وردة على ضريح زاهر الغافري
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
من الصعب عليّ حقا أن أحدّد بالضبط متى بدأت صداقتي مع زاهر الغافري. كلّ ما أذكره أن لقاءنا الأول، في بيروت، ذات سنة بعيدة، جاء وكأنه يكمل لقاءات أخرى سابقة، كأنه يُكمل حديثًا انقطع ذات يوم ليجد الفرصة في أن يعود ويتسع ويستمر، ليبقى حاضرًا طيلة هذه الرحلة الحياتية. لم نكن بحاجة يومها إلى كثير من مسوغات، بالأحرى لم نكن بحاجة إلى أي واحدة منها، كي نشعر أن ما بيننا يتخطى تلك اللحظة، وكأنه يعود إلى حياة "سابقة" جمعتنا طويلا.
لا أعرف إن كانت هي حياة الشعر. ثمة أسماء عُمانية شعرية، جديدة في تلك الفترة، عرفناها عبر النص في بيروت، وقرأناها، مثل سيف الرحبي وسماء عيسى ومبارك العامري وعبدالله الريامي وناصر العلوي ومحمد الحارثي، بالإضافة طبعا إلى زاهر؛ ربما هي وغيرها من تلك الأسماء مَن ساعد على اختصار المسافة، لجعلنا نعيش تلك اللحظة، بكلّ تفاصيلها. شخصية زاهر أيضا، كما عرفتها، كانت تساعد في إزالة هذه الحدود. كان يجيد كسر المسافات، حين يريد؛ وكان يعرف كيف يخلقها، حين يريد أيضا. ثمة حواجز كثيرة سقطت واختفت منذ أولى لحظات هذا اللقاء، وثمة أشياء كثيرة تولدت، جمعتنا عميقا، لتستمر حتى في اتصالاتنا الهاتفية المتواترة التي لم تتوقف، بالرغم من ترحلاته الدائمة، التي يختتمها اليوم برحلته الأبدية، إلى هناك، إلى مكانه الجديد، "حيث لا ألم ولا حزن".
مع رحيله، لا يختفي فقط جزء من سيرة، بل هو جزء من حياة وأمكنة عشناها، يغور اليوم ليختفي، ويترك خلفه أثرًا حارقًا، لا يمكن استرجاعه. حتى الذاكرة تبقى عاجزة عن العودة، لتبني تفاصيلها من جديد، لتعيد بهاء تلك اللحظات التي لا تنضب.
الترحل والأمكنة، هما السمة العامة لكتابات زاهر الغافري، فيما لو أردنا أن نختصر هذه التجربة بموضوعين رئيسيين. فمنذ كتاباته الأولى، بدت نصوص زاهر الغافري وكأنها تبحث عن أشكال جديدة من الكتابة. لذلك قد يبدو المكان وعلاقته به أحد هذه الروافد المهمة في قصيدته، دون أن ننسى بالطبع علاقته بأشكال فنيّة أخرى مثل السينما والمسرح إلى حدّ أنها تسللت بشكل خفي، فيما لو جاز القول، إلى نصه الشعري، وأقصد بذلك استخدامه الصورة والمونولوج وأشكال أخرى تعرفها هذه الفنون. لذلك يبدو لي أن تجربته الشعرية لم تكن تطارد المكان كبُعد جغرافي وإنما كبُعد فني وجودي؛ إذ في كلّ نصوصه لم يكن يكتب في حاشية النص اسم المكان أو المدينة، لا أعرف إن كانت هذه المسألة تتعلق بطول هذه "الهجرات المتعاقبة" التي امتدت على عقود عديدة.
ومع ذلك ثمة تأثير للمكان الأول، بشكل واضح، في كتابته، قد تصح تسميته بالبُعد الحنيني. فقصيدة زاهر الغافري، عادة ما تشتغل على موضوعات أو ثيمات لها علاقة بمفهوم الحنين والغياب، ولكن الحنين ليس بالمفهوم الماضوي فقط، ثمة في شعره اللاحق، أي الذي تخطى المرحلة الأولى، التأسيسية، فهم آخر ربما، إذ يمكن إزاحة مفهوم الحنين إلى أن يقارب المستقبل أو أن يتجه باتجاهه. في نصوصه الحديثة يبدو لي المكان الذي انطلق منه أكثر وضوحًا. طبعا لا يمكن أن يكون مكانه الأول ثابتًا، المكان دائما في تغير والإنسان أيضا. هناك قصيدة جميلة للشاعر العراقي الراحل سركون بولص (الذي كان نصه مقربًا من زاهر) يتحدث فيها عن المكان الأول الذي يشكل جرحًا أبديًا دائمًا ما يختفي أو يتلاشى عندما تحاول أن تتلمسه على الصعيد الواقعي. إزاء ذلك كله، هل يمكن القول، بطريقة ما، إن القصيدة أو الكتابة بشكل عام، تصبح هي مكاننا الأول والأخير؟
أعتقد أن ذلك يشكل نقطة جوهرية تماما في عمل الغافري الشعري، وأظن ليس فقط القصيدة هي المكان الأول والأخير وإنما اللغة أيضا وفق أطروحة هيدغر التي يقول فيها إن اللغة هي مسكن الكائن. بهذا المعنى تصبح اللغة أداة خطرة ولا ينبغي أن نتعامل معها بنوع من الاستسهال وإنما بتأمل حقيقي. الكتابة نفسها هي البيت الوجودي للكائن. استحضر هنا تجربة الشعر الجاهلي أو ما قبل الإسلام حول مفهوم القصيدة الذي كان يشكل مفهوما يتعلق بالكائن وعلاقته بالزمن المطلق والمكان.
كان مكانه الأول في الجزيرة الخضراء (حيث ولد) في زنجبار مكانًا حلميًا، غابويًا ومائيًا بالطبع. لم يخلق الشاعر من مكانه الأول أسطورة، بيد أن الأسطورة كانت تقبع فيه كمثال آسر. فذاك المكان الشبيه بالغابة (كما وصفه)، المُحاط بالماء والمراكب والصيادين والنوارس كان مثاليًا ليفتح عينيه على اتساعهما، هو مكان الأم والجدّ والجدّة من جهة الأم وهو في ذات الوقت مكان اللعب وتسلق الأشجار وشرب مياه الآبار ولذيذ الفواكه... تجلّى هذا المكان في مجموعته "أزهار في بئر" وبقي المكان معه حتى الخامسة أو السادسة من عمره، لتبدأ بعد ذلك رحلته الكبرى عبر المحيط الهندي التي استغرقت شهرًا أو أكثر عبر سفينة قبل أن يصل إلى مسقط.
في أحد نقاشاتنا، اعتبر زاهر الغافري أن القرى الريفية الجبلية في عُمان هي مكانه الأول أيضا: "في هذه القرى أصبحت الأسطورة أكثر سطوعًا ابتداء من هيئة معلم القرآن وانتهاءً بالملابس الملونة للصبايا العُمانيات بالإضافة إلى نمط العيش المختلف كليًا عن الجزيرة الخضراء ففي هذا المكان سمعتُ لأول مرة عن الأموات المسحورين الذين يتجولون فوق أعالي الجبال، عن الأسواق المسحورة التي يمشي فيها الأحياء والموتى معًا" (*). احتفظ الشاعر بهذه الصور لتظهر لاحقا في "موت مثلما النظر في المرآة" وقصائد أخرى. لهذا كان المكان يتبدل ويبدله، ليضع في داخله شيئًا من روحه، من طبائعه؛ تماما مثلما كتبت ذلك الشاعرة إيتيل عدنان في "هناك في ضياء الظلمة والآخر" هذا التساؤل "هل المكان وهم آلا نذهب جيئة وذهابًا في عالم لا مرئي، رغم أنه حقيقي كالمائدة التي أتناول فيها إفطاري"؟
هو الموت – الحق، الذي يُقدّم لنا اليوم إفطاره. ولا أعرف إن كان علينا أن نتعود على خسارة الأصدقاء. قد تكون التعزية الوحيدة، فيما لو جاز القول، وبعيدا عن استحضار الذكريات، أن نعود لنقرأ نصوصه، التي تشكل -برأيي- واحدة من أهم التجارب الشعرية العربية الحديثة. أن نقرأ الشاعر، هو الفعل التكريمي الوحيد الذي نستطيع القيام به. وكلامي هنا، الآن، ليس سوى وردة على ضريح زاهر. فنفسي اليوم "حزينة حتى الموت".
(*) تجدر الإشارة، أن جملة زاهر هذه مأخوذة من حوارات كنّا نعمل عليها، لتصدر في كتاب حواري طويل حول تجربته الشعرية والحياتية...
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: زاهر الغافری
إقرأ أيضاً:
صلاح الشرنوبي: أحب عزف العود .. ودراسة الهندسة أفادتني في التلحين
قال الملحن صلاح الشرنوبي: "أنا من مواليد حي الأنفوشي بمحافظة الإسكندرية وقد تأثرت كثيرا في حياتي بشاطيء الإسكندرية وقد ألهمني بشكل كبير وساهم في كثير من الإلحان وشكلت أفكاري".
وتابع الشرنوبي:" أنا خريج كلية الهندسة قسم ميكانيكا والدراسة مهمة لأي شخص يرغب في التفكير في مختلف مجالات الحياة".
وأضاف خلال حلوله ضيفا علي الإعلامي د. عمرو الليثي ببرنامج واحد من الناس علي شاشه الحياة:"دراسة الهندسة أفادتني بشكل كبير لترتيب أموري في حياتي المهنية والموسيقية خاصة عند تلحين ألبوم كامل ".
ولفت صلاح الشرنوبي :" أنا بحب عزف الكمان والعود بشكل كبير ، مضيفا:" أخواتي بيعزفوا أيضا على العود والكمان ".
كما تحدث خلال الحلقة عن تعاونه الرائع مع اهم المطربات في الوطن العربي ومنهم وردة ، ميادة الحناوي ، ذكري ، لطيفة ، سميرة سعيد
وايضاً كبار المطربين ومنهم جوروج وسوف ، راغب علامة ، محمد فؤاد.
الملحن صلاح الشرنوبي : كنت محظوظ بالتعرف علي وردة وقدمنا أروع الأغاني " حرمت احبك وبتونس بيك ونار الغيرة
قال الملحن صلاح الشرنوبي إن النجاح يأتي بالنجاح وانا حظي كان كويس اني في مشواري الفني كانت لي العديد من التحيات المهمة ومنها وفي مقدمتها مع المطربة الكبيرة وردة ، وقابلت الاستاذ عمر بطيشة الشاعر الكبير ، وكان سبب في تعرفي علي المطربة وردة ، ومن وقتها كان تعاون رائع أثمر عن العديد من الاغاني المهمة والناجحة جدا ، وكانت نقلة في مشواري الفني ، وقدمنا اغنية بتونس بيك وحرمت احبك واخر اعمالي معاها ان الأوان
واضاف ، قدمنا نار الغيرة – مواسم – ياليل – وحرمت احبك وهذه الاغاني كانت طفرة فى مشوارها ومشواري الفني بشكل جديد وعصري
وتابع ومن من شدة عشقي لوردة كنت اعلم لان لها امنية في تقديم مسلسل وعمل درامي ، وقمت بإنتاج مسلسل ان الأوان ، وكانت تجربة في مشواري الفني وتعلمت منها كثيرا ، علي الرغم من خسارتي ماديا ولكني كنت سعيد بتحقيق أمنية لوردة بتقديم مسلسل وعمل درامي
كما تناولت الحلقة الحديث عن مشواره الفني وألحانه الرائعة علي مدار مسيرته الفنية ، وبدايته ونشأته في حي الأنفوشي بالإسكندرية وسر تعلقه بالحان سيد درويش واختياره الة العود ولمذا لم يختار طريق الغناء مع التلحين
وايضاً تجربته مع المطربة ذكري واغاني " وحياتي عندك ، الأسامي " وميادة الحناوي في عدد من الأغاني الشهيرة ومنها "كبريائي ومها يحولوا يطفوا الشمس " ، وايضاً تجربته مع سميرة سعيد واغاني "ما حبش الخصام ، علي البال " ، وايضا تعاونه الرائع مع لطيفة بأغاني "غدار وعشان بحبك واضح .. وغيرها
كما كشف سر تعاونه مع جورج وسوف واغنية "كلام الناس " والتي حققت نجاح كبير وغيرها من الاغاني الاخري ، وايضا تجاربه الغنائية الرائعة وألحانه لراغب علامة وعاصي الحلاني ووائل كافوري
وتعاونه الرائع مع محمد فؤاد واغاني " فاكرك يا ناسيني ، كذاب ، أنا لو حبيبيك ، كما يكشف سر تعاونه مع إيهاب توفيق ومدحت صالح وهشام عباس ومحمد الحلو وحمادة هلال ، وأيضا تجربته في الموسيقي التصويرية لعدد من المسلسلات
كما تحدث عن تكريمه بالمملكة العربية السعودية في حفل ليالي الشرنوبي ، ورأيه في الموسيقي التي يقدمها الشباب ومنها الراب والشعبي واحب الأصوات الي قلبه ، ورأيه في الفنان والمطرب محمد الشرنوبي.