تجدّيد الخِطاب السياسِي السُودْاني

نضال عبد الوهاب

لا يُخالجني أدنى شك أننا وعلى جميّع مستوى الأصعدة سياسياً، وفي كافة مكونات الفِعل والقُوى السياسِية السُودانية نُعاني أزمة في الخطاب السياسِي بشكل عام وكثيف.

خطاب ذو مضمون ونوع لا يتماشى والواقع الذي تعيشه البلاد، ولا يعمل لمُستقبل أفضل لها، فهو إما قديم وغير مواكب، أو متشنج ومتطرف، أو مُنكفئ ومعزول، أو إثني وقِبلي ومناطقي وجهوي وعُنصري، وبالمُجمل فهو (خِطاب بائس) كما أسميته ولا يصلح لمواجهة التحدّيات التي تواجهها بلادنا، ولا يرتقي لمستوى الأزمة التي نعيشها وبلادنا وشعبنا.

ففي الوقت الذي تتم فيه إبادة مُنظمة للشعب السُوداني ويموت الناس كما الضان والنمل وتحترق جُثثهم بلفيح الدانات ومقذوفاتها وضربات الطيران والبراميل المُتفجرة، وتتقطّع الأشلاء، وفي ذات التوقيت يُهجّر السُودانيون وينزحون ويُطاردون ويموتون بالجوع والأمراض والأوبئة والحسرة، نجد أن هنالك من يتحدثون عن الشوارع التي لا تخون والإضراب السياسِي بإعتبارهما فعل “ثوري” مؤدي لوقف الحرب؟؟، ويتناسون أن التنادي لوقف الحرب والاصطفاف لكل المؤمنين بذلك هو الشرط الأساسي لبقاء الدولة نفسها وبه تتحقق مصالحهم الكُبرى وهذه هي بوابة الفعل الثوري الحقيقي وأي تغيير قادم وبدونها لن يتحقق أي شئ، بل يمكن أن تُفقد البلاد نفسها ويموت الشعب ويُباد إن استمرت الحرب وطال أمدها واتسعت رُقعتها وانتشرت، وتجد كذلك خطاب سياسِي يقفز في المراحل ويحدثك عن الشروط التي تتحقق بها حقوق المُواطنة والمساواة كعلمانية الدولة والدستور ومبادئه والحكم الفدرالي ووو، وفي ذات الرقعة التي ينطلق منها مثل هذا الخطاب يموت الناس بالجوع وسوء التغذية ويبحثون عن السُبل التي تغيثهم وتنقذهم من الموت والفناء، خطاب ليس توقيته ولا أولويته إذا ما قارنته بالأولوية للجانب الإنساني ولبقاء الإنسان نفسه على قيّد الحياة ثم لوقف الحرب وإطلاق النار حتى وإن كان لتمرير تلك المُساعدات الإنسانية ولإنقاذ حياة الناس؟؟، ثم تجد خطاب آخر يُحدثك عن تقسيّم الأرض ورسم الحدود والناس في حالة حرب وصراع لأجل البقاء أحياء، في وطن يتمزق وتفتح بذلك أبواباً جديدة للصرّاع على أُسس قبلية وإثنية، وتتحدث عن شعوب أصلية وأُخرى لا حقوق لها في أرض يتم مُشاركتها مُنذ سنوات طويلة بحكم التنوع والهجرات المُستمرة والنزوح، وأغلب هذا النزوح لسبب الحرب نفسها أو للبحث عن الملجأ، وأغلب الصراع على الموارد فيها، وبدلاً من إطفاء الحرب والصراع نفتح أبواباً جديدة إليها، في غياب للدولة المركزية صاحبة الحقوق في حماية كُل الأرض والمُحافظة عليها، خطاب يقفز من واقع الحرب وموت الناس جوعاً ليحدثك عن تقرير المصير بين القبائل وحدود أراضيها؟؟، وخطاب سياسِي آخر ينقلك مُباشرة للحديث عن السُلطة وأطراف عملية سياسِية ومن يأتي ومن لا يأتي، ومن يُشارك ومن لا يُشارك، وإذا سألت أصحاب هذا النوع من الخطاب لماذا سيجتمع الناس، وليقرروا ماذا؟؟ لن يعطوك أي إجابة عندها علاقة بمصلحة السُودانيون الآنية ولا حتى قبولهم بمن يمثلونهم في التقرير نيابةً عنهم من مجموعات بعضها بل أكثرها لا يُمثل إلا نفسه، ثم يأتي ليقول بمُشاركة هذا ومنع ذاك؟؟؟، ولكنه خطاب يُكرس فقط للطريق للسُلطة فلا تهم النتائج التي لها علاقة بمصالح السُودانيين الحقيقية في وطنهم، خطاب يجعل من أعداء البلاد والطامعين فيه هم أنفسهم أصحاب الحلول لبلادنا والمُتحكمين في مصيرها بما يدفعونه من أموال وتمويل لجميّع أنشطة هؤلاء، بل ويرسمون لهم الطريق الذي يسيرون عليه وعلى رأسه تصميم عمليتهم السياسِية هذه؟؟، ولا ننسى الخطاب السياسِي المُتطرف الإقصائي، والذي تتعدد مجموعات من يقولون به، فبعضهم يعمل لاستمرار الحرب نفسها، وإعادة إنتاج العسكر والإسلاميين وتحكمهم أو من يختارونه فقط لكي يكون معهم، ولا يهم متى تقف الحرب وإن استمرت مائة عام ومات الـ48 مليون سُوداني؟؟؟، أو يظهر مثل هذا الخطاب في إتجاه يقود البلاد للتقسيم والتفتت حقيقةً وإيماناً بذلك لأجل الانفراد التام بالسُلطة أيضاً والثروات ولإعادة تكريس الاستبداد، وهو خطاب سياسِي يستخدم كُل أدوات العنف وأساليبها المُتخيّلة والمُستحيلة، وهو ذات خطاب الحرب والتدميّر والوحشية، خطاب سياسِي موجود وبكثرة للأسف ويتم التسويق له في الأجهزة الإعلامية الرسمية للدولة وفي كل المنصات ووسائطها، ويُنشر فيها صباحاً ومساء؟؟، وخطاب سياسِي عنصري وإثني وجهوي ومنكفئ، لا يؤمن إلا بسيادة النوع والقبيلة والإثنية، وهذا خطاب لا يأبه إن استمرّ الصراع أو الحرب، ولكنه في ذات الوقت إتجاهه للحلول لا يؤمن إلا بعدم القبول والتعايش مع الآخر المُختلف وفي ذات السُودان المُتعدد، ويستخدم حتى هذه الحرب لتكوين دولتهم الخاصة، إما تقسيّما أو فرضاً للعقلية الإثنية التي تكره الآخر ولا تقبل به معها، وهذا الخطاب للأسف أيضاً مُنتشر وموجود بكثرة في الساحة السياسِية والإجتماعية وداخل مكوناتها، ويتكامل ويلتقي معه خطاب الكراهية ويزداد مع ازدياد الحرب الحالية أو تمددها؟؟، ثم وأخيراً مثال لخطاب سياسِي ملئ بالتشكيك المُستمر، والذي ينتهي بالتخوين والتجريم ولا يخدم إلا أعداء وحدة القوى السياسِية وتلاقيها، وبالتالي لا يخدم إلا أعداء البلاد والعاملين لشرذمتنا وتقسيّمنا ونهب ثرواتنا ووضعنا في سكة التخلف والصراعات والحروب.

كُل هذه الأمثلة من الخطاب السياسِي السُوداني الحالي والتي عددتها وذكرتها هي مجموع لطبيعة الخطاب السياسِي الذي يتم تقديمه ويحاول به البعض إنتاج الحلول لأزمات بلادنا، ويُستخدم كوسيلة لوقف الحرب وتخرج منه الرؤى السياسِية المُختلفة التي تمتلئ بها الساحة، في بلاد على حافة الضيّاع والانهيار وتُمزقها الحروب ويُباد شعبه ويُهجّر وينزح بالملايين…

نحتاج إلى تجديد حقيقي للخطاب السياسِي السُوداني في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية، تجديد يتماشى ويُراعي الواقع الحالي للبلد وشعبه وينظر له ويقدمه لإنتاج حلول عملية وواقعية وسليمة ومُناسبة، خطاب يبتدئ بالتركيز على الأولويات ويجمع الناس حولها، ويذهب للمصالح الكبرى لكل أو أغلبية السُودانيين، خطاب لا يقفز على المراحل ولا يستبق المسارات، خطاب سُوداني بإمتياز، وغير مُستورد ولا أجنبي، يركز على الحل الوطني الشامل، وفي ذات الوقت يتعامل مع الخارج ولا يرفضه ولكن بحسب مصالحنا واستقلالية قرارانا السياسِي الجماعي، خطاب ضد الإقصاء والاستبداد والانكفاء، خطاب لا يُكرس لجهوية أو طائفية أو إثنية ولا يستخدم الشعب لمصالحه، خطاب جوهره ليس فقط إيقاف الحرب الحالية، ولكنه يمهد بعد تحقق أولوياته إلى الذهاب لحالة الاستقرار وطي صفحات الماضي وبالتالي الحلول المُستدامة، ولكنه مع هذا يبدأ بتحقيق الأولولويات والتركيز عليها وتجميّع الكُل حولها لإنتشال البلاد وشعبها من مصير التلاشي والإبادة والفناء والتقسيّم، خطاب ينظر للمُستقبل لا بعين الماضي والمكوث فيه طويلاً أو الإنغماس الدائم فيه، ولكنه يتجاوزه لأجل الأجيال القادمة، خطاب يبتعد تماماً عن لغة التشكيك والتخوين والتجريم المُستمرة وعن أي أسلوب كراهية أو مؤدي إليه، خطاب سياسِي سُوداني مُتمرحل ما بين إيقاف الحرب وحتى سُودان مُستقر وزاهر لجميّع السُودانيين بكافة تنوعهم وتعدد أعراقهم وثقافاتهم، يتم التخلص الحقيقي فيه من كافة ما تم من أخطاء، بعد الاعترافات الشجاعة بها والاعتذار ثم التصالح المقترن بتحقيق شرط العدالة من غير تجاوزها أو القفز أيضاً عليها.

نحتاج إذاً لتجديد الخطاب السياسِي الحالي لوقف الحرب، ثم لاستدامة السلام، ولتحقيق واقع ومُستقبل أفضل للسُودان وكُل السُودانيين ليعيشوا معاً في وطن مُوحد مُستقر مُزدهر ومُعافى يسع الجميّع.

الوسومالإبادة الحرب الخطاب السياسي السودان خطاب الكراهية نضال عبد الوهاب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإبادة الحرب الخطاب السياسي السودان خطاب الكراهية نضال عبد الوهاب السیاس ی الس الس ودانیین لوقف الحرب الس ودانی وفی ذات س ودانی خطاب س فی ذات خطاب ی

إقرأ أيضاً:

خطاب السيد القائد .. رسائل عابرة للحدود

فهي ليست مجرد كلمات تُلقى على مسامع جمهور، بل هي دعوة صادقة إلى الوعي والمقاومة، تحمل في طياتها معاني عميقة تلامس وجدان الأمة. في هذه الكلمة، استعاد السيد عبد الملك الحوثي اللحظة التاريخية للسابع من أكتوبر، موضحا أهميتها كرمز لإعادة إحياء القضية الفلسطينية في ضمير الأمة.

لقد استحضر من خلالها مشاعر الفخر والعزة، مُذكرا بأن هذا اليوم يمثل نقطة تحول أساسية في مسار المقاومة ضد الاحتلال السابع من أكتوبر كان محورا رئيسيا في خطاب السيد عبد الملك الحوثي، حيث اعتبره لحظة تحول تاريخية في الصراع مع الكيان الصهيوني. هذه العملية، التي حملت اسم "طوفان الأقصى"، لم تكن مجرد حدث عسكري، بل هي إعادة صياغة لمسار القضية الفلسطينية وإعادتها إلى صدارة الاهتمام العربي والإسلامي والعالمي مؤكدا أن هذا اليوم يمثل نقلة نوعية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال، وعلى تحدي هيمنته العسكرية، ما كشف نقاط ضعفه أمام العالم.

السيد عبد الملك الحوثي وصف السابع من أكتوبر بأنه يوم مفصلي في مسار القضية الفلسطينية، ليس فقط من حيث النتائج الميدانية، بل من حيث المعاني الرمزية التي يحملها. فالعملية مثلت رسالة واضحة أن المقاومة ما زالت قادرة على فرض واقع جديد، وأنها تمتلك القدرة على المبادرة والتصعيد في وجه الاحتلال مؤكدا ان هذا اليوم أسقط كل الرهانات على التطبيع أو التواطؤ مع إسرائيل،

وأكد أن المقاومة هي الخيار الوحيد لاستعادة الحقوق وتحقيق النصر. بل كان هذا اليوم بمثابة رسالة تحذير للعدو، بأنه مهما بلغت قوته العسكرية، فإن إرادة الشعوب المقاومة لا يمكن أن تُقهر.

كما أن عملية "طوفان الأقصى" لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل كانت بمثابة استنهاض للهمم وإعادة للتوجيه نحو الجهاد. من خلال هذه العملية، يرى السيد الحوثي أن الأمة قد عادت إلى دائرة الاشتباك والمواجهة مع العدو، مما يدل على تغييرات في الوعي الجماعي للمسلمين.

مثل خطاب السيد الحوثي تجسيدا للمعاناة المشتركة، حيث ركز على الأبعاد الروحية والسياسية للصراع، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد مسألة جغرافية أو سياسية، بل هي قضيّة وجود تتطلب من الجميع التكاتف والتضحية مشيرا كيف أن السابع من أكتوبر يعكس إرادة الشعوب في استعادة حقوقها المسلوبة، وهو بمثابة دعوة صريحة للتمسك بالمبادئ الإسلامية السامية.

تجلى في كلمات السيد عبد الملك الحوثي العمق التاريخي للفكر الإسلامي، حيث ربط بين الماضي والحاضر، مؤكدا أن الأمة قادرة على تجاوز الأزمات إذا ما تحركت بالإرادة والعزيمة وفقا لتوجيهات الإلهية كما لم يغفل السيد الحوثي الأبعاد النفسية والاجتماعية للواقع العربي والإسلامي، إذ دعى إلى ضرورة العلاج الروحي والمعنوي لمشاعر الإحباط والضعف التي تُعاني منها الشعوب.

لقد كانت كلماته مُعززة للإرادة، مُشجعة على الوحدة والتضامن، وفيها دعوة إلى النهوض لمواجهة التحديات بقلوب مؤمنة ونفوس طامحة إلى الحرية.

إن ما قاله السيد عبد الملك الحوثي اليوم هو أكثر من مجرد خطاب؛ إنه رؤية شاملة تتطلب من كل فرد في الأمة العمل بها ونشرها.

فالكلمات التي ألقاها ليست مجرد تعبير عن واقع مرير، بل هي دعوة للايمان بالله والتوكل عليه والثقة به وبنصره .

هذه الكلمة التاريخية للسيد عبد الملك الحوثي في ذكرى السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى" حملت معها العديد من الرسائل المعقدة والمترابطة التي تستهدف مختلف الفئات في الأمة الإسلامية، وتتناول الواقع السياسي والعملي للمقاومة الفلسطينية.

وذلك بطرح القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام، مؤكدا على ضرورة استعادة الوعي الجمعي للأمة تجاه هذه القضية المركزية وأهمية فلسطين كجزء لا يتجزأ من الهوية الإسلامية، مما يستدعي تحركا جماعيا نحو تحريرها.

تمثل فكرة زوال الكيان الصهيوني أحد النقاط الجوهرية في الكلمة، حيث يعبر السيد الحوثي عن إيمانه الراسخ بأن الاحتلال لن يدوم مستندا بذلك على القران الكريم هذا الإيمان يمثل عنصرا نفسيا مهما يعزز من روح المقاومة ويحفز الشعوب على الاستمرار في مسار المقاومة تظهر جبهات الإسناد، كما يصفها الحوثي، نموذجا للتضامن المستمر بين الفصائل المقاومة، مما يعكس فهما عميقا لمتطلبات المرحلة الحالية من الصراع.

وان من بركات طوفان الاقصى وجود هذه الجبهات الثابتة عندما يشير الحوثي إلى أن جبهات الإسناد في اليمن والعراق ولبنان قد تشكلت كحدث لم يكن موجودًا منذ 75 عاما، فإن ذلك يتضمن دلالات استراتيجية عميقة.

فهو يُشير إلى أن هذه الجبهات تأتي في وقت يزداد فيه التحدي من قبل الأعداء، مما يتطلب تنسيقا متزايدا بين مختلف الفصائل والمقاومات فالتعاون بين جبهات الإسناد يمثل قوة دافعة لتعزيز الجهود العسكرية والسياسية، وهو ما يعكس قدرة هذه الفصائل على التكيف مع الظروف المتغيرة في المنطقة.

تتسم تصريحات السيد عبد الملك الحوثي بوضوح الرؤية وعمق التحليل، حيث يعرض رؤية شاملة لطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وتأثيره على المنطقة.

تتضح في كلماته ملامح خطاب يتسم بالعزيمة والثقة، إذ يبرز تأكيده على حتمية زوال الكيان الإسرائيلي، مما يعكس إيمانا راسخا بقدرة المقاومة على الانتصار رغم كل التحديات.

يُبرز السيد الحوثي العديد من النقاط المهمة حول كيفية سعي الأعداء لإعادة تشكيل البيئة السياسية الإقليمية والدولية بما يخدم أهداف "إسرائيل" ويعزز من نفوذها. أولا، يتحدث السيد الحوثي عن جهود الأعداء لإعادة هيكلة التحالفات الدولية لتعزيز علاقات "إسرائيل" مع القوى العالمية الكبرى.

هذا التحليل يعكس مدى وعي السيد الحوثي وتنبيهه بتغيرات المشهد الجيوسياسي وكيف أن "إسرائيل" تسعى إلى استخدام علاقاتها الدولية لتعزيز وجودها واستراتيجيتها في المنطقة.

هذه الرؤية تشير إلى أهمية الفهم الشامل لعلاقة "إسرائيل" مع القوى الكبرى وتأثيرها على الصراعات الإقليمية، مما يعكس أبعادًا أعمق للصراع تتجاوز الحدود الإقليمية.

ثانيا، يشير الحوثي إلى محاولة الأعداء لإعادة تعريف قواعد الاشتباك بما يسمح للعدو الإسرائيلي بتوجيه ضربات مؤلمة إلى الدول العربية والإسلامية دون الحاجة إلى شن حرب كاملة. هذا المفهوم يدعو من خلاله السيد الحوثي الى التفكير ومعرفة كيفية استخدام الأساليب غير التقليدية للحرب، حيث يرى أن "إسرائيل" تسعى إلى فرض هيمنتها من خلال عمليات دقيقة ومباشرة تترك آثارا مدمرة، مما يجعل من الضروري تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التهديدات.

كما يسلط السيد الحوثي الضوء على السيطرة التي تسعى "إسرائيل" للقيام بها على بعض الأنظمة العربية، وتجند جيوشها لصالحها هذه النقطة تُظهر أن بعض الأنظمة العربية قد فقدت استقلاليتها، وأصبحت أدوات في يد القوى الغربية و"إسرائيل".

بالإضافة إلى ذلك، يربط السيد الحوثي بين هذه السياسات والتغيرات في موازين القوى في المنطقة، حيث يعتبر أن القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية في غزة ومشروع الدولة الفلسطينية هو جزء من خطة الأعداء لتعزيز سيطرتهم هذا التحليل يتناول أهمية دعم المقاومة كجزء من الهوية الوطنية والقومية، ويعبر عن الإيمان بقدرة هذه الحركات على مواجهة الاحتلال بالرغم من التحديات.

فيما يتعلق بالسعودية، يشير السيد الحوثي إلى استمرار المملكة في مغازلة "إسرائيل" على الرغم من العدوان المستمر في غزة، مما يعكس انعدام المصداقية في مواقف بعض الأنظمة العربية.

يعتبر الحوثي هذا التوجه مؤشرا على ترسيخ العلاقات بين هذه الأنظمة و"إسرائيل"، مما يتطلب من الشعوب العربية أن تكون أكثر وعيا لمواقف حكوماتها.

في كلمته، يُبرز السيد الحوثي موقف المطبعين والمتخاذلين،مما يحدث في غزة ولبنان مشددا على أن مصيرهم هو الخسارة المحققة هذا التحذير لا يأتي كإجراء سطحي، بل يعكس يقينه العميق بأن الذين يختارون الخيانة والتطبيع مع العدو الإسرائيلي سيواجهون عواقب وخيمة في المستقبل.

معتبرا أن هذه الخسارة ليست مجرد مسألة سياسية، بل هي عقاب إلهي ينزل بمن يتجاهل قضايا الأمة ويغض الطرف عن دماء الشهداء وأصوات المظلومين.

كما يتناول الحوثي دور بعض الأنظمة العربية، مشيرا إلى أنها تلعب دورا شبيها بجماعات الضغط التي تسعى لإضعاف المقاومة الفلسطينية.

يرى الحوثي أن هذه الأنظمة، بدلا من أن تكون في صف المقاومة، تضع العراقيل أمام جهودها، مما يعكس تواطؤها مع العدو. في كلمته بمناسبة السابع من أكتوبر، أظهر السيد الحوثي بوضوح عالمية الخطاب الذي يتبناه، مؤكدا على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية محلية، بل هي قضية إنسانية تهم كل حر في هذا العالم.

لقد استند الحوثي في خطابه إلى جذور تاريخية عميقة، مؤكدا على أن كل مقاوم يحمل في قلبه هموم فلسطين، مما يبرز الارتباط الوثيق بين القضايا الوطنية والقضايا الإنسانية الشاملة.

لقد تناول الحوثي في كلمته قضايا مشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية، منددا بالسياسات الاستعمارية التي تنتهك حقوق الشعوب. من خلال استحضاره لرمزية الأقصى، أكد الحوثي أن كل مقاوم لا يناضل فقط من أجل أرضه، بل من أجل العدالة والحرية التي يستحقها كل إنسان، سواء كان في فلسطين أو في أي مكان آخر في العالم. خطابه يعكس أيضا ضرورة الوحدة بين الشعوب، داعيا إلى تضامن دولي ضد قوى الهيمنة، مما يخلق جبهة موحدة لمواجهة الاستبداد.

تأكيده على المقاومة كخيار شامل يجسد الرغبة في إنهاء الظلم، ويحفز الأحرار في جميع أنحاء العالم للانخراط في كفاحهم من أجل تحقيق العدالة.

إن عالمية خطاب السيد الحوثي ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة صادقة للتلاحم بين كل الذين يؤمنون بحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

لقد رسخ السيد الحوثي في كلمته مفاهيم الكرامة والعزة، مذكرا بأن الجهاد من أجل فلسطين هو نضال من أجل كل القضايا العادلة. هذا هو الخطاب الذي يسعى إلى حشد الجهود وتوحيد الرؤى، مُثبتا أن الأقصى وفلسطين هما رمزان للحرية في وجه الظلم.

هذه الكلمة التاريخية هي ليست فقط وثيقة يجب أن تُسجل في ذاكرة الأمة، بل هي مشروع نهضوي يتطلب من كل الإعلاميين والكتاب والمثقفين أن يكرسوا جهودهم لنقلها إلى العالم بأسره.

رسالة السيد عبد الملك الحوثي ليست مجرد خطاب داخلي، بل هي نداء عالمي للحرية والعدالة، يتطلب أن يُترجم إلى كل لغات العالم ويصل إلى كل أذن صاغية، ليكشف للعالم الحقيقة ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية.

في النهاية، ما قدمه السيد عبد الملك الحوثي في هذه الكلمة هو رؤية متكاملة للأمة، تتجاوز حدود اللحظة، وتستشرف مستقبلاً مشرقا، إذا ما تمسكنا بالقيم والمبادئ التي أرساها.

إنها كلمة تتطلب منا جميعا جهدا استثنائيا لنقلها وتحقيق رؤيتها على أرض الواقع، لأن ما جاء فيها هو نور وهدى لمن يريدون النجاة في هذا الزمن العصيب.

- صحفي متخصص في الشأن العسكري

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تكشف عدد عمليات الإطلاق التي حاولت استهدافها على مدار عام من الحرب
  • موجة الموت التي أسقطت الملالي في الشرق الأوسط
  • خطاب السيد القائد .. رسائل عابرة للحدود
  • الحرب الأخطر التي على وشك الاندلاع
  • تعرف على أساليب الحرب النفسية التي مارسها الاحتلال ضد سكان غزة (شاهد)
  • هكذا وظفت إسرائيل الخطاب الديني في عدوانها على لبنان
  • بين الحاضر والماضي... رحلة النزوح اللبنانية التي لم تنتهِ "ألم يرفض النسيان"
  • معالم الفشل.. تشنج الخطاب (1-2)
  • بنية الخطاب السياسي الوطني والرواية التسجيلية التوثيقية المعاصرة