يجب تحسين الاتصال بين الشريكين وتخصيص وقت للحوار والمشاركة في أنشطة مشتركة

جلسات العلاج المعرفي السلوكي والدعم الاجتماعي ضرورة في بعض الحالات

تبنّي إستراتيجيات علمية لتعزيز التوازن والتدخل لدعم الطفل والأسرة نفسيا

شعور صعب يمرُّ به البعض نتيجة ضغوط نفسية أو صدمات مرّ بها، أو حتى من الروتين اليومي المتعب، وفي وقتنا هذا ومع تسارع نمط الحياة وكثرة التحديات، قد يزيد الإحساس وتجد نفسك غير قادر على التفاعل مع مشاعرك أو مشاعر من حولك، وكأنك تفقد الرابط العاطفي مع الحياة ما يجعل التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم أمرًا أكثر صعوبة.

وفي هذا السياق، يتطلب منّا فهم هذه الحالة وتسليط الضوء على أعراضها، وأسبابها، وتأثيراتها النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى طرق التعامل معها من خلال الدعم النفسي والعلاجي.

الانفصال العاطفي وأسبابه

أوضحت هنية الصبحية، الأخصائية الاجتماعية بمدرسة السيب العالمية، أن الانفصال العاطفي يعد حالة نفسية ومزاجية يعيشها الإنسان إذ ينفصل فيها عن واقعه، متمثلًا في الابتعاد عن التعبير عن المشاعر سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ بهدف حماية النفس من التعرّض لأي أذى نفسي داخلي، وقد تكون هناك العديد من الأسباب المؤدّية إلى الانفصال العاطفي وذلك لعوامل متعددة تختلف من شخص لآخر، كالصدمات النفسية أو العاطفية وفقدان أحد الأحبة، أو الانفصال عن علاقة، أو التعرّض لحادثة مؤلمة، كما أن ضغوط الحياة العملية والأسرية قد تؤدي بالفرد إلى تجنّب التعبير عن مشاعره، خاصة إذا كانت بيئة حياته غير صحية وتغلب عليها النزاعات أو العلاقات السامة.

التنشئة الأسرية

وأشارت الصبحية إلى أن التنشئة الأسرية تقوم بدور مهم في تشكيل نمط الانفصال العاطفي، خاصة إذا نشأ الفرد في بيئة أسرية أو عملية يتضمنها العنف أو كبح المشاعر والتي قد ترجع لأبعاد ثقافية أو اجتماعية ينتج عنها الانفصال العاطفي لتجنب الصراع العائلي أو العلاقات غير الصحية، ففي هذه الظروف قد يفضّل الشخص الانطواء والعزلة لتجنّب الأذى النفسي، ومن بين العوامل المؤثرة التعرّض للإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، ما يجعل الطفل يشعر بالعجز عن التواصل مع الآخرين، وغير قادر على التعبير عن مشاعره فيما بعد مما يسبب له حالات كالاكتئاب والقلق واضطراب في الصحة النفسية.

التأثير على الأطفال والمراهقين

وتضيف الصبحية أن الانفصال العاطفي قد يظهر على الأطفال والمراهقين إذا لم يحصلوا على الدعم الكافي من الوالدين، خاصة في حالات الطلاق أو الفقدان، كما يمكن أن يحدث الانفصال العاطفي بين الشريكين، سواء في بداية العلاقة الزوجية أو في منتصفها، وقد يشعر أحد الشريكين بالفتور العاطفي أو الاغتراب نتيجة الملل أو تراكم الضغوطات الحياتية، موضحةً أن تراكم المشاكل الزوجية قد يؤدي في النهاية إلى فجوة عاطفية بين الزوجين، ما يفاقم حالة الانفصال.

ولفتت الصبحية إلى أن الأعراض التي يمكن أن يعاني منها الأفراد المصابون بالانفصال العاطفي، تتمثل في صعوبة التعبير عن مشاعرهم، والشعور باللامبالاة تجاه من حولهم في المواقف التي تتطلب استجابة عاطفية، كما يبدو عليهم اكتفاء ذاتي مفرط قد يرفضون فيه المساعدة أو الاعتماد على الآخرين في المواقف الصعبة بالإضافة إلى عزلتهم الاجتماعية وعدم مشاركتهم في المناسبات والفعاليات العائلية، كما يمكن لهؤلاء الأفراد أن يعانوا من شعور داخلي بالفراغ وفقدانهم لمعنى الحياة، ما يؤثر على رغبتهم في التواصل مع الآخرين. وأضافت أن الإرهاق الجسدي والنفسي المستمر قد يكون ناتجًا عن كبت المشاعر ومحاولة إنكارها.

وأوضحت أن الأطفال هم أكثر الفئات تأثرًا بانفصال أحد الوالدين عاطفيًّا؛ إذ يشعرون بنقص في الحب والاهتمام ما يؤدي إلى مشاكل في تطوير علاقاتهم الاجتماعية وثقتهم بأنفسهم، مشيرةً إلى أن هذه الفجوة العاطفية قد تتحول إلى مشاكل سلوكية مثل العدوانية أو الانعزال، وقد تؤثر سلبًا على الأداء الأكاديمي، مؤكدةً أن الأمر يستدعي تدخلًا نفسيًّا وأسريًّا لدعم الطفل والأسرة معًا.

الدعم النفسي والأسري

وأكدت الصبحية قائلة: اللجوء إلى الدعم النفسي، سواء من خلال جلسات العلاج المعرفي السلوكي أو الدعم الاجتماعي، قد يكون ضروريًّا في بعض الحالات التي يصعب فيها التعامل مع الانفصال العاطفي، ما يسهم في تمكين الأفراد من التكيف مع حياتهم بشكل أفضل ومواجهة التحديات بصورة صحية.

ودعت الصبحية إلى ضرورة التركيز على بناء أسرة قائمة على المودة والرحمة، كما جاء في المنهج الرباني، مشددة على أهمية تبنّي إستراتيجيات علمية لتعزيز التوازن العاطفي في الأسرة، من خلال الحوار والتواصل بين الأطراف، مع التركيز على تفريغ المشاعر المكبوتة، وتطوير مهارات التواصل العاطفي، مؤكدة على دور الأنشطة الرياضة والفنية في تخفيف الضغوطات النفسية، كما لفتت إلى أهمية كتابة المشاعر المكبوتة وتفريغها في دفتر اليوميات الشخصية ومحاولة الخروج من المأزق، وتحديد ضرورة تعليم الفرد كيفية التعاطف مع الذات سواءً للكبار أو الصغار، بالإضافة إلى تعزيز الجانب الروحي والديني للأفراد.

تأثير التكنولوجيا

وتوضح كلثم المقبالية، أخصائية الإرشاد والتوجيه الأسري أن الانفصال العاطفي ظاهرة ليست جديدة، لكنها ازدادت انتشارًا في العصر الحديث بفعل الضغوط المتزايدة وتغيّر أنماط التواصل الاجتماعي، مشيرةً إلى أن الانشغال بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وتزايد متطلبات الحياة اليومية أسهما بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة، حيث باتت العلاقات الإنسانية تفتقر في كثير من الأحيان إلى العمق العاطفي والمشاركة الحقيقية.

علامات وأسباب

وأوضحت المقبالية أن الانفصال العاطفي يمكن التعرّف عليه من خلال عدة علامات كضعف التواصل العاطفي بين الشريكين، والشعور بالوحدة رغم وجود الطرف الآخر، وانعدام الاهتمام بالمشاعر أو الاحتياجات، كما أضافت أن من أبرز الأسباب المؤدية إلى هذا الانفصال هي ضغوطات الحياة اليومية، والخلافات المستمرة، أو التغيّرات في القيم والأهداف بين الشريكين، مشيرةً إلى أن الانفصال العاطفي قد يحدث من طرف واحد، حيث يشعر أحد الأطراف بالإهمال أو اللامبالاة، بينما قد يحاول الطرف الآخر الحفاظ على التواصل العاطفي، ومع ذلك يصبح هذا الانفصال أكثر وضوحًا وتأثيرًا عندما يكون متبادلًا بين الطرفين. وتطرقت المقبالية إلى أنواع من الانفصال العاطفي، مثل الانفصال التدريجي الذي يحدث ببطء مع مرور الوقت، أو الانفصال المفاجئ الذي ينتج عن حدث معين، مؤكدةً أن هذا الانفصال قد يؤثر سلبًا على العلاقة من خلال خلق فجوة عاطفية بين الشريكين، ما يضعف التواصل ويزيد من التوتر، كما لفتت إلى أن هذا التأثير يمتد إلى الأبناء؛ إذ يؤدي إلى إشعارهم بعدم الأمان العاطفي وزيادة التوتر في البيئة المنزلية، أما على الصعيد الشخصي فيمكن أن يؤدي الانفصال العاطفي إلى تدهور الصحة النفسية للفرد، ما يجعله عرضة لمشاعر الوحدة والقلق، وربما الاكتئاب؛ نتيجة لافتقاد الدعم العاطفي.

الحوار النفسي والدعم

وأشارت المقبالية إلى أن التعامل مع المشاعر الناتجة عن الانفصال العاطفي يتطلب في كثير من الأحيان الحوار الصريح أو اللجوء إلى الدعم من الأصدقاء أو المختصين النفسيين. واستعرضت المقبالية بعض التقنيات العلاجية التي يمكن أن تساعد في التعافي وإعادة بناء العلاقات، مثل العلاج الزوجي أو العلاج المعرفي السلوكي، حيث تسهم هذه الطرق في بناء الثقة وتعزيز التواصل العاطفي بين الطرفين، مؤكدةً أن تحسين الاتصال بين الشريكين يتطلب اهتماما متبادلا مع تخصيص وقت للحوار المفتوح والمشاركة في أنشطة مشتركة، بالإضافة إلى تعلم كيفية التعبير عن المشاعر بشكل صحي والاستماع إلى الطرف الآخر واحترامه. وأضافت المقبالية أن الاستشارة النفسية تؤدي دورًا حاسمًا في معالجة الانفصال العاطفي، حيث توفر مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر وفهم الأسباب الكامنة وراء الانفصال، وشددت على ضرورة اللجوء إلى الاستشارة النفسية في حال عدم القدرة على التعامل مع المشاعر السلبية، أو عندما تؤثر هذه المشاعر بشكل كبير على الحياة اليومية وعلى العلاقة، وأوضحت أن من أهم فوائد الاستشارة النفسية تحسين مهارات التواصل، وفهم العلاقة بعمق، مع محاولة تطوير إستراتيجيات صحية للتعامل مع هذه المشاعر، ما يعزز القدرة على التعافي وإعادة بناء العلاقات مجددا بصورة إيجابية.

العلاقات الأسرية والصداقات

واختتمت المقبالية حديثها بالتأكيد على أن الانفصال العاطفي لا يقتصر على الأزواج فقط، بل يمكن أن يحدث بين الأبناء ووالديهم، وكذلك بين الأصدقاء، موضحة أن الانفصال العاطفي في العلاقات الأسرية قد يحدث عندما يشعر أحد أفراد الأسرة بعدم الفهم أو الدعم، ما يؤدي إلى تباعد عاطفي بينهم، أما في الصداقات، فقد ينتج عن خلافات أو سوء تواصل، ما يضعف الروابط العاطفية بين الأصدقاء، مؤكدة أن هذه الظاهرة يمكن أن تظهر في مختلف العلاقات الإنسانية، وتؤثر سلبًا على التفاعلات والعواطف لدى الأطراف المعنية في العلاقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التواصل العاطفی بالإضافة إلى التعامل مع التعبیر عن من خلال یمکن أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الصمت المفرط للرجال.. رهاب اجتماعي يعرقل المشاعر والاحتياجات

رغم التحديات والضغوط اليومية التي يواجهها الكثير من الرجال، فإنهم غالبًا ما يختارون الصمت ويحمِلون أعباءهم بمفردهم، وكأن المشاعر والأحاسيس حكرًا على فئة معينة دون غيرها في مجتمع يفرض معايير صارمة للرجولة، حيث يُتوقع من الرجل أن يكون صامدًا كالصخرة، لا يلين ولا يضعف، تظل العديد من الأرواح مثقلة بالآلام خلف هذا الصمت.

من خلال هذا الاستطلاع، نسلط الضوء على أهمية كسر حاجز الصمت المفرط لدى الرجال، وضرورة تعزيز الوعي حول الصحة النفسية لديهم. فذلك لا يساهم فقط في تحسين حياتهم الشخصية، بل يساهم في خلق بيئة اجتماعية متوازنة وبناء أسر مستقرة، تسودها الطمأنينة والتفاهم النفسي.

أكد الدكتور محمد بن خميس البلوشي، الطبيب النفسي بمستشفى المسرة، أن رغم الجهود المبذولة لتعزيز الوعي بالصحة النفسية وأهميتها في حياة الأفراد، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الهدف، خاصة فيما يتعلق بتقبل وفهم هذا المفهوم في المجتمعات العربية، وأوضح أن هناك تفاوتًا في النظرة تجاه الصحة النفسية بين الثقافات العربية والغربية، ففي حين تشهد المجتمعات الغربية تقدمًا ملحوظًا في فهم الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة، لا يزال هذا المفهوم يعاني من قصور في الوعي في بلداننا العربية، ويرتبط هذا القصور -بحسب البلوشي- بالفهم الخاطئ الذي يربط الصحة النفسية بالاضطرابات العقلية، مما يثير مخاوف لدى الأفراد ويجعلهم يتجنبون طلب المساعدة.

وأشار البلوشي إلى أن طلب المساعدة النفسية لا يعني بالضرورة الإصابة باضطراب عقلي، لكن الثقافة السائدة، التي تُحمّل الرجل مسؤولية التماسك وقوة الشخصية تُعرقل الحوار حول المشاعر والاحتياجات النفسية، هذه الوصمة الاجتماعية تجعل العديد من الأشخاص يتجنبون التحدث عن مشاعرهم خوفًا من الحكم عليهم أو تصنيفهم بشكل سلبي.

وأوضح البلوشي أن المجتمعات العربية غالبًا ما تركز على الصحة الجسدية، مثل اتباع الأنظمة الغذائية والرياضة، بينما تُهمَل الصحة النفسية التي لا تقل أهمية عنها. كما أشار إلى أن هناك ضعفًا في الوعي بفرق حاسم بين مشاعر الحزن العابرة والاكتئاب الذي يتطلب تدخلًا علاجيًا، وهو ما قد يجعل البعض يعيشون في معاناة نفسية طويلة دون إدراك أنهم بحاجة إلى دعم نفسي، وهذه المعاناة تتفاقم بسبب النظرة السلبية للمجتمع تجاه من يعبرون عن مشاعرهم، مما يؤدي إلى تعزيز الكبت العاطفي ويزيد من المشكلات النفسية والجسدية.

وأوضح الدكتور محمد البلوشي أن الدراسات تشير إلى توفر خدمات الصحة النفسية في معظم المناطق، سواء عبر المؤسسات الحكومية أو الخاصة، حيث يمكن الحصول على موعد في مدة لا تزيد عن أسبوعين. ومع ذلك، يبقى الوعي بهذه الخدمات وأهميتها منخفضًا مما يحد من إقبال الكثير من الأفراد، وخاصة الرجال، على الاستفادة منها.

وأضاف أن المشكلة ترجع جزئيًا إلى الثقافة الاجتماعية السائدة التي تبرز الرجل كرمز للقوة والصلابة فتُحرمه من فرصة التعبير عن مشاعره. منذ الطفولة، يُعلم الصبيان أن "الرجال لا يبكون"، أو أن مشاعرهم تُعتبر علامة على الضعف، وهي عبارات قد تبدو بسيطة، لكن في واقع الأمر، تزرع بذور الكبت التي تشكل حواجز أمام التعبير عن المشاعر.

ودعا البلوشي إلى ضرورة تغيير هذه الثقافة من خلال تشجيع أفراد المجتمع على استخدام عبارات تعاطفية تدعم الرجل بدلاً من انتقاده أو ربط الصحة النفسية بالضعف، مثل هذه العبارات "أنا مقدّر ما مررت به" أو "كيف يمكنني مساعدتك؟"، يمكن أن تفتح أبواب التواصل وتعزز من دعم الشخص نفسيًا.

وأكد البلوشي أن الكبت النفسي يمكن أن يتجلى في أعراض جسدية، حيث يعبر الجسم عن المشاعر المكبوتة بطرق غير صحية مثل الصداع، وآلام البطن، والإرهاق العام، وفي كثير من الأحيان يلجأ الأشخاص إلى العيادات الطبية دون أن يدركوا أن السبب الأساسي لمشاكلهم الصحية هو القلق أو التوتر النفسي.

وأوصى البلوشي بأن يكون لدى الرجل شبكة دعم قوية، سواء من الأسرة أو الأصدقاء، وأن يسعى للحصول على المساعدة إذا شعر بصعوبة في مواجهة تحدياته النفسية، وأوضح أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي أساس النجاح في جميع أدوار الحياة، وإذا لم تُعالج المشكلات النفسية في وقت مبكر فإنها قد تتفاقم لتؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية مثل اندلاع النزاعات الزوجية أو الشجارات المتكررة، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة.

كما أشار إلى أن "التنفيس" يعد جزءًا أساسيًا من الحفاظ على الصحة النفسية، وقد يختلف من شخص لآخر، فالبعض يجد راحته في الأنشطة البدنية مثل الجري أو رفع الأثقال، بينما يفضل آخرون قضاء الوقت في الطبيعة أو على الشاطئ. ويشمل التنفيس أيضًا ممارسات روحية مثل التأمل أو الصلاة التي تساعد على تهدئة العقل وتعزيز الطمأنينة النفسية.

واختتم البلوشي حديثه بالتأكيد على أهمية التحفيز في حياة الرجل للحفاظ على استمراريته في تحقيق أهدافه، ويمكن أن يكون التحفيز بسيطًا مثل شرب كوب من القهوة في لحظة هدوء أو قضاء وقت على الشاطئ بعد أسبوع عمل مرهق. أما التحفيز الأكبر، مثل تحقيق أهداف أو مكافآت أكبر، يتطلب تخطيطًا ومثابرة لتحقيق طموحات أكبر.

أهمية الجانب النفسي

وأكد المدرب الرياضي سلطان بن سيف الحراصي أن ممارسة الرياضة تتجاوز كونها نشاطًا بدنيًا، إذ تمثل وسيلة أساسية لتحفيز المهارات الحياتية وتعزيز التوازن النفسي، مشيرًا إلى أن الوعي النفسي يعد ركيزة أساسية للرياضيين في التعامل مع التحديات التي يواجهونها في التدريب والمنافسات الرياضية على مستوى العالم.

وأوضح الحراصي أن الجانب النفسي يعد من أكبر التحديات التي يواجهها اللاعبون، حيث إن التعامل مع الضغوط النفسية مثل حالات التنمر والمشاكل الشخصية يتطلب فهمًا عميقًا ودعمًا متواصلًا، ورغم أن تدريب المهارات البدنية قد يكون سهلاً نسبيًا، فإن المعاناة النفسية التي يمر بها اللاعب قد تؤثر بشكل مباشر على أدائه داخل الملعب؛ إذ يعكس سلوك اللاعب في بعض الأحيان مشكلاته الشخصية أو الضغوطات النفسية التي يواجهها، مما قد يدفعه إلى التصرف بشكل عدواني أو انفعالي، ويؤثر ذلك في قراراته داخل المباراة، مثل الحصول على بطاقة حمراء، وهذا يبرز أهمية وجود أخصائي نفسي لمساعدة اللاعبين في التعبير عن مشاعرهم وتقديم الدعم النفسي اللازم.

وفيما يخص أهمية التحضير النفسي للرياضيين، أشار سلطان الحراصي إلى أن الاستعداد الذهني هو الأساس لتحقيق النجاح الرياضي في أي مجال، وأوضح أن الرياضي قد يكون في أفضل حالاته البدنية، إلا أنه إذا لم يكن مستعدًا عقليًا لمواجهة التحديات والضغوطات النفسية فقد يعاني من مشاكل مثل القلق أو التوتر، خاصة في الأجواء الحماسية أو أمام الجمهور، وأكد أن التحضير النفسي لا يقل أهمية عن التحضير البدني، وأن على المؤسسات الرياضية والمجتمعية أن تكون أكثر وعيًا بأهمية الدعم النفسي لضمان تحقيق الأداء الأمثل للرياضيين.

وأشار الحراصي إلى أمثلة لأبرز الرياضيين مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، اللذين يحققان نجاحاتها ليس فقط بفضل قدرتها البدنية، ولكن بفضل توازنها بين الجوانب البدنية والعقلية، حيث يعتمدان على تقنيات مثل التنفس الصحيح والتأمل لتحسين أدائهم. كما استشهد الحراصي بتجربة السباح الأمريكي مايكل فيلبس، الذي تعرض لاضطرابات نفسية بعد خسارته في بطولة 2012، ومع ذلك، بعد برنامج تأهيلي مكثف لتقوية عقله، تمكن من العودة بقوة أكبر، مما يعكس أهمية الدعم النفسي في تمكين الرياضيين من التغلب على التحديات.

وشدد الحراصي على أهمية الاعتراف بمشاعر اللاعبين وتقديم الدعم النفسي لهم، سواء في الأوقات الصعبة أو عند تحقيق الإنجازات، وقال الحراصي: إن إظهار التفهم للضغوط النفسية التي يمر بها اللاعب لا يعزز فقط من أدائه، بل يسهم أيضًا في تعزيز صحته النفسية العامة.

كما تناول المدرب الرياضي في حديثه مفهوم "الرجولة" في الثقافة المجتمعية، مؤكدًا أن الرجولة لا تقتصر على القوة البدنية أو الصمود أمام التحديات، بل تشمل أيضًا القدرة على التعبير عن المشاعر والضعف عندما يستدعي الأمر، وأشار إلى تجربته الشخصية في التعامل مع الحزن بعد فقدان قريب له، حيث كان يشعر بالخجل من إظهار مشاعره خوفًا من أن يُنظر إليه بشكل سلبي كـ"رجل". ومع مرور الوقت، أدرك الحراصي أن التعبير عن الحزن ليس ضعفًا بل هو جزء من الإنسانية، وأضاف أن الشجاعة تكمن في الاعتراف بالمشاعر والعمل على معالجتها، مؤكدًا أن الرجولة الحقيقية تتمثل في قدرة الرجل على مواجهة التحديات النفسية بأسلوب ناضج وواعٍ.

وشدد الحراصي على أهمية تبنّي المجتمع والرياضيين الوعي النفسي كأساس لتحقيق التوازن في الحياة الشخصية والمهنية، مع تعزيز بيئة رياضية داعمة تتيح للرياضيين أن يعبروا عن أنفسهم بشكل صحي وواقعي.

كما أكد عبد العزيز بن ناصر الغيثي ناشط في مجال الصحة النفسية وعضو حملة "نحن معك للصحة النفسية" أهمية فهم الرجال لتحدياتهم النفسية في ظل الضغوط الاجتماعية، وكيفية تجاوز هذا التحدي من خلال طلب الدعم النفسي دون الشعور بالضعف أو النقص، وأوضح الغيثي أن هذا الشعور ينبع من المفاهيم التقليدية التي يتم ترسيخها منذ الطفولة، حيث يُربى الرجل على أن يكون قويًا، وأن يُظهر فقط القوة والصلابة دون إظهار أي مشاعر ضعف أو عجز.

وأشار الغيثي إلى أن المجتمع ما يزال يتعامل بحساسية كبيرة مع موضوع الصحة النفسية، حيث يفضل الكثير من الرجال التزام الصمت عند مواجهة ضغوط نفسية، وقد يعتقدون أن هذا الصمت يعكس قوتهم وقدرتهم على السيطرة، لكن في الواقع، فإن تراكم المشاعر المكبوتة على مدى طويل قد يؤدي إلى انفجار عاطفي في وقت ومكان غير مناسبين.

وأضاف الغيثي أن أحد الأسباب التي تدفع الرجل إلى الصمت هو عدم العثور على الشخص المناسب للاستماع إليه، أو شعوره بأن الآخرين سيحاولون توجيهه أو تقديم نصائح قد لا تكون مفيدة في اللحظة التي يحتاج فيها فقط إلى شخص يتيح له التعبير عن مشاعره، وأكد على أن إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد الرجل هي التوجه إلى شخص موثوق به، سواء كان شريك الحياة أو صديقاً مقرباً، للحصول على الدعم النفسي اللازم.

وأشار عبدالعزيز إلى أن العزلة لفترة معينة قد تكون مفيدة في بعض الحالات، ولكن بشرط أن تكون بهدف تجديد الطاقة والتفكير العميق في الأمور التي قد يكون الشخص غافلاً عنها. ورغم ذلك، شدد على أن العزلة المفرطة قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة والضياع، مما قد يفاقم المشكلة.

وفي سياق آخر، لفت الغيثي إلى أن بعض الشباب يلجؤون إلى حلول خاطئة للتعامل مع الضغط النفسي، مثل التدخين أو تعاطي المخدرات، مما يؤدي إلى تدمير أنفسهم بدلاً من مواجهة المشاكل بشكل مباشر، وأكد أن الهروب من المشكلة لا يعالجها، بل الحل يكمن في مواجهة التحديات بشجاعة للتغلب عليها والانطلاق نحو حياة أفضل.

كما أكد الغيثي على ضرورة توفير جلسات منتظمة للتنفيس عن المشاعر ومناقشة التحديات في بيئة آمنة خالية من الأحكام، وأضاف أن مثل هذه الجلسات تتيح للأفراد فرصة التحدث بحرية، مما يسهم بشكل كبير في تحسين الصحة النفسية وتعزيز الشعور بالدعم والتقدير.

من جانبها أوضحت سعاد بنت عبدالله الغيلانية أخصائية العلاج النفسي في عيادة "يونيا"، أن المجتمعات غالباً ما تحدد مفاهيم القوة والرجولة بطرق قد تؤثر سلباً على قدرة الرجال على التعامل مع تحدياتهم النفسية، وأكدت أن الصحة النفسية تشكل أساساً لحياة متوازنة ومستقرة وليست دليلاً على الضعف، بل هي جزء لا يتجزأ من صحة الإنسان بشكل عام، وأشارت إلى أهمية كسر حاجز الصمت لفهم أعمق لما يمر به الرجال من تحديات نفسية، مؤكدة أن القوة الحقيقية تكمن في مواجهة هذه التحديات والبحث عن الدعم عند الحاجة.

وأضافت الغيلانية أن توسيع الفهم المجتمعي للصحة النفسية أمر بالغ الأهمية، بما في ذلك إعادة تعريف القوة الحقيقية ودور الأسرة في دعم أفرادها، خاصةً الرجال عند مواجهتهم لأزمات نفسية، وأكدت أن تأثير الصحة النفسية يمتد إلى العلاقات الاجتماعية، وبالتالي يجب على المجتمع أن يكون أكثر وعيًا ودعماً للحوار حول هذه القضايا.

وأشارت الغيلانية إلى ضرورة كسر حاجز الصمت بشأن الصحة النفسية في المجتمعات التي ترى القوة والصلابة كسمات أساسية للرجولة، وأوضحت أن القوة الحقيقية تتمثل في القدرة على الاعتراف بالتحديات النفسية والبحث عن الدعم المناسب للتوصل إلى حلول عملية لمشاكل الصحة النفسية التي يواجهها الرجال.

وتحدثت الغيلانية عن وجهين لتأثير الصمت على الصحة النفسية، حيث يمكن أن يكون الصمت إيجابياً إذا استُخدم للتفكير والتأمل، ولكن إخفاء المشاعر والضغوط لفترات طويلة قد يؤدي إلى تأثيرات جسدية ونفسية سلبية، مثل الانفعالات العصبية المفرطة وتدهور الأداء الشخصي والمهني.

وأكدت الغيلانية على ضرورة كسر حاجز الصمت في المجتمع لتحسين الصحة النفسية، مشيرة إلى أن هذا يتطلب التعاون بين الأفراد والمؤسسات من أجل توفير بيئة داعمة تشجع على الحوار المفتوح حول قضايا الصحة النفسية.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل مباحثات السيسي وترامب.. تثبيت وقف إطلاق النار بغزة ودعم استقرار الشرق الأوسط
  • السيسي وترامب يتوافقان على أهمية استمرار التواصل والتنسيق والتعاون بين البلدين
  • من الأنس إلى التباهي: دعوة لكسر قيد المظاهر والبهرجة
  • مصر ودورها المحوري في دعم استقرار لبنان | خبير: تحركات سياسية واقتصادية لإنهاء الأزمات
  • ميل الأبناء العاطفي إلى أحد الوالدين..فطرة أم إختيار عند الجزائريين
  • «التواصل الاجتماعي مخاطر وضوابط وأحكام» ندوة لخريجي الأزهر بالغربية
  • العبادي يدعو إلى تعزيز استقرار العراق ودعم جهود التنمية
  • الصمت المفرط للرجال.. رهاب اجتماعي يعرقل المشاعر والاحتياجات
  • حزب صوت مصر: تصرفات الإعلام الإسرائيلي تجاه بلادنا وقيادتها غير أخلاقية وتفتقر للمهنية
  • العلاقات الزوجية تحت الضغط.. نصائح للنجاة والإصلاح