تغيير أسماء الشوارع.. دلالات سياسية أم معركة في غير معترك
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
تغيير أسماء الشوارع في الخرطوم بحري أثار جدلاً بين مؤيدين ومعارضين، حيث تم تغيير شارع المعونة إلى البراء ابن مالك وشارع الأربعين إلى الشهيد عبد العظيم. تعكس هذه التغييرات قضايا أكبر تتعلق بالأولويات وسط الحرب..
التغيير: الخرطوم
قوبلت فكرة تغيير أسماء بعض الشوارع، لا سيما في مدينة الخرطوم بحري، بردود أفعال واسعة لدى السودانيين، ما بين مؤيد ومعارض.
وبعد استعادة الجيش السوداني لأجزاء من مدينة بحري، أعلن قائد كتيبة البراء الإسلامية، التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة، تغيير اسم شارع المعونة ببحري إلى البراء ابن مالك.
وظهر منسوبو الكتيبة في مقطع فيديو وهم يذبحون الخراف، إعلانًا بتغيير اسم الشارع بعد أكثر من 60 عامًا من تسميته تيمناً بالمعونة الأمريكية في عهد رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل.
وأرسل البراؤون رسائل متحدية لأحزاب الحرية والتغيير، حيث أعلن طلحة إعداد أنشودة جهادية تمجد الشارع في ثوبه الجديد.
وجدت فكرة تغيير اسم الشارع تداولاً واسعًا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث لم تكن حادثة اسم البراء الأولى، بعد أن جرى تغيير اسم أكثر من شارع عقب اندلاع ثورة ديسمبر التي أطاحت بحكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير.
وفي مدينة بحري نفسها، أُطلق اسم الشهيد محمد هاشم مطر على شارع الإنقاذ، أحد أهم وأشهر شوارع المدينة. وفي العاصمة الوطنية، أم درمان، قوبل تغيير اسم شارع الأربعين إلى شارع الشهيد عبد العظيم بردود فعل متباينة، رغم المكانة الأيقونية للراحل الذي تصدى للرصاص بصدر عار وألهم الكثير من الثوار آنذاك.
وبالمقابل، غيرت قوات الدعم السريع اسم شارع الستين الشهير بالخرطوم إلى شارع الفيناوي، وهو أحد قياديها الذي قُتل في أم درمان.
بعيدًا عن دلالات تغيير أسماء الشوارع، دار جدل حول الأولويات الحالية في ظل الحرب والقضايا الأهم التي تفوق قيمة أسماء الطرق والشوارع. واستنكرت فئة على مواقع التواصل بإطلاق اسم كتيبة تابعة للجيش وليس فصيلاً أساسيًا فيه، وتساءل هؤلاء لماذا لم يُطلق عليه اسم الشهيد مكاوي أو الملازم محمد صديق مثلاً.
ويرى الكاتب والباحث السياسي سوداني، النور حمد أن ظاهرة الاحتفالات التي صحبت أنباء تقدم الجيش، سواء كانت أنباء صادقة أو كاذبة، تقتضي التأمل بسبب التناقضات الداخلية التي تكتنفها بحسب تقديره.
وقال حمد في حديثه للتغيير: “في تقديري أن هذه الظاهرة تحدث استغرابًا بسبب تصور خاطئ لدى البعض، مفاده أن الثورة التي اشتعلت في 19 ديسمبر 2018 هي ثورة قام بها جميع الشعب السوداني”.
وأضاف: “الشعب في مجمله يدرك حقيقة أن الجيش هو جيش النظام البائد، وأنه بطبيعته هذه يقف ضد الثورة وشعاراتها وضد كل ما حلم به ثوارها، ومن ثم، تكون النظرة الغالبة نحوه أنه هو عدو للشعب وتطلعاته، وأن موقف غالبية الشعب منه قائم على هذا الإدراك”.
واستدرك بالقول: “لكن هذه ليست حقيقة الأمر لأن الثورة، كما سبق أن أشرت، ليست ثورة غالبية الشعب، وإنما هي ثورة القوى الحية والشريحة المستنيرة من السودانيين والسودانيات”.
وأشار النور إلى أن هناك شريحة أخرى تقف مع الثورة، لكن بشرط ألا يكلفها وقوفها مع الثورة شططًا.
وتابع: “فلو قادت الثورة إلى زعازع واضطراب في إيقاع حياتها، فإن خيارها ينتقل من دعم الثورة إلى إيثار الأمن والاستقرار، ولو تحت مظلة الطغيان القديم”.
ويعتقد النور حمد أن هذا التركيب داخل قوى الثورة والتفاوت في صلابة الموقف الداعم للثورة وسط هذه الشرائح المجتمعية الثلاث هو ما تلعب عليه خطط أجهزة الأمن، فهي تعرف طبيعة شريحة السواد الأعظم غير المستنيرة التي تقف موقف المتفرج، كما تعلم طبيعة شريحة مؤيدي الثورة الذين يدعمونها بشرط ألا تتسبب في الإخلال بأمنهم واستقرارهم وإرباك إيقاع حياتهم اليومية.
وأضاف: “وفقًا لهذه المعرفة، تبنى أجهزة أمن أنظمة الطغيان خططها. تخطط أجهزة أمن أنظمة الطغيان في بداية الثورة إلى القمع المباشر للثوار بالقتل في الشوارع والاعتقال والتعذيب كخطة أولى لدحر الثورة، وهذا ما مارسته أجهزة أمن نظام الحركة الإسلامية مع الثوار في بداية الثورة. حين اعتصم الثوار أمام مباني قيادة الجيش، حدثت مجزرة القيادة العامة استهداءً بنصيحة جهاز المخابرات المصري، وفقًا لما جرى في ميدان رابعة العدوية”.
وأكمل بالقول: “حين فشلت مجزرة القيادة العامة، جاءت خطة الانقلاب على الفترة الانتقالية برمتها وتمزيق الوثيقة الدستورية، ومن ثم بدأ قنص الثوار بالبنادق في الشوارع، للضغط على الأسر لكي تمنع أبناءها وبناتها من الخروج والمشاركة في التظاهرات. وحين جرى ذلك النهج، انتقد على المستوى الإقليمي والدولي، وتحولت الخطة إلى زعزعة الأمن العام”.
وكشف حمد أن زعزعة الأمن العام بدأت قبل إشعال الحرب بفترة، وذلك بإطلاق مجموعات النيقرز و(تسعة طويلة) الإجرامية لخلق فوضى أمنية. وانتشرت، من ثم، ظاهرة خطف الهواتف وحقائب السيدات وكذلك حمل السواطير وتهديد الأمن الشخصي للأفراد في وضح النهار مع تراخي متعمد من قبل الشرطة في ضبط الأمن. وحين فشل ذلك أيضًا، جرى إشعال الحرب وإطلاق المساجين وخلق الحالة القصوى من الانفلات الأمني، فحدث النزوح الملحمي الذي أجلى أكثر من عشرة ملايين من بيوتهم وضرب أمنهم الاقتصادي ونسف الاستقرار والطمأنينة نسفًا كاملًا.
وحول الاحتفالات الحالية، يقول النور حمد: “حدثت الاحتفالات بأنباء تقدم الجيش، وهي أنباء ثبت أنها زائفة ومبالغ فيها، في كل من منطقة الفيصل في القاهرة وفي محلية كرري في أمدرمان التي يسيطر عليها الجيش، وفي قطاع من شارع المعونة في الخرطوم بحري”.
ويعتقد الباحث والمحلل النور حمد أن التضليل الإعلامي للجيش ومنابر الحركة الإسلامية الإسفيرية لعب دورًا كبيرًا في إشعال تلك الفرحة التي ما لبث أوارها أن خمد، بحسب وصفه.
وأضاف بالقول: “قاد تلك الاحتفالات في الشوارع فلول النظام القديم، وتبعتهم في ذلك الطبقة التي وجدت أن الثورة قد كلفتها أكثر مما تحتمل، فاضطراب الحياة وانغلاق أفق الأمل واستطالة فترة التشرد، علاوة على الضوائق الاقتصادية الحادة وتشتت الأسر والحنين إلى البيت ونمط الحياة المعتاد، جعل من احتفلوا يظنون أن تقدم الجيش يعني انجلاء كابوس الزعزعة، بكل ضغوطه الاقتصادية والنفسية”.
وبهذا أصبح الجيش منقذًا في نظر هذه الشريحة من داعمي النظام البائد ومن أصحاب الموقف الهش في دعم الثورة. فقد طالت الحرب وتكثفت الضغوط الاقتصادية والنفسية، وأصبحت العودة إلى البيت واستعادة خيط الآمال الحياتية السابق الذي قطعته الحرب هو أقصى الأماني، ولو في ظل النظام البائد. وهذا هو ما خططت له الأجهزة الأمنية؛ أي، إشعال الحرب وضرب أمن الناس في مقتل، ثم اللعب عقب ذلك دور القوة القادرة على إعادة الأمن والاستقرار.
وختم قائلاً: “ليس كل الناس واعين بالثورة وليسوا جميعًا قادرين على تحمل تبعاتها إلى النهاية. لذلك، قد يدفع طول التشرد والضغوط النفسية وانقطاع خيط الأمل بالكثيرين إلى الانخداع ببروق الآمال الخلبية، بل وإلى الحنين إلى أيامهم في ظل حكم البشير، وعموماً كلما طالت الحرب وطال التشرد ازداد نقص الإيمان بالثورة وسط قطاعات مجتمعية بعينها”.
معارك إسفيرية
من جهته، وصف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني مسألة تغيير أسماء الشوارع بأنها معارك إسفيرية. وقال ميرغني للتغيير: “أصلاً ليس هناك تغييرات في أسماء الشوارع، فهناك لجنة علمية في وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم مختصة بتسمية الشوارع”. وأضاف: “الذي يحدث حاليًا هو معارك إسفيرية بين أطراف ينتمون لتيارات سياسية”.
الأولويات
بدوره، يرى المحلل السياسي عبد القادر باكاش أن وقت تغيير أسماء الشوارع لم يحن بعد، وعدها مسألة ثانوية. وقال باكاش: “أعتقد أن تغيير أسماء الشوارع لا يمثل أولوية في الوقت الحالي، ولو سنحت الظروف وتحررت البلاد، يجب تسميتها بأسماء شهداء الوطن تخليداً لمواقفهم وتضحياتهم من أجل وحدة واستقرار البلاد”.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع مدن تغییر اسم النور حمد حمد أن
إقرأ أيضاً:
فصائل فلسطينية في غزة تعلن أسماء 3 رهائن سيُطلق سراحهم غدًا وفقا لشروط الاتفاق
القاهرة "رويترز": أعلنت فصائل فلسطينية مسلحة في قطاع غزة أنها ستفرج غدًا عن الرهائن يائير هورن والأمريكي الإسرائيلي ساجي ديكل حن والروسي الإسرائيلي ألكسندر تروفانوف، وفقا لما هو منصوص عليه في شروط اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وجاء الإعلان في أعقاب جهود مكثفة من الوسطاء المصريين والقطريين من أجل الدفع بتنفيذ الاتفاق الذي أُبرم الشهر الماضي بدعم من الولايات المتحدة، وبعد غموض استمر لأيام حول مدى صمود الاتفاق.
إسرائيل قبلت القائمة،
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل قبلت القائمة، وذلك قبل تصحيحه لاحقا ليشير إلى أن إسرائيل تسلمت القائمة وأن التعليق السابق "محض وصف للواقع" ولا يعكس أي موقف إسرائيلي تجاه الأمر.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إنه من المتوقع أن تفرج إسرائيل عن 369 معتقلا ومحتجزا فلسطينيا ضمن صفقة التبادل.
والرهائن الثلاث المقرر إطلاق سراحهم غدًا جرى اقتيادهم من بلدة نير عوز، وهي من البلدات المحيطة بقطاع غزة التي اجتاحها مسلحون من حماس في السابع من أكتوبر 2023.
وخُطف إيتان شقيق يائير هورن في الوقت نفسه ولم يُطلق سراحه بعد.
وهددت حماس في وقت سابق بعدم إطلاق سراح المزيد من الرهائن بعد أن اتهمت إسرائيل بانتهاك بنود وقف إطلاق النار بمنعها دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وردت إسرائيل بالتهديد باستئناف العمليات العسكرية.
وأثارت حالة الضعف التي بدت على ثلاث رهائن أُطلق سراحهم قبل أيام غضب الإسرائيليين، علاوة على تسليمهم للصليب الأحمر أمام حشد كبير من سكان غزة.
ووافقت حركة حماس الشهر الماضي على تسليم 33 من الرهائن الإسرائيليين، من بينهم كبار سن ونساء وأطفال، مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ضمن هدنة مدتها 42 يوما تنسحب بموجبها القوات الإسرائيلية من بعض مواقعها في القطاع.
إستكمال الإنسحاب
ومن المفترض أن تمهد الهدنة لمرحلة ثانية تشهد إعادة الرهائن المتبقين واستكمال انسحاب القوات الإسرائيلية ووقف الحرب نهائيا وإعادة إعمار غزة.
وتزايدت الشكوك حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد بعد أن دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نقل الفلسطينيين بشكل دائم من غزة وتسليم القطاع للولايات المتحدة من أجل إعادة تطويره.
ورفضت جماعات فلسطينية ودول عربية اقتراح ترامب ووصفه منتقدون من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأنه "تطهير عرقي".
دمار واسع
أدت الحرب إلى تدمير معظم القطاع، ولا يزال من غير الواضح كيف ستجري إعادة إعماره.
واندلعت الحرب بعد أن هاجم مسلحون بقيادة حماس جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 مما أسفر وفقا لإحصاءات إسرائيلية إلى مقتل نحو 1200 شخص واقتياد أكثر من 250 رهينة إلى غزة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن العملية الإسرائيلية أدت إلى مقتل أكثر من 48 ألف فلسطيني في غزة، وأصبح معظم سكان القطاع بلا مأوى بعد تدمير مساحات شاسعة منه.
وتتهم حماس إسرائيل بمنع دخول عشرات الآلاف من الخيام ومستلزمات الإيواء المؤقت إلى سكان غزة الذين يعانون وسط انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، وهي اتهامات ترفضها إسرائيل.
وذكرت وكالات إغاثة دولية أن شاحنات المساعدات التي تدخل غزة زادت منذ بدء سريان وقف إطلاق النار لكنها تقول إنها غير كافية لتلبية احتياجات السكان.