يا د. النور حمد… ليس بمجرد حمل السلاح
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
المقال الذي كتبه د. النور حمد بعنوان (يفقد المدني حقه كمدني بمجرد أن يحمل السلاح) صُمم بحيث يعطي القارئ من الوهلة الأولى إيحاءات بأن مجرد حمل المدني للسلاح يفقده حقه في الحماية، ويتأكد ذلك من عنوان المقال، فضلاً عما حشده في المقال من مواد القانون الدولي الإنساني لا مراء في نصها ومدلولها.
إذا كان الكاتب يشير لما جري من أحداث خاصة في ولاية الجزيرة والمجازر التي شهدتها منطقة شرق الجزيرة، وهزت الضمير الإنساني، فيجب التذكير في البدء بأن معظم المراقبين والفاعلين والقوى السياسية لم يترددوا في وصف ما جرى في الجزيرة بأنه يرتقي لجرائم الحرب بحق المدنيين. حيث لم يكن لإرتكارب تلك الفظائع مبررٌ كافي. فقتل المدنيين بدم بارد لا تَطمِس معالمه تدبيج المقالات المرصعة بمواد من القانون الدولي الإنساني مهما سُرد من مواد أو مهما تم من إسقاطات، الشئ الذي يقدح في نوايا النور حمد وموقفه من الضحايا، بل ويفضح للأسف الشديد جهله بمرامي وفهم القانون الدولي الإنساني، وكيف تُفسر مواده وكيف تُقرأ في حالات النزاعات المسلحة. فالواضح أن د.حمد غير مطلع بشكل كافي على أدبيات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إجتهاداتها المتصلة لتكييف مواد ونصوص القانون الدولي الإنساني مع ديناميات النزاعات المسلحة والحروب، نسبة لأن هذا القانون لا ينطبق عليه مبدأ One size fits all بمعنى أن هنالك حالات محددة يمكن أن يرفع فيها المدني السلاح ويظل متمتع بصفته كمدني وبالتالي الحماية... بل حتى أن المحاربين الحاملين للسلاح والذين أصبحوا عاجزين عن القتال يشملهم مبدأ الحماية.. وليس هنالك مبرر أخلاقي يجعل د.حمد في وضع يدافع فيه عن سلوك إجرامي في تصفية مدنيين جسدياً في قرية نائية لم يخبروا السلاح في ثقافتهم المحلية الموروثة إلا بعد أن وصلتهم الحرب في عقر دارهم وبعد شعروهم بأنهم مستهدفين في أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم... كما أن د.حمد قد تناسى مبدأ مهماً من مبادئ القانون الدولي إن كان ينطلق من مبدأ أخلاقي في النظر لقضايا الحرب والنزاع، وهو مبدأ (التناسبية Proportionality ) هو إستخدام الدرجة المناسبة من العنف مع حجم الجُرم المقرر.. فما تم ممارسته بحق المدنيين قد تجاوز ذلك المبدأ بمراحل بعيدة ومخزية.
كما د.حمد قد قفز في نهاية مقاله بعد سرد بعض المواد القانون الدولي الإنساني الي ما أسماها خلاصة قانونية كأنه مشرّع في القانون الدولي الإنساني فقد ذكر بالنص : (الدلائل القانونية تشير بوضوح الي أن حماية المدنيين تعتمد على عدم مشاركتهم في الأعمال العدائية وبمجرد مشاركتهم بشكل مباشر في العمليات القتالية أو تقديم دعم ملموس للقوات المسلحة، فإنهم يفقدون الحماية التي يتمتعون بعد كمدنيين ويصبحون أهدافا مشروعة للهجمات) ... هنا يمكن ملاحظة أن الكاتب قد قصف هؤلاء المدنيين بأسلحة محرمة أخلاقياً بعد أن حاقت بهم تلك المجازر المروعة بتجريدهم من حق الحماية بوصف أعمالهم أما أنها عدائية أو بمشاركتهم في الأعمال القتالية أو تقديم دعم ملموس للقوات المسلحة... وهذه الأخيرة أي تقديم الدعم للقوات المسلحة هذا أمر لم يرد في سياق الحرب في الجزيرة على أقل تقدير لأنها لم تجرِ فيها إشتباكات عسكرية بالمعنى الحقيقي... أما اشتراكهم في الأعمال العدائية والعمليات القتالية فهذا يتطلب تفسير "المشاركة المباشرة" في "الأعمال العدائية" وهذا ما لم يجهد نفسه فيه د.حمد لقصور واضح في فهمه لما تشير إليه مدلولات المشاركة المباشرة والأعمال العدائية.
إن تفسير المشاركة المباشرة يقود في نهاية الأمر وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لأهمية تمييز "المشاركة المباشرة" بمعنى هل تتصل بعمليات الدفاع عن النفس مثلاً أم أنها تقع ضمن دعم طرف من أطراف الحرب بغرض ونية إيقاع ضرر مباشر على العدو كالموت والإصابة والتدمير... فضلاً عن أن اللجنة الدولية تتحدث في أدبياتها عما تسميه ب (الهَبّة الشعبية) والتي هي في النهاية تمثّل شكلاً من أشكال المشاركة في الأعمال القتالية، غير أنها في نفس الوقت لا تسقط حق الحماية بحكم أن المنخرطين في الهبات الشعبية مدنيين ومحميين بموجب القانون الدولي فقد ورد في كتاب (القانون الدولي الإنساني - مقدمة شاملة الصادر عن اللجنة الدولية 2016 في صفحة 80 تحت عنوان جانبي المشاركون في هَبّة شعبية حيث تؤكد أن الصفة المدنية لا تسقط عنهم حيث أوردت ما نصه : "أما الاشخاص الآخرين الذين يشاركون مشاركة مباشرة في العمليات العدائية على أساس تلقائي أو متقطع أو غير منظم فيجب إعتبارهم مدنيين".) وهذا التوصيف بالضبط ينطبق على أهالي الجزيرة فحتى بفرضية رفعهم السلاح فإن ذلك قد كان كرد فعل تلقائي ولا يدرجهم ضمن القوى المسلحة النظامية المقاتلة، فهم ليسوا جزءا من الجيش ولا القوات المشتركة ولا قوات كتائب البراء على سبيل المثال ولا مُستنفَرِين بالمعنى العسكري للكلمة.. لذلك لا يتم حرمانهم من حق الحماية بوصفهم مدنيين في حالة دفاع عن النفس. أو كما أوردت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المشاركين في هبة شعبية من حقهم أن يُعاملوا كمدنيين طالما لم يكونوا جزءا من التشكيلات العسكرية المسلحة المنظمة.
الواضح أن الدكتور حمد يحاول إطلاق تعميم مخل بإسقاط حق الحماية عن المدنيين الذين يدافعون عن أنفسهم بأنهم قد جنوا على انفسهم ويستأهلون ما حاق بهم من مجازر طالما رفعوا السلاح دون أن يبيّن مستويات الأضرار الناجمة عن رفع السلاح وتناسبها مع العقوبة وفي ذلك تطفيف بيّن ومخزي.
تجدر الإشارة هنا الي حقيقة أن السياق الذي حدثت فيه المجازر في الجزيرة يقع ضمن ما يُحرِّمه القانون الدولي الإنساني فيما يُعرف ب (الإقتصاص من المدنيين) الذي لم يعد يردع أصحاب الدوافع الشريرة الذين تضطرم في عروقهم هرمونات الإنتقام المقيت بلا رادع، وبشهوة تستعر كلما إزداد سلسال الدم زادهم ولوغاً فيه. فالقانون الدولي الإنساني بصفة عامة يقدم الحماية حتى للمقاتلين النظاميين المحترفين حال عجزهم عن القتال كالأسرى والجرحى والمستسلمين والمرضى والعالقين في السفن الغارقة ويحرم قتلهم وتصفيتهم. فما بال النور حمد بمزارعٍ بسيط في صقع من قرى الجزيرة رفع سلاح بدائي في وجه عدو مدجج بالأسلحة الفاتكة إستهدفه داخل بيته ليسلب ماله ويهتك عرضه ويستحل دمه.
د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية والنائب السابق لرئيس جمعية الهلال الأحمر السوداني
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی المشارکة المباشرة الأعمال العدائیة اللجنة الدولیة فی الأعمال حق الحمایة النور حمد
إقرأ أيضاً:
تحت رعاية حمدان بن زايد… معرض أبوظبي الدولي للقوارب يعقد فعاليات نسخته السادسة في الإمارة
تحت رعاية سموّ الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثِّل الحاكم في منطقة الظفرة، تنطلق فعاليات النسخة الأكبر في تاريخ معرض أبوظبي الدولي للقوارب، في الفترة من 21 نوفمبر إلى 24 نوفمبر 2024 في منطقة المارينا التابعة لمركز أدنيك أبوظبي. ويشهد المعرض مشاركة قياسية من كبرى الشركات المحلية والعالمية المتخصِّصة في قطاعات اليخوت والقوارب ومعدات الصيد والرياضات البحرية.
تُنظِّم المعرض مجموعة أدنيك بالتعاون مع شركة أبوظبي البحرية (الشريك الاستراتيجي)، وهيئة البيئة – أبوظبي (شريك المعرفة والاستدامة الرسمي)، ودائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي (شريك الوجهة الرسمي).
ويقدِّم المعرض مجموعة واسعة من الأنشطة والفعاليات المصاحبة التي تسلِّط الضوء على أحدث الابتكارات في أنماط الحياة البحرية، والإرث الغني لإمارة أبوظبي في هذه القطاعات.
وقال حميد مطر الظاهري، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة أدنيك: «نحن سعداء بمدى الإقبال الواسع الذي شهدته الدورة الحالية للمعرض، من الشركات المحلية والعالمية على حدٍّ سواء، ويضمُّ في دورته الحالية عدداً كبيراً من الأنشطة الجديدة والفعاليات المصاحِبة التي تلائم جميع شرائح الزوّار من المتخصِّصين والهواة، وصولاً إلى الأنشطة الترفيهية والاحتفالية المخصَّصة للعائلات. لقد شهدت الدورة الحالية ارتفاع مساحة المعرض بنسبة 15% مقارنةً بعام 2023، لتصل إلى 75,000 متر مربع، وارتفع عدد العارضين والعلامات التجارية بنسبة 14%، ليصل إلى 813 عارضاً مقارنةً بـ711 عارضاً وعلامة تجارية في الدورة الماضية. وزاد عدد القوارب المشاركة بنسبة 66%، ليصل إلى 175 قارباً مقارنةً بـ105 قوارب في نسخة 2023، وارتفع عدد القوارب في المرسى بنسبة 127%، ليصل إلى 125 قارباً، مع زيادة بنسبة 50% في القوارب التي يزيد طولها على 15 متراً».
وتشارك 56 دولة في الدورة الجديدة من معرض أبوظبي الدولي للقوارب هذا العام، منها ست دول تشارك للمرة الأولى، هي لوكسمبورغ واليونان والسويد ومصر والبحرين وروسيا، ما يمثِّل زيادة بنسبة 19% مقارنةً بـ47 دولة في عام 2023.
وتقام العديد من الفعاليات الترفيهية خلال المعرض، وتتضمَّن عروضاً يومية لموكب الأمواج، وعروضاً فنية وتراثية تشمل العيّالة، والفِرق الإماراتية، وعروض الطبول، إضافة إلى الأنشطة الترفيهية للأطفال، وأكثر من 1,000 نشاط موجَّه للعائلات، وعروض الألعاب النارية وعرض الفرسان الجوي وجولات مجانية بالقوارب للزوّار المحليين والدوليين.
ويشكِّل المعرض منصة رائدة لدعم الابتكار في قطاع الصناعات البحرية وتعزيز الاستدامة وحماية البيئة البحرية، حيث تتوافق هذه الفعالية مع جهود أبوظبي لتعزيز مكانتها وجهةً مفضَّلةً لعشّاق الرياضات البحرية، لما تمتاز به الإمارة بأكثر من 200 جزيرة، إضافة إلى شواطئ خلابة مناسبة للأنشطة البحرية.