رشا عوض بين المغفلين النافعين ومصالح السياسيين
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
استنكرت الأستاذة رشا عوض – في بوست كتبته على صفحتها في الفيسبوك – بوستا كتبته عن مناصرتنا نحن الثوار للجيش السوداني، رغم عدم استبعاد التنكيل بنا في أعقاب هزيمة الجنجويد. وأضافتني الأستاذة إلى زمرة المغفلين النافعين. ولي الشرف أن أكون بمعية الدكتور معتصم أقرع ورفاقه في القائمة الميمونة.
□ ووصفتني الأستاذة بأنني صرت بوقا للجيش، ولخصتْ موقفي بأنني أرفع شعار (ادفع حياتك ثمنا لاستعادة نظام سياسي برنامجه التنكيل بك).
□ وفي رأيي أن الشعب ليس مقسوما بين مغفلين نافعين يناصرون الجيش، وأذكياء واعين يقفون ضد الحرب أو يتخذون موقف الحياد، إذا استبعدنا الجنجويد المعلنين جنجوتهم، واذا سلمنا جدلا بان المحايدين كلهم محايدون.
□ إن الأمر في جوهره محض مصالح. هذا لا يمنع وجود مغفلين لا يعرفون مصلحتهم، وحالهم كما في الأغنية (انت ما بتعرف صليحك من عدوك) يقدمون مصلحتهم العاجلة على ضررهم الجسيم الآجل.
□ وظني بنفسي أنني لست مغفلا، وإنما اتخذت موقفا لي فيه مصلحة شخصية مباشرة، و(أزعم) انها تتطابق مع المصلحة الوطنية العامة.
□ ولأن جل السياسيين يزعمون ان مواقفهم ليست سوى للمصلحة العامة، يتوجب علينا ان نحلل مصالحهم الشخصية ونفرزها ونميزها في ثنايا الادعاء.
□ سأكون مغفلا إذا اتخذت موقفا محايدا تجاه هذه الميليشيا التي تأذيت منها شخصيا وذاق منها الشعب الأمرين.
□ دافع الجيش عن ولايتنا، وصد مليشيا الجنجويد في منطقة الفاو، وحال دون دخولهم ولاية القضارف. ولو دخلها الجنجويد – لا سمح الله – سيعيثون فيها قتلا واغتصابا ونهبا وتخريبا، مثل ما فعلوا في سائر المناطق التي احتلوها.
□ سأكون مغفلا ونكّارا للجميل، اذا اتخذت موقف الحياد، ولم أناصر الجيش الذي دافع عنا وقدم أرتالا من الشهداء، من أمثال ابن حينا، حي ديم النور، الشهيد ضابط الصف هيثم البشوش، الذي له من اسمه نصيب، والذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بحركة إسلامية او غيرها.
□ إن انتصار مليشيا الجنجويد على الجيش السوداني يعني سيادة الفوضى وأفول الدولة، وتفشي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
□ سأكون مغفلا غير نافع إذا ساويت بين الجيش السوداني وهذه المليشيا الإماراتية، التي بلغ عدد المرتزقة فيها 200,000 مرتزق. أي أن عدد المرتزقة غير السودانيين في المليشيا يفوق عدد منسوبي القوات المسلحة السودانية!
□ إن انتصار الجيش يعني الحفاظ على الدولة – على علاتها – مثل ما هو ماثل الآن في ولاية القضارف، حيث تعمل كل مؤسسات الدولة بغض النظر عن كفاءتها: الأجهزة القضائية تعمل، والخدمة المدنية تعمل، المستشفيات تعمل، والموسم الزراعي يبشر بخير.
□ كما أن التعليم انتظم ويمضي الآن على قدم وساق، إذ انتهت الفترة الأولى من العام الدراسي، وبدأت الفترة الثانية.
□ وإنني شخصيا لي مصلحة في هذا الاستقرار، أعيش آمنا في بيتنا، ويتوفر لي قدر معقول من الخدمات التي تجعل الحياة ممكنة.
□ سأكون مغفلا لو لم أفرح لانتصار الجيش الذي يخدم مصالحي، والتي تتطابق مع المصلحة العامة على حد (زعمي).
□ يتوفر هذا الاستقرار في منطقة سيطرة الجيش في ظل معاناة وضيق اقتصادي وتعقيدات اجتماعية ماثلة.
□ ولكن هذا الحال أفضل مليون مرة، من حال سيادة الفوضى في المناطق التي احتلتها المليشيا.
□ وبحمد الله يحقق الجيش – الآن – تقدما ملحوظا في ولاية الخرطوم وفي دارفور.
□ وأن المناطق التي استعادها الجيش بدأت تدب فيها الحياة بعد ان عشعش فيها موات الجنجويد طويلا.
□ وهذا يدحض ادعاء المحايدين (المنحازين) بأن فرار المواطنين إلى مناطق سيطرة الجيش، ليس لأنها تحت سيطرة الجيش، بل لأن الحرب لم تطأها بعد.
□ وليس لديهم إجابة على السؤال: لماذا تعود الحياة إلى مناطق الحرب التي يحررها الجيش من الجنجويد كما يحدث في ولاية الخرطوم؟
□ إن الجيش السوداني في هذه الحرب يدافع عن الدولة ومليشيا الجنجويد الإماراتية تمثل الفوضى؛ والذي يساوي بينهما لا يكون محايدا وإنما منحازا إلى المليشيا، دع عنك الذي ينحاز بوضوح او في الخفاء.
□ لقد ارتكبت مليشيا الجنجويد في هذه الحرب الإبادة الجماعية ضد المساليت في دارفور، وارتكبت جرائم الاغتصاب وسبي النساء والتهجير القسري والنهب والكثير من المجازر والجرائم ضد الانسانية في دارفور والخرطوم والجزيرة وسنار وكردفان.
□ ورغم ان الجيش السوداني ارتكب جرائم حرب، ظلت مناطق سيطرته هي الملاذ الآمن للمواطنين. لذلك فان الذي يساوي بينهما إنما ينحاز لمليشيا الجنجويد، لانه يساوي بين غير متساويين.
□ كما إنني لا اقف موقف الحياد لانني استمسك بعروة شعار ثورة ديسمبر (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) فلا يمكن لثائر أن يساوي بين الجيش الذي يطالب الثوار بعودته الى الثكنات، اي ان يتم اصلاحه ويلتزم بمهمته دفاعا عن الارض والشعب، ويخرج من الحياة الاقتصادية والسياسية؛ أما الجنجويد فليس لهم سوى “الحل” كما قالت الثورة وهتف الثوار.
□ وانا اعلم ان الأستاذة رشا عوض لديها راي في هذا الشعار (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب.. العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) حسب حوار دار بيننا عبر تسجيلات الواتساب الصوتية قبل عدة شهور، إذ أنها ترى ان هذا الشعار شعار فرعي، وطالبت بعدم تقديس شعارات ثورة ديسمبر وتناولها بالنقد، وهذا من حقها طبعا.
□ ولكنني استمسك بهذا الشعار الذي لا يساوي بين الجيش والجنجويد، ولا يقف موقف الحياد بينهما، وارى انه احد اهم الشعارات، اذ أنه الشعار الذي تم سكه في خضم الثورة بدماء الشهداء، وظل الشعار السائد لشهور طويلة، في كل المواكب، في جميع انحاء السودان.
□ وهو الآن أكثر شعار تذيل به القوى الثورية بياناتها.
□ فلماذا تقلل الأستاذة رشا من قيمة شعار كهذا؟
□ ذكرت العواقب المتوقعة – في البوست الذي استكرته رشا – حال انتصار الجيش على المليشيا، لأن لقيادة الجيش العليا مصالح سلطوية، رغم أنها تزعم أيضا أنها إنما تعمل لمصلحة الوطن.
□ سيظهر تناقضها مع مصالحنا بوضوح أكبر بعد الانتصار المأمول. مما يعني انني واع بالمخاطر، وهذا يفترض أن يخرجنا من زمرة المغفلين، الذين حالهم مثل “أبو الدقيق” الذي يندفع اندفاعا إلى نار حتفه.
□ فرحت قطاعات كبيرة من جماهير الشعب السوداني عند تقدم الجيش وانتصاره في مناطق الخرطوم وجبل موية. وقد خرجت مواكب عفوية في القضارف فرحة بتقدم الجيش في الخرطوم والانتصار المتخيل في مصفاة الجيلي.
□ هؤلاء ليسوا مخدوعين “معلوفين” او مغفلين – كما تزعم رشا – وانما لهم مصلحة مباشرة وعشم في انتصار الجيش، إذ انهم يريدون الأمن والأمان، وان يعودوا الى منازلهم، وأن ينصلح حالهم في العمل، وأن تتناقص الأعباء الاقتصادية الكبرى التي اثقلت كواهلهم بسبب الجنجويد.
□ كما أن قطاعات منهم – ليس بالضرورة كلهم – يريدون الدولة المدنية الديمقراطية.
□ سأحاول في ما تبقى من فقرات ان افسر سلوك المحايدين وأحلل مصلحتهم في ثنايا هذا الحرب، بمدخل المصلحة وليس بمدخل المغفلين والأذكياء.
إن أبرز هؤلاء المحايدين (افتراضا) هم منسوبَو تنسيقية “تقدم”، الذين يقولون أنهم ينحازون للسلام.
إن منسوبي تقدم يزعمون – كغيرهم – انهم بمواقفهم ينشدون المصلحة الوطنية العليا، لكنهم مثلهم ومثل كل السودانيين لهم مصالح خاصة.
□ إن تنسيقية “تقدم” عقدت كل انشطتها – تقريبا – بتمويل من المنظمات والدول الغربية، وبالتالي فان للتنسيقية مصلحة مباشرة في التماهي مع أطروحة المنظمات الدولية التي تتحدث عن الطرفين وتساوي بينهما. وإن لم تفعل “تقدم” ذلك فلن تجد تمويلا لأنشطتها. وفي ظل هذه التمويلات فإن مصالح شخصية تتحقق للأفراد ايضا.
□ ويبدو ان هذه المصالح تفوق الخسائر الناجمة عن فقدان المنازل والممتلكات لبعض منسوبي “تقدم” في المناطق التي احتلتها مليشيا الجنجويد.
□ كما أن هنالك مصالح سلطوية متوقعة للقيادات في حال تم رسم مستقبل السودان بيد المجتمع الدولي الطولى، الراعي الرسمي لتنسيقية “تقدم”.
وجدير بالتذكير ان رئيس تنسيقية “تقدم” الدكتور عبد الله حمدوك يقيم في دولة الإمارات، ويعمل ويتقاضى راتبا من هذه الدولة، التي تستخدم مليشيا الجنجويد في حربها على الشعب السوداني. وقد عم خبر ولوغ الإمارات في حرب السودان القرى والحضر.
□ ولكن الدكتور عبد الله حمدوك نفى في مقابلة اجرتها معه مجلة إماراتية ضلوع الإمارات في الحرب، وكل قيادة تقدم ومناصريها – بمن فيهم رشا – غضوا الطرف عن هذا التدخل الإماراتي. وهذا لا يستحسن تفسيره بمدخل المغفلين والأذكياء، وإنما يفسر بمدخل المصالح الشخصية المباشرة – مادية كانت أو سطوية – والمصالح المنظماتية والحزبية والتحالفية.
□ فإذا أدانت تنسيقية “تقدم” ولوغ الإمارات في حرب السودان جهرة، فسوف يفقد حمدوك عمله، وسيطرد من دولة الإمارات، وستغلق ابواب “رزق”، وسيجف تمويل منظمات، وجزلان حميدتي سيصير صغيرا!
□ إن مدخل المغفلين والأذكياء الذي تنتهجه الأستاذة رشا، ليس خاطئا تماما؛ إذ أن الذي يسعى إلى تحقيق مصالحه السلطوية؛ أو المادية بالحصول على جنيه الجيش الحرام، أو عملات حميدتي و”جزلانه الكبير”، أو الدرهم الإماراتي الخطير، أو الدولار الأمريكي المثير للعاب – فهو يحقق مصالحه العاجلة، ولكنه يخسر على المدى الطويل، إذ أنه – على أقل تقدير – سيفقد راحة الضمير.
جعفر خضر
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ملیشیا الجنجوید الجیش السودانی الأستاذة رشا المناطق التی انتصار الجیش یساوی بین
إقرأ أيضاً:
قراءة في موقف تقدم من جرائم الحرب .. هل كانت ظهيرا سياسيا للمليشيا.؟
24 مارس 2025
منذ تأسيسها وحتى إعلان فك الارتباط بين أطرافها، ظلت "تقدم" تدعو في خطابها السياسي إلى إنهاء الحرب عبر التفاوض بين الطرفين، مؤكدة مرارًا على التزامها الحياد. غير أن تساؤلات عدة أثيرت وانتقادات متفاوتة الحدة وُجِّهت حول مدى التزامها بهذا الحياد. ولتقييم مواقف "تقدم" من طرفي الحرب بعيدًا عن الجدل السياسي والاتهامات المرسلة، نستعرض في هذا المقال مواقفها المعلنة في بياناتها الرسمية، خاصة فيما يتعلق بجرائم الحرب التي ارتُكبت خلال النزاع. فهذه البيانات تعكس موقف "تقدم" من الحرب ومن طرفيها، كما تعكس مدى التزامها بمبادئ القانون وقيم العدالة.
تاسيسا للخوض في تلك المراجعة، لا بد من الإشارة إلى أن "قوى الحرية والتغيير" (قحت) والقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري شكلت بعد أقل من أسبوعين من اندلاع الحرب "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية"، والتي تحولت لاحقًا إلى "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية - تقدم" في أكتوبر 2024.بالتحالف مع بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا . في يناير 2024، عقب سيطرة مليشيا "الدعم السريع" على مدينة ود مدني، وقعت "تقدم" اتفاقًا سياسيًا معها عُرف بـ"إعلان أديس أبابا". وبعد أربعة أشهر، انعقد مؤتمر "تقدم" التأسيسي، حيث طرحت رؤيتها لوقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية الجديدة. في يناير 2025، انقسمت "تقدم" نتيجة خلافات بين مؤيدي تشكيل حكومة بحماية "الدعم السريع" في مناطق سيطرته، وبين الرافضين لهذه الخطوة، في كل التحالفات السابقة، شكلت "قحت" التيار الرئيسي الذي بنيت على هدى خطابه رؤى التحالفين ومواقفهما السياسية.
اول البيانات بخصوص جرائم الحرب أصدرته الجبهة المدنية لايقاف الحرب واستعادة الديمقراطية حول جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى و مقتل الوالى خميس ابكر في الجنينة على يد مليشيا الدعمالسريع .
1- بيان الجبهة المدنية حول تطورات الأوضاع في غرب دارفور
استهلت الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية بيانها، بإدانة مشددة لما وصفته بـ"التطورات الأخيرة في إقليم دارفور، والتي أدت الى وقوع انتهاكات وفظائع ضد المدنيين في الجنينة وزالنجي وكتم ومناطق أخرى " كما ادانت بشدة قيام قوات الدعم السريع باعتقال والي غرب دارفور خميس أبكر وحملتها كامل المسؤلية عن اغتياله، وطالبت بالتحقيق في هذه القضية وإلقاء القبض على مرتكبي هذه الجريمة الموثقة والتعامل معهم وفق القانون وكافة جرائم الحرب والإنتهاكات التي حدثت بمدينة الجنينة بواسطة طرفي النزاع " ودعت المجتمع الدولى لمراقبة الوضع في دارفور ، والضغط على الأطراف المتحاربة للكف عن استهداف المدنيين على أساسٍ عرقي أو قبلي، باعتبارها جرائم حرب لا يمكن مطلقاً التسامح مع مرتكبيها. هذه هي جل النقاط المتعلقة بموضوع المقال التي وردت في البيان ،
ويلاحظ فيه الاتى :
1- استخدمت الجبهة المدنية في مستهل بيانها، عبارات فضفاضة ومبهمة لتوصيف الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في الجنينة،على شاكلة تطورات أخيرة، فظائع، انتهاكات ، ولم تستخدم التوصيف الحقيقى لها كجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقىى وتهجير قسرى ،رغم ان ذلك تم تأكيده من مصادر إعلامية عالمية وتقارير دولية ومحلية موثوقة اعتمادا على شهود عيان من المواطنين المهجرين ضحايا تلك الجرائم .
2- رغم الأهمية القصوى للتوثيق القانوني والسياسي فى مثل هذا النوع من الجرائم،لاعداد لضحايا وبقية اثار الجرائم من تهجير قسرى وتدمير للملتلكات، الا ان البيان لم يخض مطلقا في هذا المنحى، بل انه لم يشر أصلا الى وجود ضحايا ، رغم توفر كافة الأدلة والمعلومات التي وثقتها تقارير أممية، ووكالات أنباء وصحف عالمية، زمنظمات المجتمع المدني وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، تم تجميعها خلال خمسين يوما من استباحة المدينة ، وجميعها اكدت ان اعداد ضحايا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى قد فاق 15 الف انسان ، إضافة الى ان اعداد المهجرين قسرا كانت اضعاف ذلك العدد.
3- تجاهل بيانها تماما القانون الدولى، ولم يستخدمه كمرجعية لتعريف ووصف تلك الجرائم ، رغم مناشدته للمجتمع الدولى بممارسة الضغط على الأطراف و مراقبة الوضع في غرب دارفور .!!
4- تجاهل البيان تماما التفاصيل الميدانية لكيفية نشوب الصراع وطبيعة القوى المسلحة في المدينة، فمليشيا الدعم السريع هي التي اقتحمت المدينة ،في اليوم الأول لنشوب الحرب في الخرطوم ، مدججة بالعتاد الافراد، في وجود محدود لقوات الجيش السودانى والتي انسحبت في الأيام الأولى الى حاميتها خارج المدينة ، اما قوات حركة الوالى خميس ابوبكر فكانت محدودة للغاية لدرجة انها لم تستطع حتى الدفاع عنه ، وفي ظل هكذا وضع كان المواطنين من قبيلة المساليت لوحدهم في مواجهة المليشيا التي استباحت المدينة لمدة خمسين يوما .
5- اقحام البيان لعبارة "جرائم الحرب والإنتهاكات التي حدثت بمدينة الجنينة بواسطة طرفي النزاع " ومطالبته المجتمع الدولى ، بالضغط على "الأطراف المتحاربة للكف عن استهداف المدنيين على أساسٍ عرقي أو قبلي" هو تشويه ظالم للحقائق، يتنافى تماما مع وقائع الاحداث الموثقة،و يحول الضحايا الى طرف متهم بارتكاب جرائم حرب، فكل الأدلة تؤكد ان مليشيا الدعم السريع هي الطرف بادر بالهجوم في اليوم الأول لاندلاع الحرب في الخرطوم ، وهى الطرف الذى ارتكب تلك جرائم الإبادة والتطهير العرقى ، وان موطنى الجنينة المنتمين لقبيلة المساليت كانوا هم ضحايا تلك الجرائم ،ولم يتم بالمقابل توثيق وقوع اى جرائم مضادة في حق االحواضن الاجتماعية لمليشيا الدعم السريع .
6- رغم كل هذه المعلومات المتاحة، اختارت الجبهة المدنية، في بيانها ، الالتفاف على الوقائع الموثقة، بتجنب توصيف تلك الجرائم الخطيرة وفق مرجعية القانون الدولى كجرائم ابادة جماعية وتطهير عرقى ، واغفلت عمدا الإشارة الى عددضحايا المهول لتلك الجرائم، و ذهبت الى ابعد من ذلك بمطالبتها بالتحقيق مع الضحايا أنفسهم كطرف متهم بارتكاب "جرائم حرب وانتهاكات". هذا النهج في قلب الحقائق الموثقة، والتجاهل للقانون الدولى ، فى البيان يكشف ان الجبهة المدنية ، قد حددت موقفها مسبقا، واختارت ان تكون ظهير سياسيا للمليشيا ، يوفر لها الغطاء السياسى ،ويسعى لتجنيبها المسؤوليةا لقانونية والسياسية عن هذه الجرائم .
2- قوى الحرية والتغيير بدورها أصدرت بيانًا أدانت فيه مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة بمشاركة إقليمية ودولية للتحقيق في هذه الحادثة، وكذلك في جميع الانتهاكات التي شهدتها مدينة الجنينة. وشدد البيان على ضرورة تحديد المسؤولين عن هذه الجرائم، سواء المنفذين أو المخططين أو المحرضين، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب ،اواضافت ان الوضع بات يتطلب تدابيرا استثنائية بإرسال بعثة إقليمية ودولية لحماية المدنيين في الولاية.
هنا أيضا ساد النهج الذى تبنته الجبهة المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية ، فرغم مطالبة "قحت" بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في الجنينة، وبتوفير حماية اقليمية ودولية ،الا أنها تجنبت توصيف جرائم "الإبادة الجماعية"و "التطهير العرقي"، بوصفها الحقيقى وفقًا للقانون الدولي، واستبدلته بمصطلح الانتهاكات ، كما لم يتضمن البيان أي أرقام أو إحصائيات حول اعداد الضحايا.ولم تقم بتحميل مليشيا الجنجاويد المسؤولية المباشرة عن الجرائم ، رغم توفر الأدلة والشهادات الحية التي تشكل أرضية صلبة لذلك الاتهام .
اما مطالبة بيان قحت بإرسال "بعثة إقليمية ودولية" لحماية المدنيين في غرب دارفور، فشكل اختلافا جوهريا في التعاطى مع الواقعة، بينها وبين الجبهة المدنية ، ويبدو ان هذه هذه المطالبة لم تكن التزامًا مبدئيًا بحماية المدنيين،بل كانت مجرد مناورة سياسية وتكيتيك مرحلى مرتبط بالتحولات السياسية والميدانية و تبدل الأجندة والمصالح،اذ لم يتم المطالبة في بقية مراحل الحرب المحتشدة بالجرائم المماثلة التي ارتكبتها المليشيا.
3- بيان "تقدم" حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة – 30 مارس 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا حول" الانتهاكات" التي وقعت في ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع، ذكرت في مستهله أنها تابعت "الأنباء المتواترة التي كشفت عن وقوع انتهاكات واسعة تجاه المدنيين بعدد من مناطق ولاية الجزيرة من قبل قوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها في عدة قري وما تلاها من تهجير قسري لمواطني تلك القرى في ولاية الجزيرة".
وأضاف البيان "نعتبر الإجراءات التي تمت في تلك المناطق تجاه سكانها المدنيين جرائماً غير مقبولة او مبررة تجاه السكان المدنيين، وتعد في ذات الوقت خرقاً للإلتزامات الموقع عليها بين تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدم" وقوات الدعم السريع في اعلان أديس ابابا المشترك في يناير 2024م عموماً والأحكام الخاصة بحماية وضمان سلامة المدنيين، والعمل على إرجاعهم لبيوتهم وأماكن سكانهم"
ثم ادانت تقدم تلك الانتهاكات "تدين تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية هذه الإنتهاكات التي تتم تجاه المدنيين في الجزيرة " معتبرة "ان مسؤولية حماية المدنيين وسلامة ممتلكاتهم وأرواحهم هي مسؤولية الدعم السريع في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، " وأضافت "وطبقا لذلك فعلي قوات الدعم السريع ومن واقع تلك المسؤولية الاعتراف بهذه الجرائم والالتزام التام بعدم تكرار هذه الانتهاكات ووقفها بشكل فوري وحاسم وإتخاذ إجراءات شفافة وعلنية تجاه كل مرتكبي التجاوزات وتقديمهم لمحاكمة علنية وعادلة وجبر ضرر الضحايا وتعويضهم."
في هذا البيان استخدمت تقدم في بيانها هذا ومنذ الوهلة الأولى ، تكتيكا واضحا للالتفاف على حقيقة وطبيعة الجرائم التي ارتكبها مليشيا الدعم السريع ، و عملت بشكل مباشر على اضفاء اكبر قدر ممكن من الشك والضبابية على تلك الجرائم يتبين ذلك في :
أولا: استخدمت تقدم لعدة مرات في بيانها ، لفظ انتهاكات الغارق في الضبابية والتعميم،لتوصيف جرائم القتل الجماعي، والاغتصاب الجماعى وجرائم الاختطاف، والاستعباد الجنسي، ونهب الممتلكات، وحرق المزارع، وتدمير البنية التحتية، والتهجير القسري للمواطنين، التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، وجميعها جرائم غاية في الخطورة والبشاعة ولها تسميات وتوصيف محدد، وفق معايير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الواردة في القانون الدولى . وتماديا في التغطية على تلك الجرائم، اسمتها في فقرة أخرى من البيان بالتجاوزات، وفى أخرى وصفها ب"الإجراءات" وهى بالتأكيد عبارة لاتدل باى حال من الأحوال، على وقوع جرائم ، ناهيك عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بهذا القدر من الخطورة .هذا الالتفاف المتعمد واحاطة الجرائم بهذا القدر من الضبابية والتطفيف اللغوى ، لا تفسير له ، الا ان تقدم ارادت إخفاء بشاعة ووطأة تلك الجرائم وطمس الحقائق حولها ، بغرض ابعاد المسئولية عن مليشيا الدعم وحمايتها من التبعات المترتبة على ارتكاب تلك الجرائم.
ثانيا: كما تسترت في بيانها على الجرائم ، فانها تجاهلت تماما ذكر اعداد ضحايا ها من القتلى والمغتصبات والمهجرين ، واغفلت أيضا تسمية القرى والمناطق التي وقعت فيها تلك الجرائم، ولم تشير الى شهادات الضحايا ، رغم الأهمية القصوى لكل ذلك في التوثيق لتلك الجرائم ،هذا الاغفال المتعمد من البيان القى مزيدا من الغموض على تلك الجرائم ،وحوله من من بيان لكشفها وفضحها، الى أداة من ادوات إخفاء الحقائق حولها، ومنح مرتكبيها فرص الافلات من المسئولية والعقاب .
ثالثا :بينت تقدم ان معرفتها بوقوع مااسمتها "الانتهاكات"،كان عن طريق متابعتها "للانباء المتواترة"عن تلك الانتهاكات، ومصطلح انباء متواترة ، مصطلح إعلامي تستخدمه وسائل الاعلام والمؤسسات السياسية، عادة للإشارة الى معلومات متناقلة غير مؤكدة رسميا وبالتالي غير موثوقة ، ولم تذكر تقدم استعانتها باى مصادر أخرى ، لمعرفة حقيقة ما جرى، رغم انها كتحالف سياسى عريض، تمتلك كافة وسائل وامكانيات الحصول على ادق و اوثق المعلومات حول تلك الجرائم ،عن طريق قواعدها الاجتماعية واسعة الانتشار بين أبناء الجزيرة وفى كافة مناطق السودان، وعن طريق قنواتها التنظيمية المنضوية تحت لوائها، من أحزاب سياسية، ولجان مقاومة ومنظمات مجتمع مدنى كنقابة الصحفيين وتحالف المحامين الديمقراطيين، الا انها اختارت ان تنسب معرفتها بتلك الجرائم لاكثر المصادر قابلية للتشكيك والطعن في مصداقيته، رغم خطورة تلك الجرائم.الامر الذى يؤكد ان تقدم تعمدت وبصورة ممنهجة، اضفاء اكبر قدر من الشك حول تلك الجرائم، وهو مايشكل غطاءا سياسيا للمليشيا ، يصب في صالح افلاتها من المسئولية والعقاب.
رابعا: استخدام تقدم عبارة "جرائم غير مقبولة"لتوصيف مجموعة من ابشع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، هو امعان متعمد، لتخفيف حدة تلك الجرائم، والتستر عليها، كذلك جعل اعلان اديس ابابا الذى وقعته مع المليشيا مرجعية بديلة للقانون الدولى، يعكس مدى حرص تقدم لتوفير غطاء سياسي لمليشيا وتجنبيها المسئولية عن كافة الجرائم بقدر الإمكان .
خامسا: مطالبة تقدم للمليشيا بالاعتراف بالجرائم بحكم مسئوليتها عن " حماية المدنيين وسلامة ممتلكاتهم وأرواحهم" في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، هو تعبير تمت صياغته بعناية ، ليمنح براءة مسبقة للمليشيا، فهو يبدل تماما وضعها القانوني من كونها الجهة التي ارتكبت تلك الجرائم ،الى جهة تنحصر مسئوليتها في وقوع تلك الجرائم فىى تقصير ها عن حماية الضحايا.
من كل ذلك يتضح ان تقدم، قد اتخذت موقفا مسبقا منحازا بشكل قاطع لصالح المليشيا، وبنت على ضوئه استراتيجية ممنهجة، للتغطية على ماترتكبه من جرائم ، تلخصت في اغفالها المتعمد للقانون الدولى كمرجعية لتوصيف تلك لجرائم ، والالتفاف على توصيفها باستخدام عبارات مبهمة وفضفاضة، وعدم التطرق لاعداد ضحاياها وتبعاتها على المدنيين، و اضفاء طابع من التشكيك والضبابية على المعلومات المتعلقة بتلك الجرائم، واهمال ماتم توثيقه من جوانبها،وعدم الاهتمام بجمع الحقائق والمعلومات حولها، رغم متلاك تقدم لكافة إمكانيات الوصول لتلك الحقائق . كذلك حرصت تقدم على عدم توجيه الاتهام للمليشيا بارتكاب تلك الجرائم.
4- بيان "تقدم" حول مقتل الأمين محمد نور في كسلا – سبتمبر 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا أدانت فيه الجريمة التى وصفتها بالوحشية التي راح ضحيتها المواطن الأمين محمد نور، بعد تعرضه للتعذيب والقتل على يد جهاز الأمن في كسلا. و اعتبرت في بيانها، أالى ان الجريمة تمثل نهجًا متسقًا مع ممارسات جهاز الأمن والمخابرات خلال سنوات حكم النظام البائد، مشيرًة إلى التشابه في النهج و الأسلوب الإجراموى بين هذه الاجريمة وجريمة اغتيال الأستاذ الشهيد أحمد الخير في كسلا خلال ثورة ديسمبر،وطالبت بتسليم المتهمين وتقديمهم لمحاكمة عادلة وفورية لينالوا جزاءهم على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، مؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة وعدم إفلات الجناة من العقاب..
يُلاحظ هنا في هذا البيان عن واقعة الاغتيال البشعة تلك، أن "تقدم" حرصت على توصيف الجريمة بشكل واضح ودقيق، رابطة اياها بالمنهج الإجرامي المعروف عن جهاز الأمن طوال تاريخه،هذا النهج في تحليل الجريمة السياسية من تقدم لاخلاف عليه، بل هو مطلوب كضرورة لكشف هذا النوع من الجرائم وفضح السياسات الاجرامية المنهجية، والجهات المتورطة فيها، لكن من نافلة القول ان هذا النهج يختفى تمامًا في بيانات"تقدم" عن الجرائم التي ارتكبها الجنجاويد خلال الحرب، رغم احتشاد تاريخهم بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المشابهة، وهو مايقود الى نتيجة مفادها عدم اتساق وحيادية تقدم في تناول الجرائم والانتهاكات وفق ذات المعايير.
5- بيان "تقدم" حول الغارات الجوية واستهداف المؤسسات المدنية – أبريل 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا بخصوص الغارات الجوية التي شنها الجيش السوداني على مدينة مليط، والتي أسفرت، وفقًا للبيان، عن " سقوط ضحايا بين المدنيين وخسائر كبيرة في الممتلكات والماشية"، ووصفت تقدم هذه الهجمات بأنها جزء من "سلسلة غارات جوية مستمرة منذ بداية الحرب، اغفلت المنشآت العسكرية والحربية واستهدفت المنشآت المدنية من مواطنين ومساكن وممتلكات." مؤكدة أن هذه الغارات" تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية بمختلف أنحاء السودان، لا سيما في العاصمة، دارفور، كردفان، والجزيرة" وأكدت أيضا ان " استهداف الأعيان المدنية والمدنيين عبر استخدام البراميل المتفجرة ذات التأثير العشوائي والمدى التدميري الواسع هو امتداد لسلوك قديم تبنّته القوات الحكومية خلال الحروب الأهلية، بهدف تدمير حياة السكان في المناطق التي تقع خارج سيطرتها" وكررت الحديث عن الأثر المدمر لتلك الغارات على المدنيين وممتلكاتهم "الوقائع الميدانية على مدار أكثر من عام من الحرب أظهرت إصرارًا على تكرار أخطاء الماضي، ولكن على نطاق أوسع، ما أدى إلى خسائر مروعة في أرواح المدنيين وممتلكاتهم"، مؤكدة ادانتها لهذه الهجمات باعتبارها "جرائم حرب تنتهك القوانين الدولية ذات الصلة بالنزاعات المسلحة".واوضحت ان هذه الاحداث عززت "قناعتها بوجوب إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية بعد انتهاء الحرب، مع ضرورة إصلاح عقيدتها العسكرية"
هذا البيان البليغ والصارم جمعت فيه تقدم كل ماغاب عن بياناتها السابقة الخاصة بجرائم الدعم لسريع من إدانة مباشرة وتحليل وتوصيف سياسى وتكييف قانوني لجريمة القصف التي تتحدث عنها.
1 - صنفت الغارات بانها استهداف مباشر ومتسلسل للمدنيين ولممتلكاتهم وللبنية التحتية .
2- تحدث عن سقوط عدد كبير من الضحايا ووقوع خسائر فادحة في الممتلكات والبنية التحتية.
3- ربطت هذه الغارات بسلوك تاريخى قديم طالما اتبعته القوات المسلحة في قصف الاعيان المدنية والمدنيين.
4- لم تكتف بإدانة الغارات بل وسعت الإدانة لتشمل أيضا عقيدة الجيش القتالية، وصفتها بالخاطئة وتعهدت بإصلاحها انتهاء الحرب.
5- اعتمدت على القانون الدولى والمعاهدات الدولية لتوصيف الغارات بانها جريمة حرب وفقا لتلك القونين .
هذا المنهج القانوني والتحليلى الصارم الذى قامت فيه تقدم، بإدانة الغارات الجوية على المناطق المدنية،واعتمدت فيه على القانون الدولى، كمرجعية ،لتوصيفها كجرائم حرب، كاشفة عن طبيعتها وغرضها وجذورها، تقابله فى الناحية الاخرى، استراتيجية منهجية مغايرة تماما، اعتمدتها تقدم عند تناولها جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التى يرتكبها الجنجاويد، وعماد تلك الاستراتيجية،هو الاغفال التام والمتعمد للقانون الدولى كمرجعية للتوصيف والتكييف القانوني ، واحاطة الجرائم باكبر قدر ممكن من الضبابية والشك، بالالتفاف على توصيفها القانوني ، واستخدام الفاظ شديدة الضبابية والالتباس،تخفى طبيعة الجرائم ووتخفف من وطاتها، كذلك التشكيك في مصداقية الاخبار المتعلقة بها ،وعدم الحديث عن ضحاياها،ونتائجها من نهب وتدمير لممتلكات المواطنين وتخريب للبنية التحتية، خطورة اذدواجية المعايير التي تمارسها تقدم انها،لاتقتصر على البعد الاخلاقى فقط ، بل تمتد تاثير سياسى قانوني كبير، فهى تعكس تمثل موقف تقدم السياسى من هذه الجرائم ومن الصراع ككل، وهى بالتأكيد ستساهم في إعادة تشكيل السردية الدولية حول جرائم الحرب و الصراع في السودان، بما يخدم الأجندة السياسية للمليشيا ومن يقف ورائها على حساب تحقيق العدالة للضحايا .
6- بيان "تقدم" حول قصف الدعم السريع في أم درمان – ديسمبر 2024
أصدرت تقدم بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين الأبرياء في أم درمان، الثورة الحارة 17. قدّم البيان تفاصيل دقيقة عن موقع الجريمة، وأعداد الضحايا، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات تندرج "ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات العشوائية التي تشهدها المدينة منذ أكثر من عام، وأدت إلى مقتل وإصابة المئات وتشريد آلاف الأسر، وأضافت "ان استهداف المدنيين بشكل متعمد يهدف تهجيرهم قسريًا وتدمير البنية التحتيةهو عمل إجرامي لا يمكن السكوت عنه " وأكدت أن هذه الجرائم تشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف ،وترتقى إلى مستوى جرائم الحرب التي تستوجب التحقيق والمحاسبة، كما دعا البيان المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الجرائم والضغط من اجل محاسبة مرتكبيها.
هذا البيان الصارم والمباشر فى ادانة جريمة القصف العشوائى التي ارتكبتها المليشيا،والذي استخدمت فيه تقدم للمرة الأولى القانون الدولى لتوصيف جريمة ترتكبها المليشيا، وحرصت فيه على ذكرعدد ضحاياها، وتحديد موقعها وتحليل اهدافها، جاء بمثابة انقلاب كامل على موقف تقدم، الذى ظل مساندا وداعما للمليشيا طوال الفترة الماضية، وعلى استراتيجيتها التى قامت من خلالها بالتغطية والتستر على كل جرائم المليشيا فى دارفور والخرطوم والجزيرة،السؤال الذى يطرح نفسه هنا ، لماذا انقلبت تقدم على موقفها من جرائم المليشيا في هذا البيان ؟
و الاجابة بكل بساطة هى ان تقدم التى تشكلت بعد ستة اشهرمن اشتعال الحرب، بنت موقفها المساند للمليشيا، على حسابات واجندة سياسية، وواقع عسكرى وميدانى، كانت المليشيا فيه فى قمة قوتها وعنفوانها، وكان نفوذها يزداد وسيطرتها تتوسع كل يوم، وكانت المدن والمواقع العسكرية تسقط فى يدها الواحدة بعد الاخرى، وكانت هزائم الجيش تتوالى، ومؤشرات انهياره تلوح في الأفق، فاختارت تقدم ذلك الموقف المساند للمليشيا، وفق الاستراتيجية التى اسهب المقال فى تفصيلها. وبعد التغيير الدراماتيكى فى موازين القوى الميدانية لصالح الجيش، بعد الهجوم الواسع الذى شنه فى كافة المحاور، في الشهور الأخير من نهاية العام الماضى ،و تمكنه من استعادة العديد من المدن والمواقع العسكرية، فى كافة المحاور الرئيسية، وتوالى هزائم وانسحابات المليشيا ، وظهور بوادر انهيارها ، قامت تقدم برفع غطائها عنها، باعتبارها رهانا خاسرا، و أصدرت هذا البيان شديد الصرامة فى ادانتها وفى تحميلها مسئولية ارتكاب جريمتها هذه كجريمة حرب وفقا للقانون الدولى.
خلاصة هذا الاستعراض والمقارنات، ان مواقف "تقدم" السابقة او الحالية من جرائم الحرب ومن طرفيها ،لم تكن محايدة بأي حال من الاحوال،فتقدم تموضعت بمواقفها ، طرفا اصيلا في الصراع ،وظهيرا ساند اللمليشا، وشكل غطاء سياسيا لتمرير جرائمها دون توصيفها كجرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية ودون تحميلها اللمسئولية عن ارتكابها، اما موقفها الأخير في بيانها هذا ، والذى انقلبت به على موقفها القديم المساند للمليشيا ،فهولا يعكس التزاما من تقدم بمبادئ العدالة او القانون الدولى بقدر ما يعكس انتهازية تصنع موقفها بناء على الوضع الميدانى ووموازين القوى بين الطرفين. وبالطبع لا يمكننا التغاضى عن تاثير التداخلات والتحالفات الاقليمية والدولية في تشكيل الموقف الأخير للتحالف وذلك شان اخر وموضع لقراءات أخرى .
joejo714@gmail.com