نبي ما بعد الاستعمار أو المدافع عن عدالة بربرية.. نظرة جديدة إلى حياة الكاتب الثوري المؤثر فرانز فانون وعصره
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
ترجمة: سعيد الطارشي -
الجندي. الطبيب النفسي. الثوري. الكاتب. وحتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاته؛ فلا يزال فرانز فانون شخصية قوية وجدلية. فلقد كتب بشراسة ضد العنصرية والعنف الاستعماري في وقت حيث بدت فكرة العالم الثالث (فكرة الجبهة الموحدة بين البلدان والشعوب التي يستغلها الاستعمار) ممكنة.
وفي خضّم حرب الاستقلال الوحشية عن فرنسا التي خاضتها الجزائر بين عامي (1954-1962م) كتب فانون عن ضرورة العنف المضاد في الإطاحة بالحكم الاستعماري.
إنّ أشهر كتابين لفانون هما: بشرة سوداء وأقنعة بيضاء (الذي كتبه عندما كان في السابعة والعشرين من عمره) ومعذبو الأرض (الذي انتهى منه قبل ستة أشهر من وفاته عن عمر يناهز 36 عامًا بسبب سرطان الدم).
في الكتاب الأول حدّد فانون وحلّل وأدان تأثير العنصرية على حياة وعقول السود والشعوب المستعمرة بعبارات لاذعة لا تقبل المساومة.
أما الكتاب الثاني فهو بيان مناهض للاستعمار، ودراسة حالة للعنف، وتأريخ النضال من أجل إنهاء الاستعمار، ومكتوب من خلال عدسة حرب استقلال الجزائر.
إنّ اللغة اللاذعة لهذين الكتابين، إلى جانب اعتناق فانون للعنف كوسيلة لتحقيق غاية؛ ساعدا في تشكيل سمعته؛ إما كنبي (يشار -أحيانًا- إلى كتابه معذبو الأرض إلى أنّه الكتاب المقدس لإنهاء الاستعمار)، أو كمدافع عن عدالة بربرية على حد تعبير معاصر فانون، الكاتب والصحفي الفرنسي جان دانييل بنسعيد Jean Daniel Bensaid .
لقد أثّرت أعمال فانون في الحركات السياسية وعلى التخصصات الأكاديمية؛ من حركات تحرير السود وإنهاء الاستعمار الأفريقي، إلى نظرية ما بعد الاستعمار ونظرية العِرق النقدية.
في كتابه عيادة المتمردين The Rebel›s Clinic يدرس آدم شاتز Adam Shatz حياة فانون وعصره. وشاتز هو محرر الولايات المتحدة لمجلة لندن ريفيو أوف بوكس، ومسهم في مجلة نيويوركر. إنّ أبحاثه وتحليلاته المكثفة تجعل من كتابه هذا دليلًا شاملًا لعصر ما، كذلك لسيرة إنسان.
وبالنسبة لشاتز فإنّ فانون (الإنسان والفكر) يكتسبان أهمية وراهنية متزايدتين اليوم. وفي الواقع كان العنوان الرئيسي لمقالة كتبها في صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا العام هو: «لقد حاصر العالمَ فرانز فانون».
كذلك فإنه في «عصر استهلاكي، وعنصري، وشيوع عنف الشرطة، وإرث الاستعمار الأوروبي في الشرق الأوسط وأفريقيا»؛ فإنّ فانون له أهمية كبيرة.
طبيب وكبير منظرين
ولد فانون في جزيرة مارتينيك في غرب الهند (وهي تابعة لفرنسا)، وغادر الجزيرة في مارس 1944م للقتال في الحرب العالمية الثانية من أجل فرنسا حرة. وكان عمره - حينذاك- 19 عامًا. ولإيمانه بقيم الجمهورية الفرنسية (المساواة والأخوة والحرية) أصيب فانون بالصدمة من التسلسل الهرمي العنصري الذي واجهه في الجيش الفرنسي؛ فالعرق يحدد رتبة الشخص ودوره وكيفية معاملته.
وبعد أنْ نشأ في الطبقة المتوسطة وتلقى تعليمًا فرنسيًا في مارتينيك، توقع فانون أنْ يرحب به كمواطن فرنسي كامل؛ خاصة وأنه اختار القتال [من أجل فرنسا حرة]. وأصيب في صدره أثناء القتال، وعاد إلى مارتينيك لفترة وجيزة. ثم ذهب إلى فرنسا لدراسة الطب، ليصبح طبيبًا نفسيًا.
وأثناء عمله في ليون التقى فانون بالعمال المهاجرين من شمال إفريقيا الذين تجاهل الأطباء النفسيون الفرنسيون آلامهم «الوهمية». ورأى فانون التأثير النفسي للعنصرية على هؤلاء العمال. وقد أثّر هذا -ليس فقط- في ممارسته كطبيب نفسي؛ ولكن-أيضًا- في تفكيره كمنظر وفيلسوف. وفي عمله حول العزلة؛ وهي العمليات التي يمكن من خلالها شفاء المرضى من حالات الاغتراب و/أو الذهان، سيؤكد فانون الدورَ الذي تلعبه العوامل الاجتماعية في الصحة العقلية.
لقد كانت إقامته في مستشفى سانت ألبانز (تحت إشراف فرانسوا توسكيليس François Tosquelles، وهو طبيب نفسي إصلاحي ماركسي/فرويدي كتالوني) تجربة مبكرة وحاسمة.
وفي عام 1953م قبِل فانون منصب مدير عيادة في البليدة بالجزائر. وهنا أصبح على دراية كاملة بوضع الجزائريين الذين يعيشون تحت الحكم الاستعماري الفرنسي. وكان مؤسس مدرسة الطب النفسي في الجزائر العاصمة (أنطوان بوروت Antoine Porot) قد وصف المسلم الجزائري بأنه شخص هستيري، ويميل إلى الإجرام، وأقل شأنًا فكريًا؛ «فهو كائن بدائي تحركه الغريزة، وغير قادر على التفكير العقلاني».
لقد خلق الجهاز الاستعماري الفرنسي نظامًا لعدم المساواة متطرفًا ومقصودًا. ومع ذلك رأى فانون في الشعب الجزائري مقاومة لا هوادة فيها ضد التماهي مع القيم والثقافة الفرنسية. وقد أعجب فانون بهذه الصفة؛ فانضم إلى جبهة التحرير الوطني. ولقد ارتقت حركة المقاومة والفرع السياسي لجبهة التحرير المسلحة (جبهة التحرير الوطني) في نهاية المطاف إلى الصدارة في الحرب ضد فرنسا. وبقيت الحزب الحاكم في الجزائر إلى اليوم.
وأثناء إدارته لعيادة البليدة كان فانون معروفًا بمعالجة الجلادين الفرنسيين-غالبًا- في الصباح، وضحاياهم في المساء. وعلى الرغم من أنّ ولاءه السياسي كان للجزائريين؛ إلا أنّ تطبيبه شمل علاج كل من يحتاج إليه؛ فرنسي أو جزائري، جلّاد أو معذَّب.
لكن في نهاية المطاف طرد الفرنسيون فانون من الجزائر بسبب عمله الثوري. وشمل ذلك العمل تسكين آلام مقاتلي المقاومة والذين أنهكتهم المعارك؛ لمساعدتهم على العودة إلى الميدان.
ويصف شاتز فانون بأنّه «السفير المتجول» لجبهة التحرير الوطني و «منظرها الرئيسي». وأمضى السنوات الأخيرة من حياته في إدارة عيادة في تونس، والمشاركة في المناورات العسكرية، والأنشطة السياسية مع جبهة التحرير الوطني، وحضور المؤتمرات في أفريقيا وأوروبا، والضغط من أجل إنهاء الاستعمار في أفريقيا.
لقد كان فانون شخصية مهمة في النضال من أجل إنهاء الاستعمار؛ لذا نُقل جوًا إلى روسيا لتلقي العلاج الطبي عندما شُخصت إصابته بسرطان الدم لأول مرة. وفي وقت لاحق (وبمساعدة وكالة المخابرات المركزية) ذهب إلى الولايات المتحدة في محاولة أخيرة لإنقاذ حياته. وكان دور وكالة المخابرات المركزية في محاولة إنقاذ فانون-وفقًا لشاتز- بمثابة «مقدمة ودية» للحكومة الجزائرية المستقبلية. فكان من الواضح للوكالة-في تلك الأثناء- أنّ استقلال الجزائر أمر حتمي.
وتوفي فانون في الولايات المتحدة في ديسمبر عام 1961م، وقبل أشهر قليلة من استقلال الجزائر عن فرنسا.
وبناء على وصيته دُفن في التراب الجزائري. ولم يكن يتحدث أيّة لغة من لغات الجزائر غير الفرنسية. ولقد عاش في الجزائر لبضع سنوات؛ لكنه لم ير أنّ هذا يشكل عائقًا أمام الهوية الوطنية؛ هويته كجزائري.
رهاب المثلية وكراهية النساء
إنّ أعمال فانون تمزج الفلسفة والطب النفسي والخبرات الحياتية والأدب في أسلوب نثري فريد من نوعه وخطابي. وهذا لم يكن مفاجئًا؛ نظرًا لأنّه أملى كتاباته المبكرة، أولًا على زوجته جوزي فانون Josie Fanon ، ثم على الاختصاصية الاجتماعية في العيادة؛ ماري جين مانويلان Marie-Jeanne Manuellan.
ويؤكد شاتز على ما هو مفيد وذو صلة من عمل فانون للحظتنا الحالية. فعلى سبيل المثال كانت رؤية فانون لبناء الأمة رؤية تجاوزت سياسات الهوية.
ويعيد تجميع أجزاء من حياة فانون والتي غالبًا ما طغت عليها سمعته كمدافع عن العنف الثوري. وهو يعترف بالصعوبة التي يواجهها فانون؛ لذا فإن إعجابه به «ليس غير مشروط»، وذكرى فانون «لا يخدمها التبجيل جيدًا». وفي عام 2001م لاحظ شاتز-وهو يراجع سيرة فانون- أن أقوال فانون النبوئية لم تتقادم. وفي حين يصعب الآن فهم إيمانه بالقيمة العلاجية للعنف؛ فإنّ الكثير مما كتبه كان ذا بصيرة مخيفة.
يُعرف فانون بكتاباته عن الطبيعة «التطهيرية» للعنف في المجتمعات التي ألحق الاستعمار دمارًا وجوديًا وماديًا بشعوبها المستعمرَة. فكان يعتقد أنّ العنف الثوري سيعيد خلق المجتمع والإنسان من الألف إلى الياء.
ومع ذلك يقدم شاتز في كتابه ترجمة مختلفة للفظة فانون الفرنسية، مستبدلاً كلمة «التطهير» cleansing بكلمة «إزالة السموم» dis-intoxicatingالأقل قسوة. وسواء كانت الكلمة الأخيرة -بما تتضمنه من إيحاءات للتعافي من تسمم أو حتى التحرر من سِحر- تحمل مسؤولية أخلاقية أقل من كلمة «التطهير» أم لا؛ فهذا أمر مطروح للنقاش.
لكن حديث فانون وتفكيره يتسمان-أيضًا- بلغة معادية للمثليين وكارهة للنساء. وفي دراسات الحالة التي أجراها في كتابه معذبو الأرض-والتي تتضمن اغتصاب النساء- لم يكن هناك أي اعتبار لذاتية المرأة. وإنّه يجند فكرة المثلية الجنسية المكبوتة سُبّةً، واللغة التي يستخدمها للنظر في كل من العالم الاستعماري والعالم المتحرر من الاستعمار تركز على الرجال؛ البيض والسود على حد سواء. إنّ التمييز بين الجنسين لعميق!
وفي حين أنّه ليس هناك شك في أنّ فانون سعى إلى معنى جديد للأمة؛ يوفر المساواة لجميع المواطنين -بغض النظر عن الجنس أو العرق-؛ فإنّ هذا لا يعني أنه من الضروري أو المرغوب فيه تجنب ما هو إشكالي في عمله.
بل إنّه يدعو إلى ذلك النوع من القراءة الذي كان فانون نفسه موهوبًا فيه: القراءة ضد التيار، وكذلك معه. فمن المؤكد أنّ شاتز لا يتجاهل القضايا الإشكالية في أعمال فانون؛ لكن تركيزه يظل على ما كان مميزًا ومثمرًا فيها، بدلًا من تحليل الجوانب الصعبة أو الغوص فيها.
ومع ذلك فإنّ عمل شاتز عن فانون يتسم بالعمق وسعة المعرفة؛ فهو يعيد بناء التاريخ الفكري والسياسي والثقافي لمنتصف القرن العشرين. وفي الفصول الأخيرة يضع جهود فانون وسط أعمال المفكرين والحركات المعاصرة، من حركة حياة السود مهمة إلى نضالات الشعب الفلسطيني.
وفي بعض الأحيان يتأرجح شاتز على حافة محاولة قول أكثر مما هو ممكن عن فانون؛ نظرًا لقلة ما حُفِظ فيما يتعلق بحياته الخاصة: لتجنب فانون كتابة يومياته، ووفاة زوجته جوزي (التي كانت غائبة إلى حد كبير عن سيرته الذاتية) في أواخر الثمانينات. (وأحد المصادر الأساسية الحية القليلة التي تمكن شاتز من الوصول إليها كانت ماري جين مانويلان التي أملى عليها فانون كتابه معذبو الأرض)
إنّ شاتز ليبدو محرجًا عند الحديث عن علاقة فانون بإلين كلاين Elaine Klein الناشطة اليهودية. وانتقدت الكاتبة جنيفر سالاي Jennifer Szalai (في مراجعتها المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز لكتاب عيادة المتمردين) شاتز لعدم معالجة تهمة عنف فانون تجاه زوجته جوزي، والتي ذُكِرت في المقابلات التي أجراها الباحث فيليكس جيرمان Félix Germain لكتابه إنهاء استعمار الجمهورية Decolonising the Republic. وفي مقابلات مع الشاعر والصحفي بولين يواكيم Paulin Joachim والكاتبة والأكاديمية الغوادلوبية ماريز كوندي Maryse Condé اتُهم فانون بأنّه رجل عنيف؛ فقد صفع زوجته في أماكن عامة وخاصة. لذا فمن الممكن الشعور بعدم اليقين في معالجة شاتز لشؤون فانون الشخصية. ويبدو أنّ شاتز يلمّح-ودون أن يعلن صراحةً- إلى أنّ الزواج كان مفتوحًا، وأنّ جوزي كانت لها -أيضًا- علاقة غرامية.
وفي بعض الأحيان يتناول شاتز تراث فانون المارتينيكي ومكانته في فكره بطرق قد يشعر المرء أنّ فانون نفسه ربما استاء منها؛ نظرًا لملاحظات شاتز الساخرة في كثير من الأحيان حول الثقافة المارتينيكية.
قراءة ضد التيار
في دراسة سابقة عن فانون نُشرت عام 2001م كتب مؤلف سيرته الذاتية (ديفيد ماسي David Macey) عن فكرة فانون عن الأمة بعدّها مبنية على رغبة المرء فيما يكونه؛ وليس على مكان ميلاده. وفي بعض الأحيان سمح ماسي لقصة الجزائر بالتحدث نيابة عن قصة فانون والتعتيم عليها!
إنّ خلاصة مقاربة شاتز هي التأكيد على فانون الإنسان: الطبيب النفسي، والكاتب، والمنظر، والمناهض للاستعمار، والمنغمس بتاريخ الجزائر، وإلى جانب مؤثرات أخرى عليه. شملت: الوجودية الفرنسية، وإنهاء الاستعمار، والزنجية Négritude؛ وهي حركة أدبية كان من مناصريها الرئيسيين مؤلفون وشعراء وسياسيون، من أهمهم: ليوبولد سيدار سنغور(الرئيس السابق للسنغال)، وإيمي سيزير(الرئيس السابق للمجلس الإقليمي للمارتينيك).
لقد أثّر هذان الرجلان على فانون؛ لكنه انحرف عن أفكار الحركة الأكثر جوهرية حول الهوية السوداء.
يُصور كلٌ من شاتز وماسي العنف الشديد الذي مارسته كِلا القوات الفرنسية والجزائرية خلال حرب الاستقلال. فلقد قام الجانبان بزرع الألغام، وذبح وتعذيب الرجال والنساء؛ باستخدام تقنيات مثل: الإيهام بالغرق، وتشويه الأعضاء التناسلية. وقامت جبهة التحرير الوطني بقطع أطراف وشفاه وأنوف القرويين الذين انتهكوا الحظر المفروض على التدخين (فالتدخين حرام في الإسلام) كوسيلة للمطالبة بالولاء المطلق للهوية الجزائرية العربية الإسلامية المستقبلية. وقام الفرنسيون بإعدام الجزائريين بالمقصلة؛ دون محاكمة في كثير من الأحيان.
وإذا قرأنا فانون عكس التيار-وليس فقط للتصدي للقيود المفروضة على مسألتي كرّهه للنساء ورهابه من المثليين يمكننا-أيضًا- أنْ نرى أنّ حياته كانت حياة تواطؤ مع عنف المضطهَدين. ويرى أنّ أي عمل (من قطع الأسلحة إلى ذبح المنافسين)؛ له ما يبرره إذا أدى إلى الإطاحة بالظالم؛ وبغض النظر عن التكلفة.
فمن ناحية كان فانون مدافعًا متحمسًا عن العنف الذي من شأنه أنْ يحرر الشعوب المستعمرة من الإذلال الجائر لنير الاستعمار. ومن ناحية أخرى لم يكن مخدوعًا بأي حال من الأحوال بشأن الدمار النفسي الناجم عن العنف؛ سواء على الجاني أو الضحية.
لقد أنتجت هذه العلاقة المعقدة بعضًا من أقوى أفكاره حول التكوين الاجتماعي للنفس البشرية؛ فلقد كان لديه اعتقاد راسخ بضرورة السعي نحو طريقة للوجود تقاوم: الفكر التقليدي، والخصوصيات، والقبلية.
وحذّر-أيضًا- من احتمال حدوث استعمار طبقي عنيف قد تحل فيه «النخبة المحلية» محل أسيادهم المستعمرين. فيشير شاتز إلى أنّ فانون قد تنبأ بـظاهرة موبوتو وموغابي؛ الرجال الكبار الذين يكسون أنفسهم زيًّا أفريقيًا؛ ومع ذلك يحكمون بالفساد ويستغلون السلطة.
إنّ الطريقة التي نقرأ بها فانون-سواء أكان ذلك في الأدب، أو التاريخ، أو الفلسفة، أو دراسة حالة نفسية، أو بيان رسمي- سوف تشكل وجهات نظرنا حول أفكاره عن العنف. وإنّ القراءة الجيدة هي في حد ذاتها عمل مستمر؛ عمل يتطلب أنواعًا من البحث الشامل والتفكير الذين وظفها شاتز لقراءة فكر فانون وسيرته.
ميشيل حمداش تدرس دراسات اللغة الإنجليزية والكتابة الإبداعية في جامعة ماكواري. وتكتب روايات خيالية وغير خيالية إبداعية، وتعمل على تاريخ معسكرات إعادة التوطين في الجزائر أثناء حرب الجزائر من أجل الاستقلال عن فرنسا (1954-1962). عملت محررة في مجلة Southerly حتى عام 2018 وهي الآن رئيسة تحرير مجلة Mascara Literary Review، وهي مجلة أدبية نصف سنوية مهتمة بأعمال الكتاب المهاجرين المعاصرين والأستراليين الآسيويين والسكان الأصليين.
** المقال عن محاضرة في الأدب والكتابة الإبداعية بجامعة ماكواري
*** مصدر المقالة: https://theconversation.com/postcolonial-prophet-or-advocate-of-barbaric-justice-a-new-take-on-the-life-and-times-of-influential-revolutionary-writer-frantz-
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جبهة التحریر الوطنی إنهاء الاستعمار فی الجزائر عن العنف فانون ا ومع ذلک لم یکن من أجل
إقرأ أيضاً:
وداعة- مسرحية الثوري.. من صفقة الشقة السرية إلى وشاية إسرائيل!
عندما يرقص الثائر على جثث الضحايا
كيف لرجلٍ يدّعي الثورية أن يجلس في غرفة واحدة مع رموز النظام البائد الذين سفكوا دماء المتظاهرين؟ محمد وداعة، الشخصية التي تحوّلت من "صوت الثورة" إلى عنوانٍ يثير الشكوك، تختزل في مسيرتها تناقضات الساحة السياسية السودانية؛ ففي حين يهتف الشارع "حرية، سلام، وعدالة"، كان هو ينسج تحالفات مع فلول الماضي، وتثار حوله تساؤلات حول علاقاته غير المباشرة مع دوائر ترتبط بالكيان الصهيوني عبر قنوات أخرى. هذه ليست مجرد قصة انتهازية؛ بل إشعارٌ مبكر بخطر اختطاف الثورة من الداخل.
الفصل الأول- شقة ابن الإمام الصادق – منصة تحالف النخب القديمة
في الأيام الأخيرة لعهد البشير، عُقد اجتماع سري في شقة ببالخرطوم 2، المملوكة لأحد أبناء الإمام الصادق المهدي، عبد الرحمن الصادق، حضره قيادي حزب البعث، محمد وداعة، برفقة رئيس الحزب نفسه. ما يثير الدهشة أن هذا الاجتماع، الذي جمع شخصيات من النظام القديم والتي لطالما اعتُبرت عدائية تجاه الكتل الثورية، جاء تحت شعار "الانتقال السلس".
وفقًا لوثائق نشرتها "منظمة شفافية الثورة" في 2023، كان الهدف من الاجتماع منسوجًا حول إعادة تدوير النخب القديمة لضمان استمرارية النفوذ خلال المرحلة الانتقالية. وأشار أحد الحاضرين – في شهادة لم يُكشف اسمه – إلى أن وداعة كان يُلقي نكاته الساخرة حول إخفاقات النظام، بينما دعا إلى "المرونة السياسية"، أي التطبيع مع الخصم السابق من أجل تثبيت موطئ قدم للنخب في المشهد الجديد.
الفصل الثاني- الكيان الصهيوني.. صداقة تُثير التساؤلات
بينما يرفع وداعة شعارات العروبة ويرفض التطبيع في العلن، تسربت تقارير استخباراتية محلية في 2023 تُلمّح إلى أن هناك قنوات اتصال غير مباشرة تُحيل إلى دوائر ترتبط بالكيان الصهيوني، لكن هذه الاتصالات لم تكن مباشرة مع وداعة.
وفقًا لما ورد، فإن مدير مكتب رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، الذي يُقال إنه صديق مقرب لوداعة، كان له تبادل في الأحاديث مع وسطاء أوروبيين مرتبطين بدوائر إسرائيلية؛ حيث استُخدمت تلك اللقاءات لبحث ملفات يُغلفها "الإنسانية" وتوقيتها يشير إلى محاولة إعادة ترتيب العلاقات الخارجية. ورغم نفي وداعة المتكرر لأي صلة مباشرة، فإن التوقيت والسياقات تطرح تساؤلات ملحة حول مدى استفادة الحركات الانتقالية من تلك القنوات.
الفصل الثالث- نرجسية مُقدسة – كيف حوّل الثورة إلى منصة لتلميع الذات؟
لم يكن وداعة مجرد فاعل سياسي، بل سعى إلى رسم صورة إعلامية تبقيه في قلب المشهد الثوري، بينما كانت أفعاله تُظهر تناقضاً صارخاً مع الخطابات المعلنة.
تضخيم الذات وتزيين الصورة في مقاله "صلاح قوش مهندس المرحلة" (2021)، حاول وداعة إعادة تأهيل صورة مدير جهاز الأمن السابق، رغم ما يُعرف عنه من انتهاكات، ليتماشى مع تحالفات منسوخة من النظام القديم.
تنسيق الظلال-
أشارت تقارير إلى تنسيق غير معلن مع أطراف أمن سابقة بهدف حسم معارك السلطة داخل البيئة الانتقالية، في إطار محاولات لاستبعاد خصومه السياسيين.
مسرحية الإعلام الوهمية -باستخدام منصة "صوت التغيير" الإلكترونية، قام بتشكيل واجهة نقدية تنتقد خصومه، بينما تثار التساؤلات حول مصادر تمويل المنصة وعلاقتها بصفقات خارجية، ومثلت تحركاته المتكررة إلى بورسودان في فترات حساسة مثالًا على ذلك.
الفصل الرابع- محاكمة التاريخ.. هل سقط القناع؟
اليوم، لم يعد الصراع محتكرًا حول قضايا البشير أو صلاح قوش، بل أصبح النقاش الأساسي منصبًا حول من يمثل الثورة حقًا، ومن يستغلها من داخلها لتحويلها إلى ورقة ضغط لأجندات قديمة وشبكات سرية.
شهادات من الشارع- الناشطة آمال محمد تقول: "وداعة باع الثورة في أول منعطف.. دماء الشهداء لن تُنسى!"
المحلل السياسي خالد عمر والفيادي في حزب المؤتمر السوداني "الثورات الحقيقية لا يقودها من شارك في صفقة الظل الأولى."
ردود وداعة، التي يتكرر فيها الادعاء بأنه "ضحية مؤامرة"، لم تعد تُقنع الكثيرين بعد أن بدأت شهادات المستشارين والوثائق بالتساقط واحدة تلو الأخرى.
الثورة تحتاج إلى تطهير.. فهل آن الأوان؟
بهذا التحليل السياسي يُطرح وداعة كرمزٍ للتناقضات العميقة التي تعصف بالثورة السودانية، حيث تتنافر الكلمات مع الأفعال، وتتحول المبادئ الثورية إلى أدوات بيد النخب القديمة.
هذا الواقع يجعل من الضروري أن يقف الشعب والجهات الوطنية الحقيقية لمحاسبة من يُنتهكون الثقة ويحولون الثورة إلى مسرح للصفقات والادعاءات الكاذبة.
رسالة إلى الشارع السوداني "لا تسمحوا لمن يبيعون تضحياتكم في بورصة السياسة أن يسيروا باسمكم. الثورة الحقيقية تبدأ بتنقية الصفوف والوفاء لدماء الشهداء.
zuhair.osman@aol.com