سامح قاسم: الفن والشعر صوت الذين لا يُسمع لهم صوت
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
المرأة كيان مركب يحمل في داخله كل متناقضات الحياة
الألوان الصريحة تظهر الحقيقة دون خجل
عملي الفني نوع من الحوار الشخصي ولا يحتاج إلى مساحة رسمية للتعبير
الصحافة تمنحني منظورًا مختلفًا لرؤية العالم
التجريدية في الرسم تلهمني الحرية في استخدام الرموز
مشروع "تبادل الرسائل" بدأ كتحدٍ أدبي وفني
الشعر بوح صريح ومواجهة مع الذات
يجمع على ضفافه لالئ متباينة من الفن والإبداع، فهو صحفي وشاعر وفنان تشكيلي، أما دراسته فكانت في مجال مختلف كل الاختلاف، فقد درس سياسة وعلاقات دولية، وعلى مستوى الشعر، أنتج ديوانين؛ أحدهما بعنوان "كان ذلك في أبريل" والآخر "كتاب الأرق"، وهناك كتاب نثري بعنوان "ميل إلى السعادة"، وله تحت الطبع كتاب مشترك مع الشاعرة اللبنانية زينب عساف بعنوان "بريد القاهرة ديترويت".
أما الجانب الآخر من إبداعه، والذي يتمثل في كونه فنانًا تشكيليًا، فله حوالي 400 لوحة بمقاسات مختلفة، تنتمي لمدارس متباينة في الفن التشكيلي، فبينما يعبر بعضها عن المدرسة التجريدية، نجد البعض الآخر واقعيًا بشكل جلي، والأهم أنها جميعا تحمل رؤى وأفكارًا ذات بُعد فلسفي.. إنه الشاعر والفنان التشكيلي سامح قاسم.
اقتربنا من ألوان فنه، شعرا ورسما، فدار بيننا هذا الحوار:
_ يميل سامح قاسم للمدرسة التجريدية، وهو ذلك الاتجاه الذي يهتم بإبراز المشاعر والأحاسيس مستخدما عناصر العمل الفني في التعبير عن المشاعر مثل اللون والشكل والمساحة...
فمن من رواد تلك المدرسة الأكثر تأثيرا في سامح، على المستوى العالمي والمصري؟ وهل كان اختيارك التجريدية في التعبير مرجعه أنه الأسلوب الأقرب لروحك، أم أن هناك سببا آخر؟
* في المدرسة التجريدية، أستلهم بشكل خاص من الفنان الأمريكي جاكسون بلوك، الذي رأى في الألوان والأشكال لغة مستقلة للتعبير عن الروح. أعماله تحث على تجاوز الإدراك الحسي للواقع وتوجه النظر نحو ما هو أعمق وأكثر تجريدًا. على المستوى المصري، كان تأثير عبد الهادي الجزار واضحًا، فقد استطاع أن يعكس التناقضات والمشاعر الدفينة في المجتمع بألوانه القوية ورموزه العميقة، مما يجسد التجريد، ليس فقط كأسلوب فني بل كفلسفة حياتية. اختياري للتجريدية ينبع من إحساسي بأن هذا الأسلوب قادر على التعبير عن تعقيدات المشاعر البشرية بشكل أصدق وأكثر حميمية، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، ويصبح اللون والشكل وسيلتين لنقل أحاسيس لا يمكن التعبير عنها بوسيلة أخرى.
_ تعتمد في خطتك اللونية على استخدام ألوان صريحة، ونادرا ما تعمل على خلط الألوان في لوحاتك، فهل يمكننا اعتبار ذلك دليلا على الميل للوضوح والصراحة أكثر؟
* استخدام الألوان الصريحة يعكس رغبتي في التواصل المباشر مع المتلقي أو الجمهور، في إبراز الألوان كما هي، دون تزويق أو تجميل، يشبه صراحة الوجوه التي لا تخفي أسرارها وراء أقنعة. اللون هنا يصبح صوتًا عاليًا، يُظهر الحقيقة دون خجل، ويجسد موقفًا من الحياة يتسم بالوضوح والشفافية. ورغم هذا، فإن التفاصيل الكامنة في الظلال ومساحات اللون تحمل في طياتها معاني معقدة، تتطلب من المتلقي أن يتأمل ليكتشف ما وراء الوضوح الظاهري. فعلى سبيل المثال الألوان الصريحة مثل الأحمر والأزرق، غالبًا ما تهيمن على غالبية لوحاتي لأنها تتيح للمتلقي تجربة شعورية مباشرة دون الحاجة إلى تأويل معقد. وهنا أتفق مع رأي الرسام الأمريكي مارك روثكو الذي قال: "الألوان ليست مجرد تدرجات؛ هي تجارب حية." وأنا أعتبر أن استخدام الألوان الصريحة يمكنني من استدعاء حالة شعورية محددة، مثل الأمل أو القلق، مباشرة لدى المتلقي، ما يتيح للتفاعل أن يكون أسرع وأكثر حميمية. وفي لوحاتي، لا أمزج الألوان كثيرا، بل أفضل أن تبقى واضحة ومباشرة، مما يعكس، ميلًا إلى الصدق والوضوح في التعبير. يُعتبر اللون هنا رمزًا بحد ذاته، يحمل دلالة خاصة تعكس الإحساس العام للعمل الفني، سواء كان يمثل الغضب، الحب، أو أي شعور آخر.
_ لماذا تمثل المرأة مركزًا في الكثير من أعمالك، سواء بجسدها الأنثوي أو وجهها أو أشكالها الرمزية المختلفة؟
* المرأة في أعمالي ليست مجرد كيان مرئي، بل هي رمز للخصوبة، للمعاناة، وللمقاومة. هي الوجود المتجسد في أشكاله المختلفة، القادر على الانبعاث مرارًا من رماد التجارب. بورتريهات المرأة تعكس مشاعر متباينة، من الحب والشوق إلى الفقد والألم، وهذا يعكس التصور الذي أؤمن به للمرأة ككيان مركب يحمل في داخله كل المتناقضات التي تشكل جوهر الحياة نفسها. المرأة ليست فقط رمزا للجمال الأنثوي، بل هي رمز للحياة نفسها. والتراث الفني العريق جعل من المرأة محورًا للكثير من الأعمال الفنية. ومن هنا فإن المرأة ليست كيانًا منفصلًا عن العمل الفني، بل هي روحه. في بعض اللوحات، تعبر المرأة عن الوطن، وفي أخرى، تكون رمزًا للأمل أو الألم. هذا التنوع يجعل من المرأة محورًا أساسيا في أعمالي.
_ قمت بتوظيف الضوء في بعض اللوحات للإيحاء بالعنف أو الكآبة، وكان اللون الأسود حاضرًا بشكل متكرر، ومع ذلك اعتمدت خطوطًا منحنية تمنح إحساسًا بالراحة. ألا ترى تناقضًا في هذا الاستخدام؟
* التناقض الظاهري في الجمع بين الضوء الموحش والخطوط المنحنية هو جزء من فلسفتي في تقديم تعقيدات الحياة. الألوان الداكنة قد تجلب شعورًا بالعزلة أو الرهبة، لكنها قد تكون أيضًا خلفية تعكس فيضًا من النور. الخطوط المنحنية تمثل التدفق المستمر للحياة وسط الفوضى. في النهاية، الأمر لا يتعلق بتقديم إجابات، بل بدعوة المتلقي إلى التأمل في تناقضات الوجود. ومحاولة فهمها. إن الجمع بين الضوء والظلام يعكس التناقض الداخلي للنفس البشرية. وفي هذا الاستخدام الفني أستطيع اللعب بالعناصر المختلفة لإيصال رسالة متكاملة. فالضوء هنا لا يعني الأمل دائمًا، بل يمكن أن يكون لحظة كشف للحقيقة المؤلمة.
_ في زمن الحظر خلال الوباء، أنشأت معرضًا على صفحتك الشخصية عبر الإنترنت. كيف كانت هذه التجربة؟
* كانت تجربة في غاية الأهمية بالنسبة لي. دفعتني الظروف القسرية للابتكار، وكان هدف المعرض إذا جاز لي التعبير هو تجاوز العزلة الجسدية وإيجاد وسيلة جديدة للتواصل مع العالم الخارجي. تفاجأت بردود الفعل الإيجابية وتفاعل الجمهور مع اللوحات رغم عرضها عبر فيسبوك. كان هذا المعرض شهادة على أن الفن قادر على اختراق الجدران والحواجز، وأن قوة الإبداع تتجلى في اللحظات الأصعب.
_ رغم غزارة إنتاجك، إلا أنك مقل في الاشتراك بالمعارض. لماذا؟
* ربما يرجع الأمر إلى شعوري بأن المعارض تتطلب الالتزام بأطر معينة من التنظيم والتواصل الرسمي الذي لا أجد فيه راحتي. أجد متعة أكبر في التعبير عن نفسي بعيدًا عن أي قيد، حيث أكون حرًا في اختيار متى وكيف أعرض أعمالي. فضلًا عن أنني أعتبر عملي الفني نوعًا من الحوار الشخصي الذي لا يحتاج دائمًا إلى مساحة رسمية للتعبير.
_ تجمع بين الرسم والشعر، كيف تؤثر هذه العلاقة على أسلوبك في كليهما؟
* الرسم والشعر بالنسبة لي هما وسيلتان متكاملتان للتعبير. بينما يتيح الشعر لي نقل الأحاسيس بكلمات قادرة على التحليق في فضاءات الخيال، يمنحني الرسم وسيلة بصرية لاستكشاف تلك العوالم نفسها بشكل مادي. القصيدة قد تبدأ بفكرة تترجم لاحقًا إلى لوحة، أو قد تلهمني لوحة فكرة قصيدة. هذا التناغم بين الفنين يجعل من كل تجربة إبداعية نوعًا من المغامرة المفتوحة على احتمالات لا نهائية.
_ هل يعد العمل الصحفي بما يمثله من مسئولية عائقًا أمام انطلاقتك الإبداعية؟
_ الصحافة، على الرغم من أنها قد تستهلك جزءًا من وقتي وتركيزي، فإنها تضيف لي الكثير أيضًا. تُبقي ذهني متيقظًا وتمنحني منظورًا مختلفًا لرؤية العالم. قد يمثل التحدي في إيجاد التوازن بين متطلبات العمل الصحفي والإبداع، لكني أرى أن لكل منهما دورًا في صقل موهبتي ومساعدتي على البقاء على اتصال بما يحدث حولي، وهو ما ينعكس على أعمالي.
_ في ديوانك " كتاب الأرق"، تقوم القصائد على وحدة الموضوع في سيمترية استطعت الحفاظ عليها حتى نهاية الديوان، فلماذا اخترت الأرق موضوعا لديوانك؟
* الأرق ليس مجرد اضطراب للنوم، بل هو حالة وجودية تعبر عن قلق الإنسان الدائم. بوسعي القول إن الأرق هو الصديق القديم الذي يفتح أمامي أبواب الفكر ليلًا. والديوان يمثل لي تجربة للتعبير عن الوجودية من خلال قصائد تحمل طابعًا فلسفيًا، تتطرق إلى معنى الحياة والموت.
_ رغم ولعك بالتجريدية، يبدو شعرك واضحًا. هل يعكس ذلك حاجة للتعويض؟
* ربما. في الشعر، أجد نفسي أسعى إلى التعبير بشكل مباشر عن مشاعري دون التمويه الذي أستخدمه في اللوحات. التجريدية في الرسم تمنحني الحرية في استخدام الرموز، أما الشعر فهو بمثابة البوح الصريح، نوع من المواجهة مع الذات، حيث لا يمكن التستر خلف الألوان والأشكال.
_ لك تجربة إبداعية فريدة، وهي تبادل الرسائل مع الشاعرة اللبنانية زينب عساف، على الفيسبوك، كيف بدأت الفكرة؟
* تجربة تبادل الرسائل كانت محاولة لإحياء تقليد أدبي قديم. الرسائل تتيح مساحة أوسع للتعبير الصادق والتواصل الحميم. بدأ هذا المشروع الأدبي كنوع من التحدي الفني والشخصي، حيث كانت الرسائل تعبر عن مشاعر ورؤى وتأملات في الفن والحب بمعناه الواسع والحياة ومن ثم تحويلها إلى نصوص أقرب لروح الشعر.
_ كيف ترى إشكالية إقبال القراء على الرواية وعزوفهم عن الشعر؟
* هي بالفعل إشكالية، تعكس تغييرات في الأذواق الأدبية وتأثرها بعوامل مختلفة مثل الإيقاع السريع للحياة. مع ذلك، أرى أن الشعر سيظل دائمًا حاضرًا، فهو يمنح الإنسان القدرة على التعبير عن أحاسيسه وأزماته الأعمق. قد يكون التحدي في جعل الشعر أكثر قدرة على مواكبة العصر والتفاعل مع المتغيرات دون أن يفقد جوهره.
_ هل للأحداث السياسية أثر في فنك؟
* بالتأكيد، الفن لا يمكن أن ينفصل عن الواقع. طوفان غزة وما يحدث في جنوب لبنان من اعتداء سافر من جانب الكيان الصهيوني أو أي حدث يتسم بالعنف والظلم يؤثر في نفسي بعمق، ويجد طريقه إلى أعمالي، سواء في القصائد أو اللوحات أو حتى المقالات. الفن والكتابة بالنسبة لي هما وسيلة للتعبير عن الغضب والأمل، عن الألم والمقاومة، وهما صوت أولئك الذين لا يُسمع لهم صوت.
_ الشعر أم الفن التشكيلي؟
*يصعب الاختيار، فكلاهما جزء لا يتجزأ من روحي. الشعر هو نبض القلب، بينما الرسم هو امتداد للروح على القماش. كل لوحة تحمل وقعا وإيقاعا خاصا، لكن الأعمال التي تدمج بين الظلام والنور بألوانها تعكس حالتي الداخلية الأقرب لي. يمكنني القول إنني أعيش التجربة الإبداعية كرحلة مستمرة، لا تعرف حدودًا بين الألوان والكلمات، بين الفكرة والواقع، وبين العاطفة والفن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سامح قاسم التجريدية صحفي وشاعر تشكيلي زينب ألوان المراة الضوء الأرق فی التعبیر التعبیر عن
إقرأ أيضاً:
عبدالرحمن سامح يتصدر بطولة العالم للناشئين للشطرنج في إيطاليا
تصدر عبد الرحمن سامح منافسات بطولة العالم للناشئين للشطرنج المقامة في إيطاليا خلال الفترة من 14 إلى 27 نوفمبر الجاري والمقامة في مدينة مونتيسيلفانو في إيطاليا.
وتقدم اللاعب عبد الرحمن سامح المصنف الأول على العالم في فئة تحت 10 سنوات بعد خوض 4 جولات حتى الآن ويتبقى له 7 جولات أخرى حتى يحسم اللقب لصالحه.
ويشارك في البطولة من مصر 6 لاعبين ولاعبات وهم أياد طارق الحسيني تحت 12 سنة وعبد الرحمن سامح تحت 10 سنوات ويحيى فؤاد تحت 8 سنوات، واللاعبات زكاء أحمد المصنفة الأولى عالميا في فئة تحت 12 سنة وغيداء أحمد تحت 10 سنوات و فاطمة سعيد تحت 8 سنوات.
ويترأس البعثة الكابتن محمد عبد المنعم حجازي فيما يشارك في تحكيم بطولة العالم للناشئين للشطرنج الحكم الدولي خالد حواس.
وقال أحمد عدلي، رئيس الاتحاد المصري للشطرنج، إنه من المتوقع أن يحصد لاعبي المنتخب المصري للشطرنج ميداليات خلال بطولة العالم للناشئين رغم المنافسة القوية من كافة الدول المشاركة ولكن مع وجود لاعبين أصحاب المراكز الأولى في التصنيف العالمي يجعل الفوز بميدالية قريب للغاية.
وقدم رئيس الاتحاد المصري للشطرنج الشكر إلى الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة خاصة مع توفير كافة الإمكانيات لمساعدة الاتحاد في المشاركة في بطولات خارجية وإقامة بطولات على أرض مصر ومن ضمنها البطولة الأفريقية للشباب تحت 20 سنة بالشطرنج التي تقام تحت رعاية الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، خلال الفترة من 16 إلى 23 نوفمبر الجاري، على مجمع صالات الدكتور حسن مصطفى بمدينة السادس من أكتوبر.