موقع 24:
2025-01-31@02:10:18 GMT

الثّقافة الرّوحيّة في مواجهة التّحديات الرّاهنة

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

الثّقافة الرّوحيّة في مواجهة التّحديات الرّاهنة

يتقاطع جفاف الخطاب المتشدّد مع كلّ الاعتبارات الرّوحيّة والأخلاقيّة


 كان الجانب الرّوحيّ أكثر ما يبهر الغرب والشّرق في الإسلام، لكنّ المجتمعات العربيّة المعاصرة أضحت تفتقر إلى الرّوحانيّة، وما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان داخل منظومة ديننا، شاهد على المأساة الحاصلة من العنف والقتل والدّمار، لأنّ ديننا المعاصر ابتعد عن قيم الحبّ والرّحمة والسّلام وقبول الآخر، والدّفع بالّتي هي أحسن، ونبذ الكراهية، وأصبح عالمنا المأزوم من الصّراعات، بحاجة إلى جرعات من الثّقافة الرّوحيّة العاجلة، جرعاتٍ من السّكينة والأمان والسّلام الدّاخليّ، فالرّوح وعاء الفطرة السّليمة، فيها كلّ مرادفات الخير والحقّ والجمال، وترنو بالنّفس إلى المعاني الإنسانيّة الخالدة، قال تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي).


هناك الكثير من الدّلالات الرّمزيّة من أجل الاحتفاء بالجانب الآخر من الثّقافة العربيّة الرّوحيّة، الّتي حاول أهل الغلوّ والتّزمّت تهميشها؛ بل إلغاءها، من أولياء الله العارفين، ومن العلماء العاملين، وقد اتّفقوا على أنّهم نهلوا في كلّ فنّ من فنون المعرفة، وأزهد أهل زمانهم، وألزمهم للسّنّة، وأعظمهم مجاهدة في العبادات، انغمسوا في أنوار الكشف العرفانيّ والإلهام الرّوحانيّ، وكانت حياتهم مشوارًا طويلًا محفوفًا بالمخاطر، من أجل البحث المتواصل عما يحقّق الكمال لتلك الحاجات الفطريّة، حتّى ظفروا بأكبر قدر ممكن من الأسرار الرّوحيّة، وتعدّ كتبهم- عمومًا- من النّصوص الموغلة في التّعمّق، ولغتهم رمزيّة فيها إشارات إلهيّة، كانت- في أغلبها- منزوعة عن سياقها. ونُقل عن ابن عربي أنّه قال إنّ "من فسّر ألفاظه بالطّريقة الصّحيحة فهم ما يقصد من مؤلَّفاته"، وقد حذّر من تداول الكتب بين الجهلاء، ومن سلّم بظاهر تلك الألفاظ دون علم بمعانيها.
ويتقاطع جفاف الخطاب المتشدّد مع كلّ الاعتبارات الرّوحيّة والأخلاقيّة؛ فقد سلب العبادات أسراراها، وجعل الشّرائع والشّعائر أشبه بالحركات الخاوية، دون الالتفات إلى الحكمة من الجوهر الرّوحيّ، وتطبيق القيم والتّعاليم الإسلاميّة، والتزام المبادئ الأخلاقيّة، وسلّط الضّوء على ما هو حرام، فالتّشدّد- إذن- هو تلك الحالة الّتي تعتري الإنسان فتبعده عن الله سبحانه وتعالى، وتُوجِد بينه وبين الله حاجزًا يسلبه حلاوة الإيمان، ولذّة العبادة والمناجاة.
استوعب ديننا- في الماضي- القوميّات والأعراق، دون أن يلغي فواصلها أو خصائصها وفضائلها؛ بل عززها واستفاد منها، فأصبحت الثّقافة العربيّة الإسلاميّة- عمومًا- مزيجًا متوازنًا من ثقافات الشّعوب الأخرى، وكان الإسلام الرّوحيّ في ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة- على سبيل المثال- أرضًا خصبة للمشروع الحضاريّ المدنيّ، فنمت داخل تلك الشّعوب ثقافة الإسلام الحضاريّ، وتمازجت فيه مفاهيم العدالة، والحرّيّة، والدّيمقراطيّة، والتّنمية.
تكمن الخطورة الحقيقيّة في التّنظيمات الإيديولوجيّة المتشدِّدة، بل مازالت ثقافته فاعلة، وقدرته على جذب المؤيّدين مستمرّة، وتحريضه على العنف يلقى صدىً واسعًا، حتّى عند المسلمين في بعض الدّول المتحضّرة، وهذا ما يصعّب عمليّة الحرب على التّنظيم، فنهاية خلافة  داعش المزعومة، لا تعني- بالضّرورة-  نهاية الحرب أو بداية السّلام، وإن لم نكافح هذه الثّقافة فإنّ مقاومة الإرهاب ستصبح ضربًا من ضروب المستحيل، فلا بدّ من كبح جماح هذا الفكر، ومواجهة الفكر الظّلاميّ ومحاسبته، لتزييفه ثقافتنا التّراثية والفقهيّة وتضليله الشّباب وحرمانهم من الاستفادة من ميراثهم المعرفيّ الّذي صودر وهُمِّش واجتُزِئ، وتفعيل دور الثّقافة الرّوحيّة في مواجهة التّحديات الرّاهنة، وإبرازها للجميع، دون الخوف من عرضها على الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، لأنّها تحتلّ مكانة متميّزة- حقًّا- في التّراث الإسلاميّ. كما أنّها تُعنى بقضايا السّلوك وتربية النّفوس، وتُشكّل تيّارًا حاضرًا في العالم وفي التّاريخ الإسلاميّ، والأهمّ من ذلك، خلق المثقّف الحقيقيّ الّذي يأخذ بيد البشريّة إلى المعاني الإنسانيّة الخالدة، وانتقاء الكتب الغنيّة بالمعرفة الرّوحيّة، وإبرازها للشّباب، إضافةً إلى التّوجيه السّديد والقيادة الواعية المستنيرة. ونطلعهم على مكنونات التّراث وقيمه العرفانيّة؛ فهي معين صافٍ من الثّقافة الإسلاميّة الرّفيعة.
نحن في مرحلة مخاض عسير، فقد سقطت أقنعة المتحايلين، وظهرت رغباتهم وتوجّهاتهم السّياسيّة، ومحاولة نشر ثقافة الإنسانيّة وقيم المحبة والتّعايش والسّلام، لا يتأتّى إلا بإثراء المكتبات العربيّة بكلّ أطياف الفكر المتسامح، ذات الأبعاد العرفانيّة والرّوحانيّة، والاستفادة القصوى من الموروث المهمّش الّذي حاول السّلفيّون تكفيره وتزييفه، ونكران فضله، والحفاظ على الإسلام من أهل الأهواء والمصالح.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات الإسلامی ة العربی ة الث قافة الس لام فی الت

إقرأ أيضاً:

المنتدى الإسلامي يختتم ندوة «علم التفسير وأدواته»

الشارقة: «الخليج»

اختتم المنتدى الإسلامي الأربعاء 29 يناير، جدول الندوة العلمية في مجمع القرآن الكريم، بعد النجاح الكبير الذي شهدته على مدار يومين تحت عنوان«علم التفسير وأدواته»، حيث انطلقت جلسات الندوة بحضور لافت من النخب الفكرية والمتخصصين في علوم القرآن الكريم والدراسات الإسلامية.
بحثت جلسات اليوم الثاني محورين الأول: «العلوم الشرعية المساندة لعلم التفسير»، قدمه الدكتور عبد الحكيم الأنيس، ويؤكد فيه أهمية التكامل بين علوم الفقه وأصول الدين وعلم التفسير، ويشير إلى أن «الفهم العميق للنص القرآني يتطلب إلماماً شاملاً بالعلوم الشرعية التي تُشكل أساساً منهجياً للمفسر»، ويناقش دور علوم الحديث والعقيدة في ضبط تفسير النصوص وتجنب الانحرافات التأويلية.
ويتناول المحور الثاني «أثر البيئة والعلوم الطبيعية في تفسير النصوص القرآنية»، ويقدم فيه الدكتور محمد عبد الجليل حسن، رؤية مبتكرة تربط بين فهم السياقات البيئية والاكتشافات العلمية الحديثة وتفسير الآيات الكونية في القرآن، ويضيء على أن «القرآن يحمل إشارات عميقة إلى الظواهر الطبيعية التي تُعين المفسر على فهم المراد الإلهي، خاصة في عصر الثورات العلمية».

مقالات مشابهة

  • رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن تعازيها في ضحايا اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية في واشنطن
  • منظمة التعاون الإسلامي تُدين الجرائم الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني
  • النقوش في المتحف الإسلامي وقبة الصخرة
  • حركة الجهاد الإسلامي تعلق على مجزرة طمون
  • "التعاون الإسلامي" تحذر من خطورة إجراءات الاحتلال ضد "الأونروا"
  • المنتدى الإسلامي يختتم ندوة «علم التفسير وأدواته»
  • "التحالف الإسلامي" والنيجر يعززان التعاون في محاربة الإرهاب
  • 2.8 مليار درهم صافي أرباح "الإمارات الإسلامي" في 2024
  • 6.1 مليارات درهم أرباح أبوظبي الإسلامي في 2024
  • 6.1 مليار درهم أرباح «أبوظبي الإسلامي» خلال 2024 بنمو 16%