العَولمة.. الصهيونية.. والنّازيات الجديدة
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
رغم أن تعريفات العولمة ليست تعريفات اقتصادوية محضة، ورغم البعد التفصيلي لتلك التعريفات التي يمكن اختزالها في أن العولمة هي "الانتقال الحر للأموال والقوى العاملة والتٍّقانة وحتى الثقافات ضمن الإطار الرأسمالي"، فإننا لا نكاد نعثر -حسب مبلغ علمنا المتواضع- على تعريف يربط العولمة (أي الإمبريالية العسكرية والاقتصادية والثقافية الرأسمالية) بالصهيونية أو بالنازية.
ونحن لا نطرح على أنفسنا في هذا المقال إنتاج مفاهيم جديدة، ولا ندعي القدرة السحرية على "شطب" المقاربات السائدة لعلاقة العولمة بالصهيونية والنازية، ولكننا نزعم أننا سنحاول تقديم بعض الأفكار التي قد تصلح لمقاربة العلاقة بين تلك المفاهيم الإجرائية بصورة مختلفة.
في كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" المنشور سنة 1917، اعتبر فلاديمير لينين الإمبريالية مرحلة متطورة من مراحل الرأسمالية عندما "اكتسب تصدير رأسمال أهمية كبرى وابتدأ تقاسم العالم بين التروستات العالمية وانتهى تقاسم الأرض كلها بين كبريات البلدان الرأسمالية". وليس يعنينا في هذا المقال تفكيك الجوهر "الإمبريالي" للشيوعية السوفييتية رغم كل ادعاءاتها التحريرية والتقدمية، بل يعنينا فقط الإشارة إلى أن لينين قد أهمل -لأسباب تتعلق بطبيعة التحليل الماركسي ذاته- أهمية البعد الفكري أو "العقدي" في المشروع الاستعماري، بل أهمية المخيال الجمعي ما قبل الرأسمالي في صوغ العقائد الاستعمارية وجعلها أمرا "حسنا" في عين العقل وعين الرب على حد سواء.
بصرف النظر عن الجدل المعروف بين الإسلاميين وخصومهم في تحديد طبيعة الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإنّنا نذهب إلى أن ذلك المشروع يعكس انتقال الإمبريالية إلى مرحلتها المتصهينة. ونحن نعني بـ"التصهين" هنا الإطار الفكري العام الذي يضبط سياسات القوى الاستعمارية الكبرى في المنطقة بدفع من السرديات الإنجيلية والتلمودية، وبضغط من اللوبيات المالية والإعلامية والثقافية اليهودية، وبتواطؤ جلي أو خفي من "الكيانات الوظيفية" التي تُسمّى مجازا دولا وطنية
وإذا كانت الماركسية تصادر على أن المحدد النهائي للصراع هو المحدد الاقتصادي، وتصادر أيضا على أن "الأيديولوجيا" (أو العقائد) ليست إلا أداة للتغطية على جوهر الصراع ورهاناته الدنيوية، فإن مقولاتها تفقد الكثير من قوتها التفسيرية عند استحضار المشروع الصهيوني في فلسطين.
بصرف النظر عن الجدل المعروف بين الإسلاميين وخصومهم في تحديد طبيعة الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإنّنا نذهب إلى أن ذلك المشروع يعكس انتقال الإمبريالية إلى مرحلتها المتصهينة. ونحن نعني بـ"التصهين" هنا الإطار الفكري العام الذي يضبط سياسات القوى الاستعمارية الكبرى في المنطقة بدفع من السرديات الإنجيلية والتلمودية، وبضغط من اللوبيات المالية والإعلامية والثقافية اليهودية، وبتواطؤ جلي أو خفي من "الكيانات الوظيفية" التي تُسمّى مجازا دولا وطنية.
وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل "مقبولية" المشروع الصهيوني في الغرب عن تطبيع الثقافة الإمبريالية مع الاستعمار "الإحلالي" (مثلما وقع في أمريكا وأستراليا وجنوب أفريقيا.. الخ)، وإذا كنا أيضا لا نستطيع فصل ذلك المشروع عن مصالح القوى الاستعمارية في المنطقة، فإننا لا نستطيع فصله عن مخرجات الحرب العالمية الثانية وسردية "الهولوكست". بل إننا لن نجانب الصواب إذا قلنا بأنّ إنشاء "إسرائيل" هو استمرار خفي لسياسات استبعاد اليهود من الغرب، لكن بطريقة "ناعمة" ومقبولة من لدن اليهود أنفسهم.
ربما يستغرب القارئ إذا ما اعتبرنا إنشاء إسرائيل هو امتداد لروح النازية. فالسرديات الغربية تدعي أنّ إنشاء "الوطن القومي لليهود" هو أساسا لحمايتهم ولتعويضهم عما عانوا منه في الغرب، خاصة من النازية وخيار "الحل النهائي". ورغم أنّ من المشروع أن نسأل لماذا لم تنشئ لهم القوى المنتصرة في الحرب وطنا قوميا في أوروبا -وفي ألمانيا تحديدا باعتبارها المتسبب الأعظم في "الهولوكست"- ورغم أن اليهود الشرقيين لم يعرفوا طوال تاريخهم أي مجزرة مماثلة في المجال العربي الإسلامي، فإن إنشاء "إسرائيل" كان يعني ضمنيا القبول بتحويل ضحية النازية (وضحية كل سرديات معاداة السامية في الغرب) إلى نازي جديد. فسردية "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" لم تكن تعني واقعيا إلا إبادة الشعب الفلسطيني بروح يهودية متصهينة.
إن الحديث عن "الحركات النازية الجديدة" هو حديث منقوص ومخادع عندما يستثني الصهيونية. فالصهيونية هي نازية متهوّدة. فرغم علاقة العداء المعروفة بين الصهيونية والنازية، فإن الصهيونية في جوهرها ليست إلا "تهويدا" للمشروع النازي. وهو تهويد يتحول فيها الضحية إلى جلاد، ولكنّ هذا الجلاد لا يمارس عنفه على سبب مأساته في الغرب، بل يمارسه على الموضوع المتاح في الشرق (أي الفلسطيني خاصة، والعربي والمسلم بصفة عامة).
الدعم المطلق الذي يقدمه الغرب لحرب الإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد غزة (وسيمارسونها ضد كل فلسطين ولو بعد حين لتحويل "إسرائيل" إلى دولة لليهود) هو أعظم دليل على تهافت الأساس الأخلاقي للعولمة، ولا شك أيضا في أن تلك الإبادة المُمنهجة للفلسطينيين هي أكبر دليل على أن "الحل النهائي" النازي لم ينته بخسارة ألمانيا للحرب، بل هو باق مع السردية الصهيونية لكن تحت غطاء غربي عام، وبتواطؤ عربي رسمي مفضوح
وإذا كانت العولمة في جوهرها هي "عبادة العجل الذهبي" بأشكاله وتمظهراته الاستهلاكية/ الدهرية المعروفة، فإن ذلك العجل هو عجل توراتي وتلمودي بالضرورة. ولا يمكن للأطروحات الغربية والعربية "المُعلمنة" أن تُخفيَ هذا الجوهر، خاصة بعد طوفان الأقصى، كما لا يمكن للصراع "الخطابي" بين الصهيونية والنازية أن يخفيَ العلاقة الاشتقاقية التي تربط بينهما. فالنازية هي مشروع مسيحي تمت علمنته و"جرمنته" (ربطه بالعرق الجرماني الآري)، والصهيونية هي مشروع نازي غربي تم تهويده وتحويله إلى قاعدة متقدمة للإمبريالية في لحظتها التي تلت الحرب العالمية الثانية، أي مرحلتها المتصهينة.
ختاما، فإننا نعتبر استراتيجية الربط بين العولمة والصهيونية من جهة، وبين النازية والمشروع الإحلالي اليهودي من جهة ثانية جزءا من خيار المقاومة في المستوى الفكري. فالسرديات السياسية المهيمنة على أطر التفكير في الغرب ولدى "التابع" (أي العربي المسلم) قد حرصت على تأبيد التقابل بين الصهيونية والنازية، بل إنها قد حرصت على شرعنة المشروع الصهيوني باعتباره مقابلا "أخلاقيا" للمشروع النازي.
ولا شك في أن الدعم المطلق الذي يقدمه الغرب لحرب الإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد غزة (وسيمارسونها ضد كل فلسطين ولو بعد حين لتحويل "إسرائيل" إلى دولة لليهود) هو أعظم دليل على تهافت الأساس الأخلاقي للعولمة، ولا شك أيضا في أن تلك الإبادة المُمنهجة للفلسطينيين هي أكبر دليل على أن "الحل النهائي" النازي لم ينته بخسارة ألمانيا للحرب، بل هو باق مع السردية الصهيونية لكن تحت غطاء غربي عام، وبتواطؤ عربي رسمي مفضوح. وهذا ما يستدعي من الكتابة "المقاومة" الدفع بهذه الترابطات الخفية إلى واجهة السجال العام، خاصة في الفضاء الغربي الذي ما زال أسير السردية الصهيونية ومشتقاتها المُعلمنة.
x.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العولمة فلسطين النازية الصهيونية فلسطين العولمة الصهيونية النازية الامبريالية مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصهیونیة والنازیة المشروع الصهیونی دلیل على فی الغرب ولا شک على أن
إقرأ أيضاً:
كوريا الشمالية: الانتصار في كورسك أفشل مغامرات الغرب العسكرية والسياسية
كوريا ش – أعلنت كوريا الشمالية أن زعيمها كيم جونغ أون قرر إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا وفقا للمعاهدة الموقعة بين موسكو وبيونغ يانغ، وأن الانتصار في كورسك “أفشل مغامرات الغرب”.
وجاء في بيان رسمي، نشرته وسائل إعلام كوريا الشمالية، فجر الاثنين، أن كيم جونغ أون “استنتج بأن الوضع مشمول بالمادة 4 من معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين روسيا وكوريا الشمالية، وبناء على ذلك “اتخذ قرارا بإرسال قواتنا المسلحة للمشاركة في العمليات القتالية” في مقاطعة كورسك الروسية التي تعرضت لهجوم من قبل القوات الأوكرانية منذ أغسطس 2024.
وقالت اللجنة العسكرية المركزية الكورية الشمالية في بيانها إنه “بفضل هذا الانتصار الذي لا يقدر بثمن… تم إنهاء احتلال مقاطعة كورسك من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، والذي استمر نحو 9 أشهر، وتم كذلك إفشال المغامرات السياسية والعسكرية لدول الغرب وسلطات كييف”.
وشددت اللجنة على أن أنشطة القوات المسلحة الكورية الشمالية على الأراضي الروسية “تتجاوب كليا مع بنود وروح ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من الوثائق القانونية الدولية”.
وأشارت إلى أن “الإتمام الناجح لعملية تحرير مقاطعة كورسك لم يصبح انتصارا للعدالة على الظلم فحسب، بل ومرحلة تاريخية جديدة أظهرت تحالفا قتاليا لا يقهر وأعلى مستوى لعلاقات التحالف والأخوة بين شعبي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وروسيا”.
وأشاد حزب العمال الكوري الشمالي بأداء وحدات القوات الكورية الشمالية في مقاطعة كورسك، مشيرا إلى أنها “ساهمت بقسط مهم في تحرير الأراضي الروسية”.
وأكد أن كوريا الشمالية “ستواصل دائما وبشكل كامل دعم قضية جيش وشعب روسيا المقدسة، وستبقى متمسكة بأي أعمال مبنية على روح المعاهدة بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وروسيا.
وحسب البيان، وجه كيم جونغ أون “تحية حارة” لجيش وشعب روسيا “اللذين حققا انتصارا عظيما”.
يذكر أن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين يوم 26 أبريل بإتمام تحرير مقاطعة كورسك من القوات الأوكرانية وأشاد بدور قوات كوريا الشمالية التي شاركت في العملية.
وأكدت الخارجية الروسية أن العسكريين الكوريين الشماليين شاركوا في العملية بناء على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها بين موسكو وبيونغ يانغ أثناء زيارة الرئيس بوتين لكوريا الشمالية في 19 يونيو عام 2024.
المصدر: نوفوستي