محمد المكي إبراهيم.. تصدر محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك بعد رحيله عن عالمنا عن عمر يناهز85 عامًا.


لذلك بدأ المواطنين يتساءلون عن مسيرة محمد المكي إبراهيم لذلك نستعرضها من خلال هذا التقرير.


من هو محمد المكي إبراهيم؟


هو واحد من أبرز رموز الشعر السوداني المعاصر، ولد في عام 1939 بمدينة الأبيض ونشأ في بيئة غنية ثقافيًا، ما أثر في رؤيته الأدبية والشعرية.

التحق بجامعة الخرطوم، حيث حصل على درجة البكالوريوس في القانون. إلى جانب كونه شاعرًا، كان أيضًا ناشطًا ثقافيًا وأديبًا مهتمًا بالشأن العام السوداني، وتميز بإسهاماته الكبيرة في مجال الأدب والفكر.

الهوية والحداثة

تأثر محمد المكي إبراهيم بتغيرات سياسية وثقافية كبيرة في السودان وفي العالم العربي خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وهو أحد مؤسسي حركة "الغابة والصحراء"، وهي حركة أدبية سودانية ظهرت بعد الاستقلال في الستينيات، وكانت تهدف إلى التوفيق بين مكونات الهوية السودانية: الثقافة العربية والإسلامية من جهة، والثقافة الأفريقية من جهة أخرى. هذه الهوية المزدوجة شكلت جزءًا كبيرًا من رؤيته الإبداعية وأثرت في شعره، الذي كان مزيجًا من الحداثة والأصالة، ومن اللغة الرمزية الغنية والاستعارات المستمدة من التراث المحلي.

أعماله الشعرية


يتميز شعر محمد المكي إبراهيم بلغة بسيطة وراقية في الوقت نفسه، ما يجعله قادرًا على الوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور. يتميز أسلوبه بتعميق المعاني الإنسانية والوطنية مع تركيزه على الهوية السودانية والصراع بين الثقافتين العربية والأفريقية. من أبرز أعماله:

ديوان "أمتي": الذي يعد من أشهر أعماله، يضم قصائد تتحدث عن الوطنية والانتماء والقضايا الإنسانية. تناول في هذا الديوان معاني العزة والحرية وضرورة التحرر من الاستعمار.

قصيدة "الغابة والصحراء": وهي من القصائد الرمزية الهامة في الأدب السوداني، حيث تتناول التفاعل بين الثقافتين السودانية العربية والإفريقية.

قصيدة "نحن والردى": وهي قصيدة طويلة تعتبر من أهم الأعمال التي جسدت الحس الوجودي والشخصي في شعره. تناول فيها مواضيع الموت والحياة بعمق فلسفي.


"الغابة والصحراء": يعد محمد المكي إبراهيم أحد أبرز الأصوات في حركة "الغابة والصحراء" التي كانت تهدف إلى التعبير عن خصوصية الهوية السودانية بوصفها تمثل مزيجًا ثقافيًا وجغرافيًا بين البيئة الصحراوية العربية والبيئة الاستوائية الأفريقية. هذه الحركة كانت تحمل رسالة سياسية وثقافية تؤكد على أن السودان لا ينتمي لثقافة واحدة فقط، بل هو حلقة وصل بين العالمين العربي والأفريقي، وهو ما يتجلى بشكل واضح في كتاباته.

أعماله الأخرى: إلى جانب الشعر، كان لمحمد المكي إبراهيم إسهامات أخرى في كتابة المقالات والبحوث الأدبية والسياسية، كما اشتغل بالترجمة من وإلى الإنجليزية، حيث ترجم بعض الأعمال الأدبية العالمية إلى اللغة العربية.

دوره في الحركة الثقافية: محمد المكي إبراهيم لم يكن شاعرًا فحسب، بل كان فاعلًا في الحركة الثقافية والسياسية في السودان. شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية والسياسية في الداخل والخارج. وخلال سنواته الطويلة في المجال الأدبي، أسهم في تطوير الشعر السوداني الحديث وفي نشر الثقافة السودانية على نطاق أوسع.

على الرغم من النجاح الأدبي الكبير الذي حققه، عاش محمد المكي إبراهيم فترات من الاضطراب السياسي نتيجة آرائه المناهضة لبعض الأنظمة السودانية، ما أدى إلى نفيه لفترة من الزمن خارج البلاد.

في النهاية يعتبر محمد المكي إبراهيم يمثل جيلًا أدبيًا تأثر بالتحولات السياسية والاجتماعية في السودان، وكانت أعماله انعكاسًا لهذه المرحلة، يظل حتى اليوم أحد أعمدة الأدب السوداني الحديث، وترك بصمة لا تمحى في الساحة الثقافية السودانية والعربية.

 

وفاة محمد المكي إبراهيم 

رحل الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم عن عمر يناهز ال85 وذلك بعد صراع مع المرض بالقاهرة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: محمد المكي إبراهيم الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم محمد المکی إبراهیم

إقرأ أيضاً:

السودان: جدل الهوية والانقسام

لا تُشكّل الحكومة الموازية في السّودان والموقّع على ميثاقها مؤخّرًا في نيروبي انقسامًا سياسيًّا بالمعنى المعروف، ولكنها تعكُس أيضًا انقسامًا قبليًّا وعِرقيًّا وثقافيًّا تسبّب ضمن عوامل أخرى في هذه الحرب بالسودان، بحيث لا يُمكن أن يُحسم الصراع بمستوياته المتعددة على المستوى العسكري فقط، ولكن لا بدّ من التعامل مع تجلّياته القبليّة والثقافية.

على الرَّغم من المشاركات الرّمزية في هذه الحكومة من قوى سياسية غير "دارفوريّة"، ولكنّها في ظنّي تحالفات مؤقتة لن تصمد كثيرًا، نظرًا لارتباطها بمصالح وصفقات مالية أكثر من كونها تعبيرًا عن مشروع سياسي متماسِك، حيث لن يصمد في الأخير خلف مشروع قائد قوات "الدعم السريع" إلّا هؤلاء المنتمون إلى مشروعه الجِهوي والقبَلي.

هذا الانقسام كان مِعْوَل إضعاف للمكوّن المدني والقوى السياسية السودانية بشكل عام، تحت مظلّة تفاعلات ثورة ديسمبر/كانون الأول السودانية منذ عام 2018 وحتّى اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، بحيث أصرّ الدارفوريّون خصوصًا وقوى ما يُسمّى بالهامش عمومًا، على أن يضمنوا حقوقًا سياسية على أساس عِرقي، وذلك على حساب الوثيقة الدستورية ذات الطابع القومي التي وقّعتها القوى الثورية مع المكوّن العسكري في أغسطس/آب 2019.

في هذا السّياق، موقف رئيس "حزب الأمّة" ذي الطابع القومي تاريخيًا الذي انحاز على أساس قبَلي لقوات "الدّعم السريع" وحكومتها، ليس متفرّدًا، ذلك أنّ وزراء ومستشارين وولاة شاركوا في الحكومات القومية السودانية، ولكنّهم لم يعتبروا ذلك تمثيلًا كافيًا للإقليم الدارفوري أو لهويتهم خصوصًا إذا كانت من أصولٍ زنجية، كما نستطيع أن نلمح راهنًا حالة حبور غير معلن بكلمات ولكنّه ملاحَظ على الوجوه لدى قطاع من النّخب الدارفورية مع كل نصر تُحقّقه قوات "الدّعم السريع" في مناطق الشرق والوسط بالسودان، ليس كتعبير عن انحياز سياسي أو قبَلي فقط، ولكن أيضًا ربما ما يمكن وصفه بحالة رد اعتبار نفسي على الفظائع التي ارتكبها نظام البشير ضدّ الدارفوريين في حرب الصّراع على السلطة مع التّرابي عام 2003، وهي ورقة حاول البشير في أيامه الأخيرة أن يستخدمَها بتحميل الغرب الدارفوري مسؤولية الثورة على نظامه السياسي، ولكنّه قوبل بروح قومية سودانية، حيث تمّ رفع شعار "يا عنصري يا مغرور... كل البلد دارفور"، ولكنّ هذا الشعار لم يكن سوى حالة مؤقتة الأبعاد العِرقية والقبَلية إلى جانب الأسباب السياسية في الصّراع العسكري السوداني، تشير إلى أنّ خطورة الحكومة الموازية من شأنها أن تُعقِّد المشهد السوداني، وتُسفر عن امتداد للصّراع العسكري لسنوات مقبلة وهو تطوّر يدفع إلى التقدير أنّ السودان ذاهب إلى أحد سيناريوَيْن؛ إمّا تشظٍّ كامل في حالة اندلاع صراعات جهوية وقبَلية في مناطق أخرى على التراب الوطني السوداني، أو انقسام إقليم دارفور مع عدم امتلاكه لشروط الاستقرار أيضًا.
التساؤل هنا؛ هل يمكن أن ينجوَ السودان من هذه المآلات المفزعة، وعلى من تقع مسؤولية إنقاذه من مصير بائس مؤثّر سلبًا في العرب عمومًا ومصر خصوصًا؟.

في ظنّي أنّ تحقيق الجيش لانتصارات عسكرية خصوصًا في العاصمة، وقدرته على السيطرة على وسط السودان وصولًا إلى حدود كردفان ودارفور، يمكن أن يفتحا الطريق أمام إدراكٍ جديد أمام القادة خصوصًا الفريق عبد الفتاح البرهان، بشأن ضرورة التسوية السياسية، وذلك في ضوء تعقيدات هذا الصّراع على المستوى الاجتماعي والثقافي، وضرورة إنهائه حفظًا لحياة المدنيين السودانيين من ناحية، والحفاظ على كامل التراب الوطني السوداني من ناحية أخرى.
على أنّ هذه الخطوة لو حدثت من جانب قائد الجيش في هذه المرحلة فلن تكون كافية، فالمطلوب وعيٌ اجتماعيٌ يقود حزمة من التدخلات والمجهودات الأهلية والمدنية الموازية لجهود إنهاء الحرب على المستوى العسكري.

في هذا السّياق، ربما تكون هناك مسؤولية ملقاة على عاتق النّخب الثقافية السودانية، وذلك في إدارة حوارات بشأن التوسّع في نشر ثقافات قبول الآخر، ورفض الاستعلاء العنصري، والتأكيد على الروابط الاجتماعية بين السودانيين، في مقابل سرديّات التقسيم والتهميش والتعالي، بحيث تكون البوابة الكبرى لهذا الأداء هو الاعتراف بالتنوّع العِرقي الثقافي السوداني على النحو الذي مارسته كلّ من المغرب والجزائر مع "الأمازيغ".

إنّ هذه المجهودات في حالة الوعي بها من جانب المثقفين السودانيين والنّخب المستقلة، وكذلك ممارستها، ربما تقود إلى حالة اندماج وطني مطلوب لتأسيس دولة يمكن أن تملك شروط الاستقرار السياسي، وبالتالي تخطو خطوات طال غيابها بشأن تنمية متوازنة ومستدامة.

(خاص "عروبة 22")  

مقالات مشابهة

  • تطورات الحالة الصحية للاعب الزمالك السابق إبراهيم شيكا
  • إبراهيم الميرغني ولوي عنق الحقائق
  • السوداني يترأس اجتماعاً لمتابعة إجراءات الكهرباء بشأن خطة الصيف
  • السوداني: الخدمة الكهربائية ستكون صعبة خلال الصيف لمنع توريد الغاز الإيراني بأمر أمريكي
  • نائب: السوداني لم ينفذ برنامجه الحكومي الذي ألزم به نفسه
  • اكتشفت أن مساحة العقار الذي اشتريته أصغر من المتفق! هل من طريقة لتحصيل حقي؟
  • السودان: جدل الهوية والانقسام
  • حقن مميتة.. فيلم وثائقي يكشف مفاجآت عن وفاة ماثيو بيري
  • محمد بن زايد: التعليم أساس التحول التنموي الذي نعمل عليه للحاضر والمستقبل
  • رئيس الدولة: التعليم أساس التحول التنموي الذي نعمل عليه للحاضر والمستقبل