يخيّم شبح القائمة الرماديّة على لبنان ومؤسساته الماليّة. القرار النهائي بشأن تصنيف لبنان تتّخذه مجموعة العمل المالي (FATF) خلال اجتماعها نصف السنوي في تشرين الأول المقبل، على ضوء تقييمها لمدى التزام لبنان بالمعايير التي وضعتها المجموعة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب. لم تكن المؤشّرات إيجابيّة قبل عام، في حينه تحدّث تقرير المجموعة عن الفشل في تلبية المعايير الدولية، ورغم ذلك مُنح البلد الغارق في أزماته الدستورية والماليّة، مدّة عام، أو فترة سماح، انتهت من دون أن يتمكّن لبنان من إنجاز الإصلاحات، لاسيّما في شقّها التشريعي، فهل باتت اللائحة الرمادية نفقًا إلزاميًّا في تشرين المقبل؟ أم سيتجاوز البلد المفترق الرمادي؟ وما هي مخاطر تصنيفه على اللائحة الرمادية؟
إدراج أيّ بلد على القائمة الرماديّة لمجموعة العمل المالي، يعني أنّه دولة غير متعاونة في مكافحة الجرائم الماليّة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

بالنسبة للبنان، التبعات المباشرة للتصنيف الرمادي، وفق خبير المخاطر المصرفيّة الدكتور محمد فحيلي في حديثه لـ "لبنان 24" ستظهر في صعوبة تعامل المصارف اللبنانية مع الأسواق الدولية، ومن شأن القائمة الرمادية أن تجبر المؤسسات الماليّة الدوليّة على زيادة مراقبتها للمعاملات المرتبطة بلبنان، وقد يؤدي ذلك إلى متطلبات امتثال أكثر صرامة للشركات، ما ينعكس ارتفاعًا في تكاليف المعاملات، وتأخيرًا في معالجة المدفوعات الدولية. سيعرّض ذلك المؤسسات المالية اللبنانية إلى مزيد من الضغوط، لا سيّما فيما يتعلق بالوصول إلى العملات الأجنبية والحفاظ على العلاقات المصرفية. كل ذلك سيفاقم من التحديات أمام الاقتصاد اللبناني الهش أصلًا، والذي يعتمد بشكل كبير على التحويلات الماليّة والتجارة الخارجيّة.
توقّعات بنجاة لبنان
لا يمكن التنبؤ بنتائج التصنيف لجهة إدراج لبنان على القائمة الرمادية أو نجاته منها، هناك إشارات إيجابيّة نقلت قبل أيام عن حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري الذي اعتبر أنّ "ما يُحكى في الإعلام في موضوع اللائحة الرمادية مبالغ فيه، والوضع ليس بهذه الخطورة" شارحًا أنّه قام بعدد من الزيارات المكوكيّة الناجحة في هذا الإطار. وبذلك أوحى منصوري أنّ لبنان سيتجاوز التصنيف الرمادي. لكن بصرف النظر عن نتيجة التقييم، والمعطيات التي قد تأخذها في الاعتبار مجموعة العمل المالي، في بلد مشلول تشريعيًّا ومنبوذ مصرفيًّا ومشتعل عسكريًّا، فأنّ نجاة لبنان من القائمة الرمادية في حال حصل، يجب أن يشكّل فرصة للعمل لتعزيز الثقة الدوليّة بالنظام المالي المحلي، وإقرار التشريعات وتنفيذها على أكمل وجه، كي لا يستنسخ العامُ المقبل القلقَ نفسه عند امتحان التقييم، خصوصًا أنّ القائمة الرمادية تسبق القائمة السوداء الأكثر خطورة والتي تجسّد عزلة شاملة.
تجنّب اللائحة الرمادية مسؤولية من؟ وهل توقيف سلامة يُحتسب في التصنيف؟
مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مسؤوليّة مشتركة تتقاسمها ثلاثيّة مصرف لبنان والسلطة التشريعيّة والمؤسسات الماليّة، وفق فحيلي، معتبرًا أنّ لبنان لم يقم بما يجب خلال فترة السماح، باستثناء الإشارة الإيجابيّة التي أرسلها القضاء اللبناني بتوقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة،مفادها أنّه يتحرّك في مكافحة غسيل الأموال، لاسيّما وأنّ سلامة ملاحق أوروبيًّا في جرائم تبيض اللأموال وغيرها من الجرائم الماليّة.
تحصين لبنان من التصنيفات السلبيّة واستعادة مكانته الدوليّة، مسار متداخل، يبدأ من الإصلاح التشريعي، كمدخل إلزامي ينسحب على عمل باقي المؤسسات المعنيّة بمكافحة الجرائم الماليّة، يشرح فحيلي "هناك لوم كبير يقع على المشرّعين على خلفية مسؤوليتهم عن معالجة الثغرات التي تعتري التشريعات القديمة، لجهة القصور في اكتشاف الجرائم الماليّة أو إفلات مرتكبيها، وقد أعربت مجموعة العمل المالي عن قلقها حيال ضعف إنفاذ القوانين القائمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. من هنا يجب إقرار إصلاحات وصياغة قوانين شاملة تتماشى مع المعايير الدولية، لا سيّما في مجالات مثل شفافية الملكية النفعية، ومصادرة الأصول، والإشراف على الكيانات عالية المخاطر كالمنظّمات غير الربحية (NGOs). وإذا استمرت العملية التشريعية في التباطؤ فإنّها ستترك الباب مفتوحًا أمام ازدهار الأنشطة غير القانونية، مما يلحق المزيد من الضرر بصدقية لبنان الدوليّة ،ويزيد من خطر إدراجه في القائمة الرمادية". 
دور مصرف لبنان والمؤسسات الماليّة
بالتوزاي مع الدور التشريعي، هناك دور رقابي  يلعبه مصرف لبنان في ضمان امتثال المؤسسات الماليّة لقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب "يجب على المركزي اتخاذ إجراءات فورية لتعزيز قدراته الإشرافيّة، وإجراء عمليات تدقيق أكثر صرامة للمؤسسات الماليّة، وفرض عقوبات على المؤسسات غير الممتثلة". الجهة الثالثة المسؤولة عن سلامة النظام المالي اللبناني إلى جانب السلطة التشريعية والمركزي هي المؤسسات المالية وفق فحيلي "على الرغم من أنها ليست السبب الرئيسي لإدراج لبنان المحتمل في القائمة الرمادية، لكنّها  تلعب دورا حاسما في تنفيذ التدابير الوقائيّة التي تتطلبها مجموعة العمل المالي، لجهة رصد العملاء المعرّضين لمخاطر عالية، مثل الأشخاص المعرضيّن سياسيًّا والمشاركين في المعاملات عبر الحدود، بحيث يتوجّب على المؤسسات الماليّة أن تبلغ وحدة الاستخبارات الماليّة بالأنشطة المشبوهة، فضلًا عن مسؤولياتها في  ضمان العناية الواجبة للعملاء (CDD) القوية ، وحفظ السجلات، وأنظمة الإبلاغ، ووجوب إجراء المصارف عمليات تقييم ذاتي لامتثالها لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لا أن تعتمد على تقييم المصرف المركزي فقط".  
تشرين، كم حفر في ذاكرة اللبنانيين، بمحطّاتٍ غلبتها السلبيّة، ها هو يعود مجدّدًا، حاملًا معه استحقاقات مصيريّة. بنسخته 2024، يمثّل تشرين مرور عام كامل على الحرب المندلعة في جزء من الوطن جغرافيًّا وفي كلّه اقتصاديًّا، من دون مؤشرات بقرب انتهائها، ويحمل في الوقت نفسه استحقاقًا ماليًّا دوليًّا، من شأنه أن يزيد من ازمة لبنان بلونه الرمادي الخريفي، في حال خَلُص التقييم المالي إلى نتيجة سلبيّة، أو أن يمنح بلد الأرز نفسًا عابرًا للحواجز يحتاجه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. المصدر: خاص- "لبنان ٢٤"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مکافحة غسل الأموال وتمویل الإرهاب مجموعة العمل المالی المؤسسات المالی ة اللائحة الرمادیة القائمة الرمادیة الجرائم المالی ة مصرف لبنان الدولی ة ة لبنان

إقرأ أيضاً:

بنك الشمول الإسلامي ينظم ندوة عن الشمول المالي والادخار ضمن أسبوع المال العالمي 2025

شمسان بوست /خاص:

في إطار تعزيز الوعي المالي وتمكين الأفراد من تحقيق استقرارهم الاقتصادي، نظم بنك الشمول لتمويل الأصغر الإسلامي ندوة تحت عنوان “الشمول المالي والادخار”، وذلك ضمن فعاليات أسبوع المال العالمي 2025.

ناقشت الندوة أهمية التخطيط المالي السليم، واستراتيجيات الادخار الفعالة التي تساعد على بناء مستقبل مالي آمن، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الإدارة المالية الحكيمة واتخاذ قرارات مالية مدروسة تساهم في تحقيق الاستقلالية المالية على المدى الطويل.

يأتي تنظيم هذه الندوة في إطار التزام بنك الشمول بنشر الثقافة المالية وتشجيع الأفراد على تنمية مهاراتهم المالية، بما يضمن تحقيق أهدافهم الاقتصادية والاستفادة المثلى من الموارد المالية المتاحة.

مقالات مشابهة

  • الإساءة لصورة المغرب تلاحق مسلسلاً رمضانياً يعرض على MBC5
  • مطالبات نيابية بزيادة التخصيص المالي لكربلاء في موازنة 2025
  • هدفان في 9 مباريات.. لعنة النهائيات تواصل مطاردة محمد صلاح
  • بنك الشمول الإسلامي ينظم ندوة عن الشمول المالي والادخار ضمن أسبوع المال العالمي 2025
  • تقرير رسمي: 90% من المغاربة ينجحون في اختبار الجنسية الإسبانية
  • إيران ترفع حالة التأهب القصوى جنوب البلاد خشية من هجوم وشيك
  • وزير المالية: لا شطب للودائع والإصلاح المالي خيار لا بديل عنه
  • ذنوب السوشيال ميديا.. احذر معصية منتشرة تلاحق مرتكبها ويحاسب عليها
  • برلمانية: زيادة الإنتاج المحلي للبترول يدعم الاستقرار المالي للدولة
  • قصة لعنة عمرها 70 عاما حرمت نيوكاسل من البطولات