خالد محمد فرح

نظم شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم الذي أحزننا رحيله الفاجع مؤخراً، نظم منذ نحو عشرة أعوام أو أكثر، قصيدة عمودية خليلية، كانت نادرة وفريدة في شعره الذي تغلب عليه الحداثة بصفة عامة، كما هو معروف عنه، كواحد من أساطين شعر الحداثة في السودان. وقد قدم محمد المكي لتلك القصيدة بتوطئة تمثلت في هذه الكلمات: إزاء الخطب الجلل والكارثة الكبرى لتجزئة السودان وبلقنته، وجد الشاعر نفسه عائدا الى تقاليد القصيدة الجاهلية بأوابدها اللغوية ووقوفها الباكي على اطلال الاحباب الراحلين، وفي تقمصه للشاعر الجاهلي اصطنع الشاعر السوداني لغة جزلة قريبة من لغة ذلك العصر.

وهي لغة قد تبدو لنا صعبة وحوشية وقافيتها عسيرة ولا تساعد على التدفق والاطالة ولكن وجدان القارئ السوداني المسكون بأحزان تلك المأساة سيفهم عن الشاعر وينفعل بكلماته و حزنه العميق على وطن يتفتت ويتحول الى أشلاء ونثارات. ومأمول ان يتحقق ذلك عن طريق وحدة شعورية بين الشاعر وقرائه تجعل الانفعال ممكنا عبر كل الحواجز.

مهما يكن من أمر، فلقد أعجبتني قصيدة محمد المكي إبراهيم هذه، فانفعلت بها، وجاريتها بقصيدة من ذات البحر والقافية، سيجدها القارئ الكريم بعد قصيدة محمد المكي، وليعذرني القارئ إذا قصر الصدى عن أن يكون مثل الصوت.

 

على طلل السودان
شعر: محمد المكي إبراهيم

خليليَّ هذا َربْعُ عزِّةَ هــــــــــــذه رســـــومُ مغانيها وهذي ُطلولها
هنا كانتِ الأنسامُ تسري رخِيّةً تقرِّبُ أغصـــــانَ المُني إذْ تميلها

وكانت عشيَّاتُ الحِمى ذاتُ بهجةٍ يُدِلُّ بكاساتِ الســـــرورِ مُديلها
لقد نفذَ المقدورُ فيها فصوَّحــــــتْ بســـــاتينُها وانفضَّ عنها قبِيلُـها
فيا لكَ فيها من قبابٍ كواســــفٍ جرى بينها كالجدولِ الضحلٍ نيلُها
ويا لكَ فيها من حبيبٍ دفنتُه برابيةٍ لا ُيســــتطَاعُ وصولُها
فأصبحَ رســماً دارساً وأضـْـــــــعتُهُ بيهماءَ قَفْرٍ لا يبينُ ســـبيلُها
خليلي هذا ربعُ عَزَّةَ أنزِلا نُخفِفُّ عن هذي القلوبِ حمولها

دعاني أُسرِّي الهمَّ عني بعبرةٍ تبرِّدُ أضلاعي وتشفي غليلـها
بلطمٍ ولثمٍ للترابِ وحثْوِهِ على الرأسِ والاعضــــاءِ فُلُّتْ فلولها
فكيف اصطباري إذ أراها صريعةً ولا قولَ لي في أرْشِها وُذحولها
وكيف هلاكي دونَها حيثُ لم يكـن قتالٌ ولم ينهضْ لحربٍ فحـــولها

لقد أسلموها هاربين وهرولوا وما همَّهم من عُلْوِها أو سُفولها

سلامٌ عليها شدَّما كنتُ أرتجي لأدوائـــــها طِباً رؤوماً يزيلها
فتصبحُ روضاً للإخاءِ وبيعةَ يطيبُ لأيفاعِ اليمـــــامِ نزولها
لحى اللهُ قوماً مزقوها وأبعـــــــــــــدوا شقيقين كانا خُلُّةً وخليلها
على طللِ السودانِ حِلًّ لك البكا وحِلّ لأنهارِ الدموعِ مسيلها

وما الدمعُ والحزنُ العقيمُ بنافعٍ إذا لم تُعبّى للطّراد خيولها
--------------------

على ربى السودان / قصيدة

تسلية للشاعر محمد المكي إبراهيم
تأليف: د. خالد محمد فرح

لعزةَ آثارٌ تلوحُ طلولًها يقربها فوقَ المطايا ذميلُها
بكى الشاعر المكيُّ ولهانَ مشفقاً على عزّ لما أن تراءى رحيلُها
بكى يا لعمري وحُق له البكا مخافةَ أن تفنى ويغتالَ غولُها
رثاها بلاداً ما تزالُ عزيزةً برغم الأعادي قد تنادت فلولُها
وما عزُّ إلا أرضنا وبلادنا بلادٌ حداها للمعالي فحولُها
وعزُّ عروسٌ من حمى النيل زفَّها لأسمى المراقي زينُها وعديلُها
بلادٌ لأصلِ الخير والفضل معدنٌ إلى آخر الأزمان جُرّتْ ذيولُها
وما زالت الفرسان فيها قد اعتلت من الخيل جُرداً قد تعالى صهيلُها
إذا شبّت الهيجاءُ ثار غضنفرٌ وأرعدَ جاموسٌ وأرقلَ فيلُها
وصالَ فتاها في إباءٍ ونخوةٍ وأطربَ شاديها وغنّى خليلُها
وغرد عصفورٌ على فرع بانةٍ فأطربها شجواً فهو زهواً يُميلُها
وهبّ دعاشٌ ينعش الروحَ عرْفُه وجاشتْ سواقيها وأغدق نيلُها
ودوى هزيمُ الرعد في الليل موهناً بسارية سحٍّ تطمُّ سيولُها
بغيثٍ عميمٍ يملأُ الأرضَ وبْلُهُ يهشِّ إليهِ طلحُها وهبيلُها
فأينع نخلٌ في الجروف وحنطةٌ وأزهرَ ليمونٌ ونوّر فولُها
وحنّتْ نياقٌ فاستجاشت لواعجٌ وهيّج شوقاً للحمام هديلُها
فما هي إلا غمرةٌ وستنجلي وينجابُ عنها كلُّ سوءٍ يهولُها
وتعلو بها للعز والمجد رايةٌ فيُكبتُ شانيها ويُكوى عذولُها
وإنّ الذي يسعى ليقهرَ أمتي كساعٍ إلى الشمّ الرواسي يُزيلُها
فما ظنت الأغيارُ في شأنٍ أمةٍ لها اللهُ مولاها ، وطهَ رسولُها

 

khaldoon90@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمد المکی إبراهیم

إقرأ أيضاً:

مؤتمر أدبي لتكريم الشاعر أشرف أبوجليل بالفيوم

يقيم المركز الثقافي والإعلامي بنادي قارون بمحافظة الفيوم، مؤتمرا أدبيا موسعا يوم السبت ٢٨ ديسمبر الجاري احتفاء برمز ثقافي من أبناء المحافظة الشاعر والكاتب المسرحي أشرف أبوجليل بعنوان "أربعون عاما من العطاء الثقافي".


يتضمن المؤتمر أربع ندوات نقدية وجلسة للشهادات وأمسية شعرية وأوبريت من تأليف الشاعر أشرف أبوجليل وتكريم عشرة من مثقفي الفيوم الراحلين.
 

يفتتح المؤتمر بكلمة الإعلامية إيناس عبد العزيز رئيس المركز الثقافي والإعلامي وعضو مجلس إدارة نادي قارون في العاشرة صباحا يليها أوبريت "سجل حلمك لبكرة " تقدمه مدارس 30 يونيه بالفيوم من تأليف أشرف أبوجليل
يشارك في المؤتمر نخبة من الباحثين والمثقفين والشعراء حيث يشارك في الجلستين النقديتن الصباحيتين عن سمات المسرح الشعري والتسجيلي لدي أشرف أبوجليل كل من الفنانين عزت زين ومحمود عبد المعطي وعلاء عبد القوي والنقاد الدكتور محيي عبد الحي وأحمد عبد القوي وعصام الزهيري ورانيا زينهم وعادل الجمال ويدير الجلستين حسن جبر وعلاء عبد القوي، وتقام جلستان مسائيتان عن الرواية والشعر وأدب الطفل لدي أبوجليل يشارك فيها من النقاد: الدكاترة عبد الناصر هلال وأحمد تمام ورضا بكري وغادة دكروري،والأدباء: ألفت عبد الكريم وعيد كامل ومجدي مرعي ومحمد جمال وهدى توفيق ويدير الجلستين الأديبان د.محمد ربيع هاشم ومحمد البجيجي، وحول أدوار الشاعر أشرف أبوجليل المتعددة في الحركة الثقافية بالفيوم ورئاسته لجماعة الشعر دار العلوم وإشرافه على مهرجان سعد الدين وهبة المسرحي بالمعادي ودوره في المسرح المدرسي وتطويره للنشاط الثقافي بهيئة قصور الثقافة تدور 

شهادات النقاد والأدباء: أحمد عبد الرازق أبو العلا والدكتور عايدي على جمعة والدكتور رضا بكري وعويس معوض وطارق عمران ومعتز الجنيدي ونائبا البرلمان الدكتور محمد طه عليوة وكمال أبوجليل اللذان سيقدمان في نهاية جلسة الشهادات دروع التكريم لعشرة من مثقفي الفيوم الراحلين بحضور أسرهم وهم: المفكرين د. لطفي سليمان ومحمود مرسي والشاعرين محمد عبد المعطي وصلاح على جاد والروائيين حمدي أبوجليل وسيد معوض وفناني المسرح صلاح حامد وأحمد الأبلج والتشكيليين شمس الدين حسين ومحمد الطلاوي ويدير جلسة الشهادات الدكتور نصر الدين الزغبي  .


ويختتم المؤتمر بأمسية شعرية يتخللها غناء فنان الفيوم عهدي شاكر ويشارك فيها الشعراء: أحمد الفزاري وأحمد الفيصل وأسامة سند وجاسر جمال الدين والدكتورة سارة حسان والدكتور عايدي على جمعة والدكتور عبد الناصر هلال وسيدة فاروق وشحاتة إبراهيم وصبري رضوان وطارق عمران وطارق محمود وعبدالله الخطيب وعلاء ابوجليل وعلاء الرمحي وكريم سليم ومحمد حسني إبراهيم ومحمد قاياتي ومحمود بلال  ومروة عادل. ومصطفى عبد الباقي.

 

فريق اليد في نادي قارون بالفيوم يواصل انتصاراته وتصدره لمجموعة الصعيد

مقالات مشابهة

  • السودان .. قرار بـ”إعفاء” والي ولاية وتعيين خلفا له
  • مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة
  • شاطي بحر..أحدث ألبومات ماجد المهندس
  • مؤتمر أدبي لتكريم الشاعر أشرف أبوجليل بالفيوم
  • قصر ثقافة سوهاج يكرم الأديبة هويدا عطا
  • الذكرى السابعة والعشرون لرحيل الجاوي.. سيرة التكوين ومنجز الشاعر 
  • مناوي يزور قبر الفيتوري في لفتة إنسانية عميقة تعظيما للأدب والأدباء والمثقفين – صورة
  • «الثقافة» تنظم مؤتمرا عن المشهد الثقافي في الإسماعيلية بعد غد
  • تفاصيل قرار تجديد الأهلي لعقود رامي ربيعة وياسر إبراهيم
  • محلل أداء الأهلي يوصي باستبعاد ياسر إبراهيم ومشاركة اشرف داري أمام بلوزداد