ترجمة - حافظ إدوخراز -
تنام الطيور، كما هو الحال بالنسبة للنحل، وحتى الذباب، الإنسان أيضًا ينام، وقد كتب الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور في كتابه عن الحكمة في الحياة: «يمثّل النوم بالنسبة للإنسان ما يمثّله إعادة التجميع بالنسبة للسّاعة»، فما هو النوم؟ ولما نحتاج إليه؟
لا ريب أن النوم ضروري للبقاء يقظين ومنتبهين، غير أن هذا الجواب يشبه إلى حدٍّ ما القول بأننا نأكل لكيلا نجوع، أو أننا نتنفس لكيلا نختنق.
على الرغم من صعوبة تقديم تعريفٍ دقيق للنوم، إلا أننا نعلم أن شخصًا ما يكون نائمًا حينما يكون غير آبهٍ بما يحدث حوله ويكون في حالة سكون، ومع ذلك فإن عدم الحركة لم يعد معيارًا للنوم؛ لأن الدلافين وبعض الثدييات البحرية تسبح أثناء نومها، كما أن بعض الطيور تواصل الطيران وهي نائمة خلال مواسم هجراتها الطويلة.
كان علماء الأحياء يعتقدون، حتى عام 1953، أن نشاط الدماغ يتوقف إلى حدٍّ كبير أثناء النوم، وفي تلك السنة اكتشف ناثانييل كلايتمان، طبيب الأعصاب الأمريكي ورائد الأبحاث حول النوم عند الإنسان، بمعية طالبه يوجين أسيرينسكي في جامعة شيكاغو، أن النوم يتخلّله فترات تقوم فيها العين بحركات سريعة، تُسمّى هذه الفترات بمرحلة النوم المتناقض أو مرحلة حركة العين السريعة (Rapid Eye Movement)، وخلال هذه المراحل يكون نشاط الدماغ كثيفًا.
وفي عام 1959، قدّم عالم الفيزيولوجيا العصبية ميشيل جوفيه، من جامعة كلود برنارد بمدينة ليون (فرنسا)، وهو رائد آخر في أبحاث النوم، أطروحة مفادها أن «موجات اليقظة» التي تم تسجيلها أثناء مراحل النوم المتناقض ترتبط بالأحلام، خلال هذه الفترات يشبه مخطط كهربية الدماغ للشخص النائم مخطط كهربية الدماغ لشخص مستيقظ، فعندما يتم إيقاظ شخص نائم في مرحلة النوم المتناقض، غالبًا ما يقصّ حلمًا، وكان ذلك بالنسبة لجوفيه دليلًا على أن الشخص كان يحلم، لكن تبين لاحقًا أن النائم الذي يتم إيقاظه يمكنه رواية حلم، بغض النظر عن مرحلة النوم التي كان فيها عند إيقاظه، مع تغيّر محتوى الحلم فقط.
تمرّ جميع الثدييات والطيور خلال نومها بمراحل من النوم المتناقض، التي تتناوب مع مراحل النوم البطيء، وفقًا لدورة منتظمة.
ما هو النوم؟
لقد نجح العلماء في وصف ظاهرة النوم من وجهة النظر العصبية، وذلك بفضل زرع أقطاب كهربائية دقيقة مثل الشعر (لا يتجاوز قطرها حوالي ثلاثين ميكرو مترًا) في مناطق مختلفة من الدماغ، تتيح هذه الأسلاك التي لا تسبب أي ألم بمجرد وضعها في مكانها، التسجيل المستمر للنشاط الكهربائي للخلايا العصبية لدى الحيوان، بما في ذلك أثناء نومه.
أمّا عند الإنسان، فيتم وضع هذه الأقطاب الكهربائية على فروة الرأس، ووفقًا للقياسات التي أجراها الباحثون، يكون نشاط الخلايا العصبية في أقصى حالاته عندما نكون مستيقظين، ويتغير حينما ننام تبعًا لمرحلة النوم التي نكون فيها (النوم المتناقض أو البطيء)، على الرغم من أن سلوك النائم قد لا يوحي بذلك، وأثناء مرحلة النوم البطيء، ينكمش أو يتوقف نشاط الخلايا العصبية الموجودة في جذع الدماغ (Brainstem)، والذي يقع مباشرة فوق الحبل الشوكي، في حين أن نشاط الخلايا العصبية في القشرة الدماغية والمناطق المجاورة للدماغ الأمامي بالكاد يتناقص.
يتغيّر التنظيم العام لنشاط الدماغ أثناء النوم، فعندما نكون مستيقظين تتصرف كل خلية عصبية بشكل فردي، بينما خلال مرحلة النوم البطيء تقوم الخلايا العصبية المتجاورة في القشرة الدماغية بمزامنة نشاطها، مما يؤدي إلى زيادة سعة الموجات الدماغية مقارنة بما تكون عليه أثناء اليقظة، وكأن الدماغ يدخل في وضعية خمول، مما يساعد على توفير استهلاك الطاقة، كما يصبح التنفس ومعدل نبض القلب منتظمين.
غير أن ثمّة مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية (حوالي مائة ألف خلية عصبية عند الإنسان)، تقع في قاعدة الدماغ الأمامي، تنشط فقط أثناء مرحلة النوم البطيء، وهي مسؤولة عن شعور الإنسان بالنّعاس، وتسمى بالخلايا العصبية المعزّزة للنوم. لا يزال يتعيّن علينا اكتشاف الإشارات العصبية التي تنشّط هذه الخلايا، لكن علماء الأحياء أبرزوا أن ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى الإنسان المستيقظ قد يكون مسؤولا عن تنشيط بعضها، وهو ما يفسر النّعاس الذي يغمرنا حينما نكون في حمّام ساخن أو على الشاطئ خلال فصل الصيف.
لا يختلف نشاط الدماغ أثناء مرحلة النوم المتناقض عن مثيله خلال اليقظة، فالخلايا العصبية لا تقوم بمزامنة نشاطها وتبقى سعة الموجات الدماغية منخفضة. وتكون معظم الخلايا العصبية على مستوى مناطق الدماغ الأمامي وجذع الدماغ نشطة خلال هذه المرحلة من النوم كما لو كنا مستيقظين، وتتواصل بالقدر نفسه أو حتى أكثر مع الخلايا الأخرى. يستهلك الدماغ إذن خلال مرحلة النوم المتناقض القدر نفسه من الطاقة الذي يستهلكه أثناء اليقظة.
أثناء مراحل النوم المتناقض، تنشط خلايا متخصّصة تسمّى بالخلايا العصبية المنفّذة للنوم المتناقض، والتي تقع في جذع الدماغ. تكون كمية الصور المتعلقة بالأحلام في أعلى مستوياتها خلال هذه المراحل، وغالبًا ما تكون الأحلام مصحوبةً بتنشيط المناطق الحركية من الدماغ.
غير أن الدماغ يسهر على تثبيط معظم الحركات من خلال آليتين كيميائيتين متكاملتين تتعلقان بإفراز نواقل عصبية (مواد كيميائية تضمن نقل الإشارات الكهربائية من خلية عصبية إلى أخرى عبر الفضاء الذي يفصل بينها: المشبك العصبي). يتوقف إفراز النّواقل العصبية التي تنشّط العصبونات الحركية (خلايا عصبية تقع على مستوى الحبل الشوكي) والتي تتحكّم في العضلات، بينما يتم إفراز نواقل عصبية أخرى تثبّط العصبونات الحركية، فنتوقف بذلك عن الحركة. غير أن الخلايا العصبية الحركية التي تتحكم في القلب والتنفس وعضلات العين تبقى فعّالة. ولذلك يكون معدل نبض القلب والتنفس أحيانًا غير منتظمين أثناء مرحلة النوم المتناقض تمامًا كما الحال أثناء اليقظة.
بعد هذا الوصف لمراحل النوم، دعونا الآن نرى ما الغرض منه.
وظيفة النوم
يعتقد بعض علماء الأحياء أن وظيفة النوم لا تزال مجهولة بالنسبة للعلم، في حين يرى علماء آخرون، وعلى العكس من ذلك، أن الأمر لم يعد يشكّل لغزًا، لكنهم لا يزالون عاجزين عن تفسير سبب نومنا. يظلّ الجدل إذن قائمًا، لكن الجميع تقريبًا، متّفقون على الفرضيات التي سوف نعرضها.
من أجل دراسة النوم، يقوم علماء الأحياء بفحص العواقب الفيزيولوجية والسلوكية المترتبة عن غيابه. يؤدي الحرمان التام من النوم لدى الفئران إلى الوفاة، حيث ينخفض وزنها على الرغم من أنها تأكل أكثر، ويزداد معدل نبض القلب لديها، وتستهلك المزيد من الطاقة، وهي أعراض تحدث عند فقدان الحرارة المفرط. ولأسبابٍ لم يتم اكتشافها إلى الحين، تموت الحيوانات بعد عشرٍ إلى عشرين يومًا، أي بسرعة أكبر مما لو كانت محرومة من الطعام بينما تنام بشكلٍ طبيعي.
أمّا عند البشر، فيؤدي مرض تنكّسي نادر جدًا يصيب الدماغ (اعتلال الدماغ الإسفنجي المعدي، ويرتبط بخلل في جين بروتين البريون)، ويسمّى بالأرق العائلي المميت، إلى الوفاة في غضون بضعة أشهر، دون أن نعرف ما إذا كانت الوفاة ناتجة عن فقدان النوم أم عن أي أثر آخر مردّه إلى تضرر الدماغ.
لقد لاحظنا جميعًا أن شعورنا بالنّعاس يزداد خلال النهار بمجرد انخفاض المدة التي نقضيها في النوم ليلًا. ومن ناحية أخرى فإن زيادة مدة النوم باستخدام الحبوب المنوّمة التي يتم تناولها على مدى فترة طويلة، ليس مفيدًا للصحة. بل إن الاستهلاك المفرط للحبوب المنومة على المدى الطويل من شأنه أن ينقص من متوسط العمر المتوقع عند الإنسان، وذلك بحسب دراسةٍ أجراها دانييل كريبكيه (Daniel Kripke)، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
ووفقًا لهذه الدراسة، فإن الأشخاص الذين عمّروا أكثر من غيرهم كانوا ينامون في المتوسط سبع ساعات كل ليلة. يواجه علماء الأحياء الذين يدرسون آثار الحرمان من النوم صعوبةً في التمييز بين الآثار المترتبة عن التوتر والتأثيرات المرتبطة مباشرةً بقلة النوم. فنظرًا لأن الرغبة في النوم قوية جدًا، لا ينجح الباحثون في جعل المشاركين في الدراسة مستيقظين سوى من خلال التحفيزات المكثّفة والمتكررة، مما يزيد التوتر لديهم.
يقارن علماء الأحياء أيضًا عادات النوم عند الحيوانات المختلفة. لا تحتاج كل الأنواع إلى القدر نفسه من النوم. فعلى سبيل المثال، ينام الأبوسوم (حيوان جرابي يعيش في أمريكا) ثمانية عشر ساعة يوميا، بينما لا يحتاج الفيل إلا إلى ثلاث أو أربع ساعات فقط. قد يتوقع المرء أن الأنواع القريبة من بعضها البعض ستملك عادات نوم متماثلة. لا توجد في الواقع علاقة بين مدة النوم والتقسيم التصنيفي للحيوانات. لكن ثمّة علاقة بين مدة النوم وحجم الحيوان. تحتاج الفيلة والزرافات والرئيسيات الكبيرة (بما في ذلك الإنسان)، إلى عدد ساعاتٍ أقل من النوم مقارنةً بالحيوانات الصغيرة مثل الجرذان والخُلدان والقطط...
تكون درجات حرارة أجسام الحيوانات الصغيرة أعلى بالمقارنة مع الحيوانات الكبيرة، كما أن الأيض (استهلاك الطاقة) لديها يكون مرتفعًا. تؤدي عملية الأيض إلى إنتاج الجذور الحرة (Free Radicals) والمواد الكيميائية التفاعلية التي تسبب أضرارًا للخلايا. وبالتالي، فحينما يكون الأيض مرتفعًا، فإن الجذور الحرة في الجسم تكون أكثر عددًا وتسبب ضررًا أكبر لخلايا الجسم كما للأحماض النووية والبروتينات والدهون التي تحتوي عليها هذه الخلايا.
في العادة يتم استبدال الخلايا المتضررة بسبب الجذور الحرة بخلايا جديدة تنتج عن عملية الانقسام الخلوي. لكن ولسوء الحظ، فإن الدماغ لا ينتج خلايا جديدة بعد الولادة (باستثناء الحُصين الذي يلعب دورًا على مستوى الذاكرة). إلا أن تباطؤ الأيض خلال مرحلة النوم البطيء قد يعزّز قدرة الجسم على إصلاح الأضرار التي تحدث أثناء اليقظة. فعلى سبيل المثال، تصبح بعض الأنزيمات التي تسهر على عملية الإصلاح أكثر فعالية خلال هذه الفترة من عدم النشاط. ومن ناحية أخرى، يتم استبدال الأنزيمات المتضررة بسبب الجذور الحرة بأخرى جديدة.
لقد اكتشفنا مؤخرًا ما نعدّه أول دليل على الأضرار التي تصيب الخلايا بسبب الحرمان من النوم، إذ تمكّنا من الحصول على أغشيةٍ لخلايا عصبية تضررت لدى الفئران المحرومة من النوم. وبالتالي، فإن النوم البطيء يساعد على إصلاح الأضرار التي تلحق بالدماغ، غير أن هذه الفرضية لا تنطبق بأي حال من الأحوال على النوم المتناقض لأن نشاط الدماغ خلال هذه المرحلة من النوم يكون على الأقل بالقدر نفسه أثناء اليقظة.
وكما رأينا من قبل، فأثناء النوم المتناقض، يتم التوقّف عن إفراز بعض النّواقل العصبية (مثل تلك التي تنشّط الخلايا العصبية الحركية)، وهذا هو السبب في عدم قدرتنا على الحركة وفي تراجع إدراكنا. هذه النواقل العصبية هي النورأدرينالين (Noradrenaline) والسيروتونين (Serotonin) والهستامين (Histamine) وأحاديات الأمين (تحتوي على مجموعة أمين –NH2 أو –NH–). تكون الخلايا العصبية التي تنتج أحاديات الأمين هذه في أقصى قدرٍ من النشاط أثناء اليقظة، وتتوقف عن إفراز هذه الأمينات خلال مرحلة النوم المتناقض.
لقد طرحنا في عام 1988 فرضيةً بالتعاون مع مايكل روغوفسكي (Michael Rogawski) من المعهد الأمريكي للصحة في بيثيسدا بولاية ماريلاند، تقول إن التوقف عن إفراز النّواقل العصبية أمر حيوي لكي تعمل الخلايا العصبية ومستقبلاتها (جزيئات تقع على سطح الخلايا وتنقل الإشارات من خارج الخلايا إلى داخلها) بشكل صحيح.
تُبرز دراسات مختلفة أن الإفراز المنتظم لأحاديات الأمين يؤدي أحيانًا إلى إزالة حساسية هذه المستقبلات. من شأن التوقف عن إفراز هذه الأمينات أثناء النوم المتناقض إذن أن يسمح للمستقبلات بـ«الاستراحة» واستعادة حساسيتها بالكامل. وفضلًا عن هذا، فإن هذه الحساسية المُستعادة تلعب دورًا في تنظيم المِزاج.
يعتمد المزاج على الأداء السليم للنواقل العصبية ومستقبلاتها. وتعمل مضادات الاكتئاب مثل الفلوكسيتين (بروزاك)، والسيرترالين (زولوفت)، والباروكسيتين (باكسيل)، وغيرها مما يسمّى بمثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائية (Selective serotonin reuptake inhibitors) من خلال زيادة كمية السيروتونين المتاحة للمستقبلات، والتي غالبًا ما تكون منخفضة لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.
تلعب النّواقل العصبية أحادية الأمين كذلك دورًا مهمًا على مستوى الكيفية التي ينشئ بها الدماغ الوصلات العصبية الجديدة من أجل مواجهة التجارب التي لم يسبق خوضها من قبل. من الممكن أن يؤدي النشاط المكثّف لخلايا الدماغ أثناء النوم المتناقض إلى تعديل نمط الاتصالات بين الخلايا العصبية بطريقة عشوائية. ومن شأن التوقف عن إفراز أحاديات الأمين أثناء النوم المتناقض أن يمنع هذه التغيرات غير المرغوبة.
في عام 2000، لاحظ بول شو (Paul Shaw) وزملاؤه في معهد علوم الأعصاب بلاهويا (ولاية كاليفورنيا)، وجود صلة بين مستوى تركيز أحاديات الأمين وفترات النوم الخفيف عند الذباب. ووجدوا أنه من خلال حرمان الحشرات من فترات النوم هذه، يزداد تركيز أحاديات الأمين لديها. واستنتجوا بالتالي أن آلية التوقف عن إفراز هذه النّواقل العصبية أثناء النوم المتناقض ترجع إلى ما قبل ظهور الثدييات.
لقد طرح علماء الأحياء العصبية مثل فريدريك سنايدر (Frederick Snyder) وطوماس وير (Thomas Wehr) من المعهد الأمريكي للصحة العقلية في بيثيسدا (ولاية ماريلاند) فرضيةً أخرى حول وظيفة النوم المتناقض. تقول هذه الفرضية إن النشاط العالي لمعظم الخلايا العصبية في الدماغ من شأنه أن يسمح للثدييات بالتعامل مع بيئةٍ معادية على نحوٍ أفضل بالمقارنة مع الزّواحف. عندما تستيقظ الزواحف ويكون الجو باردًا، فإنها تكون خاملة ولا تستعيد نشاطها سوى بعد فترة من الزمن بعد أن تدفئها أشعة الشمس. وفي المقابل، فإنه وعلى الرغم من أن الدماغ لا ينظّم درجة حرارة الجسم عند الثدييات أثناء مراحل النوم المتناقض، إلا أن نشاط الخلايا العصبية يكون مكثّفًا ويزيد من عملية الأيض، مما يساعد الثدييات على الاستجابة بسرعة أكبر عند الاستيقاظ.
يكون الإنسان يقظًا ومتوثّبًا على نحوٍ أكبر حينما يتم إيقاظه أثناء مرحلة النوم المتناقض بالمقارنة مع حالته بعد الاستيقاظ خلال مرحلة النوم البطيء، وهو ما يدعم هذه الفرضية.
النوم والذاكرة
يلعب النوم المتناقض، وفقًا لبعض علماء الأحياء، دورًا مهمًّا في تحسين الذاكرة، لكن هذه الفرضية تبقى محلّ خلاف بين العلماء. يتمتع الأشخاص المحرومون من النوم المتناقض، بسبب أضرار لحقت بأدمغتهم أو بسبب الآثار المترتبة عن تناول بعض الأدوية، بذاكرةٍ لا تختلف عن تلك التي يملكها الآخرون.
يؤدي الحرمان من النوم إلى اضطراب التركيز وخفض الأداء (يعجز الطلاب الذين يعانون من قلة النوم عن التفكير ولا يتعلمون بشكل جيد)، لكن لا يبدو أن الحرمان من النوم المتناقض بعد فترة من التعلم يخفض من قدرة الإنسان على حفظ المعلومات الجديدة.
وفضلًا عن ذلك، فإن الدلافين، والتي تمضي القليل من الوقت فقط في النوم المتناقض، تملك قدرات هائلة على التعلّم. في الحقيقة، لا تعتمد القدرة على التعلّم عند الأنواع المختلفة على المدة الإجمالية التي تقضيها في النوم المتناقض. وبالمقارنة مع الثدييات الأخرى، فإن المدة التي يقضيها الإنسان في النوم المتناقض (90 إلى 120 دقيقة في الليلة) لا تعدّ طويلة بشكل خاص (ولا علاقة لها بمعدل الذكاء أو الأداء المدرسي). وتتغير هذه المدة طوال الحياة، فبحسب الدراسات التي أجريت على الحيوانات، تصل هذه المدة إلى ذروتها عند المولودين حديثًا، ثم تتناقص مع التقدم في العمر إلى أن تستقر. لكن من ناحية أخرى، تزداد هذه المدة اطّرادًا مع درجة عدم نضج الصغار عند الولادة.
في عام 1999، قمنا بالتعاون مع جاك بيتيغرو (Jack Pettigrew) وبول منجر (Paul Manger) من جامعة كوينزلاند في أستراليا بإجراء دراسة حول حيوان خلد الماء، وهو أقدم الثدييات على الأرض وحامل اللقب في النوم المتناقض: حوالي ثماني ساعات في اليوم. يكون حيوان خلد الماء عند الولادة أعمى وأعزل، ويعجز عن تنظيم حرارة جسمه وتأمين طعامه بمفرده، وتظل أمه إلى جانبه طيلة أسابيع عدّة بعد الولادة. وبالمقابل فإن الدّلفين حديث الولادة يكون قادرًا على السباحة وملازمة أمه وتجنب الحيوانات المفترسة. وكما أشرنا إلى ذلك في السابق، فإن مراحل النوم المتناقض عند الدلافين تكون محدودة للغاية.
طرح ميشيل جوفيه فرضيةً من أجل تفسير السبب وراء نوم الأنواع غير الناضجة عند الولادة لفترات أطول. تقول هذه الفرضية بأن النشاط الدماغي وإنفاق الطاقة المرتبطين بالنوم المتناقض يلعبان دورًا في إنشاء الوصلات العصبية المبرمجة وراثيًا، والتي تجعل السلوك الغريزي ممكنًا. من شأن النوم المتناقض إذن أن يحلّ، قبل الولادة أو عند الولادة لدى الحيوانات التي يتأخر نموها الحسي، مكان المحفّزات الخارجية، ممّا يعزز نمو الخلايا العصبية.
تستند هذه الفرضية إلى الأعمال البحثية التي قام به هاورد روفويغ (Howard Roffwarg) وزملاؤه من جامعة ميسيسيبي. لقد أظهروا أن حرمان القطط من النوم المتناقض عند الولادة يزيد من خطر حدوث تشوّهات على مستوى تطور نظامها البصري. لكن لماذا تظل مدة النوم المتناقض لدى الحيوانات غير الناضجة عند الولادة طويلة حتى بعد أن تصبح بالغة!
من وجهة النظر التطوّرية، لا يبدو النوم المتناقض للوهلة الأولى في مصلحة الكائنات، فهو يتطلّب طاقةً أكبر بالمقارنة مع النوم البطيء. وبما أن النوم المتناقض يهمّ العديد من الأنواع، فمن المؤكد أنه ينطوي على أهمية أساسية، وذلك ما لم نكشف بعد عن أسراره. تستمر الدراسات المتعلقة بتحديد مناطق الدماغ المشاركة في كل مرحلة من مراحل النوم، والآليات التي تتدخل في كل مرحلة، وسوف يساعدنا ذلك على استجلاء عمليات الإصلاح التي تحدث خلال نومنا..
جيروم سيغل، أستاذ الطب النفسي وعضو في معهد أبحاث الدماغ بجامعة لوس أنجلوس
المصدر - مجلة من أجل العلم عدد 315
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ط الخلایا العصبیة الحرمان من النوم علماء الأحیاء أثناء الیقظة بالمقارنة مع الجذور الحرة عند الإنسان عند الولادة نشاط الدماغ مدة النوم على مستوى الدماغ ا خلال هذه من جامعة أن النوم أن نشاط من خلال من أجل فی عام غیر أن
إقرأ أيضاً:
باحثة: الكلوروفيل في الخضراوات الخضراء يحارب الخلايا السرطانية والدعوى الفيروسية
قالت الدكتورة منال عز الدين باحث بمعهد تكنولوجيا الأغذية، إنّ البنجر من الأغذية التي تدعم الجهاز المناعي، فهو غني بالحديد ومضادات الاكتئاب ومضادات الأكسدة والعناصر المعدنية، وبالتالي، فهو مفيد لصحة الإنسان.
طبيب صحة عامة يقدم روشتة لتقوية الجهاز المناعي في الشتاء (فيديو) أطعمة تقوي الجهاز المناعي وتساعد على مقاومة الأمراض الخلايا السرطانيةوأضاف عز الدين خلال حوارها مع الإعلاميين رجائي رمزي ودينا رمزي خلال حلقة اليوم من برنامج «صباح الخير يا مصر»، عبر القناة الأولى والفضائية المصرية: «البنجر غني بمضادات التي تحارب تحارب الخلايا السرطانية والألياف التي ترفع كفاءة الجهاز الهضمي».
أهمية الحصول على جهاز هضمي سليم
وتابعت: «الجهاز الهضمي السليم له دور كبير جدا في الحفاظ على مناعة الجسم، وبالتالي، فإن البنجر من ضمن أهم 3 ألوان لابد للإنسان أن يتناولها يوميا».
وذكرت، أن اللون البنفسجي متوفر في البنجر والعنب والبرقوق والباذنجان، بسبب احتوائه على صبغة من أقوى مضادات الأكسدة والالتهاب التي تحافظ على الجسم وتدعم الجهاز المناعي.
أهمية الأطعمة الخضروات
وحول التغذية المهمة، أكدت أهمية الأطعمة التي تحتوي على اللون الأخضر، إذ تتميز الخضروات الورقية بارتفاع محتواها من الكلوروفيل مثل البقدونس والخس والجرجير والشبت والفلفل الأخضر، إذ يجعل الكلوروفيل الدم قلويا، وهذا الأمر يمنع حدوث أي عدوى فيروسية أو بكتيرية ويحارب الخلايا السرطانية.
وشددت، على أهمية تناول الأطعمة ذات اللون الأصفر مثل الجوافة والليمون والثوم والجنزبيل والكركم بسبب غنائها بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، وكل ذلك يمكن الحصول عليه من خلال طبق السلطة والأطعمة المختلفة.