الثورة السودانية بين إنكار المثقفين وضحالة الخطاب
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
في عصر تزايد فيه الحراك السياسي والاجتماعي حول العالم، تمثل الثورة السودانية لحظة تاريخية حاسمة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من قيمتها. ومع ذلك، هناك من بين المثقفين السودانيين، وخاصة أولئك الذين ينشطون على منصات مثل "كلوب هاوس"، من يحاولون تقليل شأن هذه الثورة العظيمة والتشكيك في شرعيتها أو حتى في تعريفها كثورة.
المثقف الذي يُنكر الثورة وهو باحث عن مجد شخصي
أحد هؤلاء المثقفين، وهو شاعر مبدع بلا شك وله بصمات إبداعية واضحة في المجال الثقافي، أثار مؤخرًا جدلًا كبيرًا بتصريحاته على منصة "كلوب هاوس"، حيث قلل من قيمة الثورة السودانية. وصف هذا المثقف الثورة بأنها لا تحمل خطًا فكريًا واضحًا، وتساءل بشكل استفزازي عن الغايات الفكرية التي دفعت الناس إلى الخروج إلى الشوارع. هذا الطرح ينم عن جهل واضح بمفهوم الثورة الشعبية، التي لم تكن نتيجة تنظير فكري محدد بل كانت استجابة طبيعية وعفوية لمظالم اجتماعية وسياسية واقتصادية استمرت لعقود.
إنكار هذا المثقف لقيمة الثورة ليس تحليلًا فكريًا عميقًا، بل يبدو أنه ينبع من موقف شخصي بحت. هذا الإنكار يمكن تفسيره من زاوية واحدة، وهي أن هذا المثقف، الذي لم يحظَ بمكانة قيادية أو معنوية في صفوف الثوار، يشعر بالاستياء من التجاهل الذي تعرض له بسبب تاريخ طويل من الكتابات العنصرية أو المواقف المعادية للثورة. تاريخ هؤلاء المثقفين كان خصمًا عليهم، فهم لم يكونوا يومًا جزءًا من النضال الشعبي الذي خاضته القوى الشابة، مما جعلهم في موقف عدائي تجاه كل ما يمثل الثورة.
إن هذا المثقف وغيره من المنتقدين، يجدون في الثورة تهديدًا لمكانتهم الثقافية التقليدية التي تمسكوا بها لسنوات. هؤلاء، الذين لم يستطيعوا الاستفادة أو الارتقاء من خلال الثورة، يتحدثون عن "ضحالة" الفكر الثوري، في حين أن الحقيقة تكمن في ضحالة تحليلاتهم الشخصية التي تعكس رغبتهم في فرض مركزيتهم الثقافية التي كانت سائدة في الماضي.
الثورة السودانية تحليل راقٍ للحراك الشعبي
الثورة السودانية، منذ اندلاعها في ديسمبر 2018، ليست مجرد احتجاج شعبي ضد نظام استبدادي. إنها تمثل تحولًا تاريخيًا في الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشعب السوداني. هذه الثورة كانت امتدادًا لعقود من النضال ضد القمع والفساد، وهي ثورة حملت رايات الكرامة والعدالة والحرية في وجه نظام لم يعرف سوى القمع والقهر.
الثورة لم تكن بحاجة إلى "خط فكري" محدد لكي تكون شرعية أو ذات قيمة. فقد أظهرت الحشود التي تجمعت في الشوارع والميدان أن الشعب السوداني قد استوعب الدرس السياسي: لا مكان بعد الآن للظلم والاستبداد. الشباب الذين قادوا الثورة، بمن فيهم النساء والرجال على حد سواء، لم يحتاجوا إلى نظريات أكاديمية لكي ينهضوا ببلادهم. كانت لديهم الرؤية الواضحة، وإن كانت عفوية، بأن التغيير ضرورة، وأنه لا يمكن بناء مستقبل السودان بدون إسقاط النظام القمعي.
هذا الحراك السياسي الشبابي كان استثنائيًا من حيث تنظيمه وروحه الثورية، وقد أثبتت الثورة السودانية قدرتها على الصمود والتماسك رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها. كما أن الثورة لم تقتصر على الشوارع، بل انتقلت إلى الفضاء السياسي والفكري، حيث ظهرت أصوات جديدة تطالب بإعادة صياغة مفاهيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في السودان.
لعل السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه على أولئك الذين يشككون في الثورة هو: هل تفهمون حقًا طبيعة الثورة السودانية؟ هل تدركون أن هذه الثورة كانت امتدادًا لحركة نضال طويلة ضد الاستبداد والفساد؟ ما الذي تطلبه المثقفون الذين يتحدثون عن "غياب الخط الفكري" من الثورة أكثر من تحرر الشعب السوداني نفسه من قبضة نظام عسكري قمعي؟
خطاب السفهاء وتصفيقهم للضحالة
للأسف، في كل حركة تغيير كبيرة، تظهر فئة من المثقفين الذين يحاولون إخفاء فشلهم الشخصي عبر مهاجمة الحراك الشعبي وتشويهه. أولئك الذين لم يجنوا شيئًا من الثورة، لا منصبًا ولا مجدًا شخصيًا، يتبنون موقفًا عدائيًا ضدها ويصفق لهم جوقة من "السفهاء" الذين يجدون في مثل هذا الخطاب طريقًا للهروب من مواجهة الواقع الحقيقي.
إنه لمن المحزن أن نرى مثل هذه الشخصيات المثقفة، التي كان من الممكن أن يكون لها دور كبير في دعم الثورة وتحليلها بعمق، تسقط في فخ تصفية الحسابات الشخصية والتهجم السطحي على حراك شعبي. على هذا المثقف، الذي يحاول تقليل قيمة الثورة، أن يدرك أن مكانه الحقيقي ليس في مهاجمة إرادة الشعب، بل في الاستفادة من إبداعه وشاعريته للارتقاء بالمشهد الثقافي السوداني، وليس توجيه السهام نحو الثورة.
الثورة السودانية ليست بحاجة إلى موافقة هؤلاء المثقفين لتكون ذات قيمة. لقد أثبتت نفسها من خلال تأثيرها العميق على المجتمع والسياسة في السودان. على من يشكك فيها أن يراجع نفسه وأن يميز بين الموقف الفكري الحقيقي وبين حساباته الشخصية.
دعوة إلى التفكير الحقيقي
الثورة السودانية كانت ولا تزال من أهم الأحداث السياسية في تاريخ السودان الحديث. هذا المثقف، رغم موهبته الشعرية، يفتقر إلى الفهم الحقيقي لجوهر الثورة وأهميتها. إننا بحاجة إلى العقول التي تفكر بعمق وتحلل الواقع دون أن تكون أسيرة للمواقف الشخصية أو مصالحها الضيقة. يجب أن نرفض التصفيق الأعمى للخطاب السطحي، وأن نطالب بالنقاش الحقيقي والفكر العميق.
الثورة السودانية ليست مجرد حدث عابر، بل هي نقطة تحول في مسار السودان السياسي والاجتماعي، وهي تعبر عن إرادة شعب بأكمله يسعى نحو الحرية والعدالة. على المثقفين أن يرتقوا بفكرهم وتحليلاتهم إلى مستوى هذا الحراك العظيم، لا أن يختبئوا خلف مواقفهم الشخصية المتضاربة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الثورة السودانیة هذا المثقف
إقرأ أيضاً:
بالأرقام.. أعداد الأسر والأفراد الذين يعيشون بحالة فقر في إسرائيل
كشفت منظمة “لاتيت” الإسرائيلية، في تقريرها السنوي، أعداد الأسر والأفراد الذين يعيشون في حالة فقر.
وبحسب التقرير، “تعيش في إسرائيل 678,200 أسرة (22.3 بالمئة)، و2,756,000 فرد (28.7 بالمئة) في حالة فقر، بينهم 1,240,000 طفل (39.6 بالمئة)”.
وأشار التقرير، “إلى الحد الأدنى لتكلفة المعيشة الذي يمثل “خط الفقر البديل”، ويعكس النفقات اللازمة للمعيشة الأساسية، فضلاً عن تكلفة المعيشة المعيارية، لافتا إلى أن “الحد الأدنى لتكلفة المعيشة في إسرائيل في عام 2024 هو 5355 شيكل للشخص الواحد، وحوالي 13,617 شيكل لأسرة مكونة من شخصين بالغين وطفل، وهي زيادة بنسبة 5.5 بالمئة و6.9 بالمئة على التوالي مقارنة بالعام الماضي”.
وفي مجال التعليم، أشار التقرير، “إلى أضرار جسيمة تلحق بالأطفال الذين ينحدرون من أسر مدعومة بالمساعدات، حيث “تضرر التحصيل الدراسي لـ 44.6 بالمئة من الأطفال المدعومين إلى حد كبير أو كبير جداً، مقابل 1.14 بالمئة بين عامة السكان، بالإضافة إلى ذلك، أفاد حوالي خمس المدعومين أن واحدًا على الأقل من أطفالهم ترك المدرسة (22.8 بالمئة)، أو اضطر إلى الانتقال إلى مدرسة داخلية بسبب الصعوبات الاقتصادية (18.9 بالمئة)”.
يذكر أنه “ووفقاً لتعريف التأمين الوطني، فإن الأسرة تعتبر فقيرة أو تحت خط الفقر، عندما يكون دخل الفرد فيها أقل من 50 بالمئة من متوسط الدخل في السوق”، ويعرّف المؤشر البديل الفقر بأنه “حالة من النقص الكبير فيما يتعلق بالاحتياجات والظروف المعيشية الضرورية للوجود الأساسي”.