الإنسان المعاصر وحنينه إلى الماضي
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
بالرغم مما يعيشه الإنسان المعاصر من تطور وتقدم تكنولوجي!
وبالرغم مما يعيشه الإنسان المعاصر من تعدد في الخيارات سواء في الملبس، أو المأكل، أو المشرب اللهم لك الحمد حتى ترضى.
إلا أنه في الآونة الأخيرة بالذات آخر خمسة سنوات إزداد إقبال البشر على الرجوع إلى الماضي، وإحياء موضة المكياج الكلاسيكي، والملابس الكلاسيكية، والعطور، ووصفات الأطباق القديمة خاصة أطباق الأجداد وتقديمها بالمطاعم وبشكلها التقليدي، والحلويات القديمة.
ولكن السؤال
هل ميل الإنسان المعاصر إلى ما هو قديم وكلاسيكي يُمثل نوعًا من الراحة النفسية لأنها ترتبط بالذكريات الطفولية والأوقات الهادئ؟
فالرغبة المتزايدة لدى الإنسان المعاصر في الجمعات البسيطة والأطباق والحلويات القديمة يمكن تفسيرها من منظور التحليل النفسي الاجتماعي بعدة عوامل، تجمع بين الاحتياجات النفسية والتغيرات الإجتماعية والثقافية التي أحدثتها التكنولوجيا والحياة المعاصرة، فقد يرجع إلى:
1- البحث عن الأصالة والهوية: ففي ظل التطور التكنولوجي السريع وتغير القيم الاجتماعية، يشعر الأفراد بالانفصال عن جذورهم وهويتهم الثقافية، الأكل البسيط والجمعات التقليدية والحلويات القديمة قد تذكر البشر بأوقات أكثر استقرارًا وبساطة، حيث كانت العلاقات الإنسانية أكثر وضوحًا والأصالة أكثر حضورًا.
وهذه الرغبة في العودة إلى البساطة تعبر عن محاولة للبحث عن الأصالة، واستعادة الهوية الشخصية والثقافية التي قد يشعر الإنسان بأنه فقدها في ظل السرعة الكبيرة للتغيير التكنولوجي.
2- التكنولوجيا والعزلة الاجتماعية: فعلى الرغم من أن التكنولوجيا توفر التواصل السريع والمستمر، فإنها في الوقت ذاته قد تعزز الشعور بالعزلة. التواصل الافتراضي لا يمكنه تعويض التواصل الشخصي المباشر. الجمعات البسيطة والأكل التقليدي توفر فرصة للتفاعل الشخصي والجسدي، وهو ما يعيد الشعور بالانتماء للمجتمع والأسرة.
فالرغبة في الجمعات البسيطة هي رد فعل ضد العزلة التي تسببها التكنولوجيا، والإنسان يبحث عن الدفء الإنساني في العلاقات الاجتماعية البسيطة والحميمة التي تفتقد إلى الوسائط الافتراضية.
3- التوتر والضغوط النفسية: فالحياة المعاصرة تتميز بوتيرة سريعة وضغوط مهنية وشخصية عالية. هذه الضغوط تدفع الأفراد للبحث عن ملاذات هادئة وبسيطة تساعدهم على التخلص من التوتر
وهذه الأنشطة البسيطة توفر للإنسان وسيلة للتخفيف من التوتر والعودة إلى حالة من الاسترخاء والهدوء النفسي التي تفتقد في الحياة المعاصرة.
4- الحنين إلى الماضي (النوستالجيا): فالحنين إلى الماضي يعد من أقوى المحفزات النفسية، فالحنين للأطعمة البسيطة والحلويات القديمة يمثل رغبة في العودة إلى فترة أكثر بساطة وراحة نفسية، وهذه الأطعمة والحلويات تستحضر الذكريات الجميلة المرتبطة بالعائلة والأصدقاء والتقاليد القديمة.
والنوستالجيا تشكل آلية دفاع نفسية تساعد الفرد على التغلب على القلق الناجم عن التغيرات الاجتماعية السريعة والابتعاد عن الجذور الثقافية.
5- الهروب من التعقيد والمادية: ففي مجتمع يهيمن عليه الاستهلاك والمادية، يشعر الكثير من الناس بالاستياء من التعقيد المتزايد في كل جوانب الحياة. فالجمعات البسيطة والأكل التقليدي يمثلان رفضًا لهذا التعقيد، ومحاولة للعودة إلى القيم البسيطة والإنسانية.
والبساطة هنا ليست فقط في الطعام أو الجمعات، بل هي رمز لحياة أكثر أصالة، تُقدّر فيها العلاقات الإنسانية على حساب الماديات.
6- البحث عن الروابط العائلية والمجتمعية: فالتكنولوجيا، على الرغم من قدرتها على جمع الناس افتراضيًا، إلا أنها قد تضعف الروابط العائلية والمجتمعية، والجمعات البسيطة تتيح الفرصة لإعادة بناء هذه الروابط من خلال التفاعل الحقيقي والمباشر.
فالإنسان المعاصر يشعر بالحاجة لإعادة التواصل مع أسرته ومجتمعه بطريقة أكثر حميمية وبساطة.
7- الرغبة في التوازن النفسي: فالعصر الرقمي يتطلب انتباهًا دائمًا وإنتاجية مستمرة، ما يؤدي إلى استنزاف نفسي كبير، والجمعات البسيطة والأطعمة التقليدية توفر نوعًا من الاستقرار والتوازن النفسي الذي يساعد في استعادة الهدوء الداخلي.
فالإنسان يسعى لإيجاد توازن بين العالم الرقمي السريع والعالم الواقعي الهادئ والمألوف.
8- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: فوسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في نشر فكرة “البساطة” والعودة إلى الأساسيات كموضة عصرية. هذا الترويج للبساطة يعزز من رغبة الأفراد في اعتماد أسلوب حياة أكثر هدوءًا واسترخاءً.
ولا ننكر وسائل الإعلام أسهمت في تشجيع هذه الظاهرة، لكن الرغبة الحقيقية في العودة للبساطة تنبع من الحاجة الداخلية للراحة والاتصال.
أستطيع تلخيص رغبة الإنسان المعاصر في الجمعات البسيطة والأطعمة تمثل رد فعل نفسي واجتماعي على التغيرات الحديثة في أسلوب الحياة، والرغبة في استعادة الراحة النفسية والعلاقات الإنسانية الدافئة.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الإنسان المعاصر إلى الماضی
إقرأ أيضاً:
كيف تحافظ على طاقتك النفسية أثناء الصيام؟
ينتظر ملايين من المسلمين قدوم شهر رمضان من العام إلى الآخر حيث تتجدد فيه السعادة وتنتشر الطاقة الإيجابية والحيوية، إلى جانب الروحانيات والهدوء والسكينة.
ويعتبر شهر رمضان مصدر للراحة والإلهام وتجديد نمط الحياة الروتينية، ولكن لابد من وضع الخطط التي تحسن استغلال الوقت وإدارة طاقتنا للموازنة بين الصيام والعبادات والعمل وزيارة الأهل والأصدقاء أثناء الشهر الفضيل، وحتى لا يتحول الشهر إلى إجهاد نفسي وبدني على الفرد مما يؤدي إلى مزيد من التوتر والإرهاق الذهني، سنرصد خلال السطور التالية أهم الطرق المتبعة للمحافظة على الطاقة النفسية أثناء هذا الشهر الفضيل.
تنظيم وإدارة الوقتيعتبر تنظيم الوقت من الأمور الهامة التي تساعد الفرد على تجنب الضغوط اليومية واستنزاف الطاقة النفسية، حيث أن إدارة عنصر الوقت وتنظيمه ما بين العمل والعبادات والزيارات المختلفة مع توزيع المهام على باقي الوقت من اليوم وتجنب المهام الغير ضرورية أثناء اليوم، سيعمل على تخفيف الضغط النفسي والتوازن في أداء كافة الأعمال المطلوبة بدون الشعور بالضغط أو الإرهاق.
النوم الجيديعتبر النوم الجيد وأخذ القدر الكافي من الراحة من العوامل الهامة التي تمنح الجسم الطاقة والحيوية لتنفيذ المهام اليومية دون الشعور بالتوتر والانفعالات المستمرة، حيث يؤثر النوم الجيد على الصحة النفسية للفرد ويجعله أكثر قدرة على الإنتاج.
التغذية السليمةمن العوامل الهامة أيضًا للحفاظ على الصحة النفسية وتجديد الطاقة أثناء شهر الصيام هي التغذية السليمة، إذ أن تناول وجبات مليئة بالعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم وبشكل متوازن ما بين وجبة الإفطار ووجبة السحور يمنح الجسم الطاقة والنشاط لتنفيذ كافة المهام والأعمال المطلوبة، مما يؤثر بشكل إيجابي على الصحة النفسية للفرد.
السيطرة والتحكم على الانفعالاتيجب على الفرد أن يدرك جيدًا كيف يتحكم في انفعالاته المختلفة، حيث أن بعض الأفراد يتعرضون للتوتر والضغط النفسي وسرعة الغضب واستنزاف الطاقة النفسية نتيجة الصيام، لذلك يجب الحفاظ على تنفيذ بعض النقاط التي ستعمل على التحكم في الانفعالات وهي الابتعاد عن الدخول في مناقشات جدلية، وممارسة تمارين التنفس العميق، والمداومة على الذكر والاستغفار.