في أعتاب خطة تنموية جديدة.. أفكار وتطلعات
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
بحلول نهاية العام القادم 2025، تشرع سلطنة عُمان في استشراف المرحلة التالية من رؤيتها المستقبلية «عُمان 2040»، من خلال الشروع في خطة تنموية جديدة (خطة التنمية الوطنية الحادية عشرة)، وانتهاء خطة تنموية وطنية قائمة (خطة التنمية الوطنية العاشرة)، وقد يكون الوقت مبكرًا للحديث عن التصورات والأجندة المتعلقة بالخطة القادمة؛ ذلك أن الأمر يقتضي جهدا في معرفة تقييم مسارات التنمية الوطنية في الخمسية الأولى من رؤية «عُمان 2040»، من حيث المكتسبات والتحديات، ومن حيث مستويات نجاعة العملية التخطيطية وعتباتها، ومن حيث مدى استثمار الظروف المواتية لإنجاح برامج وخطط التنمية المرسومة.
غير أن ثمة ملفات باتت اليوم ملحة، سواء للضرورات المحلية المتصلة بها، أو ما تفرضه المتغيرات الدولية والإقليمية في سياقها، هذه الملفات نرى في تقديرنا بضرورة التركيز عليها في المسار التالي لخطة التنمية القادمة، أولها ملف تنمية الكوادر البشرية، وننظر هنا إلى هذا الملف كمنظومة شاملة غير مجزأة، وبصورة تتعدى المؤسساتية إلى ضرورات الفعل الوطني المتكامل، لنرصد هنا ثلاث إشارات ملحة توجه هذا الفعل:
- تحليلات (McKinsey) التي تشير إلى أن في المتوسط هناك حوالي 600 مليون وظيفة قد تتأثر بفعل الأتمتة وتعديلات الذكاء الاصطناعي عالميًا بحلول عام 2030 وخاصة تلك المرتبطة بإدخال البيانات والعمليات الأولية لتحليل البيانات.
- الصعود العالمي لمهن جديدة، والطلب العالمي على مهارات جديدة؛ حيث تشير منشورات للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن التفكير التحليلي والتفكير الإبداعي والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ستكون من أبرز المهارات المطلوبة عالميًا بحلول عام 2027.
- سيركز العالم بشكل أوسع على مفهوم التعلم مدى الحياة، وهذا يعني التوسع بشكل أكبر في خيارات التعليم الذاتية، والتوسع في المنصات التعليمية والشهادات المهنية والاحترافية، وربط اكتساب المعرفة العلمية بالتعلم الحر والمدمج وخاصة للأشخاص المنخرطين في المهن وسوق العمل.
هذه ثلاث إشارات دالة على تحولات كبرى في مشهد الكوادر البشرية، تتطلب مواكبتها نهجًا استراتيجيًا محكمًا. يمكن القول إن المرحلة الراهنة (الخمس سنوات الأولى من رؤية «عُمان 2040») ركزت على الجوانب التنظيمية لتنمية الكوادر البشرية، من خلال سن قوانين جديدة للتعليم والتعليم العالي والعمل، ومن خلال إيجاد مقاربات جديدة فيما يتصل باعتماد أشكال جديدة من التعلم بما في ذلك الشهادات الاحترافية، في تقديرنا تتطلب الخمسية المقبلة نهجًا يركز على خمسة أبعاد أساسية: إعادة تأهيل مهارات القوى العاملة الراهنة خاصة في القطاع العام وفق محددات وموجهات استراتيجية محكمة، فهم التأثير الفعلي للأتمتة والذكاء الاصطناعي والعمليات الرقمية على المهام ووضع إطار مرحلي للتكيف والتعامل مع هذه المرحلة، إعادة مراجعة وتشكيل أنماط التعلم النظامية لتتواكب مع أنماط التعلم الناشئة في السوق العالمية، وضع الأطر الملائمة للتدريب والتأهيل المستمر خاصة بعد إتمام المراحل التعليمية التنظيمية بما يضمن ديمومة اكتساب المهارات، والانفتاح على سوق المهارات العالمية وعدم الانكفاء على الطلب ومحدداته محليًا فيما يتصل بالمهارات.
الملف الآخر الذي نرى بضرورته وأهميته هو ملف الاقتصاد الاجتماعي، لا شك أن هناك أثرا للسياسات الاقتصادية والمالية على المجتمع بطريقة أو بأخرى، والاقتصاد الاجتماعي بوصفه فعلًا يقوم على التضامنية الاجتماعية لتقديم الخدمات والمنتجات الملائمة للمجتمع والتي تقع في حدود استهلاكه وإمكاناته يعتبر أحد الوسائل التي تستخدمها الدول في سبيل تخفيف أثر السياسات الاقتصادية والمالية على المجتمع، على مستوى المساهمات تشير التقديرات العالمية إلى أن الاقتصاد الاجتماعي يشكل نحو 9 – 10% من الناتج الإجمالي العالمي، ويتفاوت بحسب كفاءة التنظيم والممارسة ودور الدولة من بلد إلى آخر في المساهمة الكلية. في سلطنة عُمان تتيح التجربة والممارسة التاريخية للمؤسسات الأهلية (مؤسسات المجتمع المدني) النشطة في قطاعات ومجالات مختلفة أن تقوم اليوم بأدوار مهمة في عملية تنشيط الاقتصاد الاجتماعي، وهذا يتطلب في البعد الاستراتيجي التركيز على خمسة متطلبات أساسية: تمكين هذه المؤسسات من تقديم بعض الخدمات والمنتجات الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات الدولة بما يتماشى مع إطار حوكمة واضح لنقل هذه الخدمات، تمكين منظومة الاستهلاكيات التعاونية وربطها بالتحول نحو اللامركزية والتنمية المحلية، وضع الحوكمة الملائمة للممارسات المتعلقة بشركات التنمية الأهلية وتمكينها كأذرع استثمارية لموارد المحافظات، ربط جزء من الخدمات والممكنات الاستشارية للتنمية المحلية بالجمعيات الرسمية وتحفيز فعل الانضمام لها من قبل المجتمع، تحقيق منظومة الابتكار الاجتماعي في أعمال وخدمات ومنتجات مؤسسات المجتمع المدني.
في تقديرنا تتطلب الخمسية المقبلة تركيزًا أكبر على تمكين الموارد الاجتماعية واستثمارًا أكبر في فعل هذه الموارد وقوتها وتنظيمها، فحوكمة الاقتصاد الاجتماعي، والاستثمار في التحول في مهارات الكوادر البشرية أدوات مهمة للتكيف مع مستقبل سريع التغير ومتشابك المعطيات، فبقدر ما كانت الخمسية الأولى تركز على التمكين والاستدامة والحوكمة المثلى للموارد المالية والاقتصادية – وقد حققت نجاحات مشهودة في هذه الملفات – بقدر ما تتطلب الخمسية التالية تمكين الفعل الاجتماعي لمواصلة عملية التنمية ولتحقيق المستهدفات المرجوة من منظومة التنمية المستدامة بمفهومها الواسع والمتكامل.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الاجتماعی الکوادر البشریة
إقرأ أيضاً:
اليمن يعلن معادلة استراتيجية جديدة ويفرض حصاراً جوياً يضرب الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل:استهداف مطار بن غوريون سيكبِّد كيان الاحتلال خسائر اقتصادية باهظة
في معادلة جديدة ولأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني المتغطرس على أرض فلسطين العربية، وعلى مدى ثمانين عاماً من الصراع العربي مع إسرائيل، أعلنت القوات المسلحة اليمنية معادلة ردع استراتيجية جديدة فرضت فيها حصاراً جوياً على الكيان الصهيوني، وهو تحول استراتيجي في مسار الصراع، حيث أصدرت القوات المسلحة اليمنية بيانًا، في إحدى ليالي القدر المباركة، وفي مسار الإسناد اليمني للمقاومة الفلسطينية بغزة حذرت فيه شركات الطيران العالمية من أن مطار بن غوريون بات غير آمن.. خبراء اقتصاد ومهتمون أكدوا أن هذه المعادلة، ستضرب الاقتصاد الصهيوني في مقتل، وستكبد الكيان الغاصب خسائر باهظة، على اعتبار أن مطار «اللد» بن غوريون له أهمية استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة بالنسبة لحكومة الاحتلال، نوجزها في التقرير التالي:
الثورة / أحمد المالكي
يؤكد الخبراء أن اليمن نجحت في فرض حصار بحري أدى إلى إغلاق ميناء إيلات وتكبيد العدو خسائر اقتصادية فادحة، وبعد خرق الاتفاق الذي اعلن بعد اكثر من ٤٧٥ يوما من الإجرام والحصار والقتل والتهجير بحق الفلسطينيين في غزة، والعودة إلى الحرب على القطاع مرة ثانية، ونتيجة لإصرار الصهاينة على قتل الأبرياء وحصارهم وتجويعهم، قامت القوات المسلحة اليمنية بفرض حصار جوي جديد سيضاعف تلك الخسائر ويشلّ الحركة الجوية للاحتلال، وأعلنت أن مطار بن غوريون غير آمن، الجيش اليمني حذر شركات الملاحة الدولية من خطورة الطيران اليه باعتباره هدفا عسكريا للصواريخ اليمنية حتى وقف العدوان ورفع الحصار على الشعب الفلسطيني بغزة
خسائر
خبراء اقتصاد أوضحوا أن هناك العديد من الخسائر التي سيتكبدها الكيان الصهيوني بسبب الحصار الجوي اليمني الجديد ، منها خسائر اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية جسيمة، على رأسها التداعيات على الأمن القومي الإسرائيلي، حيث أن وصول الصواريخ اليمنية إلى عمق الكيان، وفرض حصار جوي وفق الخبراء، يعني أن المفاعلات النووية الإسرائيلية باتت في مرمى القوات المسلحة اليمنية ،وهذا سيزيد المخاوف لدى المستوطنين، ويؤدي إلى اضطرابات نفسية حادة، خصوصًا مع تعذّر مغادرة الأراضي المحتلة بسبب الحظر الجوي، ومن شأن ذلك أن يفضي إلى انفلات أمني داخلي وانهيار غير مسبوق للأمن القومي الإسرائيلي، ناهيك عن تدهور الخسائر الأمنية والسياسية، وتراجع العلاقات الدولية للكيان الصهيوني، وفقدان القدرة على مراقبة التهديدات الخارجية والتحرك بحرية، بالإضافة إلى العزلة السياسية المتزايدة عن العالم، وتقويض اتفاقيات التطبيع التي عقدها مع بعض الأنظمة العربية وغيرها .
خسائر اقتصادية
وأكد خبراء الاقتصاد أن استهداف مطار بن غوريون سيكبد دولة الاحتلال خسائر اقتصادية باهظة أهمها انخفاض حركة الطيران والسياحة، وتراجع صادرات قطاع الطيران، وارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع، وتأخير وصول البضائع، مما يؤثر على الأسواق المحلية وخسائر اقتصادية أخرى.
وأشار الخبراء إلى أن إسرائيل كذلك ستتكبد خسائر لوجستيه، حيث سيُجبر الحصار الجوي العدو للبحث عن طرق بديلة طويلة ومكلفة، مما يُعيق حركة الشحن الجوي ويبقيه تحت ضغط الحصار البحري والجوي معًا، حتى يوقف عدوانه على غزة.
ومنذ بداية طوفان الأقصى واستهداف مطار بن غوريون تكبد قطاع السياحة في إسرائيل خسارة بغلت 26.7 مليار شيكل، وفق ما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، وبلغت الخسائر في قطاع السياحة الدولية 22.4 مليار شيكل فيما سجّلت خسائر في قطاع السياحة الداخلية بلغت 1.6مليار شيكل، ووفق ما نشرته صحيفة جيروزاليم فقد تقلص عدد المستخدمين للمطار من 14.8 مليون إلى 6:2. مليون حالياً.
وبحسب تقارير إسرائيلية فإنّ خسائر دولة الاحتلال بسبب مقاطعة مطار بن غوريون قد تصل لنحو 500 مليون دولار أمريكيّ، وفق ما نقلته صحف عبرية.
أهمية بن غوريون
ويتمتع مطار بن غوريون بأهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لإسرائيل نظرًا لكونه أحد نقاط الدخول إلى البلاد لمعظم المسافرين بل يشكل العصب الاقتصادي في إسرائيل، ويصل عدد المسافرين الذين يستخدمون مطار بن غوريون نحو 24.8 مليون مسافر سنويا وفق آخر الإحصائيات الإسرائيلية، كما يعتبر مطار بن غوريون مركز عمليات رئيسي لشركات الطيران الإسرائيلية، وشريان رئيسي للسياحة الإسرائيلية، وبالنسبة للغالبية العظمى من الإسرائيليين فإن بن غوريون يمثل رمزًا وطنيًا، كما أن حوالي 30% من الإسرائيليين اليهود هم مهاجرون من بلدان أخرى والكثير منهم لديهم أفراد من عائلاتهم في الخارج، ولاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا، لذلك فإن السفر إلى الخارج هو شائع للقاء العائلات ولرجال الأعمال وللسياح، ويعتبر المطار رابط حاسم مع بقية العالم.
كما إن السياح الأجانب ورجال الأعمال يعتمدون أيضًا على المطار، وإغلاق مطار بن غوريون سيتسبب بسهولة في تحويل الاستثمارات إلى أماكن أخرى.
دولة خطيرة الأعمال
مسؤولون إسرائيليون قالوا : إنّ حصارًا جويًّا على الدولة العبريّة سيمس صورتها كدولة عالمية منفتحة أمام الأعمال التجارية من جميع أنحاء العالم بشكل خطير، وأنّ حصارًا كهذا من شأنه أن يحول صورتها إلى دولة خطيرة للأعمال لأن انعدام اليقين فيها أكبر مما ينبغي، وتؤكد تقارير عبرية أن هناك عدة شركات طيران تمتنع عن الوصول إلى إسرائيل منذ إعلان اليمن مطار اللد غير آمن.