منتدى أصيلة: ندوة تناقش التحديات التي تواجه النخب العربية في المهجر
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
ناقش مشاركون في ندوة النخب العربية في المهجر خلال موسم أصيلة الثقافي الدولي أمس الخميس، التحدي الذي يمكن أن تضطلع به نخب المهجر، سواء في دول الاستقبال أو دول الأصل.
وقال الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، في كلمة تقديمية، إن الندوة مناسبة لتسليط الضوء على دور النخب العربية المغتربة انطلاقا من ثلاثة محاور، تتمثل في تقييم تجربة الجاليات العربية في المهجر، وانعكاس الوجود العربي في المهجر على القضايا العربية الكبرى، ومستقبل هذه الجاليات العربية في الغرب.
وأضاف أنه « خلال العشرين سنة الأخيرة، تزايد التنقل في العالم بطريقة لم يعرفها التاريخ من قبل، لاسيما مع شيوع مفاهيم الحريات وحقوق الانسان وكذلك توفر الوسائل التكنولوجية وانخفاض رحلات السفر ».
وتطرقت كاتيا غصن، الأستاذة بجامعة باريس الثامنة، إلى وضع النخب الثقافية والفكرية العربية في المجتمع الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، مبرزة أن هذه النخب الثقافية، أكثر من غيرها في الأوساط السياسية والاقتصادية، هي التي تساهم في التعريف بالبلدان العربية وتساهم بشكل كبير وواع في الإنتاج المعرفي عن بلدان المنشأ، مبرزة أنهم شريحة من المثقفين لم يفكوا ارتباطهم ببلدهم الأم.
وأشارت إلى أن هذه النخب تواجه عدة تحديات من بينها وسمها بأنها نخب « عربية » وإن كانت الثقافات العربية غير متجانسة ومتمايزة من بلد لآخر، إلى جانب هيمنة التوجهات السياسية والثقافية للبلد المضيف على ثقافة المغترب، وانحصار هامش التعبير عن الانتماء الثقافي بسبب بعض الاحداث المسجلة خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب « أزمة الهوية » التي يشعر بها بعض المثقفين تجاه بلدهم الأم.
وشددت كاتيا، على أن النخب في الأوساط الأكاديمية والثقافية هي الوحيدة التي تقدم صورة مشرقة للنخب العربية في المهجر في مقابل الصور النمطية السائدة، داعية بالمقابل البلدان العربية إلى توفير الظروف الملائمة من أجل الاستفادة بشكل كامل من هذه الكفاءات.
من جهته، اعتبر محمد الهادي الدايري، وزير خارجية ليبيا سابقا، أن تحديات اندماج النخب العربية في المهجر تطرح نفسها على مجتمعات الاستقبال والمصدر في الآن نفسه، مبرزا في هذا السياق تجربة الجالية اللبنانية التي حققت اندماجا مهما بعدد من بلدان العالم.
بالمقابل، حذر من الوضع الذي صارت تعيش فيه عدد من الجاليات العربية بسبب العنصرية والتهميش والربط بالإرهاب وزيادة التمييز، منبها إلى أن هذا الوضع آخذ في التفاقم بسبب صعود قوى اليمين السياسية بعدد من البلدان الأوروبية، والتي تتبنى في مجملها مواقف معادية للمهاجرين.
اما الأديب والناقد احمد المديني فقد تطرق في مداخلة بنفس أدبي إلى الهجرة المعاكسة لجزء من النخبة العربية رفيعة التكوين والمقيمة ببلدان أوروبية، ولا سيما فرنسا، إلى بلدان أخرى أو بلدان الأصل بحثا عن آفاق أرحب للتعبير عن الانتماء الثقافي والديني، مبرزا أن أسباب هذه الهجرة المضادة تعزى « إلى التحولات الجيلية والإيديولوجية التي خلخلت مبادئ الحرية وقيم المساواة، لاسيما مع تنامي قوة اليمين والنزعة القومية ».
وتأتي هذه الندوة تأتي في إطار الدورة 38 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة المقامة في إطار الدورة 45 لموسم أصيلة الثقافي الدولي المنظم تحت الرعاية الملكية من 13 إلى 31 أكتوبر الجاري.
وتتطرق باقي ندوات جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة إلى « الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟ » (21-22 أكتوبر)، و »قيم العدالة والنظم الديمقراطية » (25-26 أكتوبر)، وبشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد سيتم تنظيم ندوتين، الأولى حول موضوع « الذكاء الاصطناعي: أي حكامة في إفريقيا في عصر الرقمنة » (23 أكتوبر)، والثانية حول موضوع » شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية » (28 أكتوبر).
كلمات دلالية منتدى أصيلةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: منتدى أصيلة النخب العربیة
إقرأ أيضاً:
النخب البائسة
كشف الهجوم الذي يقوده اليمين الفرنسي، منذ فترة ضد الجزائر، بعض جوانب الضعف والخلل في تعامل النخبة المثقفة الجزائرية مع الأمر، والتي تنطلق غالبا من زاوية رد الفعل التي حشرت فيها نفسها منذ عقود طويلة، أو حُشرت فيها لأسباب تتعلق بمنظومة عامة أكثر قهرا، وأقل انفتاحا في جوانبها السياسية والفكرية والسوسيولوجية.
لقد استغل اليمين الفرنسي النيوكلونيالي أعمال الإبادة والسطو على كل فرصة ممكنة، للإشادة بالأعمال الإرهابية الاستعمارية في الجزائر، ولم تنل فرنسا في الواقع ردودا قوية وحاسمة، وهي تقر قانون تمجيد الاستعمار في 23 فبراير 2005، وتكرم الحركى والخونة من الجزائريين دون غيرهم.
وباستثناء بعض الأصوات السياسية التي فشلت أساسا في وضع مقاربة لمقارعة هذا التغوُّل والاستهتار الفرنسي بحقائق التاريخ، لم تكن بعض تلك الأصوات المرفوعة هنا وهناك، إلا لتسجيل الحضور وممارسة السياسة السياسيوية. وهو ما جعلها تنطفئ في وقتها ولا تترك أثرا على مستوى النقاش والسجال المؤسّس.
والحقيقة أن النخب الجزائرية، متقطعة بين ضفتين، ضفة الامتيازات والمزايا التي وفرتها فرنسا الاستعمارية سابقا لفئات تحمل في تكوينها قابلية كبيرة للتعايش مع هذا النظام الاستعماري ثقافيا ودينيا، ويمكن جعل بوعلام صنصال نموذجا للمثقف المتماهي مع هذا الإرث، من خلال تنصله من ديانته الإسلامية، وتمجيده فتراتٍ انتقائية من تاريخ الاستعمار، وهذا النوع يمكن أن يتحول في لحظة السجالات والصراع إلى معول هدم داخلي، ويمكن فهم ذلك جيدا من توقيت محاولته التشكيكَ في الوحدة الترابية للجزائر. وصنف آخر من المثقفين، يمكن أن يطلق عليه المثقف اللامبالي وهو صنف غير منخرط أصلا في مسألة الدفاع عن التاريخ الفكري والسياسي للوطن والاصطفاف وراء، فكرة الصراع أصلا. وهذا النوع من النخب غالبا ما يكون عابر سبيل وعبئا على المجموعة الوطنية في هذا الوضع.
غير أن الأخطر من هذا كله، يمكن رصده في ضعف النخب التي تتصدر مشهدية المواجهة، وتوكل لها مهمة مقارعة هذه الحملة الاستعمارية الجديدة، فهي بقدر ما تحدِث من الضجيج ضجيجا عاليًّا، لا نرى لها طحينا لأنها ضعيفة التكوين وقليلة التدريب وهي مثل العسكري الذي يجند مباشرة على جبهة القتال، دون أن يخضع إلى برنامج تدريبي وتكويني، يمكّنه من الثبات في المعركة والزحف في الهجوم والتسديد في مقتل. وأمام هذا النوع من النخب الضعيفة، تضيع القضايا، وتُخسر المعارك.
لقد واجه الكاتب والروائي رشيد بوجدرة في سنة 1981، بيار لافو الصِّحافي الفرنسي ومدير “صدى وهران” أثناء الاحتلال، المنحاز لأطروحات اليمين المتطرف وبقايا منظمة “أو آس” في عُقر داره، في بلاطو تلفزيوني، ولقَّنه درسا عبر تدخل قوي بحجج تاريخية ومنطقية، في وقت تعجز الآن نخبتنا عن مسايرة ما يحدث، وتترك الدفاع عن “الحقيقة التاريخية” للفرنسيين من أمثال جون ميشال أباتي. نموذج بوجدرة في الحقيقة، لم ينقطع وهو موجود الآن، لكن مسؤولية خفوت صوته لا يمكن أن يتحمّلها وحده، فالأمر يتجاوزه إلى منظومة سياسية لم تضع في الحسبان أن معركة التاريخ لم تُحسم بعد وإن حُسمت معركة التحرير.
لقد حان الوقت لإعادة صياغة مقاربة حقيقية، تدفع النخب إلى الواجهة والمواجهة الفكرية والعقائدية بعيدا عن الإسفاف والانتهاء من الزج بالمتسلقين في معركة لا يملكون أدواتها.
(الشروق الجزائرية)