كيف يؤدي الاكتئاب إلى البعد عن الدين؟.. «هند وروزا» واجهتا القلق بالروحانيات
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
حينما تقع في دائرة الاكتئاب والتوتر، تعيش أوقاتًا لا تعلم فيها أي يوم تعيشه، ولا حتى الساعة التي تمر عليك، ربما حتى تواريخ الأيام لا تعرفها، قد تسوقك صدمة للوقوع في الاكتئاب، وقد يصيبك عرض أو مرض نفسي يجعلك أسيرًا لأفكار سوداوية، ربما تسوقك للاقتراب من عقيدتك، وكثيرًا ما تبعدك تمامًا عن الدين.
وبين هذا وذاك يكون التعافي النفسي بالروحانيات، «قشة» يتمسك بها الغريق، الروحانيات الدينية، أو حتى التأملية والنفسية، ولـ«كل مكتئب وسيلة».
ومن جانبها، أطلقت «الوطن» حملة الهوية الدينية المصرية.. الطريق إلى الله، ونقدم في التقرير التالي، كيف يؤدي القلق والاكتئاب إلى البُعد عن الدين، وكيف كانت تجارب البعض العلاجية للتعافي النفسي بالروحانيات.
التأمل ساعد أمًا فقدت ابنتهااللجوء للتأمل، من رياضات «اليوجا» و«الميديتيشن» واحدة من الحلول التي قد يلجأ لها المرء حين يتملكه الاكتئاب، قصص طويلة تشهدها جدران صالة اليوجا، وربما المساحات الخضراء الواسعة، تتحدث عنها مدربة اليوجا، روزا صلاح: «من 27 سنة حبيت أتعلم رياضة، كنت وقتها كبرت شوية وكل الرياضات رفضتني، طبعًا وقتها زعلت جدًا، وقتها قرأت عن اليوجا، وإن الهنود بيمارسوها من آلاف السنين، ده كمان قدماء المصريين نقشوها على المعابد، حبيتها وقررت اتدرب يوجا».
27 عامًا، مارسته خلالها «روزا» وتعيش مع قصص المشاركين معها، ومن تدربها: «اليوجا رياضة فعلًا بتعالج الاكتئاب، بتحسن هرمون الالندروفين وبتكوني مبسوطة، فعلًا، وأنا فاكرة سيدة ألمانية كانت معايا فقدت بنتها صغيرة، واليوجا والتأمل ساعدوها فعلًا لتخطي الاكتئاب».
كانت أشهر ثقيلة على قلب «هند عادل» الذي هاجم السرطان والدها خلال الأشهر الماضية، في مرحلة متأخرة، لتجد نفسها أمام قرار مصيري، كيف تبلغه بالأمر، وكيف تتخذ قرار علاجه، خاصة وإنها أول أبنائه، ليصيبها نوبات من اليأس والاكتئاب كادت تعتقد أنها لم تخرج منها مُطلقًا: «اكتشفت في فبراير إن بابا في مرحلة رابعة من سرطان القولون وأنا الكبيرة ولازم أنا اللي أواجه وأدعم، كان منتشر وفجأة الدكاترة قالولي ده قرارك، فجأة بقيت مسؤولة عن حياة شخص وبقيت مش عارفة أعمل ايه».
لجأت «عادل» إلى تخبر والدها إن الأمر مُجرد «خُراج» بالقولون ولابد من خضوعه لعملية جراحية: «قولتله ده خراج وقولت لاخواتي لازم نكون أقوياء وناخد قرار، لكن كل مرة كان اليأس بيتملك مني».
لحظة انهيار أعقبتها قرار مصيري تعرضت إليها «هند»: «انهارت لما الدكتور قال إنه مقدرش يعمل العملية، مقدرش يستأصل لانه كبير وبقى خطر جدًا انهارت اكتئاب وحزن، وصدمة نزلت الشارع بعيط عياط هيستيري، خاصة إنه وقتها اتعمله تحويل مسار، وبقيت لازم أعرفه الحقيقة».
اللجوء للروحانيات، كانت أول ما فكرت فيه السيدة، إذ شعرت وكأن بيت الله الحرام يناديها: «فجأة قررت أعمل عمرة وأرمي كل حاجة ورا ضهري، جريت على الكعبة وبكيت واعتمرت ليا ولوالدي، كان معايا كل يوم فيديو بشاركه اللي بيحصل، ورجعت بعد 5 أيام وأنا مودعة الاكتئاب والقلق».
شعور كبير بالراحة تملك من السيدة بعد زيارة الكعبة على حد قولها، إذ وجدت روحها متعلقة بالروحانيات الدينية: «رجعت وبدأت حالة بابا شوية تستقر وشوية لاء، وفجأة بقى مطلوب منه إنه يخضع للكيماوي، منهارتش تاني بالعكس بقيت أهدى حتى لو الاستجابة 1% وبقنع نفسي إن اللي بيحصل منح وابتلاء من ربنا وعاوزنا نشكره على النعم اللي عندنا، وحقيقي فرقت جدًا معايا»
في هذا الصدد، شرحت الدكتورة صفاء حمودة، أستاذ الطب النفسي، بجامعة الأزهر، لـ «الوطن» كيف يؤدي القلق والاكتئاب إلى البُعد عن الدين؟ مؤكدة أن الموضوع ذو حدين، فالبعض قد تساعدهم المعاناة من الاكتئاب والتوتر للتقرب من الله، فضلًا عن العلاج المناسب للحالة، بينما قد يلعب الاكتئاب في أحيان كثيرة دور في رفض الدين، في بعض الحالات التي تعترض أو ترفض قضاء ربنا وأقداره.
وتابعت: «لأننا للأسف أحيانًا من الصدمة والحزن بنرفض القضاء والقدر، وده بسبب الفهم الخاطئ للدين والاستجابة، واعتقاد البعض إن لازم ربنا يستجيب لدعواتي بالمللي، رغم إن الفهم الصحيح بيقول إن ربنا بيستجيب بطرق مختلفة، ممكن باستبدال الدعوة، أو بتأخيرها، أو إبعادها عني فعلًا لأنها مش خير ليا ووحده اللي عالم بالغيب».
تحول العبد للغضب من تأخير استجابة الله تعالى لدعواته، أو عدم تحقيقها وفقًا لرؤيته، تزيد من رفضه لقضاء الله تعالى، وهو ما يبعده دومًا عن الدين بسبب تغلب الاكتئاب والحزن منه: «بيكون غضبان، ومعندوش رضا وقبول ولا تسليم لله، لأنه للأسف في دماغه إنه بيعبد ربنا بشرط، بمعنى لو مدتنيش اللي عاوزه هبطل اعبدك، وهنا بيبعد عن ربنا».
العبادات الروحية واجبة على العباد، وليست مشروطة، بهذه الكلمة حاولت الاستشاري النفسي، توجيه الأهالي عند تنشئة أبنائهم، بإن العبادة هي فرض، وغير مشروطة بتحقيق الله لأمانينا: «العبادات بتأثر علينا نفسيًا لما بتنواصل مع الخالق وعقيدتنا إنه سامعنا وهيختار لينا الخير، لكن الاعتقاد إنها مشروطة، بيوصل لاكتئاب وبعد تمامًا عن الدين».
فقدان الشغف هو السبب الآخر الذي يعاني منه بعض المكتئبين، وتسليمهم لدائرة الحزن، بحسب ما ذكرت «حمودة»: «المرضى غصب عنهم بيفقدوا الشغف، حتى الشغف للعبادات، وقتها بيبطلوا الخشوع في العبادات، وكتير بيحسوا إن الصلاة مبقتش مقبولة بسبب فقدان الشغف، وده تأثير نفسي بيبعده عن ربنا، وعن اداء الفروض».
أما عن السبب الأخير، الذي يبعد الكثير ممن يعانون من الاكتئاب عن العبادات، هو تحول الأمر للمعاناة من الوسواس القهري: «للأسف كتير من اللي بيعانوا من الوسواس القهري، بيكون عنده وسوسة في نية الصلاة، ويا ترى صح ولا لأ، يا ترى مقبولة ولا لأ، وهنا بيبدأ ينقطع عن العبادة والذكر واحدة واحدة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حملة الوطن الاکتئاب إلى عن الدین کیف یؤدی
إقرأ أيضاً:
أغلبهم من مصر.. وزير الأوقاف: الله يبعث على رأس كل مائة سنة علماء يجددون الدين
شهد جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الثلاثاء، ندوة هامة بعنوان "الفتوى والشأن العام"، وذلك بحضور الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
شارك في الندوة كلٌّ من: الدكتور أسامة الأزهري -وزير الأوقاف- والدكتور عبد الله النجار -عضو مجمع البحوث الإسلامية- والدكتور مصطفى الفقي -المفكر السياسي- وقد شهدت الندوة حضورًا كبيرًا وزخمًا من قِبل قيادات دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف وروَّاد المعرض وعدد من الباحثين والإعلاميين.
وخلال اللقاء قال الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن موضوع ندوة اليوم يتعلق بقضية الفتوى والشأن العام، وثَمَّ العديد من النقاط المهمة التي يجب أن نأخذها في الاعتبار؛ من بينها أن الفتوى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة العامة للأفراد والمجتمعات، حيث تشمل جميع تصرفات المكلفين في علاقتهم بربهم، وبأنفسهم، وبغيرهم، وبالدولة التي يعيشون فيها، وكذلك علاقة الدولة بغيرها من الدول في زمن السلم والحرب.
أوضح أن الفتوى تتصل بمختلف المجالات، بما يشمل العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والمال والاقتصاد، والأسرة، والسياسة، والحكم، والقضاء، وغيرها من الجوانب الحياتية المهمة.
وأشار المفتي إلى أن الشريعة الإسلامية أولت عناية كبيرة بالشأن العام، حيث قامت على منظومة متكاملة من القيم الإسلامية والمبادئ والمقاصد الشرعية التي تهدف إلى ضبط هذا الشأن، باعتباره من أهم عوامل العمران في الدنيا والنجاة في الآخرة.
وأضاف أن الفقه الإسلامي زاخرٌ بالتأصيل العميق لفكرة العناية بالشأن العام، والذي يشمل كل ما يتعلق بالمجتمع والدولة، مثل فقه الأمن المجتمعي، والصحة، والتعليم، والإدارة، والحكم، وحقوق الأفراد وواجباتهم.
وشدد المفتي على أن الإفتاء في الشأن العام يخضع لضوابط دقيقة، أبرزها الموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر في مآلات الأفعال، حيث أوضح أن هذه الموازنة تحتاج إلى عالم متمكن من علوم الشرع ومدرك لمآلات الأفعال، ليتمكن من ترجيح المصلحة على المفسدة وفقًا لضوابط دقيقة. كما أكد ضرورة مراعاة القوانين والنظم الحاكمة، إذ قررت الشريعة أن للحاكم أن يتدخل لتحقيق مصلحة المجموع، ومن القواعد الفقهية في ذلك أن "للحاكم تقييد المباح"، و"حكمه يرفع الخلاف"، و"تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، مما يعني أن للحاكم تدبير الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده المستند إلى البحث والتحري واستشارة أهل العلم الأمناء.
أوضح أن المفتي يتحمل مسؤولية توجيه المجتمع نحو الاستقرار، وحمايته من الفتن، وصيانة عقائد الناس وشعائر دينهم، مشيرًا إلى أن دوره في تحقيق الأمن المجتمعي يكون بمواجهة الغلو والتشدد، الذي أصبح عائقًا أمام الدعوة الإسلامية الصحيحة. كما شدد على مراعاة مبدأ المواطنة باعتبارها علاقة قائمة بين الفرد والدولة وفقًا لقوانينها وما تفرضه من حقوق وواجبات، حيث أكد أن الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية واجب شرعي يجب أن يراعيه المفتي في فتواه المتعلقة بالشأن العام.
وأكد المفتي ضرورة أن يكون المفتي على دراية كاملة بالواقعة موضوع الفتوى، وبالواقع المحيط بها، والظروف الحياتية للمستفتي، حيث إن أي تقصير في هذه المرحلة، التي يمكن وصفها بمرحلة التصوير والتشخيص، سينعكس سلبًا على الفتوى. وأضاف أن العلماء حذروا من التسرع والعجلة في إصدار الفتاوى، معتبرين ذلك ضربًا من التساهل المذموم، لأن التصور الصحيح للواقعة يساعد على التكييف الصحيح لها، ومن ثم إصدار الحكم الشرعي المناسب.
وأكد المفتي على أهمية مراعاة الأعراف والعادات عند إصدار الفتاوى، وكذلك ضرورة الرجوع إلى أهل التخصص وذوي الخبرة في القضايا التي تتداخل مع مجالات علمية أخرى، خاصة في الفقه المعاصر الذي يشهد تداخلًا مع تخصصات متعددة.
وأضاف أن المفتي لا يمكنه إصدار فتوى في قضية طبية دون الرجوع إلى علماء الطب، ولا في نازلة اقتصادية دون استشارة الخبراء الاقتصاديين، وكذلك في المسائل الاجتماعية التي تحتاج إلى رأي علماء الاجتماع.
وشدد المفتي على أهمية الاجتهاد الجماعي والتشاور بين علماء الشريعة، مؤكدًا أن الفتوى ينبغي أن تكون شورى بين أهل العلم، لضمان تحقيق المقاصد الشرعية والتوافق مع متغيرات العصر في إطار الضوابط الشرعية الدقيقة..
واختتم كلمته مؤكدًا أن هذا اللقاء يأتي تأكيدًا على أهمية الاجتهاد الجماعي والعمل المؤسسي، وضرورة التعاون بين المؤسسات لتحقيق التكامل في العمل الإفتائي، بما يسهم في تقديم الفتاوى الدقيقة التي تراعي المصالح العامة وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في بناء مجتمع متماسك ومستقر.
من جانبه تقدَّم الدكتور أسامة الأزهري -وزير الأوقاف- بالشُّكر إلى المفتي الدكتور نظير عيَّاد، مشيدًا بجهوده المبذولة في خدمة الفتوى وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، كما أعرب عن تقديره للدكتور مصطفى الفقي، واصفًا إياه بالدبلوماسي والسياسي والبرلماني البارز والكاتب المتميز، مشيدًا بمؤلفاته ومذكراته التي تعكس عمق فكره وثقافته.
وأشاد الدكتور الأزهري أيضًا بالدكتور عبد الله النجار، مثنيًا على جهوده العلمية والفكرية والفقهية ودفاعه الدائم عن الإسلام، كما أكَّد على أهمية رؤيته في البناء الذي يبدأ بالوطن، ثم العروبة، ثم الإسلام، مشيرًا إلى الترابط الوثيق بين هذه الأبعاد الثلاثة.
كذلك رحَّب الدكتور الأزهري بالحاضرين في هذا الملتقى الفكري، الذي يُعد رمزًا للمعرض الدولي بوصفه ملتقًى للفكر والعلم والمعرفة من مختلف أنحاء العالم. وأكد على دَور مصر الرائد في استضافة اللقاءات العلمية التي تعكس رسالتها الثقافية والعلمية المستمرة.
وأشار وزير الأوقاف إلى اختيار موضوع الندوة وأهميته، موضحًا أن الإسلام يمتلك آليات متعددة للتفاعل مع الزمن ومواكبة المستجدات. وأكد أن هذا التفاعل يتجلى من خلال التجديد والفتوى، حيث قال: إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة علماء يجددون الدين؛ بمعنى إزالة ما علق به من أفكار ضالة وتيارات منحرفة ليعود نقيًّا كما هو في جوهره، وذكر قول الشيخ محمد أبو زهرة الذي أوضح أنَّ التجديد يعني عودة الإسلام نقيًّا كما كان في أصله.
وتحدَّث الدكتور أسامة الأزهري عن دَور مصر في حركة التجديد الفقهي، مشيرًا إلى أن غالبية المجددين خرجوا من مصر. كما تناول أهمية الاجتهاد الفقهي الذي تقوم به المؤسسات الفقهية المتخصصة، ودَور الفتوى التي يجب أن تصدر عن عالِم مدرك لطبيعة الأمور وأبعادها المختلفة، بحيث تنزل الفتوى لتُضيءَ العقولَ وتجمع الشمل وتزيل الحيرة.
وأكَّد أن العالِم الحقيقيَّ هو مَن يتحدث في الشريعة وعينه تراقب أحوال الناس كافة، فلا تكون فتواه سببًا في تعطيل حياتهم أو تشتيتهم. وفي هذا السياق، شدَّد على أهمية أن تصدر الفتوى من المؤسسات المتخصصة في الشأن العام، مشيرًا إلى أنَّ الفتوى في الشؤون الخاصة مفتوحة لكلِّ من يمتلك المؤهلات العلمية اللازمة.
كما أكَّد على ضرورة وجود تشريعات تحمي مجال الإفتاء في الشأن العام من اقتحام غير المؤهلين الذين قد لا يدركون طبيعةَ الأمور وتداعياتها المختلفة؛ مما قد يؤدي إلى فتاوى تضرُّ بالمجتمع بدلًا من إصلاحه.
وفي سياق الندوة، أشار الدكتور أسامة الأزهري إلى قضية "المصلحة" باعتبارها محورًا هامًّا في الشريعة الإسلامية، مستشهدًا بالقاعدة الفقهية القائلة: "أينما وُجدت المصلحة فثَمَّ شرعُ الله"، هذه الجملة التي كُتبت حولها مؤلفات كثيرة وتناولها العلماء بالتأليف، والتحليل، والتحرير، والتطوير.
وتطرق إلى ما أوضحه الإمام العز بن عبد السلام بشأن مقاصد الشريعة التي قد تجتمع أحيانًا على غير المألوف، حيث أكَّد أن الشريعة جاءت لتحفظ المصالح وتدعم الديمومة والاستمرار، مع التركيز على حماية الحياة قبل الموت. ويمكن تلخيص ذلك في القاعدة الفقهية الشهيرة: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.”
وأشار كذلك إلى مفهوم "الإحسان" كما تناوله العز بن عبد السلام، وأوجز كل هذه المعاني في تلك الكلمة موضحًا أنه يشمل الإحسان في التعامل مع الله، ومع النفس، ومع الناس، بل حتى مع الحيوانات.
ومن محاسن الشريعة الإسلامية أنها تحثُّ الناسَ على الإحسان في جميع أمور حياتهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».
واختتم الدكتور أسامة الأزهري حديثه بتهنئة المصريين بقرب حلول شهر رمضان المبارك، داعيًا إلى استثمار أجوائه في تعزيز معاني الإحسان والتعايش والسلام.
من جانبه، استهلَّ الدكتور مصطفى الفقي -المفكر السياسي- كلمتَه بالترحيب بالحاضرين، خاصة المفتي ووزير الأوقاف والدكتور عبد الله النجار، مشيدًا بدَور المعرض الدولي في تعزيز الثقافة بمصر.
وأشار إلى ارتباط مصر الوثيق بالتراث الثقافي والديني، مؤكدًا أن الفاتحين عندما دخلوا مصر أدركوا أن مفتاح قلوب المصريين هو تعلقهم بدينهم وحبهم لآل البيت.
كما أشاد الدكتور مصطفى الفقي بموسوعة الدكتور أسامة الأزهري الإسلامية المتوفرة بمكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بأنها تأريخ وتأصيل للظواهر الدينية والعمل على تواصل الأجيال،وأكَّد ارتباطَ العالم بمصر الأزهرية، مشيرًا إلى أنها كانت أول دولة تعيِّن مفتيًا تحت اسم مفتي الديار.
وأشاد كذلك بشيوخ الأزهر، وخاصة الشيخ محمد عبده الذي كان ينقي الفتاوى من الشوائب. وتحدث عن مكانة الدكتور نظير عيَّاد، موضحًا أنه يحظى بالاحترام من أتباع مختلف الديانات. كما أثنى على الدكتور عبد الله النجار، واصفًا إياه بأنه أيقونة فكرية وقامة علمية بارزة.
وتطرق الدكتور مصطفى الفقي-المفكر السياسي- إلى أهمية دور الإفتاء كمهمة مصرية أصيلة، مشيرًا إلى موقف سابق حين طلبت سفيرة النمسا، بنيتا فيراو، افتتاح أكاديمية إسلامية لمحاربة الإرهاب، مؤكدة أن مصر وعلماء الأزهر هم الأجدر بهذه المهمة.
وبناءً على هذا الطلب، تم التواصل مع شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي -عليه رحمة الله- الذي أوفد الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور محمود حمدي زقزوق للقيام بهذه المهمة.
وأكد الدكتور مصطفى الفقي أن الإفتاء مهمة ثقيلة لا يتحملها إلا أولو العزم من العلماء. وروى قصَّة الأمير الذي أراد تعيين عالِم للإفتاء وتأديب ابنه المدلل وإمامة المسلمين، إلا أن العالم رفض بسبب ظلم الحاكم. لاحقًا، دعا الأميرُ العالِمَ إلى مأدبة عشاء فقبل طلبه بعد ذلك، موضحًا كيف قد تتغيَّر المواقف بتغيُّر الظروف.
كما تحدَّث الدكتور عبد الله النجار -عضو مجمع البحوث الإسلامية- حول الفتوى المؤسسية في الشأن العام وكونها أحد عوامل الأمن واستتباب السلام الذي يعود على المجتمع بالنفع، موضحًا أن الشأن العام هو الحقُّ العامُّ الذي يتعلَّق بجانب الله عز وجل، ويعني الفقهاء بذلك أنَّ هذا الحق هو الذي يعود نفعه على الناس أجمعين في بلد من البلاد أو في أرض من الأراضي، موضحًا أن عائد هذا الحق يعود على الناس في وطنهم الذي يعيشون فيه.
وأضاف أن ارتباط الأرض بالحكم الشرعي يعني أن الوطن من لوازم الحكم الشرعي، فكل حكم لا بد له من زمان يقع فيه، فإن هذا الوطن يعد ركنًا من أركان الدين، ولا يمكن أن تستقيم أمور الدين إلا إذا كانت على أرض مطمئنة، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يصنع كرامته ينقصه شيء من أمور دينه، مشيرًا إلى أن جماهير الفقهاء قالوا إن حق الله يقدَّم على حقوق العباد، وإذا احتاج الحقُّ العامُّ إلى تضحية فمن الواجب على الإنسان أن يضحيَ بمصلحته من أجله.
وذهب إلى أن الفتوى التي تصدر من دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف تراعي هذا المعنى وتقدِّره وترفعه الى درجةٍ يراها الناس في الفتاوى التي تصدر، وعلينا أن نتعاون في هذا الأمر.
وفي ختام حديثه عبَّر الدكتور عبد الله النجار عن امتنانه بهذه الندوة قائلًا: إن هذا اللقاء هو لقاء ذهبي نُظم في جناح دار الإفتاء المصرية. مشيدًا بدَور فضيلة مفتي الجمهورية في تعزيز دَور الفتوى في الشأن العام.
كما أشار إلى أهمية هذا اللقاء في تعزيز التواصل بين المؤسسات الدينية والمجتمع، موضحًا أنَّ مثل هذه الندوات تسهم في تجسيد الفَهم الصحيح للفتوى وتوجيهها نحو خدمة مصلحة المجتمع ككلٍّ، وأن دَور مفتي الجمهورية يظل محوريًّا في تقديم الفتاوى التي تعكس تطلعات المجتمع وتواكب التغيرات، مع الحفاظ على القيم الدينية والشرعية.