المثال فی ألمانیا أن الدین الم جتمع دور ا فی التی ت بشکل م م جتمع
إقرأ أيضاً:
من يخسر بانتخاب جوزف عون رئيساً؟
كتبت روزانا بو منصف في" النهار": من هي القوى السياسية التي تخسر بانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة الأولى؟
في الواقع العملاني، باستثناء رئيس "التيار الوطني الحر" برئاسة جبران باسيل المعارض علنا لانتخاب عون، لا تتموضع أي من القوى السياسية في خانة الخسارة، بمن في ذلك الثنائي الشيعي، ولو أنه يعترض ضمنا أو يُنقل عنه رفضه عون رئيسا، فيما هذا الرفض قد يكون قابلا للتبدل "بشروط" معينة قد يسعى الثنائي إلى تأمينها في المقابل، أكان من عون أم من الدول الداعمة له. وذريعة أن انتخاب عون يتطلب تعديلا دستوريا تبدو أشبه بمزحة في ظل استباحة الدستور وتفسيره وفق وجهات النظر السياسية، كأنما القوى السياسية نفسها لم تبتكر مخارج لذلك حين توافقها الظروف. لكن الثنائي الشيعي لا يزال يواجه ويمانع لامتلاكه ورقة الصوت الشيعي بكامله في مجلس النواب، ولعدم استضعافه نتيجة إضعاف إسرائيل "حزب الله" وانهيار المحور الإيراني في المنطقة.
من حيث المبدأ، غالبية القوى السياسية تخسر بانتخاب قائد الجيش، لأن ذلك سيُعزى وفق ما تقول هذه القوى نفسها، إلى عجزها عن صياغة توافقات تسمح بالابتعاد عن العودة مجددا إلى انتخاب قائد للجيش، أيا تكن مؤهلاته وصفاته التي قد تسمح له بتبوء سدة الرئاسة الأولى، وخصوصا أن لبنان عرف تجارب كارثية مع قادة للجيش انتخبوا رؤساء، وتحديدا ميشال عون وإميل لحود.
خطوة الحزب التقدمي الاشتراكي دعم ترشيح جوزف عون عدّها البعض مؤشرا لعدم تحمل البلد مزيدا من المراوحة وتضييع الفرص، بالإضافة إلى ضرورة إنضاج انتخاب رئيس تتلاقى حوله أكبر نسبة من الأصوات، فيما أدرجها البعض الآخر في خانة عدم فتح الباب أمام تعقيدات لترشيحات جديدة وفق ما يخشى البعض من موقف حزب "القوات اللبنانية" الملوّح بأحقية سمير جعجع للرئاسة، باعتباره صاحب الكتلة المسيحية الأكبر، وهو ما يعطيه على الأقل أرجحية التأثير الحاسم. ولكن لا تزال قوى سياسية تستقوي بما ينسب إلى سفراء في المجموعة الخماسية عن عدم حماستهم لدعم انتخاب قائد الجيش، وتفضيلهم أن يبقى على رأس المؤسسة العسكرية، ينفذ القرار 1701 واتفاق وقف النار مع إسرائيل. وما يسري على فرنسا في هذا الإطار، والتي ينسب إليها تفضيلها سمير عساف أو زياد بارود، ينسحب على قطر التي ينسب إلى ديبلوماسييها كذلك عدم حماستها لعون، وتفضيلها وصول مرشحين آخرين، على رغم أن قطر من أكبر الداعمين للجيش. وفي هذا الاستقواء استمرار للقوى في التعويل على خلافات بين سفراء الخماسية، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية عن طبيعة تموضع دول الخارج وتلبننها.
إلا أن الإشكالية الأهم أن القوى السياسية التي لا تزال تدور في فلك الأسماء نفسها منذ انتهاء عهد ميشال عون، لم تطور موقفا داخليا يسمح بإنتاج مرشح يحظى بدعم غالبية القوى، إن لم يكن معظمها، ولم تقدم بديلا لا يمكن رفضه، فيما التحولات الإقليمية، ولا سيما في سوريا، عززت فرص العماد عون على نحو كبير.
ولا يعود ذلك إلى إعلان رئيس الهيئة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع دعم انتخابه، ولم يكن مضى عليه سوى أيام معدودة في موقع السلطة، بمعنى تبنيه سلطة الرعاية المباشرة وغير المباشرة للنظام السوري على لبنان، بل إلى واقع توجيه رسالة إلى من يلزم من القوى الإقليمية والدولية أنه على الخط الدولي والإقليمي نفسه وغير بعيد من توجهاتها، بما في ذلك ملف لبنان.
والواقع أن القوى السياسية لم تستطع الاستفادة من فرص أتيحت خلال أكثر من سنتين من الفراغ الرئاسي من أجل تمرير انتخاب رئيس للجمهورية من ضمن تنازلات معينة، وقد عجزت عن الخروج من الدائرة المحدودة والمقفلة التي وضعت نفسها فيها لناحية اختيار المرشحين المحتملين، فيما أدركت منذ شهور عديدة أين الأفضلية بالنسبة إلى بعض الدول المؤثرة والتي يجب أن تأخذ شروط انخراطها في لبنان في الاعتبار. فلا هي قدمت بديلا لهذه الدول ولا توافقت داخليا على مرشح تستطيع فرضه على الخارج. والإشكالية الأخرى أن توافق الثنائي الشيعي مع "التيار الوطني الحر" ليس كافيا لانتخاب رئيس بل لإتاحة المجال أمامه ليحكم، وهناك ظلم لاحق ببعض المرشحين في هذا الإطار.