بعض المشاريع الثقافية تُشعِر المرء بالفخر ببلده، والاعتزاز بثقافتها، هذا هو باختصار ما يمكن أن أصف به مشروع «خطّ عُمان»؛ الخطّ الحاسوبي المستلهم من الإرث الثقافي العُماني بعد أن تمعن عدد من الشغوفين بالخطوط في جمالية خط المخطوطات العمانية، و«استشعروا خصوصيته الأسلوبية والسمات البصرية المميِّزة لحروفه» على حد تعبير معدّي الكتاب الموثِّق لهذا الابتكار؛ وهو كتاب «خط عمان: من المخطوطات إلى الرقمنة» الذي تَشَارَكَ في إعداده الباحثون ياسر منجي وسلمان الحجري، وسالم المنظري.
عمل القائمون على مشروع «خط عُمان» في البداية على تحليل عدد كبير من المخطوطات العمانية؛ «بهدف التمهيد لتقعيد أنماط الكتابة وأقلام الخطوط العمانية الأصيلة، المشتقة من أقلام الخط العربي، والمتسلسلة عنها قديما وحديثا عبر التاريخ»، وعملوا على تحليل مجموعة من النماذج الخطية العمانية، المستمدة من مخطوطات عمانية تنتمي لحقب زمنية مختلفة، كما حللوا ما يتصل بدراسة التحولات التاريخية للأنماط الخطية العمانية، وعلاقات المثاقفة التي نشأت بينها وبين تسلسل التطور التاريخي لأنماط الكتابة العربية على امتداد تاريخها. وبعد تحليل نتائج الدراسة «شرع عدد من الخطاطين العمانيين المعاصرين في مرحلة محاكاة رسم المخطوطات بكتابة جميع أشكال الحروف العربية في مختلف مواضعها، مهتدين بالسمات العامة للخط العُماني المستخلصة من الدراسة.
المُبهِج في الأمر أن «خطّ عُمان» هنا لا يقتصر على كونه تطورًا جماليًّا فحسب، بل يمتد ليكون عنصرًا ثقافيًّا يعزز الهوية العُمانية، وهذا ما أكده الدكتور سلمان الحجري، أحد المشاركين في المشروع، في حواره مع هدى حمد لملحق عُمان الثقافي، وهو أن الدافع وراء هذه التجربة «يكمن في ثلاثة أسباب رئيسية: أولًا، المحافظة على التراث الثقافي العُماني، وثانيًا، إبراز جماليات الخط النسخي العُماني للعالم، وثالثًا، تلبية متطلبات العصر الرقمي من خلال توفير خط حاسوبي مبتكر».
عمل مضنٍ بدأ في سبتمبر من عام 2020 (أي في عز جائحة كورونا) واستمرّ حتى عام 2022، عكف خلاله فريق من الخطاطين والمصممين والمبرمجين العُمانيين على دراسة مجموعة كبيرة من المخطوطات العُمانية، بهدف استنباط السمات الخطية المميزة لها. وجرى اختيار أشكال حروف محددة من نماذج خطية تنتمي لحقب زمنية مختلفة، كما تم تحليل التحولات التاريخية لهذه الأنماط، ودراسة تأثير المثاقفة الحضارية على تطور الخط العُماني. وهنا تبرز الخاصيّة الفريدة التي تميّز بها التراث الخطّي العُماني، وتأسس عليها المشروع، وهي - كما يوضّح الباحث ياسر منجي، في الحوار نفسه مع ملحق عُمان الثقافي - خاصيّة تفرد نمط الخط النسخي العُماني بسمات شكلية وأسلوبية تميزه عن غيره من الأنماط الخطية في سائر الأقطار العربية، فالمخطوطات العُمانية تتسم بوضوحها وسهولة قراءتها، وبساطتها التي تعكس بساطة العُماني وفطرته الطبيعية التي اتسم بها عبر التاريخ.
نعلم جيدًا أن الخطّ العربي بشكل عام له مكانة عالمية كبيرة، ولستُ هنا بحاجة للتذكير أن منظمة اليونسكو سجّلتْه ضمن التراث العالمي غير المادي في نهاية عام 2022م، بجهود دول عربية كثيرة من ضمنها سلطنة عُمان. ولذا، فإنه يُمكن عَدُّ «خط عُمان» مساهمة عُمانية في حفظ هذا الخطّ ونشره، خاصةً إذا ما علِمْنا أن هذا المشروع لم يتوقف عند حدود تطوير الخط العربي، بل شمل أيضًا تطوير خط لاتيني مستوحى من جماليات الخط العربي، مما يتيح استخدام «خط عمان» في الكتابة بعدة لغات مثل الفارسية والأوردو، وكذلك اللغات الأوروبية التي تعتمد الأبجدية اللاتينية. هذا التنوع في الاستخدام يعكس قدرة «خط عمان» على الجمع بين الأصالة والتجديد، وتقديم الحلول الرقمية للعالم بشكل يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية. ولذا، فإن داعمي هذا المشروع يستحقون كل الشكر والتقدير، وأعني هنا تحديدًا «الصندوق الوقفي لمصحف مسقط الإلكتروني» وشركة التقنيات العالمية الصاعدة، اللذين موّلا المشروع، والكتب الصادرة عنه.
وها هو «خط عمان» أصبح الآن جاهزًا للاستخدام في التطبيقات الرقمية المختلفة، ويُمكن اعتماده في مجالات الطباعة والنشر والإعلام الرقمي. وكم سيكون جميلًا لو أن المؤسسات العُمانية تبنت هذا الخط المعبِّر عن هويتنا وثقافتنا في المراسلات الرسمية، والمنشورات الإعلانية، والمواد المطبوعة. كما يمكن له – كما يؤكد القائمون عليه - أن يؤدي دورًا في تعزيز الهوية البصرية لسلطنة عُمان في مختلف المحافل الثقافية والإعلامية، إضافة إلى إمكانية استخدامه في تسويق المنتجات وترويج السياحة الثقافية لعُمان.
| سليمان المعمري كاتب وروائي عماني |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المخطوطات الع الع مانیة الع مانی خط عمان ع مانیة
إقرأ أيضاً:
شراكة بين "الطيران العُماني" و"Fun&Sun" لاستقطاب آلاف السائحين
مسقط- الرؤية
أعلن الطيران العُماني- الناقل الوطني لسلطنة عمان- عن شراكة جديدة ومُثمرة مع شركة Fun&Sun، إحدى كبرى الشركات الرائدة في تنظيم الرحلات السياحية، لتشغيل عدد من رحلات الطيران العارض تربط مباشرة بين موسكو وصلالة.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المُبادرة في استقطاب ما يقارب 7,000 زائر إضافي إلى مدينة صلالة خلال الموسم الأول من البرنامج، مما يشكل دعمًا نوعيًا لجهود تطوير السياحة الداخلية والمساهمة في تنشيط الحركة الاقتصادية في محافظة ظفار، وهو ما قد يمهد الطريق لتمديد برنامج الطيران العارض ليُصبح متاحًا على مدار العام نتيجةً للإقبال القوي المحتمل.
وتعد شركة Fun&Sun من أبرز شركات السفر نشاطًا وكثافة في حجكم الأعمال، وتأتي هذه الشراكة لتعزز الاهتمام المتنامي بالسلطنة كوجهة سياحية جاذبة في السوق الروسي، إلى جانب تشغيل الرحلات العارضة الجديدة، يواصل الطيران العُماني تسيير رحلاته المجدولة بين مسقط وموسكو بواقع 9 رحلات مُباشرة أسبوعيًا، لضمان استمرارية الربط على مدار العام لخدمة المسافرين من رجال الأعمال والسيّاح على حدٍ سواء.
وقال مايك روتر، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية بالطيران العماني: "يسرنا أن نتشارك مع Fun&Sunلتوسيع آفاق الوصول إلى مدينة صلالة من أحد أهم أسواقنا الدولية وأكثرها نموًا، وهذا البرنامج لا يقتصر دوره على استكمال خدماتنا المنتظمة بين مسقط وموسكو فحسب، بل يؤكد كذلك على الجاذبية الفريدة التي تتميز بها محافظة ظفار طوال العام، وليس فقط خلال موسم الخريف."
وأضاف: "منذ بدء خطة التحول للشركة، قمنا بتسليط الضوء على تعزيز نمو الرحلات المُباشرة، مما أدى إلى زيادة عدد المُسافرين المُباشرين والمقيمين في السلطنة بأكثر من 50%، ومن المتوقع أن يثمر هذا التغيير عن عائد اقتصادي يصل إلى 90 مليون ريال عماني سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة. إن تدشين رحلات مُباشرة إضافية من أوروبا لمدينة صلالة يعكس التزام الطيران العُماني بدعم أجندة رؤية عُمان 2040للسياحة وزيادة مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي الإجمالي."
من جانبه، قال ياروسلاف ستبانيوك، مدير الشؤون التجارية لشركة : Fun&Sun: "سعيدون بإطلاق هذا التعاون مع الطيران العُماني، كما أننا واثقون بأن جاذبية محافظة ظفار وسحر مقوماتها الطبيعية ستجعلها وجهة رئيسية للسياح الروس في فترة وجيزة".
من المقرر تسيير الرحلات العارضة الموسمية بين موسكو وصلالة في 26 ديسمبر 2025 وتستمر حتى 9 مايو 2026. وفي الوقت ذاته، يواصل الطيران العماني جهوده بالعمل المشترك مع كل من وزارة التراث والسياحة وبلدية ظفار للترويج للوجهة، لا سيما بعد نجاحه بنقل أكثر من 200,000 مسافر إلى مدينة صلالة خلال ذروة موسم الخريف الماضي، مسجلاً زيادة بنسبة 15% مقارنة بعام 2024.