جاسوسك في جيبك ـ وربما هو وسيلة لقتلك
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
في عصر التكنولوجيا المتسارع، أصبحت الهواتف الذكية جزءًا لا غنى عنه في حياتنا اليومية، فهي تربطنا بالعالم وتمكننا من القيام بمهامنا المختلفة بسهولة ويسر. ولكن هل يمكن أن تكون هذه الأجهزة أكثر من مجرد أدوات اتصال وتواصل؟
في ضوء الأحداث الأخيرة، بات الأمر أكثر وضوحًا وخطورة. ففي 17 و18 سبتمبر 2024، وقعت حادثة مثيرة للقلق، حيث قامت المخابرات الإسرائيلية، بالتعاون مع أطراف أخرى، بتفجير أجهزة لاسلكية مثل البيجر والووكي ـ توكي عن بُعد، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من أفراد حزب الله اللبناني.
في الواقع، كنت أعلم أن الهاتف الجوال يمكن أن يكون أداة تجسس على حياتنا اليومية. فهو يتنصت على محادثاتنا، يسجل مواقعنا الجغرافية، وربما يقوم بأشياء أخرى لا ندركها. لكن ما لم أتوقعه هو أن يتحول الهاتف إلى أداة قتل. هذا الاحتمال المرعب يجعلني أشعر بعدم الارتياح في كل مرة أسمع رنة هاتفي أو هاتف آخر. أصبحت الآن أنظر إلى جهاز الهاتف في جيبي ليس كوسيلة للاتصال، بل كأداة قد تهدد حياتي.
الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.. العبودية التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين
إلى جانب المخاطر الأمنية التي باتت تُهددنا بسبب الهواتف الذكية، يبرز جانب آخر لا يقل خطورة: الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت هذه الوسائل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا لدرجة أن الكثيرين لا يستطيعون تخيل حياتهم بدونها. في كل لحظة، نحمل هواتفنا الذكية ونستعملها للتواصل أو الترفيه أو حتى للعمل. ولكن في الواقع، هذه الأجهزة أخذت منا الكثير من حياتنا الواقعية. لقد تجاوزت دورها كأدوات تكنولوجية بسيطة، وأصبحت تتحكم في نمط حياتنا وتفكيرنا.
إلى جانب المخاطر الأمنية التي باتت تُهددنا بسبب الهواتف الذكية، يبرز جانب آخر لا يقل خطورة: الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت هذه الوسائل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا لدرجة أن الكثيرين لا يستطيعون تخيل حياتهم بدونها.هذا الاعتماد الشديد على التكنولوجيا ليس جديدًا تمامًا، إذ تعود جذوره إلى اختراع الهاتف المنزلي في أواخر القرن التاسع عشر. يُروى أن رجلًا استشار صديقًا حول فكرة شراء هاتف منزلي، فحذره الأخير قائلًا: "هذا الجهاز سيجعلك عبدًا له. لن يسكت عندما يبدأ بالصراخ حتى ترد عليه". كان ذلك في وقت كان الهاتف المنزلي يُعد إنجازًا تكنولوجيًا حديثًا، لكن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا اليوم، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تغلغلًا في حياتنا.
نحن الآن نستخدم هذه المنصات ليس فقط للتواصل مع الآخرين، ولكن أيضًا للهروب من الواقع والضغوط النفسية التي نواجهها في حياتنا اليومية. هذا الهروب المستمر إلى العالم الافتراضي قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الواقعية، حيث يتم تأجيل التعامل مع التحديات الحقيقية. وفي نهاية المطاف، يصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هروبًا من الحياة بدلًا من تحسينها، مما يؤدي إلى تعقيد الأمور.
ورغم كل هذه العيوب، لا يمكننا إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا غنى عنه في الحياة المعاصرة. الحل الأمثل ليس في التخلي عنها، بل في استخدامها بوعي ومحدودية. علينا أن نكون مدركين للأضرار المحتملة لإدمان التكنولوجيا، وأن نبحث عن توازن صحي يضمن استفادتنا من هذه الأدوات دون الوقوع في شرك التبعية الكاملة لها.
شركات التواصل الاجتماعي: قوى عظمى تتحكم في العالم
في العقود الأخيرة، تحولت شركات التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل إلى قوى عظمى تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات والسياسات والقيم الثقافية والدينية. اليوم، تُعد هذه الشركات لاعبا أساسيا في تشكيل الرأي العام وتوجيه السياسات الدولية. من خلال التحكم في تدفق المعلومات وتحليل البيانات الضخمة للمستخدمين، أصبحت هذه الشركات تمتلك قوة غير مسبوقة يمكن أن تؤثر على السياسات والقرارات الحكومية وحتى على نتائج الانتخابات.
الشركات الكبرى مثل فيسبوك، تويتر، إنستغرام، وتيك توك لم تعد مجرد منصات اجتماعية، بل تحولت إلى أدوات للتحكم السياسي والثقافي. هذه الشركات قادرة على تشكيل النقاشات العامة، والتحكم في المعلومات التي تصل إلى الناس، بل والتلاعب بالمشاعر والآراء من خلال التحليل الدقيق لبيانات المستخدمين. وهذا التحول الكبير يتطلب منا النظر بجدية في تأثير هذه الشركات على ثلاثة محاور رئيسية: السيادة الوطنية، القيم الأخلاقية والدينية، والتحكم السياسي والثقافي.
تهديد القيم الأخلاقية والدينية
تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل الهوية الثقافية والدينية للأفراد والمجتمعات. من خلال نشر محتوى لا حدود له، تُسهم هذه المنصات في تفكيك القيم الدينية والأخلاقية التي ترتكز عليها المجتمعات التقليدية.
في العقود الأخيرة، تحولت شركات التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل إلى قوى عظمى تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات والسياسات والقيم الثقافية والدينية. اليوم، تُعد هذه الشركات لاعبا أساسيا في تشكيل الرأي العام وتوجيه السياسات الدولية.1 ـ التأثير على الديانات:
مع انتشار محتويات تنتقد الأديان التقليدية أو تروج للإلحاد، بدأت هذه المنصات تؤثر بشكل مباشر على الأجيال الشابة، مما يؤدي إلى ضعف الهويات الدينية وتراجع تأثير القيم الروحية. كما أن بعض الجماعات الإرهابية والمنظمات المتطرفة تستغل هذه المنصات لنشر دعاية دينية متطرفة، بهدف جذب الشباب واستغلالهم في أجنداتهم السياسية.
2 ـ تآكل القيم الاجتماعية:
تشجع وسائل التواصل الاجتماعي قيمًا فردية واستهلاكية تتعارض مع القيم الاجتماعية التقليدية التي تعتمد على الأسرة والمجتمع. ثقافة الشهرة السريعة والاهتمام بالذات أصبحت جزءًا كبيرًا من حياة العديد من المستخدمين، مما يؤدي إلى تآكل قيم التضامن والتعاون الاجتماعي، حيث يركز الأفراد بشكل متزايد على أنفسهم واحتياجاتهم الشخصية.
3 ـ التحولات الثقافية:
تساهم منصات التواصل الاجتماعي في تسريع انتقال الأفكار والعادات بين المجتمعات، مما يؤدي إلى نشر الثقافات الغربية على حساب الهويات المحلية. نتيجة لذلك، بدأت العديد من المجتمعات تفقد تمسكها بعاداتها وتقاليدها الثقافية، وأصبحت تتبنى عادات وسلوكيات غربية قد لا تتناسب مع طبيعتها الخاصة.
استعادة السيادة الرقمية وحماية القيم الحضارية
لمواجهة التأثير الكبير لشركات التواصل الاجتماعي، ظهرت توجهات دولية لحماية السيادة الرقمية والقيم الحضارية. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
1 ـ تطوير منصات محلية: يجب على الدول تطوير منصات تواصل اجتماعي محلية تنافس تلك العالمية، بهدف حماية بيانات المواطنين والحفاظ على الخصوصية الوطنية.
2 ـ تشريعات رقمية وطنية: يتطلب الأمر سن قوانين رقمية تحمي الخصوصية وتضع ضوابط على كيفية استخدام البيانات الشخصية من قبل الشركات العالمية.
3 ـ تعزيز الوعي الرقمي: ينبغي أن تكون هناك حملات توعية بمخاطر الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، وضرورة الاستخدام الآمن والمدروس لهذه المنصات.
4 ـ تعزيز الهوية الثقافية: يجب تعزيز القيم الثقافية المحلية وحمايتها من التأثيرات الخارجية، من خلال برامج تعليمية وثقافية تسعى إلى الحفاظ على الهوية الوطنية.
وسائل التواصل الاجتماعي والترويج السياسي والاقتصادي
إلى جانب النفوذ الثقافي والاجتماعي، أصبحت شركات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مهمًا في التأثير على السياسة والاقتصاد. بفضل قدرتها على تحليل بيانات المستخدمين بدقة، يمكن لهذه الشركات توجيه الحملات السياسية والإعلانية بشكل يستهدف الفئات المناسبة, وهذا ما لمسته شخصيا من خلال الحملات الإنتخابية التي قمت بها في ألمانيا. هذه القدرة على توجيه الرسائل والإعلانات بناءً على البيانات الشخصية تثير تساؤلات حول مدى نزاهة هذه العمليات، وما إذا كانت الدول قادرة على حماية شعوبها من هذا النوع من الاستغلال الرقمي.
في المجال الاقتصادي، تستخدم الشركات الكبرى هذه المنصات لجمع معلومات حول سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم، مما يمكنها من توجيه الإعلانات بشكل دقيق. هذا الوضع يعزز شعور الكثيرين بأن هواتفهم "تستمع" إليهم، حيث غالبًا ما تظهر لهم إعلانات عن منتجات تحدثوا عنها أو بحثوا عنها عبر الإنترنت مؤخرًا.
انتبه.. رن هاتفك!
في النهاية، لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت قوة مؤثرة على جميع جوانب حياتنا. إنها تشكل سياساتنا، وتعيد تشكيل قيمنا الثقافية والدينية، وتؤثر بشكل مباشر على سيادتنا الوطنية. في هذا العالم الرقمي المتسارع، علينا أن نكون حذرين، ونتساءل عن الثمن الذي ندفعه مقابل هذه الراحة الرقمية التي توفرها لنا التكنولوجيا. عندما يرن هاتفك في المرة القادمة، تذكر أن هذا الجهاز الصغير يحمل في طياته إمكانيات تتجاوز مجرد التواصل – فقد يكون سلاحًا رقميًا، أو جاسوسًا خفيًا، أو وسيلة للتحكم في مصيرك.
*نائب ألماني سابق
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التكنولوجيا العالم الرأي تطور تكنولوجيا العالم رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شرکات التواصل الاجتماعی تؤثر بشکل مباشر على مما یؤدی إلى هذه الشرکات هذه المنصات جزء ا لا من خلال
إقرأ أيضاً:
خطبة الجمعة بالمسجد الحرام: يجب الحذر من وسائل التواصل الاجتماعي لامتلائها بما يفسد دين المسلم ودنياه
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن الإسلام أرسى أسس وقواعد الأخوة والمحبة، والتواصل والمودة، وفي غِمار الحياة ونوائبها، ومَشاقِّ الدُّنيا ومَبَاهِضها، وفي عالم مُصْطَخبٍ بالمشكلات والخُصُومات، والمُتَغيرات والنزاعات، وفي عصر غلبت فيه الماديات وفَشَت فيه المصالح والأنانيات، حيث إن الإنسان مَدَنِي بِطَبْعِه، واجتماعِي بفطرته، تَبْرُزُ قَضِيَّة سَنِيَّةٌ، مِنْ لوازم وضرُورَاتِ الحياة الإنسانية، تلكم -يا رعاكم الله- العلاقات الاجتماعية ومَا تقتضِيه مِن الركائز والروابط البشرية، والتفاعل البنَّاء لِتَرْقِية الخُلُق والسلوك، وتزكية النفس والروح؛ كي تسْمو بها إلى لُبَاب المشاعر الرَّقيقة، وصفوة التفاهم الهَتَّان، وقُنَّة الاحترام الفَيْنان، الذي يُحَقِّقُ أسمى معاني العلاقات الإيجابية، المُتكافلة المتراحِمة، وأنبل وشائجها المُتعَاطِفة المُتَلاحِمة، التي تَتَرَاءى في الكُرَب بِلَحْظ الفؤاد، وتَتَنَاجَى في النُّوَبِ بِلَفْظِ السُلُو والوِدَاد.
وأضاف بأن الأيام لا تزال تتقلب ببني الإنسان حتى ساقته إلى عَصْرٍ سَحقته المَادّة، وأفنته الكَزَازة الهَادَّة. ونَدر في العالم التراحم والإشفاق، والتَّبَارُرَ والإرفاق، وفَقَدَ تَبَعًا لِذَلك أمنه واسْتِقْرَاره، ومَعْنَى الحياة فيه، وفَحْوى الإحسان الذي يُنْجِيه، ولا يخفى على شريف علمكم أَنَّ مُخالَطة النَّاس تُعَرِّض المَرْء لا مَحَالة لخطأ سَوْرَتِهم، وخَطل جهالتهم، لذا كان ولا بد من وقفة جادَّة؛ لتَعْزيز الروابط الاجتماعية، فالشعارات البرَّاقة، لا تكشف كُرَبًا، ولا تبدِّدُ صَعْبًا، ولا تُغيثُ أمَّة مَرْزُوءة ولا شعْبًا، ما لم تُتَوَّج بالمواقف والأفعال، يَتَسَنَّمُ ذِرْوَة سَنَام ذلك: الاحترام المتبادل؛ فهو أساس العلاقات الاجتماعية الناجحة، ويشمل ذلك التقدير الشخصي، وتقدير واحترام المشاعر والآراء، والتفهم لمواقف الآخرين، فإن ذلك يؤصِّل ويسهم في تقوية الروابط، وتعزيز الأواصر.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا ساغ عقلاً قبول القناعات، واستمراء الآراء والحريات، فغير سائغٍ على الإطلاق أن تتحول القناعات إلى صراعات، والحريات إلى فتنٍ وأزمات، ولاسيما والأمة تعيش منعطفًا تاريخيًا خطيرًا، ومرحلة حرجة من أشد مراحل تاريخها، فمن أهم موجبات الوحدة، ومقتضيات التضامن والاعتصام، التغاضي والتغافل، والصبر والتسامح، وحُسْنُ الظن والتماس الأعذار، قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّه لَكُمْ﴾، ويتبع ذلك من جميل الوُدِّ والتعامل الحسن عدم الإكثار من اللَّوْمِ والعِتَاب، والتَّشَكِّي في الحديثِ والخِطَاب، فإنها تَقْطَع الأواصر بغير حِجَاب. وليست تدوم مودة وعتاب، فقلوب أهل الإيمان دمَّاحة، ونفوسهم لِلْوُدِّ لَمَّاحة.
وأكد الدكتور السديس أنَّ النّسيج الاجتماعي المُتراص الفريد يحتاج إلى صَقْل العلاقات الاجتماعية، والتحلي بمحاسن الآداب المرعية، ومعالي القيم الخُلقية، والمُدارة الإنسانية، وجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر، وعِفَّة اللسان، وسلامة الصدور، ولقد تميز الإسلام بنظـام اجتماعي وإنساني فريد، وسبـق بذلك نُظُم البَشَر كلها؛ ذلك لأن العلاقات الاجتماعية في هذا الدين مُنبثقـة من جوهر العقيدة الصافية، مبينًا أن مما تتميز به المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو مصدر قِيَمِهَا الإنسانية والاجتماعية ومقياس مُثلها العُليا.
والإسلام ليس قاصرًا على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات.
وأشار فضيلته إلى أن ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي العجب العُجَاب، مِمَّا يُفسد العلاقات، ويقطع حِبَال الوُدِّ في المجتمعات، من الطَّعْنِ في دين الناس وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، فيتلقفها الدَّهْمَاءُ، وتَلُوكُهَا الرُّوَيْبِضَةُ في نَشْر للشائعات وترويجٍ للأراجيف والافتراءات، مما يجب معه الحذر في التعامل مع هذه المنصات المنتحلة، والمواقع المزيفة، التي تكثر فيها الغثائية، ومحتوى الغوغائية.
وأوضح فضيلته أن الإسلام جاء رائدًا للتَّراحم والتعاطف بل هو الذي أنْمى ذيَّاك الخُلُق في الخافِقَين وأصَّله، وحضّ عليه وفَصَّلَه، قال تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وتلكم الخلال الرَّحيمة، والشِّيَم النبيلة الكريمة، التي عَنَّت العالم إدْراكَها، لَهِي الأمل الذي تَرْمُقه الأمم الجهيدة والشُّعوب، وتَهْفُو لها أبَرُّ القلوب، لذا يجب تَعْزيز قِيَمنَا الرَّبانية الومَّاضة؛ كالرحمة والعَدْل والصِّدق والوفاء، والبِر والرِّفق والصَّفاء، والأمَانة والإحسان والإخاء، وسِوَاها مِن كرائم الشِّيم الغرَّاء والشمائل الفيحاء، التي تُعد مصابيح للإنسان تضيء دربه، وهي صِمَام أمن وأمان لصاحبها من الانحلال الأخلاقي، وحياة الفوضى والعبث والسقوط في مهاوي الضلال وجلب التعاسة والشقاء لنفسه وأهله، خاصة بين الرُّعاة والرعية، والعلماء والعامة، وفي حلائب العلم وساحات المعرفة في مراعاة لأدبِ الخِلافِ والبُّعد عن التراشق بالكلمات والتلاسن بالعبارات، وتضخيم الهِنَات، فضلًا عن اتهام النِّيَّات وكَيْلِ الاتهامات، والتصنيفات.
ومع الوالدين والأقارب والجيران، وكذا الزملاء في بيئة العمل، وفي مجال العلاقات الزوجية، أعلى الإسلام قيم الاحترام والاهتمام، ومتى علم الزوجان الحقوق والواجبات زانت العلاقات، ونعما سويًا بالسعادة الزوجية، والهناءة القلبية، لذا أوصى الله جل وعلا الأزواج بقوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجات بقوله: “فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْه فَإِنَّمَا هُو جَنَّتُكِ وَنَارُكِ”، فكيف تُقَام حياة أو يؤسس بيت وسط الخلافات الحادة، والمناقشات والمُحَادَّة؟ وأنَّى يهنأ أبناء الأسرة بالمحبة وينعمون بالوُدِّ في جو يغلب عليه التنازع والشِّقَاق والتناحر وعدم الوِفَاق.
وهل تستقيم حياة بغير المَوَدَّة والرَّحمة؟ وكلها معارك الخاسر فيها الإنسان، والرابح فيها الشيطان.
ألا ما أحوج الأمة الإسلامية إلى تفعيل فن التعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، ليتحقق لها الخير في الدنيا والآخرة.
والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وذكر الشيخ السديس أن وقوع الاختلاف بين الناس أمر لا بد منه؛ لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم.. ولكن المذموم بَغْي بعضهم على بعض، فالاختلاف أمر فطري، أما الخِلاف والشِّقاق، والتخاصم والفِراق، فهو المنهي عنه بنصوص الشريعة الغرَّاء. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّه لَكُمْ عَدُو مُبِينٌ﴾.