أثناء تجولك في ممرات البقالة ستجد طيفا واسعا من الأطعمة اللذيذة المغرية التي تُوصف بأنها "أطعمة فائقة المعالجة".

تتعدد هذه الأطعمة من حبوب الإفطار والخبز الأبيض والبسكويت والكعك والحلويات، إلى رقائق البطاطس والوجبات المجمدة، والمشروبات الغازية، فضلا عن المحلاة بالسكر، والوجبات الخفيفة المالحة المعبأة، والأطباق الجاهزة.

هذه الأطعمة أصبحت "تشكل ما يقدر بنحو 73% من إمدادات الغذاء، وأكثر من 60% من السعرات الحرارية اليومية لدى سكان الولايات المتحدة وحدها"؛ رغم أن العديد من الدراسات أشارت إلى أن "الإفراط في معظمها" قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة.

لكن "اللحوم المُصنّعة" تُعد أسوأ هذه الأطعمة على الإطلاق، حيث تصنفها الوكالة الدولية لبحوث السرطان "في مقدمة مسببات المرض"؛ وخاصة السجق أو "النقانق".

وأكدت النتائج البحثية أنها "يمكن أن تسبب السرطان، وخصوصا سرطان القولون والمستقيم"؛ كما تقول نيكول أندروز، خبيرة التغذية المتخصصة في مساعدة مرضى السرطان؛ مؤكدة أن "النقانق تأتي في مقدمة الأطعمة التي قررت استبعادها من ثلاجتها إلى الأبد".

يعني ذلك أن "الأطعمة فائقة المعالجة ليست متشابهة، وأن بعضها قد لا يخلو من فوائد صحية، فيما قد يشكل البعض الآخر خطرا على الصحة"، وفقا للنتائج الجديدة التي توصلت إليها واحدة من أكبر وأطول الدراسات مؤخرا.

مخاطر الإفراط في تناول الأطعمة فائقة المعالجة

"ما من حالة مزمنة من مرض القلب، أو السكري من النوع 2، أو السرطان، أو الخرف، أو حتى متلازمة القولون العصبي؛ إلا ومن المرجح أن يكون اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة فائقة المعالجة مرتبطا بها"؛ كما تقول أليس كالاهان، الكاتبة الأميركية المتخصصة في مجال الطعام والصحة لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأميركية.

وقد عرّفت جامعة "كامبريدج" البريطانية الأطعمة فائقة المعالجة عام 2019، بأنها "تركيبات صناعية لمواد غذائية تحتوي على القليل من الطعام الحقيقي أو لا تحتوي عليه على الإطلاق؛ لكنها معالجة بمواد حافظة وألوان صناعية ومواد تبييض وتلميع ونكهات ومستحلبات وإضافات تجميلية أخرى، إلى جانب السكر والملح والنشا والزيوت والدهون المصممة لجعل الطعام شهيا".

تعرّف الأطعمة فائقة المعالجة بأنها تركيبات صناعية لمواد غذائية تحتوي على القليل من الطعام الحقيقي المعالج لجعل الطعام شهيا (شترستوك)

وفي السنوات الأخيرة، وجدت الدراسات أن تناول نظام غذائي يعتمد على الأطعمة فائقة المعالجة، يتسبب في "زيادة الوزن بسرعة لدى الأشخاص ويزيد من خطر إصابتهم بما لا يقل عن 32 حالة صحية مختلفة، بما في ذلك السرطان ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب والسمنة والقلق والاكتئاب والخرف".

كما وجدت بحوث علمية أخرى أن الأنظمة الغذائية فائقة المعالجة "تزيد من خطر الوفاة المبكرة". وقد وجدت دراسات سابقة أيضا، أن تناول الكثير من الأطعمة فائقة المعالجة، "يمكن أن يؤدي إلى التهاب الدماغ".

وهناك أدلة على أن الأطعمة فائقة المعالجة "يمكن أن تؤثر على الصحة العامة، عن طريق تقليل حساسية الإنسولين، وإزعاج ميكروبات الأمعاء المفيدة، والالتهاب المزمن في جميع أنحاء الجسم".

لكن العديد من هذه الدراسات "كانت صغيرة نسبيا أو قصيرة المدة أو لم تبحث في أسباب محددة للوفاة"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

الأطعمة فائقة المعالجة المسببة للوفاة

مقابل ما سبق من محاولات بحثية ونتائج مبدئية، ركزت دراسة كبيرة أجراها باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة "هارفارد تي إتش تشان"، ونُشرت في شهر مايو/أيار الماضي، على "العواقب الصحية لأنواع معينة من الأطعمة فائقة المعالجة"؛ وخلصت إلى وجود "ارتباطات قوية بين زيادة خطر الوفاة، وتناول الأطعمة فائقة المعالجة بانتظام، وخاصة اللحوم المُصنّعة".

فمن خلال فحص الأنظمة الغذائية والحالة الصحية لقرابة 115 ألف بالغ أميركي، "ليس لديهم تاريخ إصابة بأمراض السرطان أو القلب أو السكري"، على مدى 30 سنة؛ توصل البحث إلى أن المشاركين الذين تناولوا "كمية أكبر" من الأطعمة فائقة المعالجة بأنواعها (بمعدل 7 حصص أو أكثر يوميا)، "واجهوا خطرا أعلى" بنسبة 4%٪ للوفاة لأي سبب، وبنسبة 8% للوفاة بسبب أمراض مثل الخرف وباركنسون؛ من أولئك الذين تناولوا "كمية أقل" من هذه الأطعمة (بمعدل 3 حصص يوميا).

ووجد الباحثون أن الفئات التالية هي الأكثر ارتباطا بزيادة خطر الوفاة:

اللحوم المصنعة. المشروبات المحلاة بالسكر مثل الصودا الدايت. الحلويات القائمة على منتجات الألبان.

لذا أوصى مينغيانج سونج، أستاذ علم التغذية المساعد بهارفارد تي إتش تشان، والمشرف على الدراسة؛ "بتجنب هاتين المجموعتين من الأطعمة فائقة المعالجة، أو الحد من استهلاكهما".

لكنه أوضح في الوقت نفسه، أن "الأطعمة فائقة المعالجة ليست كلها شرا محضا، فالخبز المصنوع من الحبوب الكاملة بطريقة فائقة المعالجة -على سبيل المثال- يحتوي على عدة عناصر غذائية مفيدة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن".

مخاطر أخرى لنفس المجموعتين

وفي دراسة نُشرت مؤخرا في "مجلة لانسيت" الطبية، وشملت أكثر من 200 ألف بالغ في الولايات المتحدة، قام الباحثون بتحليل مخاطر تناول الأطعمة فائقة المعالجة، واستخلصوا أسوأ أنواعها.

ووجدوا أن "الذين استهلكوا أكبر قدر من الأطعمة فائقة المعالجة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 11%، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 16%"؛ مقارنة بأولئك "الذين استهلكوا كمية أقل" من الأطعمة فائقة المعالجة؛ كما ارتفع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية قليلا، "لدى أعلى المستهلكين لهذه الأطعمة".

وجمع الباحثون نتائجهم مع نتائج 19 دراسة أخرى، لتحليل منفصل لحوالي 1.25 مليون بالغ؛ ووجدوا أن أولئك الذين استهلكوا أكبر قدر من الأطعمة فائقة المعالجة، "كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 17%، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 23% وأكثر عرضة للإصابة بسكتة دماغية بنسبة 9%"، مقارنة بأقل المستهلكين.

ينصح المختصون بتجنب اللحوم المصنعة والمشروبات المحلاة بالسكر والحلويات القائمة على منتجات الألبان (شترستوك)

كما قام الباحثون بتحليل ما إذا كانت أنواع معينة من الأطعمة فائقة المعالجة مرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر من غيرها.

فكان من بين فئات الأطعمة فائقة المعالجة العشر التي تم فحصها، "ارتبطت اثنتان بوضوح بمخاطر أكبر"، وهما:

اللحوم المصنعة والدواجن والأسماك، بما في ذلك الهوت دوغ والنقانق والسلامي. المشروبات المحلاة بالسكر.

وقال كيني ميندوزا، الباحث في هارفارد تي إتش تشان، والمشرف على الدراسة، إنه "عندما تم استبعاد هاتين الفئتين، اختفت معظم المخاطر المرتبطة باستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة".

في المقابل، ارتبطت "بعض أنواع" الأطعمة فائقة المعالجة "بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية"، وشملت "حبوب الإفطار والزبادي المُنكّه والآيس كريم؛ والوجبات الخفيفة مثل الفشار والمقرمشات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بأمراض القلب والأوعیة الدمویة من الأطعمة فائقة المعالجة المحلاة بالسکر هذه الأطعمة

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | ضي رحمي.. أن تترجم لتكون القصيدة قلبك الآخر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في عالمٍ تُستنزف فيه الكلمات كما تُستنزف الأعمار، تبدو الترجمة أحيانًا فعلًا باردًا، مجرّد جسر صامت بين لغتين. لكن حين تمر القصائد من بين يدي ضي رحمي، تصبح الترجمة طقسًا شعريًا قائمًا بذاته، كأن النص الأصلي لم يوجد إلا ليُولد من جديد بلغتها. ليست ضي رحمي مترجمة تقف على الحياد بين الشاعر وقارئه العربي، بل هي عاشقة تختار قصائدها كما تختار روحٌ عاشقٌ مَن يهواه، بعين تمسّ، وقلب يُنصت، وضمير لا يُهادن.

 

ضي رحمي لا تضع نفسها في مصاف "المترجمين المحترفين". تصرّ، بتواضع متوهج، على أنها "مترجمة هاوية". وهذا في ذاته مفتاح لفهم صوتها الخاص: ليست ضي أسيرة قواعد النشر ولا شروط المؤسسات، بل أسيرة الدهشة وحدها. لا تترجم ما يُطلب منها، بل ما يطلبها. ما يمسّها كما لو أن القصيدة سُرّبت لها من حلم سابق.

 

في هذا المعنى، فإن ترجماتها ليست نقلًا من لغة إلى أخرى، بل استعادة. كأنّ ضي تعثر على قصيدة في لغتها الأم وقد كُتبت أصلًا بها، فتُعيدها إلى أهلها. ليس غريبًا إذًا أن تجد الكثيرين يظنون أن تلك الكلمات التي قرأوها لها هي شعر عربي خالص، لا ترجمة.

 

ليس من السهل أن تختار قصيدة لتترجمها. فالنصوص، كما الناس، تحمل أعمارًا وأقنعة وثقافات قد تنفر منها الروح أو لا تجد فيها ما يشبهها. غير أن ضي رحمي تمتلك حسًّا نادرًا في هذا الاختيار. تختار القصائد التي تنتمي إلى عوالم هشّة، إلى تلك الفجوات الدقيقة بين الحب والخسارة، الوحدة والحنين، الغضب والرقة. تنجذب إلى الشعراء الذين يكتبون كمن يربّت على كتف العالم: لانج لييف، نيكيتا جيل، رودي فرانسيسكو، وآخرون ممن يُقال عنهم شعراء المشاعر الدقيقة.

 

وتنجح ضي في أن تنقل هذه المشاعر لا باعتبارها معاني لغوية، بل باعتبارها أصداءً داخلية. فهي تعرف كيف تحفظ موسيقى النص، كيف تُبقي على رعشة الجملة، وعلى ذلك الفراغ النبيل الذي يتخلل بعض القصائد ويمنحها عمقًا لا يُفسَّر.

 

في ترجماتها، يظهر صوت أنثوي واضح، لكنه غير شعاري. لا تخوض ضي في قضايا النسوية من بوابة المباشرة، بل تفتح بابًا خلفيًا للقارئ كي يرى هشاشة النساء، غضبهن، صمتهن، توقهن للحب، وانهياراتهن الصغيرة، من دون أن تقول ذلك بصوت عالٍ. تترك اللغة تفعل ذلك.

 

في ترجمتها لقصيدة عن امرأة وحيدة تُحدّث ظلالها، لا يبدو أن ثمّة شيء يحدث سوى أن القارئ يشعر أنه هو تلك المرأة. هنا تتجلى قوة ضي: لا تسرد الشعر، بل تجعلك تعيش داخله، كأنك كنت دومًا هناك.

 

ضي لا تكتفي بالترجمة المكتوبة. على ساوند كلاود، نسمع بصوتها أو بصوت متعاونين معها ترجمات مسموعة لقصائدها المختارة. الصوت هنا ليس مجرد أداة قراءة، بل امتداد للقصيدة. نبرة الصوت، طريقة الوقف، وحتى الأنفاس الصغيرة بين السطور، كلها تشكّل طبقة إضافية من الترجمة، تجعل من القصيدة حدثًا سمعيًّا، لا قرائيًّا فقط.

 

هذه القدرة على المزج بين الكلمة والموسيقى الداخلية للصوت تجعل من ترجماتها لحظة حميمية، كما لو أنك جالس قبالة صديقة تخبرك شيئًا سريًّا عن العالم.

 

ما يعمق هذا البعد الإنساني في أعمال ضي هو أنها ليست فقط مترجمة، بل فاعلة في العمل الاجتماعي والإنساني. عملها من أجل ضحايا العنف يمنحها حساسية لا يمتلكها كثيرون. الترجمة هنا ليست فعل ترف ثقافي، بل امتداد للرغبة في فهم الألم الإنساني بكل لغاته. لذلك نجد في ترجماتها إصرارًا على منح الألم صوتًا ناعمًا، لا يصرخ، بل يشير بإصبعه إلى قلبك، ويصمت.

 

لو جاز لنا أن نكتب قصيدة عن ضي رحمي، لربما قلنا إنها تلك اليد التي تُمسك بالقصيدة المترجمة كما لو كانت دمًا طازجًا خرج لتوّه من الوريد. لا تضعه في قارورة محكمة، بل تتركه يسيل في اللغة العربية كأنه لم يكن غريبًا قط.

 

ربما ليست ضي مترجمة بالمعنى التقليدي، لكنها بالتأكيد شاعرة تتنكر في زي مترجمة. شاعرة لا تكتب القصيدة، بل تبحث عنها في لغات الآخرين، وتعيد كتابتها بلغة تشبه قلبها.

مقالات مشابهة

  • غوارديولا عن موسم السيتي: لم يكن موسما جيدا لكن كان من الممكن أن يكون أسوأ
  • في أول 100 يوم من رئاسة ترامب.. أسوأ أداء للدولار منذ عهد نيكسون
  • بعد LGV القنيطرة مراكش.. المغرب أصبح يتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة في العالم
  • سعيد يوسف : ليت البخت لو مرة مال أسوأ أغنية لعايض.. فيديو
  • مترجمة لغة إشارة: التيك توك رفع ثقة الصُم بالنفس
  • بعيدا عن الألم والفقد.. حافظوا على قلوبكم من التوقف!
  • أمراض القلب والتسمم.. مخاطر المواد الكيميائية على الصحة وكيفية تجنب آثارها السلبية؟
  • سامح قاسم يكتب | ضي رحمي.. أن تترجم لتكون القصيدة قلبك الآخر
  • أسعار الذهب تنتعش بعد أكبر انخفاض يومي في خمسة أشهر
  • تمساح يقرع جرس باب منزل في فلوريدا