بعد مقتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، مؤخراً على يد الجيش الإسرائيلي، أثارت ردود الفعل في العالم العربي حول مقتله جدلاً واسعًا. الكثير من العرب، ممن عانوا من جرائمه في سوريا ولبنان، احتفلوا بمقتله باعتباره عقابًا إلهياً على ما ارتكبه من فظائع في حق شعوب المنطقة، فقد رأوا في نصر الله شخصية إجرامية لا تختلف عن أي زعيم ميليشيا أخرى، ولا يعكس إلا جانباً مظلماً من الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، جاء موقف بعض المثقفين العرب ليعبّروا عن استنكارهم لتلك الفرحة، مبررين ذلك بأن نصر الله كان مدافعًا عن القضية الفلسطينية، ونصيراً للمقاومة. هذا التناقض في الموقف يثير تساؤلات حول ماهية الثقافة والوعي، ودور المثقفين في تفسير الأحداث المعقّدة في السياقات السياسية والاجتماعية.
إن هذا التباين بين الفرح بمقتل نصر الله ورفضه من قبل بعض المثقفين يعكس بوضوح مفهوم "ازدواجية المعايير"، حيث يتم تقييم الأفراد أو الأحداث بناءً على معايير متناقضة حسب السياق الذي يخدم مصالح معينة. فالمثقف الذي يبرر أفعال نصر الله الإجرامية بحجة دعمه للقضية الفلسطينية، يتجاهل بشكل سافر ومتعمّد تورطه في نزاعات إقليمية وجرائم بحق الشعبين السوري واللبناني، ناهيك عن تورّطه في دعم وتدريب الحوثيين في حربهم ضد المملكة العربية السعودية. هذا النوع من التفكير يُظهر كيف أن الأيديولوجيات السياسية قد تغلب على الحكم الأخلاقي، مما يؤدي إلى تبني مواقف غير متّسقة.
من الأسباب التي قد تدفع بعض المثقفين إلى هذا التناقض، الانتماء الأيديولوجي الذي يُعمي الأفراد عن رؤية الحقائق بشكل كامل. فعندما يكون المثقف ملتزمًا بأيديولوجية معينة، سواء كانت قومية أو دينية، فإنه يميل إلى الدفاع عن شخصيات تنتمي إلى تلك الأيديولوجية، حتى وإن كانت تصرفاتها تتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان، وهو ما يجعل المثقف يتجاهل، أو يتعامى عن الجوانب السلبية لتلك الشخصيات ويدافع عنها بشكل غير متوازن.
كما أن هناك تعقيدًا عاطفيًا يُحيط بالقضية الفلسطينية يجعل بعض المثقفين غير قادرين على فصل الشخصيات التي تدّعي دعم هذه القضية عن أفعالها الأخرى. القضية الفلسطينية لها أهمية خاصة في الوعي العربي والإسلامي، بعد تاريخ طويل من النضال من أجل الاستقلال. ولكن هذا التعقيد العاطفي لا يجب أن يكون سبباً لتبرير الجرائم التي تُرتكب باسم المقاومة. كما قال الفيلسوف برتراند راسل: "إن أكثر ما يخيفني هو أن المثقفين يتحدثون بلهجة لا تنبع من عقلانية ناضجة، بل من عواطف جماعية مضطربة". هذا القول يعكس بوضوح كيف يمكن أن تؤثر العواطف الجماعية على قدرة المثقفين على التفكير النقدي والتحليلي.
كما أنّ الضغط الاجتماعي والسياسي يلعب دورًا أيضًا في تشكيل مواقف بعض المثقفين الذين يعيشون في مجتمعات لديها توقعات معينة، وغالبًا ما يجدون أنفسهم مضطرين لتبني مواقف تتماشى مع الرأي العام أو مع التيار السياسي السائد. انتقاد شخصية مثل نصر الله، الذي يعتبره البعض رمزًا للمقاومة، قد يُعرّض المثقف لهجوم واسع من الجمهور أو الجهات السياسية المؤيدة له. وبالتالي، قد يلجأ هذا المثقف إلى تبني مواقف وسطية أو متناقضة لتجنب الوقوع في صدام مع المجتمع.
الفرق بين المثقف والإنسان الواعي يظهر بوضوح في مثل هذه المواقف. المثقف هو الذي يمتلك المعرفة والمعلومات، ولكنه قد يكون أسيرًا للأيديولوجيات أو المصالح الشخصية التي تجعله غير قادر على رؤية الصورة الكاملة. بينما الإنسان الواعي هو الذي يمتلك القدرة على التحليل النقدي، والتفكير المتوازن، والتفاعل مع الأحداث بشكل يتجاوز الأيديولوجيات الضيقة. الإنسان الواعي لا يسمح للعواطف أو الضغوط الخارجية بأن تُملي عليه مواقفه، بل يتبنى مواقف أخلاقية مبنية على المبادئ الأساسية للعدالة والإنصاف. ومن هنا، يتضح أن الوعي الحقيقي يتجاوز مجرد الثقافة أو المعرفة، فهو يتطلب الحكمة والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، بغض النظر عن الأيديولوجيات أو الضغوط الاجتماعية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حسن نصر الله نصر الله إسرائيل وحزب الله حسن نصرالله تفجيرات البيجر في لبنان بعض المثقفین نصر الله الذی ی
إقرأ أيضاً:
قصة المعلم الإسباني الذي وقع في حب السعودية .. فيديو
الرياض
كشف معلم إسباني قصة عشقه للسعودية، حيث تحدث عن رحلته الفريدة التي غيرت نظرته للحياة والثقافات، وقال إنه يشعر بالأمان التام في المملكة، معلقًا: “أستطيع المشي ليلاً، كل شيء على ما يرام، هذا رائع!”
بدأت رحلته قبل 12 عامًا عندما سافر إلى أوروبا مجددًا، وهناك التقى برجل سعودي في القطار، يقول المعلم الإسباني: “كان يردد سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وشعرت أن هذه العبارات دينية، لأنني ككاثوليكي لدي عبارات مماثلة، بدأنا الحديث واكتشفنا أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة، وهكذا تشكلت صداقتنا”.
كان هذا الرجل من قبيلة عتيبة، وقد علمه الكثير عن تاريخ العتبان، ما جعله يغوص في تاريخ القبائل السعودية الأخرى، حيث وجد أن لكل منها قصة رائعة وشخصية مميزة، واصفًا صديقه بأنه “ذو شخصية بدوية أصيلة”.
كما أبدى إعجابه باللهجة السعودية وعباراتها الفريدة مثل: “من عيوني” و”على خشمي”، مشيرًا إلى أن مثل هذه العبارات “لا توجد لدينا في الغرب”.
وأضاف المعلم الإسباني أن السعودية تطورت بشكل كبير، قائلًا: “الآن لديكم موسم الرياض، مهرجان الجنادرية، والكثير من الفنانين ولاعبي كرة القدم العالميين هنا.. إنه أمر مبهر، يا جماعة، لازم تجون السعودية!”
وعن تجربته مع الأكلات السعودية، قال: “أنا أحب التحف والأشياء القديمة مثل المعقلية أو سوق الزل، وجربت كبسة الجمل ليس فقط في المطاعم، ولكن أيضًا في منازل الأصدقاء.
كما جربت كبسة الحاشي، وعندما أتحدث عنها في الغرب، يعتقدون أنها مثل لحم البقر المشوي، لكن هنا تؤكل بطريقة مختلفة، حيث نستخدم الشوكة والسكينة هناك، أما هنا فهي تجربة تقليدية أصيلة”.
وختم حديثه مؤكدًا: “الحمد لله، أنا في السعودية.. وأين يمكنني أن أعيش تجربة مثل هذه إلا هنا؟”
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1740228427371-1.mp4