ناقشوا الفكرة وادرسوها! (3)
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
عاش الصعيد مهمشًا سنوات طويلة.. وهذه حقيقة لا أحد ينكرها، صحيح الآن الوضع أفضل، ولكنه يظل أقل من المطلوب، لأنه لا يزال أرضًا خصبًا، كما كان، للمتطرفين دينيًا وهى مرحلة ما قبل الإرهاب، ولا يزال كذلك العمل الثقافى هو الحل الوحيد لمواجهة التطرف الفكرى والديني!
والعمل الثقافى لا يتيح الفرصة للموهوبين بالظهور فقط بل هو خدمة لكل الناس، فهو حق للجميع أن يعيشوا فى مناخ ثقافى يحفز الإبداع، ويشجع المبدعين، وينمى الفكر والتفكير والشعور بالجمال وبمتعة الحياة ويرتقى بالعقول والنفوس.
وما ذكرته، ربما قالته، بل من المؤكد ذكرته عشرات المرات فى برنامجها الشهير «نادى السينما» الإعلامية فى الأول والأخير الدكتورة درية شرف الدين، رئيس لجنة الإعلام والثقافة والآثار بمجلس النواب، فقد كان هذا البرنامج نافذة لكل محبى السينما من مبدعين ومتفرجين فى كل محافظات مصر، ومن خلاله شاهد أبناء الأقاليم دون القاهرة روائع السينما العالمية!
اليوم أناشد الإعلامية بصفتها النيابية أن تتبنى اقتراح انشاء أكاديمية للفنون فى الصعيد، تضم معاهد للمسرح، وللكونسرفتوار، وللباليه، والسينما، والموسيقى العربية، ومعهدا للنقد الفنى، وللفنون الشعبية.. ومن له الحق فى منع أبسط حقوق فتيات الصعيد من دخول الكونسرفتوار أو معهد الباليه مثلهم مثل أطفال القاهرة؟!
فمن حق الآف الفتيات والصبيان فى الصعيد تعلم العزف على الآلات الموسيقية وتعلم فنون الباليه، لأن الصعيد يضم الآف المواهب التى لا تتمكن من الالتحاق بالأكاديمية فى القاهرة التى لا تقدر أصلا على استيعاب المواهب التى فى العاصمة وبالمحافظات القريبة، ناهيك عن الأولوية التى يحظى بها أبناء المخرجين والممثلين وغيرهم من فنانين لدخول أكاديمية القاهرة سواء كانوا موهوبين أو لأنهم لم يقبلوا فى أى كلية لمجموعهم الضعيف فى الثانوية وتكون الأكاديمية ملاذهم الوحيد للحصول على بكالوريوس!
ولا أتهم أحدًا، كل ما يهمنى توضيح المبررات والأسباب التى تبين أهمية إنشاء أكاديمية للفنون بالصعيد، وكما قلت إذا كانت الدولة اهتمت مشكورة بافتتاح الجامعات التى ضمت عشرات الكليات فى الصعيد، فإنه للأسف لم تهتم وزارة الثقافة بافتتاح فرع واحد لأكاديمية الفنون للصعايدة، وكأن المواهب فى القاهرة وحدها وما دونها من معدومى الموهبة والابداع!
يا دكتورة درية شرف الدين.. إذا كنت من مقعدك أمام شاشة التليفزيون ساهمتِ فى تنمية العقول والقلوب والنفوس من خلال عرض ومناقشة الأفلام العالمية، فإنه من موقعك النيابى الحالى يمكنكِ استمرار دورك الريادى هذا من خلال تبنى طرح مشروع انشاء فرع لأكاديمية الفنون فى الصعيد بمجلس النواب.. وهذا المطلب ليس فقط لإتاحة فرصة الدراسة العلمية للفنون أمام الموهوبين فى الصعيد، بل ستكون الأكاديمية إضافة حضارية وصرحا ثقافيا يخدم كل أبناء الصعيد!
ولا حاجة للقول إن أبناء الصعيد يستحقون أن تكون لهم أكاديمية للفنون.. وأنت تستحقين أن يكتب اسمك مع هذا الإنجاز الذى سيبقى حتى ولو لم نبقَ فى مواقعنا!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الناصية ناقشوا الفكرة وادرسوها 3 الصعيد العمل الثقافي الحل الوحيد فى الصعید
إقرأ أيضاً:
مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «16»
يقول جاك شاهين، موضحًا سبب (أو لا سبب) استخدام فكرة الـ «كاميو» فـي الأفلام الأمريكيَّة التي تصوِّر العرب فـي السِّينما الأمريكيَّة على النَّحو السَّلبي الذي تُصَوِّرهم به إن الأمر يتعلَّق بـ «الأشرار اللاأخلاقيِّين الفظيعين، والعذارى، والشُّيوخ، والمصريين [القدماء]، والفلسطينيين... فـي أفلام لا علاقة لها أبداً بالعرب أو الشَّرق الأوسط» (1). يعني شاهين، بكلمات أخرى، الظهور المجاني والإقحام القسري فـي سرديات سينمائية لا تعني ما كان عبدالمجيد حاجي قد أسماه «النوع السينمائي الشرقي». ويتحكم فـي خطاب شاهين فـي كتابه هذا، كما هو الحال فـي أعماله الأخرى، خطاب مضَّاد للصُّور التنميطيَّة، عاطفـي لا يفتقر إلى النداءات المشبوبة وجدانيًّا ومنطقيًّا موجه فـي الغالب إلى جمهور من عامَّة القُرَّاء وليس للمُنْجَمَع النَّقدي الفكري والأكاديمي الذي تجاوزت أطروحاته ثنائيَّة «الجيِّد/ السيئ». وربما يكون هذا هو السبب فـي انه -أي شاهين- يرى لمعات من الأمل والمراهنة هنا وهناك فـي «تحسُّن» التَّمثيلات (representations) السِّينمائيَّة للعربي. وفـي ذينك الأمل والمراهنة يُمَوضِع فـي عدد من أفلام هوليوود المتعلِّقة بالأمر ما يدعوه «الإيجابي» من الأفلام الذي يقسِّمها بدوره إلى درجتين اثنتين. أما الأولى من تينك الدرجتين فهي ما يسميِّه «مُزَكَّى/ مُوصى به» من أفلام (وسأعترف باستغرابي من انه يضِّمن فـي هذه الدرجة الحائزة على رضاه فـيلماً مثل فـيلم «قِسْمَت» [kismet] من إخراج وِليَم ديترلي William Dieterle، 1944، على الرغم من استشراقيَّته الصَّريحة. وكذلك فـيلم «الخرطوم» [Khartoum] من إخراج Basil Deardon، 1966؛ مع ملاحظة أن هذا فـيلم بريطاني وليس أمريكيًّا). والدرجة الثانية هي ما يدعوه شاهين «القائمة الأفضل» من الأفلام. وتتضمن هذه «القائمة»، بصورة إشكاليَّة للغاية، واحداً من أكثر الأفلام الأمريكيَّة تأسيسًا للاستشراق السِّينمائي برمَّته، وهو فـيلم «لص بغداد» [The Thief of Bagdad] لراؤول وولش Raoul Walsh، 1942، وفـيلم آخر تدور أحداثه فـي سياق حرب الخليج (عاصفة الصحراء) هو «ثلاثة ملوك» [Three Kings] لديفد أو رَسِل David O. Russell، 1999. وفـي أية حال فإن كتاب شاهين يأتي باعتباره عملاً أكثر توسُّعًا وشموليَّة من النّواة العربيَّة التي كان قد أصدرها محمد رضا، والتي سبق التطرُّق إليها. وعلى الرغم من تحفظاتي على مقاربة شاهين الميثودولوجيَّة والنَّظريَّة -فـي الحقيقة، سيصدق الزعم بغياب كامل لهكذا مقاربة، وهذا كذلك ما اتسمت به أعماله الأخرى المبكِّرة- وكذلك تعامله الأخلاقي الثُّنائي، فإن كتابه يعتبر مصدراً هاماً ومرجعاً لا غنى عنه لأي دراسة تسعى لبحث صورة العربي فـي السينما الأمريكيَّة، وهو خطوة إلى الأمام بالتأكيد.
لكن على النقيض من المقاربة «الأخلاقيَّة» و«العاطفـيَّة» للموضوع التي يتخذها شاهين بحماس، فإن جون سي آيلي John C. Eisle يأخذ الأمر خطوة أبعد، وذلك بأن يعمد إلى توظيف مفاهيم مستعارة من علم اللسانيَّات الإدراكيَّة وصولاً لما يسميه الفـيلم «الشَّرقي» (eastern) نقيضًا (أو حتى معادلًا) لـ«الوسترن» (western) أو أفلام الغرب الأمريكي. ويتفرع نوع (genre) الفـيلم «الشَّرقي» الرئيس لدى آيلي إلى خمسة أنواع أصغر هي: نوع أفلام الشَّيخ، ونوع أفلام ألف ليلة وليلة، ونوع أفلام الفـيلق الأجنبي، ونوع أفلام التشويق والإثارة والمكائد الأجنبيَّة، ونوع أفلام الإرهاب. وفـي هذا فإنه يحدِّد عشر خصائص سرديَّة للفـيلم «الشَّرقي» وهي: الانتهاك، والفصل، والاختطاف، والتَّقليص، والتَّخليق، والغواية، والخلاص، والبوح، وإعادة التوكيد، والبتر (2). ومع أن «الأنواع العربيَّة» التي اقترحها شاهين لا تتطابق بصورة كاملة مع «الأنواع الفرعيَّة للنوع الشَّرقي الرئيس» التي يرتئيها آيلي، فإن كليهما يشتركان فـي التوكيد على أهمية أفلام الشَّيخ وطغيان حضوره عبر الأفلام والعقود الزمنيَّة منذ بدايات السينما الأمريكيَّة وحتى وقتها الحاضر.
إن دراسة نقديَّة متأنيَّة تشمل كافة تمثيلات (representations) العربي فـي كل تاريخ السينما الأمريكيَّة تبدو فكرة طموحة من الناحية المبدئيَّة، ولكنها، فـي الوقت نفسه، غير عمليَّة وغير ممكنة للعديد من الأسباب. غير أن دراسة شخصيَّة الشَّيخ (وهو «الصُّورة الصَّغيرة» micro) من خلال متابعة وقراءة تشكلها وتطورها عبر المراحل التاريخيَّة، والثقافـيَّة، والسينمائيَّة المختلفة، ستكون بالنَّتيجة، من الناحية العمليَّة، دراسة للتمثيلات السينمائيَّة للعربي (من حيث هو، هذه المرة، «الصُّورة الكبيرة» macro)؛ بالنظَّر إلى أن شخصيَّة الشَّيخ قد تبدَّت وتجلَّت تاريخيًّا باعتبارها العربي الجوهراني، وخلاصة الغيريَّة والاختلاف. وفـي هذا فإن نقطة بداية دراسة الشَّيخ العربي الهوليوودي ينبغي أن تكون عام 1921؛ أي العام الذي اقتبست فـيه الشَّاشة السينمائيَّة الأمريكيَّة رواية إدِث هل Edith Hull المعمَّدة «الشَّيخ»The Sheik بنفس العنوان (3).
--------------------------------
(1). Jack Shaheen, Reel Bad Arabs, 27. مصدر مقتبَس سابقاً
(2). John C. Eisele, “The Wild East: Deconstructing the Language of Genre in the Hollywood Eastern,” Cinema Journal 41, no. 4 (Summer 2002), 73.
(3). Edith Hull, The Sheik (Boston: Mall, Maynard, 1921). جدير بالذكر إنه فـي إثر نشر رواية «الشَّيخ» وإنجاز نسختها السينمائيَّة، فإن نفس المؤلفة قد نشرت رواية أخرى هي «ظِل الشَّرق» The Shadow of the East (New York: Small, Maynard, and Co., 1921). كما أنها نشرت لاحقاً، من باب الاستثمار التجاري والثقافـي، رواية أخرى من نفس النَّوع بعنوان «أبناء الشَّيخ» The Sons of the Sheik (New York: A. L. Burt, 1925)، والتي اقتبِست بدورها إلى السينما فـي فـيلم بعنوان «ابن الشَّيخ» The Sun of the Sheik (بإخراج جورج فِتسمورِس George Fitzmaurice، 1926). وبعد ذلك نشرت هَل كتاباً رحليًّا صحراويًّا بعنوان «التخييم فـي صحارى» Camping in the Sahara (New York: Dodd, Mead, and Co., 1927)، إضافة إلى روايات أخرى مستلهمَة من الصحارى والغابات وهي: «مروِّض الأسود» The Lion-Tamer (New York: Dodd, Mead Co., 1928)، و»أسير صحارى» The Captive of the Sahara (New York: Dodd, Mead and Co., 1931)، و»أسير الغابة» and Jungle Captive (Dodd, Mead and Co., 1939).
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني