المصريون يتساءلون: «ناكل إيه؟»
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
تكاليف الوجبات اليومية تضع السيدات في حيرة وتشعل الخلافات الزوجية
أصبح الغلاء شبحًا يهدد كل بيت، ويلتهم أي ميزانية، وتعالت الأصوات التي تشكو من صعوبة العيش، بالرغم من زيادة الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات إلا أن هذه الزيادات لا توازي الارتفاعات المتكررة في أسعار السلع، كما أن كثيراً من المؤسسات غير الحكومية على وجه التحديد لا تلتزم بإعطاء موظفيها الحد الأدنى للأجور، وهناك بعض الموظفين غير متعاقدين رسمياً من الأساس، فهؤلاء جميعا لم يشهدوا أى زيادة في الدخل وزادت معاناتهم بسبب ارتفاع الأسعار، حتى أصبحت غالبية الأسر وبخاصة أبناء الطبقات المتوسطة ومحدودى الدخل يكافحون لتوفير الاحتياجات الأساسية للعيش مع التخلي عن جميع وسائل الترفيه، فكم من أسرة فقدت توازنها، واحترقت بنيران الغلاء! وكم من رجل ضاقت به الدنيا تحت وطأة العوز والعجز عن تلبية احتياجات أسرته، وكم من أم قهرها الغلاء، وأعجزها عن تلبية أبسط مطالب أبنائها، أو إدخال السرور على قلوبهم الغضة! فهل من سبيل لتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار بما يحفظ صورة الأسرة وتماسكها؟
الأسعار أحرقت الجميع
«تنازلت عن جميع السلع الترفيهية وأعتمد حاليا على السلع الرئيسية فقط»، بهذه الكلمات عبرت دينا محمود «ربة منزل» عن معاناتها بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وقالت «اضطرتنى أزمة ارتفاع الأسعار إلى الاستغناء عن جميع منتجات الألبان والجبن والعصائر المفضلة لأبنائى» مضيفة: «بدأت فى ترقب العروض التى توفرها المحال التجارية على السلع لشراء احتياجاتى الأساسية، إلا أن مصاريف المدارس والدروس باتت تشتت تفكيري كل شهر، فكيف أدبر نفسي وأضطر أحيانًا إلى التوسل إلى المدرسين؛ لتخفيض سعر الحصة، أو تقسيط المبلغ للأولاد حتى أتمكن من الوفاء به، وهذا يكسر قلبي، وكلما شكوت لزوجي ما أنا فيه، وأن المصروف لا يكفي، أجده بلا حيلة أيضا.
وتابعت «طوال عمرنا نجد ارتفاعا في الأسعار بالمواسم والمناسبات، هذا الارتفاع كان في حدود جنيه أو اثنين أو حتى 10 جنيهات، لكن كيف ترتفع الأسعار في شهر واحد ليصل سعر كيلو اللبن الحليب إلى 40 جنيها بدلا من 20 جنيها، والجبن الرومي 75 جنيها للربع كيلو بدلا من 50، وكيلو الدجاج وصل إلى 100 جنيه، أما اللحوم فلم نعد نفكر في شرائها، حتى الأسماك التي كنا نطلق عليها أكل الغلابة أصبحت تكلفة وجبة السمك البلطي تصل إلى 300 جنيه».
واتفقت معها في الرأي، منال رضا، ربة منزل، قائلة: «الغلاء أثر على حياتي كلها، فلم يعد المصروف الذي يعطيه لي زوجي يفي بأبسط احتياجات البيت والأولاد من ملابس ومصروفات مدارس، وعندما أطلب منه المزيد يقول من أين؟، وهذا يسبب مشاكل دائما، فهو لا ينزل السوق، ولا يعرف الأسعار، ولذلك فأنا دائمًا مهمومة بتدبير نفقات البيت، ومصروفات الولدين في المدرسة، لافتة إلى أنها لم تعد قادرة على شراء اللحوم البلدية من محال الجزارة لارتفاع أسعارها بشكل جنونى، وتعتمد بشكل أساسى على اللحوم التى توفرها الدولة، نظرا لانخفاض أسعارها، والتى كانت بـ 180 جنيها وأصبح سعرها الآن 270 جنيها للكيلو.
هالة مصطفي، قالت :«حمى الغلاء طالتنا، فبعد أن كنت أذهب لشراء احتياجات البيت كل شهر، فإنني في ظل هذا الغلاء الذي طال القوت الضروري والاحتياجات الضرورية للأسرة صرت أذهب إلى السوبر ماركت وأقف حائرة، ماذا أشتري، وبكم؟ وبعد هذه الحيرة أغير أولوياتي، وأستغني عن أشياء كثيرة كنت قد اعتدت على شرائها، ولو طالبت زوجي بزيادة المصروف، يجيب بأنه لا فائض لديه، وعليك أن تدبري أمورك في حدود المبلغ المتاح، لأجد نفسي في مأزق كبير.
وأضافت: «قللت كميات البروتين الحيواني إلى الحدود الدنيا، لكن هل معقول أن يصل سعر الكيلو جرام من البطاطس إلى 30 جنيها، وزجاجة الزيت 85 جنيهًا، والرز البلدي 40 جنيها، ولو قررت طبخ وجبة بسيطة، كيلو ونصف بطاطس بسعر 45 جنيها تقريبًا، وكيلو رز بـ40 وطماطم بـ20 جنيها، وزيت وسمن وتوابل وبصل بـ100 جنيه علمًا بأن هذا تقدير منخفض، عندئذٍ ستبلغ التكلفة للوجبة «القُرديحي» 205 جنيهات، بمعنى آخر أن تكلفة وجبة غذاء لأسرة من 5 أشخاص في الشهر تبلغ 6000 جنيه، هذا مع استبعاد البروتينات كليًا، فأهلًا بأمراض سوء التغذية والسمنة ومشكلات النمو لدى الأطفال، وأهلًا بالخلافات الأسرية والطلاق.
وقالت ياسمين إسماعيل أم لثلاثة أبناء: «الأسعار في تزايد مستمر كل يوم وفي بعض الأحيان تصل الزيادة إلى الضعف عن اليوم السابق، مما يجعلني في حيرة دائمة لتوفير وجبة كاملة بها مصدر للبروتين والعناصر الغذائية لأطفالي، وتؤكد «بجيب اللي محتاجاه بالظبط مش بقدر اشتري كميات»، كما أن فاكهة الموسم أصبحت بنداً مرهقاً بالنسبة لنا، وتحدثت ياسمين بعبارات تنم عن الأسى مشددة على أن أبناءها يحبون منتجات الألبان والجبن بأنواعها وهي تجدها وجبة مفيدة ومغذية وبسيطة وسهلة الحفظ من دون الخوف من فسادها على مدى ساعات اليوم الدراسي، ولكن أسعارها في ارتفاع مستمر، ومع ذلك أحاول توفيرها لهم بأي شكل حتى لو جاء هذا على حساب مستلزمات أخرى، وكما أحاول أن أصنع بعض البدائل منزلياً كالمعجنات.
«ما تعرضه وسائل الإعلام على لسان المسئولين عن أسعار الأغذية شيء وما نجده في الأسواق شيء مختلف تماماً»، هكذا بدأت فريدة علاء الأم لطفلتين حديثها معنا مؤكدة أن تكلفة الوجبات يوميًا أصبحت بحاجة إلى ثروة، نظرا لارتفاع أسعار الخضراوات والبقوليات والحبوب واللحوم والدواجن طبعا، وأضافت أن الأسعار الرسمية المتداولة أقل من نصف هذا المبلغ ولكن على ما يبدو لسعر الفعلي في الأسواق، لافتة إلى أن البحث عن الأكل الصحي يومياً بات معضلة، مشددة على أن أسعار اللحوم منعتها من جعلها صنفاً أساسياً، ولكنها تحاول توفيرها ولو ليوم واحد في الأسبوع، سواء كانت دجاجاً أو سمكاً أو لحوم حمراء، مشيرة إلى أن البيض أيضا أصبح من المحرمات بعد أن ارتفعت أسعاره إلى ستة وسبعة جنيهات، وفقاً لنوعيته وحجمه، لافتة إلى أنها اعتادت في ما قبل أن تكون الحاجات الغذائية موجودة في المنزل بشكل مستمر بل وتفيض، وليس بكميات «على القد»، وهو أمر يضايقها بشدة ويشعرها بالتقصير تجاه أطفالها.
وأكدت إحدى الأمهات العاملات بالمصالح الحكومية، ولديها ولدان في المرحلتين الإعدادية والثانوية أن «اللحوم أصبحت ترهق الميزانية لأنها في تزايد مستمر، وأنها تواجه مشكلة حالية بسبب أن أبناءها اعتادوا على تناول اللحوم المشوية، إذ يمكثون في الشارع لوقت طويل بسبب الدروس الخصوصية التي يتلقونها بعد دوام المدرسة، كما أنهما في مرحلة المراهقة والنمو وهما في حاجة إلى عناصر غذائية كثيرة»، مشيرة إلى انها أصبحت تقتصر الأصناف التي زاد سعرها على يومين فقط في الأسبوع، كما اختارت أن تشتري اللحم المستورد بـ 300 جنيه بسعر أقل من محلات الجزارة لتوفير 150 جنيها للكيلوجرام، أما الدجاج فقد سألت صاحب المحل عن سبب ارتفاع سعر «البانيه» من 160 جنيها الأسبوع الماضي إلى 220 اليوم، فأجابها قائلا «مش بأيدينا والله» فصمتت وقررت عدم شرائه والاكتفاء بشراء دجاجة واحدة يصل سعرها إلى 200 جنيه، بدلا من اثنتين»، أما عن بقية أيام الأسبوع، فقالت هناك أيام محددة للطعام الشعبي مثل العدس والكشري، ولكن سعر العدس أيضا تجاوز 75 جنيها للكيلو، لذلك لم يعد طعاما شعبيا، واللوبيا الجافة وصل سعرها إلى 120 جنيها للكيلو، وتقول «حتى الأطعمة التى كنا نعتبرها بديل للدجاج واللحوم أصبحت غالية علينا».
تعديل الثقافة الغذائية
وقالت الدكتورة انتصار سعد، أستاذة التغذية بجامعة عين شمس، إن الثقافة الغذائية في المنازل أصبحت تحتاج إلى تعديل في ظل غلاء الأسعار، ويتم ذلك من خلال الابتعاد عن تناول الوجبات الجاهزة والسريعة والديلفري، مع الاعتماد على طهي كل ما يمكن طهيه في المنزل، كما يجب أن يتناول أفراد الأسرة الطعام على قدر احتياجاتهم فقط، لأن ملء البطن بالأطعمة يسبب جهدا كبيرا على المعدة عند الهضم، ويسبب زيادة الوزن والأمراض.
وعن طرق التوفير، أشارت «سعد» إلى إعادة استخدام سندوتشات المدارس المتبقية من الأطفال، من خلال إخراج الطعام الموجود فيها وتقطيع العيش الفينو لتجفيفه في الفرن ثم طحنه لاستخدامه في مكونات أطعمة أخرى، وعند وجود فائض من الأرز، يتم تخزينه في الفريزر داخل علبة بلاستيك او كيس سميك وقوي لحين إعادة استخدامه، وفي حالة وجود فائض من الأطعمة المطبوخة، يتم فصل الصلصة عن الثمر المطبوخ وتخزينها في أكياس لإعادة استخدامها مرة أخرى مع صلصة الكشري أو أي نوع آخر من الطبيخ، ومن هنا نتعلم تقليل كمية الطماطم المستهلكة عند الطهي، كما يمكن غسل الخضار المطبوخ بالماء وإعادة تدويره، مثل تدوير البطاطس إلى بطاطس مهروسة في الفرن أو إعادة استخدامها مع التونة أو شوربة الخضار، أو تجميع أنواع الخضار المتبقية بأنواعها واستخدامها في طاجن خضراوات، مع إعادة استخدام نفس نوع الصلصة التي سبق تخزينها.
وتابعت: «عند ملاحظة قرب فساد بعض ثمار الفاكهة، يفضل تقطيعها وتخزين كل صنف على حدة و تجميدها في الفريزر لحين خروجها وإدخالها في صنع كوكتيل الفواكه، مع تخزين الليمون في موسمه من خلال عصره وصب العصير في قوالب الثلج وتجميده في الفريزر، ثم وضع مكعبات الليمون في أكياس تستعمل وقت الحاجة، مع تجفيف قشر الليمون وطحنه، ويتم استخدامه بعد ذلك مع أنواع الكيك المختلفة مما يضيف مذاقا رائعا، وعند جفاف الخبز أو وجود قطع صغيرة منه، ولا يقبل أحد على تناولها، هنا يتم تقطيعه بحجم صغير ويجفف في الفرن، ويعاد عجنه بالماء مرة أخرى مع إضافة الخميرة، ويعاد تصنيعه كخبز مرة أخرى، كما أنه من الأفضل صنع الزبادي في المنزل، حتى ولو كان سعر اللبن مرتفعا، لأنه ينتج كمية أكبر.
ولمواجهة غلاء الأسعار قالت الدكتورة انتصار سعد على ربة المنزل تعلم طريقة طهي الأطعمة التي يقبل الأطفال على شرائها من المحال والمطاعم بأسعار مكلفة لأنها تمثل عبئا على الأسرة، والآن أصبح من السهل تعلم هذه الطرق من الانترنت وتخفيف العبء عن ميزانية الأسرة، كما أن طهيها في المنزل ينتج كمية أكبر تكفي الأسرة عدة أيام وبتكلفة أقل، كذلك لا بد من اختيار البدائل الأنسب مثل معرفة طرق صنع الطحينة والحلاوة الطحينية والجبن القريش في المنزل، مع اختيار بدائل من المنتجات الأقل سعرا، وأن يتم التنازل عن استهلاك المنتجات المرتفعة الأسعار، وعلى الأسرة أن تقوم بشراء أنواع الخضار المختلفة في مواسمها لرخص سعرها، مع تعلم تخزينها وتجميدها وتجفيفها بطريقة صحيحة لاستعمالها وقت ارتفاع الأسعار.
ترشيد الاستهلاك
فيما يقول، حسين عبدالباقي، الخبير الاقتصادي، إن مصر تعاني في الوقت الراهن من أزمة اقتصادية حادة، نتج عنها العديد من التداعيات السلبية على الأسرة، ومن أهمها الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات بشكل لم يسبق له مثيل، وجاء ذلك نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه، وزيادة معدل التضخم بشكل كبير، مما فرض على كاهل الأسرة المصرية أعباء إضافية تفوق الدخل الحقيقي للأسرة، مما جعلها في وضع حتمي لمواجهة هذه الأعباء بدخل محدود للغاية، وهو ما يتطلب تكيف الاسرة مع الوضع الراهن لحين تعافي الاقتصاد المصري.
ويعتقد «عبدالباقي»، أنه ليس أمام الأسرة المصرية سبيل سوى ترشيد الاستهلاك في كافة السلع والخدمات، وإلغاء بعض المشتريات التي يمكن الاستغناء عنها، والحد من مشتريات الملابس غير الضرورية، وضرورة سعي رب الأسرة إلى إيجاد عمل إضافي لتحسين دخله، أو ممارسة نشاط لمشروع صغير يدر عليه دخلا إضافيا، كما يجب نشر ثقافة العمل لدى كل أفراد الأسرة، وألا يقتصر العمل على رب الأسرة فقط، فيمكن أن يعمل الأبناء في الإجازات، لتحسين الدخل، ويمكن للمرأة غير العاملة ممارسة نشاط مشروع صغير انتاجي على سبيل المثال ماكينة خياطة أو مشروع للطيور وإنتاج البيض وتسويقه وخاصة في الريف، والاستغناء عن شراء البيض، لأن تكلفة إنتاج البيض في ظل العدد الكبير من الطيور تقل حتماً عن سعر شرائه من السوق، واستخدام بقايا طعام الأسرة لتغذية الطيور، وخلق بيئة انتاجية لدى الأسرة المصرية، مؤكدًا أن هذا السلوك الاقتصادي الرشيد سيؤدي لانخفاض الأسعار وفقاً لنظرية العرض والطلب.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أنه يمكن للأسر استغلال أي مساحات لديها وأسطح المنازل في زراعة بعض الخضراوات التي يمكن استخدامها مثل البصل والجرجير وغيرها، والاستغناء تماماً عن شرائها، كما يمكن الاستغناء عن الدروس الخصوصية وإلحاق الأبناء بمجموعات التقوية في حالة الحاجة، ونشر ثقافة الاعتماد على النفس لدى الطالب، وحضور كافة دروسه في المدرسة كما كان يحدث في الماضي، وتحقيق الرقابة الصارمة على المدرسين للعمل في المدرسة، وبذل الجهد في الحصة، والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية التي تكلف أكثر من 16 مليار جنيه سنوياً.
واختتم الخبير كلامه قائلًا: «يجب على الأسر شراء أي مستلزمات على قدر الحاجة فقط، دون إسراف، كما يمكن استخدام شنط العام الدراسي السابق في العام الجديد، طالما أنها بحالة جيدة، وينطبق نفس الأمر على الملابس والأدوات المدرسية وغيرها، كما يمكن لرب الأسرة أو الزوجة ممارسة دور المدرس الخصوصي لأولاده إذا كان لديه الوقت والقدرة على التدريس، وتوصيل المعلومة، وتقبل الابن لذلك، لخفض الإنفاق على الدروس الخصوصية، مؤكدا أن ترشيد الاستهلاك أصبح أمرا حتميا لكل الأسر في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار كل شىء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ارتفاع أسعار أصناف الطعام الدروس الخصوصیة ارتفاع الأسعار فی المنزل کما یمکن ما یمکن إلى أن کما أن
إقرأ أيضاً:
هل أصبحت طريق قائد الجيش معبّدة إلى قصر بعبدا؟!
منذ اليوم الأول لفتح "البازار الرئاسي" قبل أكثر من سنتين، مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، يُطرَح في الأوساط السياسية اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، كمرشّح "جدّي" للرئاسة، ترتفع أسهمه تارةً وتنخفض تارة أخرى، ولو أنّ أيًا من الكتل الأساسية لم تعلن تبنّيها له، وأنّه بالتالي لم يشكّل "منافسًا فعليًا" في جلسات الانتخاب التي عقدت، والتي يتقاطع المتابعون على توصيفها بـ"الاستعراضية والشكليّة"، لا "الجدّية".
ثمّة من يعزو ذلك إلى أنّ اسم العماد جوزيف عون بقي "على الهامش"، بانتظار "الفرصة المناسبة"، وذلك منعًا لـ"إحراقه" كما حصل مع أسماء أخرى، استُهلِكت فخرجت من التداول، وثمّة من يعزوه إلى "العقبات الكثيرة" التي لطالما اعترضت طريقه نحو قصر بعبدا، وبينها "التعديل الدستوري" الذي قد يتطلّبه انتخابه، باعتبار أنّ الدستور لا يجيز انتخاب قائد الجيش إلا بعد سنتين من استقالته، رغم وجود بعض الاجتهادات التي تشرّع ذلك في حالة الفراغ.
بمعزل عن كلّ هذه التفاصيل والعقبات، يُلاحَظ أنّ اسم قائد الجيش عاد إلى "بورصة" التداول في الأيام الأخيرة، بل إنّ اسمه يتصدّر قائمة المرشحين "الجدّيين" وفق الكثير من التقديرات، قبيل جلسة التاسع من كانون الثاني التي يقال إنّها ستكون "حاسمة"، على الرغم من أنّ مواقف القوى السياسية منه لا تزال نفسها تقريبًا، فكيف يُفهَم كلّ ذلك، وهل يمكن القول إنّ طريق قائد الجيش أصبحت "معبّدة" عمليًا نحو قصر بعبدا؟!
دعم خارجي منقطع النظير
عند الحديث عن "سيناريوهات" جلسة التاسع من كانون الثاني، يحضر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون بوصفه مرشحًا أول، وسط انطباع سائد لدى كثيرين بأنّه قد يكون المرشح الأوفر حظًا، رغم الصعوبات التي لا تزال تعترض طريقه، وذلك بعد "سقوط" معظم المرشحين الذين انحصر السباق بهم في المراحل الأولى، وفي مقدّمهم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي بات داعموه مقتنعين بتعذّر إيصاله إلى قصر بعبدا في الوقت الحالي.
ولا يخفى على أحد أنّ اسم قائد الجيش يحظى بدعم منقطع النظير، خصوصًا من الخارج، حيث يُطرَح في الكثير من الأوساط بوصفه الرجل "الأمثل" للمرحلة، علمًا أنّ جهات كثيرة تعتقد أنّ عون كان منذ اليوم الأول المرشح "غير المُعلَن" للكثير من القوى الدولية، بما في ذلك اللجنة "الخماسية"، وذلك لقدرته على أن يشكّل "نقطة وصل" بين المعسكرين المتنازعين في لبنان، وكذلك مع الخارج، بالنظر إلى العلاقات المتينة التي نسجها على مرّ السنين.
وفي هذا السياق، يقول العارفون إنّ حظوظ قائد الجيش ارتفعت بشكل خاص في الآونة الأخيرة، وتحديدًا بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، بالنظر إلى التغييرات التي طرأت على "المواصفات المطلوبة" في الرئيس العتيد، والذي سيكون من "بديهيات" دوره، تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وبلورة صورة "اليوم التالي" لما بعد الحرب، وهو دور يُعتقَد أنّ قائد الجيش يمتلك "وصفة النجاح" فيه، بعدما واكب كلّ المراحل السابقة، وصولاً لتطبيق القرار 1701.
عقبات داخلية لم تُحَلّ؟
في مقابل الاحتضان الخارجي الذي يحظى به قائد الجيش، ثمّة من يتحدّث عن عقبات داخلية لا يزال يصطدم بها، وإن كان هناك من يعتقد أنّ "حلحلتها" قبل جلسة التاسع من كانون الثاني قد لا تكون صعبة، فالعقبة الدستورية التي يتلطّى خلفها كثيرون، قد لا تشكّل "مازقًا فعليًا" كما يقول البعض، خصوصًا انّ ثمّة "سابقة" عند انتخاب العماد ميشال سليمان باجتهاد دستوري ينطبق على الحالة الحالية، كما أنّ تعديل الدستور لن يكون مستعصيًا متى توافر الإجماع.
وعلى المستوى السياسي، يتحدّث البعض عن عقبتين أساسيتين، تتمثلان في عدم توافر أغلبية نيابية وازنة، حتى الآن، تبدي الحماس لقائد الجيش، فـ"الثنائي الشيعي" لم يعلن حتى الآن إمكانية تبنّيه لترشيحه، بل إنّ موقفه منه يبدو "متضعضعًا" بين صعود وهبوط، علمًا أنّ هناك من يتوقف عند بعض المؤشرات التي قد تكون معبّرة، من بينها إعلان "حزب الله" في أكثر من مناسبة، أنه لا يضع "فيتو" على أيّ مرشح، وقد فُهم ضمنًا أنّ المقصود هو قائد الجيش تحديدًا.
أما العقبة الثانية، فتتمثل في موقف الكتل المسيحية الأساسية، فـ"التيار الوطني الحر" مثلاً يبدو متصلّبًا في موقفه الرافض لانتخاب عون رئيسًا تحت أيّ ظرف من الظروف، وهو يحذّر من أنّ مثل هذا الأمر سيشكّل "مخالفة دستورية فاضحة"، في حين أنّ "القوات اللبنانية" تبدو متردّدة، ليس فقط لأنها "لم تختبر" الرجل في السياسة كما تقول، ولكن لأنها تعتبر أنّ الفرصة متاحة اليوم لإيصال مرشح "استثنائي"، قد يكون رئيس حزب "القوات" سمير جعجع نفسه.
كلّها "عقبات" قابلة للحلّ، وفق العارفين، فموقف "الثنائي" يبدو أكثر مرونة من أيّ وقت مضى، وثمّة من يقول إنّ الأمر مرهون بتواصل منتظر بين رئيس مجلس النواب والإدارة الأميركية الجديدة، في حين أنّ الموقف المسيحي ليس "مقفلاً"، فـ"القوات" لن تتأخّر في اللحاق بالأغلبية متى نضجت ظروف انتخاب عون، خصوصًا إذا تقاطعت قوى المعارضة على الأمر، فهل تقرّب الأيام المقبلة عون من قصر بعبدا، أم تبعده عنه أكثر؟! المصدر: خاص "لبنان 24"