المثقف السوداني ما بين قلق الدرويش ومتاهة البحث عن القوة في الصراع السياسي الماثل
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
في سياق الصراعات السياسية والاجتماعية المتلاحقة التي شهدها السودان خلال العقود الأخيرة، يجسد المثقف السوداني حالة من التوتر والقلق الداخلي الممزوج بالغموض. هذا الوضع يشبه ما يمكن تسميته "قلق الدرويش"، حيث يجد المثقف نفسه في رحلة بحث دائمة عن الحقيقة في عالم تملؤه التناقضات والمآسي. من جهة، تراه متمسكًا بمثله العليا التي كونها من خلال قراءات وتجارب فكرية، ومن جهة أخرى، يواجه واقعا سياسيا معقدا تتنازع فيه القوى المختلفة لتحقيق مصالحها الخاصة.
المثقف السوداني بين القيم وضغوط الواقع
مثل الدرويش، يتأرجح المثقف السوداني بين المثالية التي يسعى لتحقيقها والضغوط الواقعية التي يواجهها. غير أن هذا التأرجح لا يظهر فقط في مواقفه الشخصية، بل ينعكس أيضًا في كتاباته وتحليلاته السياسية. كثير من الكتابات السودانية الحديثة تحمل طابعًا من الغموض، حيث يلجأ بعض المثقفين إلى تعقيد الطرح التحليلي بصورة قد تجعل أفكارهم بعيدة عن فهم العامة. قد يكون هذا الغموض محاولة لإضفاء عمق على رؤيتهم، لكنه يؤدي في النهاية إلى خلق فجوة بينهم وبين الشعب.
المدارس الفكرية تباين في الرؤى وتحديات الانتماء
في المشهد الثقافي السوداني، نجد أن المدارس الفكرية تتعدد وتختلف من حيث الرؤى والمبادئ. هناك التيارات الماركسية والإسلامية والقومية والليبرالية، وكل منها يقدم مقاربة مميزة للصراع السياسي والاجتماعي في السودان. هذا التنوع الفكري، على الرغم من ثرائه، يساهم في تعقيد المشهد، حيث أن بعض المثقفين يجدون أنفسهم غير قادرين على اتخاذ مواقف ثابتة وواضحة. ينشأ عن ذلك تأرجح في الانتماء وضعف في الاستمرارية.
الإسلاميون تبرز المدرسة الإسلامية كتيار رئيسي في السياسة السودانية، وقد كان لها دور بارز خلال حقبة البشير. مشروع "النهضة الإسلامية" لم يكن خاليًا من التحديات، حيث واجه انتقادات حادة بسبب التورط في الصراعات المسلحة والانخراط في مصالح شخصية.
اليساريون يتمتعون بتاريخ طويل من المقاومة ضد الاستبداد، لكن خطابهم يبدو موجهًا نحو النخب ولا يصل بسهولة إلى الطبقات الشعبية. مع ذلك، ما زالوا يسعون لتقديم أنفسهم كبديل في وجه القوى التقليدية.
القوميون أصحاب الرؤى القومية يعانون من غياب تنظيم فعال وغموض في الطرح، ما يجعلهم يواجهون صعوبة في تقديم رؤية واضحة حول السودان في سياق التوجهات الإقليمية، سواء كانت عربية أو أفريقية.
العلمانيون يسعون لفصل الدين عن الدولة، لكن خطاباتهم موجهة للفئات الحضرية والمثقفة، بينما يجدون تحديًا في إقناع القطاعات الريفية والمجتمعات التي تربط بين الهوية الدينية والسياسية.
الفجوة بين المثقف والجماهير
أحد أكبر التحديات التي يواجهها المثقف السوداني هو غيابه عن التواصل المباشر مع الشعب. بدلاً من الانخراط في الحراك الجماهيري والنقاشات المجتمعية اليومية، يظل المثقفون منغمسين في نقاشات نظرية وفكرية بعيدة عن اهتمامات الناس العادية. يتسبب هذا العزل الفكري في إضعاف تأثير المثقف في العملية السياسية، حيث يظل دوره محصورًا بين دوائر النخبة دون التأثير الفعلي في الشارع السوداني.
خطورة التأرجح وضعف الحضور السياسي
التأرجح الفكري والغموض الذي يسود الخطابات الفكرية للمثقفين السودانيين ينعكس بشكل خطير على دورهم السياسي. فبدلاً من أن يكونوا جزءًا من عملية التغيير الفعلي، يقتصر دورهم على مراقبة الأحداث وتحليلها دون تقديم حلول واقعية وملموسة. هذا الوضع يفتح المجال أمام القوى المسلحة والمليشيات للسيطرة على المشهد، ويترك المثقف في موقع المتفرج، بدلاً من أن يكون المحرك للتغيير.
نحو خطاب أوضح وتواصل أعمق مع الشعب
لتجاوز هذا الوضع، يحتاج المثقف السوداني إلى إعادة النظر في دوره وفي كيفية تواصله مع الناس. يجب أن يكون الخطاب الموجه للجمهور أبسط وأكثر وضوحًا، مع تقديم حلول ملموسة للقضايا الحياتية التي تواجه الناس، مثل الفقر والبطالة وانعدام الأمن. كما يجب أن يتفاعل المثقف مع الحراك اليومي ليكون جزءًا من الحل، بدلاً من أن يظل منعزلًا عن الواقع العملي.
و المثقف السوداني يقف اليوم في مفترق طرق بين الاستمرار في تأرجحه الفكري أو أن يصبح فاعلًا في التغيير الاجتماعي والسياسي. غيابه عن الجماهير ليس فقط خطرًا على دوره، ولكنه قد يساهم في تكريس المزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية في السودان. إنه وقت إعادة التفكير في دوره وموقعه من أجل مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المثقف السودانی
إقرأ أيضاً:
تداعيات كارثية لعامين من الحرب المدمرة في السودان
حذرت منظمات وهيئات دولية وإقليمية من التبعات الكارثية لعامين من القتال الذي وضع السودانيين أمام كابوس مرعب من الدمار والموت.
التغيير ــ وكالات
ومنذ اندلاعها بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، أدت الحرب إلى سقوط نحو 150 ألف قتيل وتشريد أكثر من 15 مليون من بيوتهم وهدد 25 مليونا من سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة بدخول دائرة المجاعة، وسط نقص يفوق 90 بالمئة من التمويل المطلوب لمواجهة الأزمة الإنسانية التي قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن العالم لن يستطع تحملها في حال استمرار الحرب للعام الثالث.
وقال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إن السودان يعاني من أزمة مُريعة يدفع المدنيون ثمنها الباهظ، متوقعا انتشار المجاعة على نطاق أوسع في السودان.
وشدد غوتيريش على أن السبيل الوحيد لضمان حماية المدنيين هو إنهاء الصراع فورا.
وبالتزامن مع بدء 20 وزير خارجية ومسؤول من مختلف بلدان العام جولة جديدة من الجهود الدولية التي فشلت حتى الآن 10 محاولات منها، عبّر مسؤولون في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد” والاتحاد الأوروبي عن خيبة أمل كبيرة لفشل طرفي الصراع في الوصول إلى حل للأزمة بالسودان.
ووسط تقارير مفزعة عن تزايد الانتهاكات والاعتقالات التعسفية والضربات الجوية العشوائية، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطراف الصراع إلى احترام القانون الدولي الإنساني الدولي، واتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين.
وقالت اللجنة في بيان إن “عدم القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تأجيج المزيد من العنف، والمزيد من الموت، والمزيد من الدمار الذي لا يستطيع السودان والعالم تحمله”.
وأشارت رئيسة المنظمة ميريانا سبولياريتش، إلى أن عواقب النزاع على المدنيين، تضع الجهود الدولية على المحك.
وأوضحت “غيرت حرب أهلية مدمرة، استمرت عامين، حياة ملايين السودانيين. اشتعل الصراع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الريفية والمراكز الحضرية. ويعيش المدنيون في كابوس مرعب من الموت والدمار”.
وأضافت: “شهدنا خلال العامين الماضيين نمطا خبيثا من التجريد من الإنسانية في كيفية إدارة الحرب. يُقتل ويُجرح المدنيون، وتُنهب منازلهم، وتُدمر سبل عيشهم. ويتفشى العنف الجنسي، مُخلفا وراءه صدمات نفسية ستظل تتردد أصداؤها لأجيال”.
من جانبه، أكد السكرتير التنفيذي لمنظمة “إيغاد” ورقني قبيهو أن هنالك حاجة للعمل بشكل منسق لحل الأزمة السودانية.
وشدد قبيهو على أن المنظمة التي جمد السودان عضويته فيها منذ نحو عام، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام معاناة السودانيين.
ومع تمدده في أكثر من ثلثي ولايات البلاد الثمانية عشر، يزداد الصراع فتكا بالهجمات المتعمدة على البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات التي خرج نحو 60 بالمئة منها من الخدمة تماما بحسب منظمة الصحة العالمية، ومحطات المياه والكهرباء التي شهدت دمارا واسعا أدى الى انقطاع الكهرباء في أكثر من 70 بالمئة بها في مناطق البلاد.
الوسوم15 أبريل الجيش الحرب الدعم السريع مرور عامان