أرض الوداع والعلامات السبع لزوال إسرائيل
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
#سواليف
في عام 2003، وبينما كانت #إسرائيل في خضم مساعيها لوأد #انتفاضة_الأقصى، وفي الوقت الذي كانت تحاصر فيه الرئيس الفلسطيني حينها ياسر عرفات داخل مقر الرئاسة بالمقاطعة في رام الله، وقبل أشهر قليلة من تنفيذها عددًا من أقسى العمليات التي استهدفت فصائل #المقاومة_الفلسطينية، كتب أبراهام بورغ، الذي شغل منصب رئيس #الكنيست الإسرائيلي لأربع سنوات، قائلا إن “هناك احتمالا حقيقيا بأن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير”.
كان بورغ يرى أن “المشروع الصهيوني الاستعماري” الذي بدأ في القرن 19 قد شارف على نهايته، ولم يعد له مكان في القرن 21.
ورغم مرور أكثر من 20 عاما، فإن التكهنات نفسها تردَّدت على لسان المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية إيلان بابيه، عندما صرح في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع #غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في حوار صحفي أجراه معه بودكاست “شارع المقدسي”: إن إسرائيل ليست مجرد دولة، بل هي #مشروع_استيطاني إحلالي، مشيرا إلى أننا نشهد حاليا بداية النهاية لهذا المشروع.
مقالات ذات صلة البرغوثي يحذر من تمرير نتنياهو لـ”صفقة هشة ووهمية” في غزة 2024/11/02في حديثه، يعترف بابيه بأن #النهاية لن تكون في المستقبل القريب، فبداية #زوال_الصهيونية “حقبة طويلة وخطيرة”، وقد تستمر لعقود، لكنه اعتبرها المصير المحتوم الذي علينا أن نتحضر له من الآن.
وأورد بابيه في هذا السياق مؤشرات عديدة اعتبرها إرهاصات #الانهيار الصهيوني، وهي مؤشرات تناولتها من قبله كتابات العديد من المؤرخين والمفكرين على مدار العقود الماضية، وكان أبرزها ما جاء على لسان الدكتور عبد الوهاب المسيري، وفي هذا التقرير سنورد 7 مؤشرات ذكرها بابيه والمسيري وغيرهم من المؤرخين والمفكرين المهتمين بمشروع الحركة الصهيونية.
حرب إسرائيل الأهلية
شهدت الأشهر التي سبقت الحرب على قطاع غزة خروج مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك في خضم ما عُرف حينها باسم “أزمة التعديلات القضائية”. في ذلك الوقت، سعت حكومة نتنياهو لإجراء عدة تعديلات دستورية من شأنها أن تحدّ من صلاحيات السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية.
وكي نفهم فداحة هذه التغييرات، علينا أن ندرك أولا السياق الذي نبعت منه. تُعد حكومة نتنياهو اليمينية من أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل كما يرى كثير من المحللين والخبراء، وقد جاءت في وقت تعاني فيه “أحزاب الصهيونية” في الداخل الإسرائيلي من الانقسام أكثر من أي وقت مضى، إذ يحتدم الصراع بين الصهيونية العلمانية والصهيونية الدينية، وهو ما رأى فيه بابيه عنصرا مهمًّا سيكتب سطور نهاية المشروع الصهيوني.
ويشير إلى أن حالة توحّد المجتمع الإسرائيلي الظاهرية التي نشهدها حاليا ستبدأ في التفكك والزوال بانتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ثم ما يلبث الصراع الديني العلماني في إسرائيل أن يشتعل مرة أخرى، خاصة في ظل صعود أحزاب أقصى اليمين.
في عام 2015، نشر كلٌّ من المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، والمفكر والكاتب الأكاديمي الأميركي نعوم تشومسكي، كتابا مشتركا بعنوان “عن فلسطين”، عقدا فيه مقاربة تحليلية بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ونظام الفصل العنصري في فلسطين، وناقشا القضيتين باعتبارهما نموذجا في مقاومة الإمبريالية.
كومبو يجمع مابين وبن غفير و نتنياهو وسموتريتش
إيتمار بن غفير (يمين) وبنيامين نتنياهو (وسط) وبتسلئيل سموتريتش (وكالات)
وفي الفصل الرابع من الكتاب عن “مستقبل دولة إسرائيل”، أشار تشومسكي إلى أن السنوات العشر الأخيرة في الداخل الإسرائيلي شهدت تغيرا سياسيا كبيرا، مالت فيه العقلية الإسرائيلية ناحية اليمين القومي المتطرف، وهو الوضع الذي وصفه المفكر الأميركي بأنه مشابه للأيام الأخيرة التي شهدها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أي بعد نشر هذا الكتاب بنحو 7 سنوات، جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية لتؤكد هذه الرؤية، بعدما حقق “تحالف أقصى اليمين” بقيادة بنيامين نتنياهو انتصارا ساحقا، ونال 64 مقعدا من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، وهو ما أعاد نتنياهو إلى السلطة مرة أخرى بعد 18 شهرا من مغادرته إياها.
وقد علق الكاتب والصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع على نتائج هذه الانتخابات في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بالقول إنها تمثل بداية النهاية لعصر الصهيونية العلمانية، في حين كتب المدير السابق لمركز غافي للدراسات الإستراتيجية في تل أبيب، يوسي ألفر، مقالا نشرته حركة “السلام الآن” الإسرائيلية التي تناصر حل الدولتين، استشهد فيه بالرؤية القاتمة لمستقبل إسرائيل التي تنبأ بها العالم والفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتز في أعقاب حرب 1967، عندما قال إن نشوة الفخر المتطرفة التي أعقبت حرب الأيام الستة ستعمل على نقل دولة إسرائيل من نموذج القومية الفخورة الصاعدة، إلى نوع من القومية الدينية المتطرفة، التي ستؤدي بدورها إلى مزيد من العنف، يقود في المرحلة الأخيرة إلى نهاية المشروع الصهيوني.
إسرائيل فشلت في أن تصبح دولة مستقرة وآمنة
قامت الدولة الصهيونية على عقيدة أساسية، وهي أن اليهود لا يمكن أن يشعروا بالأمان إلا بوجودهم داخل دولة واحدة يسيطرون على حكومتها وقوانينها، فكان الأمان الهدفَ الأساسي الذي بنى عليه ثيودور هرتزل الفكرة الصهيونية في كتابه “دولة اليهود” عام 1896، وأعلِن على إثره نشوء إسرائيل عام 1948.
ورغم ذلك، لم تستطع إسرائيل الحفاظ على سلامة اليهود داخل أراضيها، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها أنها ما زالت تتبع منطق العنف والاستيطان ذاته الذي اتبعته منذ أكثر من 75 عاما، فاستمرار نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، واحتلال أراضيهم وهدم منازلهم وتجريدهم من إنسانيتهم، بالإضافة إلى حروب جيش الاحتلال على مصر والأردن وسوريا ولبنان، وأخيرًا الفشلُ الذريع في عملية طوفان الأقصى، كل هذا نتج عنه فشل إسرائيل في أن تصبح مستقرة وآمنة، وهذا من أهم مؤشرات بداية انهيار المشروع الصهيوني كما يرى المراقبون.
أضف إلى ذلك فشل إسرائيل في أن تصبح دولة لكل اليهود من كل أنحاء العالم كما أراد لها المشروع الصهيوني منذ بدايته، فرغم أن المشهد المُسيطر طوال القرنين 19 و20 تَمثَّل في موجات هجرة اليهود إلى فلسطين، نجد أن القرن 21 يشهد موجة هجرة عكسية من الأراضي المحتلة إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وقد تجاوز عدد المستوطنين الذين رحلوا عن إسرائيل 750 ألفا حتى نهاية عام 2020، وهو عدد وصل إلى 900 ألف بنهاية عام 2022.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت موجات الهجرة خارج إسرائيل بشكل ملحوظ، حيث هاجر قرابة 470 ألف إسرائيلي منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وفقا لتقارير هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية.
وفي السنوات الأخيرة، أشارت العديد من المصادر إلى أن يهود الغرب الذين يسكنون حاليا الولايات المتحدة وأوروبا أكثرُ سعادة من اليهود الذين يقطنون الأراضي المحتلة في فلسطين، وهو أمر انعكس على الجيل الجديد من اليهود، فلم يعد المشروع الصهيوني بالنسبة إليهم معقل الأمان، وهم في ذلك على النقيض من الأجيال السابقة.
الدعم العالمي “غير المسبوق” للقضية الفلسطينية
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شهدت القضية الفلسطينية دعما شعبيا “غير مسبوق”، خاصة في الغرب، فرأينا المظاهرات الحاشدة تجوب شوارع المدن الأوروبية وترفع أعلام فلسطين في الميادين، في حين ندد المتظاهرون بنظام الفصل العنصري الذي تفرصه إسرائيل على الفلسطينيين.
وقد أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” في مقال نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى أن القضية الفلسطينية كانت قد تراجعت خلال السنوات الأخيرة، وغالبا ما قوبلت في الغرب باللامبالاة مع دعم أميركي كامل لإسرائيل، لكن سيطرة مشاهد القصف المروعة لقطاع غزة على منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، أدت إلى تحولات عميقة في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، ازداد على إثرها دعم الديمقراطيين في الولايات المتحدة لفلسطين.
هذا وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها “مؤسسة غالوب” الشهيرة عام 2023 تصاعدا كبيرا في دعم الأجيال الصغيرة من الشباب الأميركي للفلسطينيين، وذلك على النقيض من الأجيال الأكبر سنًّا.
ووفقا للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، فإن التحول في الرأي العام العالمي جعل أغلب المتضامنين مع القضية الفلسطينية حاليا على استعداد لتبني سيناريو إنهاء “دولة الفصل العنصري”، تماما كما حدث مع جنوب أفريقيا، وهو ما عدّه أحد إرهاصات النهاية للمشروع الصهيوني.
في مايو/أيار الماضي، قررت 3 دول أوروبية -هي إسبانيا وإيرلندا والنرويج- الاعتراف بدولة فلسطين، في أعقاب الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما جدد دعوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد انضمت إليها في يونيو/حزيران الماضي دولة سلوفينيا، و4 دول أخرى تقع في منطقة الكاريبي، ليرتفع عدد الدول التي اعترفت بفلسطين إلى 146 من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة.
هذا هو السيناريو الذي تنبأ به المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري قبل أكثر من 15 عاما، إذ قال في أحد حواراته مع قناة الجزيرة في برنامج “بلا حدود”: إن المشروع الصهيوني غير قادر على حل مشكلة المقاومة الفلسطينية، وسينتهي به الحال أمام المصير ذاته لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مُعللا ذلك بأن حركات التحرير على مر التاريخ لم تستطع أيُّ قوة هزيمتها، وأن مصير الجيوب الاستيطانية التي لم تتمكن من القضاء على السكان الأصليين كان التفكك والزوال.
وبحسب المسيري، انقسمت هذه الجيوب عبر التاريخ إلى قسمين: مستوطنات استطاعت القضاء على السكان الأصليين، مثلما حدث في النمط الاستيطاني بالولايات المتحدة وأستراليا، وبهذه الطريقة نجحوا في البقاء.
وأخرى تشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهو النمط الذي ينطبق على إسرائيل، إذ فشلت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين، وما زالت تحاول تغيير ديمغرافية مدينة القدس وتهويدها رغم مرور أكثر من 75 عاما على بدء الاحتلال.
وهذا ما يؤكده رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق أبراهام بورغ، عندما أشار في مقاله إلى أن قمع حركة النضال الفلسطيني لن يقضي عليها، مناديا بالقضاء على نظام الفصل العنصري، لأن سفك دماء الفلسطينيين لن ينتج عنه إلا المزيد من المقاومة، وستدفع إسرائيل جراء ذلك ثمنا باهظا، على حد وصفه.
في كتابهما “عن فلسطين”، عرض إيلان بابيه ونعوم تشومسكي بعض الحلول والمعالجات التي يمكن للجماعات المناهضة للحركة الصهيونية استغلالها لتحقيق أثر بالغ في معركتها ضد نمط الدولة الاستيطانية لإسرائيل.
في هذا السياق، يدعو الكاتبان حركات النضال الفلسطيني إلى اتخاذ حركات التحرر ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا نموذجا لها، ويحثان على دور “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (بي.دي.أس) في قيادة هذا الحراك، من خلال التركيز على الفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما يشير تشومسكي إلى الخطوات الصارمة والجريئة التي اتخذتها حركات التحرر في جنوب أفريقيا وأسهمت في عزل دولة الفصل العنصري دوليا وثقافيا. فعلى سبيل المثال، دعت هذه الحركات إلى وقف السماح بمشاركة جنوب أفريقيا في الفعاليات الرياضية باعتبارها دولة عنصرية، وهو ما جعل نظام الفصل العنصري في نهايته منبوذا، ولم يتلقَّ أي دعم دولي إلا من دولتين فقط، هما الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولهذا يدعو تشومسكي “حركة المقاطعة” إلى توجيه حملاتها نحو الولايات المتحدة لتجريد إسرائيل من الدعم الدولي الأساسي الذي تتلقاه.
وهذا بالضبط ما تناوله الكاتب اليهودي الأميركي ريتشارد روبنستين، في مقاله “نهاية الوهم الصهيوني”، عندما تحدث عن الأحزاب الصهيونية بشقيها؛ العلمانية والدينية، قائلا إنهما مجرد وجهين لعملة واحدة، يجمعهما هدف مشترك، وهو الحفاظ على تفوق النخبة المهيمنة وسيطرتها، وعندما لا يؤدي أحد النهجين إلى تحقيق النتائج المرجوة، يجري تطبيق النهج الآخر.
ويضيف روبنستين أن الصراعات التي اندلعت على مدار العقدين الماضيين، وبلغت ذروتها بالحرب الوحشية الأخيرة على قطاع غزة، ساهمت بشكل كبير في نزع الشرعية عن إسرائيل، وكشفت حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل للتطهير العرقي في فلسطين، وهو ما يترتب عليه مستقبلا تغيرات جذرية في بنية إسرائيل الحالية.
لكن في مرحلةٍ ما قادمة، سيكون على الجميع الصمود والوقوف في وجه الإمبريالية الأميركية من أجل اقتناص حق تقرير المصير، حيث تَعُد الولاياتُ المتحدة إسرائيلَ استثمارا إستراتيجيا لها في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر أشار إليه الدكتور المسيري في كتابه “من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية”، مؤكدا أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يستند إلى حسابات دقيقة تهدف إلى حماية المصالح الأميركية في المنطقة، بدايةً من أسعار النفط إلى صفقات السلاح والاستثمارات. ولهذا فإن تجريد إسرائيل من الدعم الأميركي يُعد الخطوة الأهم في سبيل تحقيق التحرر الفلسطيني.
ارتفاع معدلات الفقر في إسرائيل
في يناير/كانون الثاني 2023، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية النتائج الأولية لمسحٍ أجراه معهد اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ، وجاء فيها أن 20% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر. ووفقا لتقارير عام 2021، أفاد نحو 30% من النساء والرجال أنهم يشعرون بالفقر، أي ثلث مواطني الداخل الإسرائيلي.
وكان هذا عاملا من عوامل سقوط “المشروع الصهيوني” التي أوردها بابيه في حديثه، إذ أشار إلى أن قدرة إسرائيل على الصمود اقتصاديا لن تبقى طويلا، مُتنبئا بزيادة معدلات الفقر في السنوات التالية، وهو أمر سيُعجّل بانهيارإسرائيل من الداخل، بحسبه.
قبل سنوات، تحدث عبد الوهاب المسيري هو الآخر عن النتائج المترتبة على فقر المجتمع الإسرائيلي، وكيف سيصبح عاملا مساعدا على الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة إلى دول الغرب بحثا عن رغد العيش.
أضف إلى ذلك تقلص أعداد الوافدين الجدد من المهاجرين، حيث قال المسيري إن الجيوب الاستيطانية من أجل بقائها تحتاج دائما إلى الهجرة، وإسرائيل دولة استيطانية عنصرية قائمة على العنف، وهي بحاجة إلى العنصر البشري لتظل “آلة القتال” دائرة، وهذا ما سيجعل إسرائيل تواجه في المستقبل أزمة كبيرة، وفقا للمسيري.
الفرار من الخدمة العسكرية
يعرض المسيري في كتابه “انهيار إسرائيل من الداخل” عدة مؤشرات مهمة اعتبرها المفكر الراحل إيذانا ببداية نهاية المشروع الصهيوني، حيث إن الجيوب الاستيطانية التي عمل الغرب على غرسها وسط مجتمعات أفريقيا وآسيا؛ هي بالأساس أشبه بقاعدة عسكرية للدفاع عن مصالح الدول العظمى الاستعمارية، وهو ما يفرض عليها الاستناد بشكل كامل إلى قوتها العسكرية، إذ صُمّمت لتكون “آلات قتال” كما ذكرنا سابقا.
ومن أجل ذلك عملت الدولة الصهيونية النائشة منذ تأسيسها عام 1948 على غرس فكرة “التجنيد الإجباري” بين المستوطنين الشباب، وقد استغلت في ذلك الحس القومي والديني الذي يتميز به صغار السن، وعمدت إلى ترويج أساطير وخرافات مفادها أن دولة إسرائيل بحاجة دائمة إلى الدفاع عن نفسها أمام جيرانها العرب، الذين يستهدفونها ويحيطون بها من كل جانب، الأمر الذي جعل التطوع في صفوف قوات النخبة من الأعمال المرموقة، وفقا للمسيري.
لكن الوضع قد تغير في العقود القليلة الماضية، وانخفضت الروح القتالية لدى الشباب، مما دفعهم إلى الفرار من الخدمة العسكرية، وهو ما عدّه الدكتور المسيري مؤشرا مهمًّا على قرب زوال الكيان الصهيوني، خاصة أن مسألة القوة العسكرية تُعد بالنسبة لجيش الاحتلال مسألة وجودية.
ففي عام 1997، نشأت حركة شبابية جديدة تدعو إلى إلغاء التجنيد الإجباري، تحت اسم “بروفايل جديد”، بينما يشير استطلاع رأي أجري عام 2000، إلى أن ثلث الشباب الإسرائيلي صرَّح برغبته في تحاشي الخدمة العسكرية.
وبعد مرور 25 عاما على هذا الاستطلاع، نستطيع أن نرى نتائج ذلك في غضون الحرب الأخيرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على غزة. ففي يونيو/حزيران الماضي، وقَّع عشرات من جنود الاحتياط الإسرائيليين أول رسالة لرفض الخدمة العسكرية في القطاع.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، حُكم على الشاب الإسرائيلي تال ميتنيك (18 عاما) بالسَّجن 30 يوما، لرفضه التجنيد في الجيش أو المشاركة في الحرب الراهنة على غزة، بعدما اعتبرها “حملة انتقامية”. وقد لجأت إسرائيل في الآونة الأخيرة إلى تجنيد الأفارقة من طالبي اللجوء، بعدما عرضت عليهم منحهم إقامة دائمة مقابل المشاركة في المجهود الحربي داخل غزة.
مقومات حياة إسرائيل من خارجها لا من داخلها
بنى المشروع الصهيوني استعماره للأراضي الفلسطينية بديلا للاستعمار البريطاني، فبحسب ما ذكره المؤرخ الفرنسي ماكسيم رودنسون في دراسته “فلسطين.. حالة فريدة في تاريخ إنهاء الاستعمار”، تمتَّع المشروع الصهيوني بحماية القوة البريطانية المهيمنة، التي ساعدت المستوطنين الجدد على تكوين وجود خاص بهم بشكل منفصل ومهيمن، وذلك بالتوازي مع قمع واضطهاد الوجود الفلسطيني.
فكانت بريطانيا هي مَن وضع حجر الأساس للوضع المتأزم الذي نشهده حاليا. ورغم جلاء الاستعمار البريطاني، فإن الفلسطينيين لم يُمنَحوا يوما حريتهم.
وقد استقى الاستعمار الصهيوني أفكاره من أسس الإمبريالية الأوروبية للقرن 19، ويرى كثير من المؤرخين والمفكرين أن استمرار المشروع الصهيوني لأكثر من 70 عاما لا يعود إلى نجاح المشروع في حد ذاته، بل إن سبب استمراره الجوهري والمفصلي هو الدعم الخارجي الأميركي والبريطاني، الذي جعل وجود إسرائيل يعتمد على الغرب تقريبا في كل المناحي.
ولولا ذلك ما كانت إسرائيل موجودة حتى يومنا هذا. ولكن للسبب ذاته تقريبا، نجد أن المجتمع الإسرائيلي من الداخل أصبح يعاني من الهشاشة، فهو مجتمع مليء بالمشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يعيش أفراده في خوف، مع قدر قليل جدا من الشعور بالأمان.
وفي مقال له نُشر على صفحات “الجزيرة نت” عام 2006 بعنوان “نهاية إسرائيل”، يشير الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى أن مسألة زوال إسرائيل متجذرة في وجدان المجتمع الصهيوني، حتى قبل إقامة دولتهم، حيث أدرك كثير من الصهاينة أن حلم المشروع الصهيوني سيتحول في نهايته إلى كابوس، وهو أمر حاضر في الأدبيات الإسرائيلية.
ففي قصة الروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا “في مواجهة الغابة”، ترمز الغابة التي احترقت في النهاية، بعدما أضرم النار فيها رجل عربي أصيب بعاهة إبان المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في حق القرى الفلسطينية عام 1948؛ إلى إسرائيل.
وفي ذروة الانتشاء الصهيوني بالنصر الذي حققه جيش الاحتلال في حرب عام 1967، يذكر المسيري أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك، إسحق رابين، قال للجنرال أندريه بوفر أثناء مشاهدته صحراء سيناء من طائرته المحلقة: “لكنْ ما الذي سيبقى من كل هذا؟”.
ومع اليقين المتجذر بزوال إسرائيل في الداخل، كان صعود تيار “ما بعد الصهيونية” في إسرائيل إبان ثمانينيات القرن الماضي قد وضع المشروع الصهيوني على المحك، فهو في الدراسات الفلسفية الغربية -بحسب المسيري- يعني “نهاية الصهيونية”، ويكسر تابوهات المجتمع الإسرائيلي.
ولهذا عُدَّ هذا الجيل داخل إسرائيل معاديا للدولة وشرعية وجودها، وهذا لأنهم أعادوا النظر في جوهر الفكر الصهيوني وقاموا بتفكيكه، كاشفين عن التناقضات التي تعج بها فكرة إسرائيل.
وكان من أبرز رواد هذا التيار المؤرخ إيلان بابيه، الذي اشتهر بمؤلفاته القيمة، مثل كتابَيْه “التطهير العرقي للفلسطينيين”، و”10 خرافات عن إسرائيل”، إلى جانب عدة أبحاثٍ كان أحدها دراسة بعنوان “ما بعد الصهيونية.. توجهات جديدة في الخطاب الأكاديمي الإسرائيلي حول الفلسطينيين والعرب “، التي تناول فيها بالبحث جيل ما بعد الصهيونية من المؤرخين والمفكرين الإسرائيليين، وكيف استطاعوا تحدي السردية الإسرائيلية السائدة والقائمة لسنوات طويلة على شرعنة الاحتلال، وغض الطرف عن التهجير القسري والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف إسرائيل انتفاضة الأقصى المقاومة الفلسطينية الكنيست غزة مشروع استيطاني النهاية زوال الصهيونية الانهيار نظام الفصل العنصری فی جنوب أفریقیا المجتمع الإسرائیلی عبد الوهاب المسیری القضیة الفلسطینیة المشروع الصهیونی الولایات المتحدة الخدمة العسکریة الإسرائیلی على جیش الاحتلال الإسرائیلی ع على قطاع غزة إیلان بابیه إسرائیل من إسرائیل فی من المؤرخ وهو أمر أکثر من وهو ما إلى أن
إقرأ أيضاً:
الحقيقة الخفية عن تحالف النازية مع الصهيونية العالمية
معظم الناس لا يعرفون العلاقة الحقيقية، بين أدولف هتلر والصهيونية العالمية، وقد كشف الكاتب والمؤرخ المعروف ريتش سامويلز سرّ ما أشيع عن عملية «الهولوكوست»، وما قيل عن جرائم الاضطهاد والقتل الممنهج، الذى سلكه النظام الألمانى النازى وحلفاؤه، فى الفترة ما بين عام ١٩٣٣ حتى عام ١٩٤٥، بحق اليهود الألمان، وذلك فى لقاء له فى القناة الإخبارية الأمريكية الخامسة مع الإعلامية المشهورة ديبورا نورفيل فى ٢٢ إبريل ١٩٨٤، ليتحدث عن قصة الجدل حول كتاب الكاتب والمؤرخ اليهودى أدوين بلاك، «اتفاقية النقل»، من خلال مقطع فيديو شاهدته وسمعته، فى إحدى منصات التواصل الاجتماعى، وقمت بتحويله إلى نص كتابى، وترجمته إلى اللغة العربية، وكان الحديث كالتالي:
بداية لابد أن نكشف سرّ المفاوضات السرّية التى جرت بين النازيين والصهاينة عام ١٩٣٣، والتى سُمِح بموجبها لليهود الألمان بالهجرة مع أصولهم إلى فلسطين. فمع صعود أدولف هتلر إلى السلطة فى ألمانيا، فى ربيع العام ١٩٣٣، واجه يهود العالم معضلة كبيرة، إذ شحنوا نفسيًا ضد الزعيم النازى القادم إلى الحكم، فخرج اليهود الأمريكيون فى مسيرات كبيرة، يرفعون صرخات الاحتجاج ضد القادم الجديد، داعين إلى مقاطعة الصادرات الألمانية، ظنًا منهم أنّ حلمهم فى إنشاء دولة لهم فى فلسطين قد تبدّد. وهتلر حسب رأيهم، يحمل سيف القتل ضد اليهود،
إضافة إلى مسيرات يهود الولايات المتحدة، وردد اليهود فى جميع أنحاء أوروبا وفى كل مكان بالعالم هذه الدعوة.
فى الوقت ذاته، كانت مجموعة من الصهاينة تتفاوض سرًّا مع نازيى ألمانيا، للسماح بهجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، ونقل أصولهم إلى هناك. هذه الصفقة ظهرت فى النور فى أغسطس عام ١٩٣٣، ونجحت بالموافقة على ما سمّى فى ذلك الوقت «باتفاقية النقل». ونتيجة لذلك، تغيرت فلسطين التى كان يقطنها عدد قليل من اليهود فى ذلك الوقت، ومستعمرة بريطانية بعد اتفاقية النقل. ويضيف الكاتب، لقد عشت فى فلسطين بين عام ١٩٣٣ حتى عام ١٩٣٦، وشاهدت بنفسى عمليات نقل اليهود الألمان إلى فلسطين أسبوعيًا، وقد بدت هذه الصورة أكثر وضوحًا فى عام ١٩٣٤، يوم نشرت صحيفة تصدر فى برلين خبرا عنوانه، «زيارة نازى إلى فلسطين»، وفى ذلك الوقت تم سك عملة جديدة تذكارية من قبل «جوزيف جوبلز» وزير الإعلام الألمانى، على جانب منها الصليب المعكوف، وعلى الجانب الآخر نجمة داود. وأشير هنا، إلى أن هتلر خلال المفاوضات كان قد طلب تنازلا واحدًا من الصهاينة، وهو عدم الدعوة لمقاطعة «الرايخ» وهذا ما حصل بالفعل.
هنا اقترب حلم إنشاء دولة قومية يهودية، إثر التحالف النازى.. الصهيونى.
وهنا لا بد لى من تفسير كلمة نازى، فهى مؤلفة من مقطعين: «نا» وهى تعنى الاشتراكية الوطنية، التى كانت ايديولوجية النازيين وعقيدتهم فى ذلك الوقت، و«زى» وهى تعنى الصهاينة. وقصّة التحالف أُخفيت سنوات عدة، وهى بدأت عام ١٩٣٣، حين جاء عميل مزدوج إلى هتلر وقال له: «إنّ حزبك النازى ضعيف، ولن يحقق أى تقدّم فى ألمانيا، فأنت بحاجة إلى تحالف مع الحزب الصهيونى»، من هنا اجتمع مقطعا «نا» و«زى» فأصبحت نازى.
ولابد من الاشارة فى سياق هذا السرد التاريخى، إلى ان الصهاينة أنفسهم لم يكونوا موحّدين، إذ كان هناك انشقاق بين اليهودى والصهيونى العالمى، أو فلنقل: بين الصهاينة وغير الصهاينة.
كما نعلم كان غير الصهاينة هم اليهود الارثوذوكس، الذين كانوا يؤمنون بأنه لا يمكن أن تقوم دولة يهودية حتى يأتى المسيح اليهودى، فهم لا يعترفون بالمسيح باعتباره المسيح، لذلك كانوا ينتظرون قدوم مسيحهم اليهودى الخاص بهم، عندها سيكون هناك دولة يهودية، وتلك الدولة اليهودية ستحكم العالم. أما الصهاينة فهم الذين سعوا وكافحوا وعملوا على إنشاء دولة يهودية فى فلسطين، ومن هؤلاء، بل من أبرزهم روتشيلد (وهى عائلة يهودية ثرية، تعتبر أغنى عائلة فى العالم)، الذى صرّح فى عام ١٩٢٨ ان الصهاينة لن ينتظروا إنشاء دولتهم حتى قدوم المسيح، وهؤلاء سمّوا باليهودية الاصلاحية. روتشيلد الذى كان يملك أموالًا طائلة، بدأ بشراء الأراضى وبناء المستوطنات فى فلسطين، فجاءت هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، تدعم فكرة «اليهودية الاصلاحية». كان اليهود فى ألمانيا يعيشون حياة ازدهار ورخاء، وكانوا سعيدين جدًا، وكانت ألمانيا أقل الدول معاداة لليهود. وهتلر نفسه قال علانية: «اليهود محقّون، ولدينا الأهداف نفسها». فماذا حصل بعد ذلك؟. انقسام الصهاينة إلى فريقين، جعل الفريق الاصلاحى يفرض سيطرته، فوضعوا كل من عارضهم من اليهود فى معسكرات اعتقال، وشرعوا بالتخلص منهم وقتلهم. وهذا ما ادّعى اليهود انه «الهولوكوست». لم يكن الألمان كلهم معادين لليهود، ولذلك فهم لا يتحمّلون المسؤولية، لأنهم لم يقوموا بها بانفسهم، كذلك قتل الصهاينة الاصلاحيين لليهود، لا يعنى ان ألمانيا ارتكبت محرقة اليهود «الهولوكوست»، وإن كان اليهود الاصلاحيون ألمانًا. وساد الكتمان على ما حدث، حتى يكسب اليهود والصهاينة عطف العالم، وغاب هتلر عن الساحة بعد هزيمته فى الحرب العالمية الثانية، وظلّ الأمر سرًّا، حتى عمد أحد زعماء اليهود «جورج ستاينر»، واقترح بأن يكون هناك تمثال لهتلر فى إسرائيل، لأنّ هتلر فى الواقع، هو أحد مؤسّسى الدولة العبرية. الحقائق ظلّت غامضة لأنّ الصهاينة لا يريدون كشفها، طمعًا فى الحصول على العطف الدولى. والصهاينة قادرون على إخفاء القضية، لأنهم يسيطرون على وسائل الاعلام الكبرى، ويسيطرون على أهم ثلاث محطات تلفزة كبرى فى العالم، ولم يستطع أحد فتح قناة تليفزيونية غير هذه المحطات، لأنّ كل محطة تكلف ما لا يقلّ عن مليون دولار، والصهاينة يسيطرون على المصارف وهم أصحاب رؤوس الأموال. وحين بدأت وسائط التواصل الاجتماعى، كان العالم كله لا يعرف سوى ١٠% فقط من الأخبار بصورتها الصحيحة والواقعية.
وأخيرا يتضح، أن «أدولف هتلر» الزعيم النازى لألمانيا، ساعد فى تأسيس دولة إسرائيل، من خلال التحالف مع الصهيونية العالمية لإتمام اتفاقية النقل.
محافظ المنوفية الأسبق