الكاتب والمفكر والروائي محمد داوود لـ«البوابة نيوز»: المثقف الرجعي يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
محمد داوود كاتب ومفكر مصرى وروائى يحارب بقوة من أجل نشر الحداثة والعلمانية، صدرت له روايات: قف على قبري شويا، والسما والعمى، وفؤاد فؤاد، وأمنا الغولة، وبار أم الخير، وصخرة بيتهوفن، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان: نصف كيلو عدس أصفر، فضلًا عن مقالات ودراسات نشرت فى الدوريات والصحف ومواقع الإنترنت المختلفة.
وحذر من توحش الرجعية التى تلتهم الواقع قطعة قطعة، وأكد أن هناك كثيرين يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون فى ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى ، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية.
عن هذه النوعية من المثقفين وخطورتهم دار هذا الحوار لـ “البوابة نيوز”..
محمد داوود: المثقف الرجعى يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية■ كنت أول من أثار قضية المثقف الرجعي، فما تعريفك للمثقف الرجعي؟
هو المثقف الذى يدعم الرجعية الدينية، هناك قلة لديها القدرة على التبجح بتبرير مواقفها بنصوص دينية صريحة، لكن الفئة الأخطر من المثقفين تتقنع بالرطانة التى قد تكون أكاديمية، تصدر فى الواجهة خطابًا يبدو عقلانيًا، وتنتهى دائمًا فى مواقفها إلى تحقيق المرادات الدينية الرجعية، فيدعمون الهيمنة الدينية الرجعية على العقل والحياة.
بهذا هم يقدمون قشرة، مجرد طلاء، أو ظاهر عقلانى لجوهر خرافى لا عقلاني، وعند مواجهتهم ينكرون؛ لأنهم غالبًا يفعلون ذلك بدوافع عميقة نتيجة التأسيس والتلقين منذ الصغر فى واقع عليه هيمنة دينية رجعية صاغت مناهج التعليم والثقافة بل والعادات والتقاليد واللغة، ضمن استلابها الشامل للعقل والوجدان فى مصر ١٤٠٠ سنة متصلة.
من هنا اقترحت تسميتهم مثقفى الحُشاشة الدينية (بضم الحاء)؛ حيث تكون "الحوشاشة" هى الداخل العميق المؤثر بقوة ولكن دون أن يرى، ولتوضيح معنى الحُشاشة، نستعيد قول الشاعر:
يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني.
يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني
واصلتنى حتى ملكت حُشاشتي
ورجعت من بعد الوصال هجرتني
■ كيف تجتمع الثقافة بما تعنيه من حداثة مع الرجعية؟
قد يجرنا هذا السؤال إلى تساؤلات أخرى تدور حول إجابتها خلافات كثيرة مثل: من المثقف؟ ومن المتعلم؟ وما الفارق بينهما؟.
ومن دون الخوض فى كثير من التفاصيل يمكن القول إن المتعلم هو الذى حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلًا على شهادة جامعية، لكن هذا لا يعنى أنه مثقف، بل هو فقط متعلم.
أما المثقف، فهو شخص لديه من الإدراك ما يكفى لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع، والأصل أنه ربما يكون ممن لم ينالوا حظًا وافرًا من التعليم، لكن الغالب فى مصر أن المثقفين متعلمون، ولديهم شهادات جامعية، الإشكال الكبير أن التعليم عندنا مستلب رجعيًا، وينتج مجندين فى خدمة الهيمنة الدينية الرجعية على الحياة.
ومن هنا تنشأ مفارقة المثقف الذى يقع فى صراع بين ما تلقنه وتعلمه وشكل حُشاشته من جهة، وما أدركه بالاطلاع وبالتجربة ومن خلال شروط الواقع من جهة أخرى، ويحل ذلك الصراع بأن يخدم الحُشاشة ويطمئنها بالوصول للمراد الرجعي، دون المرور بـ"قال الله قال الرسول"؛ حيث إنه من غير المنطقى تأسيس المواقف على تبريرات دينية صريحة من شخص متعلم ومثقف ليس شيخًا فى الظاهر.
كثيرون مثلًا يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى فوق بعير، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية.
■ هل هى خلطة مصرية أم ظاهرة عالمية وعربية؟
أظن مثقف الحُشاشة الدينية ظاهرة مصرية أساسًا، مع التسليم بأن هذا ظن ضعيف وحظه من الإصابة قليل لأنى لم أطلع على كل التجارب فى العالم كله. لكننا نعلم أن هناك عالميًا أشكالًا مختلفة من دعم الرجعية الدينية، أو لنقل الخرافة العربية القديمة، بأسباب ودوافع كثيرة كما يفعل كثير من الأطياف وفئات فى اليسار الغربي.
■ كيف يستطيع القارئ أن ينجو من فخ المثقف الرجعي؟
هذا صعب، لكن فى العموم المراد الدينى الرجعى معروف من كل القضايا، ولكل إنسان بروفايل فكري، يعنى صورة كلية تجمع مجمل مواقفه واختياراته وقراراته.
عندما نجد أن ذلك المثقف ينتهى عادة -وربما دائمًا- لتحقيق المراد الدينى الرجعي، فهو داعم للرجعية الدينية حتى ولو لم يقل "قال الله قال الرسول"، ولو كان غير ملتزم طقسيًا أو عقائديًا، بل لو كان مختلفًا فى العقيدة.
■ إذا اتخذنا الدكتور خالد فهمى نموذجا لماذا تحكم عليه بكونه مثقفا رجعيا وما أدلتك على ذلك؟
فى البداية لاحظت الظاهرة أن كثيرًا من المثقفين يدعمون الرجعية الدينية ربما بدون وعي، وحاولت أن أجد تفسيرًا مناسبًا، اقترحت أنهم يحلون الصراع الداخلى أو التنافر المعرفى بين التلقين التأسيسى أو التنشئة على مفاهيم وقوالب تفكير تحتية دينية رجعية، يعنى "حُشاشة" دينية من جهة، واطلاع وواقع وتجارب متناقضة مع تلك المفاهيم من جهة أخرى.
واجهت صعوبة كبيرة فى شرح الفكرة؛ ربما لأنها مجردة؛ وكنت أتجنب ذكر أمثلة فى البداية، ثم فكرت فى التغلب على تلك الصعوبة بتجسيد اقتراحى فى ثلاثة نماذج معروفة كأمثلة تطبيقية، تناولت أفكارهم ومواقفهم واجتهدت فى إسقاط الأقنعة عنها؛ للكشف عن جوهرها الدينى الرجعي.
من تلك النماذج دكتور خالد فهمي، تناولت مؤلفاته الرئيسة بالنقد والتحليل، حاولت الكشف عما وراء الرطانة والزخرفة الأكاديمية من التماهى مع المراد الرجعي، مثلًا فى التعاطف غير العادى مع الدولة العثمانية واحتلالها لمصر، والكراهية الشديدة للحداثة، والغرب تحت عنوان ظنى هو محض رطانة يقال لها رفض المركزية الأوروبية.
وكذلك كراهية تجربة الدولة الحديثة فى مصر لدرجة شيطنتها هى ومؤسسها محمد علي. أصدقاء ومفكرون آخرون شاركونى العمل مثل سعيد شعيب ومؤمن سلام.
ربما ينبغى هنا التأكيد على أن للجميع كل الاحترام على المستوى الشخصي، وقد ابتعدتُ دائمًا عن التناول الشخصي، المسألة هى الأفكار، ورغم ذلك فقد غضب كثير من المثقفين، وتناولونى بشكل شخصي.
بما يشير لعجزهم عن قبول الاختلاف، وخضوعهم لقوالب تفكير دينية رجعية تميل للشخصنة فى الخلافات الفكرية، لعلهم تألموا من اقتراحى عن الحُشاشة الدينية؛ لأن لديهم مثلها، بعضهم أصدقاء للدكتور خالد.
ربما يجاملونه بمنطق الشلة، وبعضهم يتوقعون منا أن نتعامل معه مثلهم كصنم فوق النقد. وشارك فى استهدافى بعض من أبناء اليسار الرجعي، أو من تكونت عقولهم فى ظل هيمنة قيادات يسارية رجعية لعقود طويلة على الخطاب الثقافى الإبداعى والنقدى فى مصر.
■ كيف يتوافق ذلك مع ما يقدمه من شكل علمى أكاديمي؟
على الدكتور خالد فهمى نفسه أن يجيب عن هذا التساؤل، هذا إن امتلك شجاعة مصارحة الذات، إنه يفرض توجهاته الأيديولوجية الخاصة على ما يقدمه كأبحاث أكاديمية يفترض قيامها على مناهج علمية.
هذا الفرض الأيديولوجى المسبق على البحث يطيح بعلمية المنهج. من أراد عرض وجهة نظره فيمكنه كتابة مقال رأى كما أفعل شخصيًا. وفى لقاء معه فى النت قال إنه منحاز، ولا يوجد ما يسمى الموضوعية.
وفى ظنى هو مخطئ فى فهمه للموضوعية فى البحث العلمي. العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلوم الاجتماع مختلفة عن العلوم الطبيعية مثل الرياضيات والفيزياء، نعم قد لا يستطيع الباحث فى العلوم الإنسانية التخلص من انحيازاته التى قد ترتبط بتكوينه وتلك أشياء لا يد له فيها.
ونحن لا نطلب المستحيل، ولا نفترض أن يكون مثاليًا خاليًا من كل خطأ وعيب، الموضوعية غير موجودة بالفعل بشكل كامل فى غير العلوم الطبيعية، لكن يظل بالإمكان أن يترفع الباحث عن الفرض القسرى والمتعمد على بحثه.
ألا يفعل كما يفعل دكتور خالد فهمى حين يخلط الرؤيوى بالمعرفى مع إخضاع المعرفى للرؤيوي، فيقوم -مثلًا- بانتقاء الوثائق والمواقف التاريخية التى توافق هواه الأيديولوجي، ثم يقوم بقراءتها بشكل تعسفى لكى توافق ذلك الأيديولوجي.
■ ما خطورة هذا النوع من الثقافة؟
نواجه فى مصر تغولًا للخرافة الأعرابية القديمة، وتزايدًا فى هيمنتها على العقل والتهامها للحياة. هذه الخرافة فى عداء مع الحداثة وكل تمثلات العقل فى الواقع، خاصة فكرة الدولة الحديثة والغرب والعلم.
الخطر أن ذلك الشخص الموصوف بالمثقف يسخَّر إمكاناته فى إعادة إنتاج الرجعية أى مفاهيم الخرافة العربية القديمة وتصوراتها ومراداتها، مع تسويغ مراراتها، وضلالاتها، وتزويقها، وتغليفها، وطلائها بقشرة تبدو عقلية، وتسويقها بالمغالطات المنطقية، والمراوغة، والحيل البلاغية، والرطانة.
الخطورة هى أننا نفقد الوعى والثقافة يعنى الأداة الرئيسية التى ينبغى أن تكون معنا للخلاص والخروج من المأزق التاريخى الذى نواجهه، وتصبح تلك الأداة -بفعل مثقفى الحشاشة الدينية- ضدنا فى مواجهة الخرافة التى ضمن عدائها للحداثة وتمثلاتها هى تعادى الفن والمرأة والحضارة بل والإنسانية كلها.
■ هل كما نجحت الرجعية الأصولية فى اقتحام العلوم الإنسانية، نجحت أيضًا فى اقتحام المجالات الإبداعية من قص وشعر ورواية؟
الرجعية تلتهم الواقع قطعة قطعة، وقد استطاعت التهام الجزء الأكبر منه، وما زالت تنشط فى ذلك، وقد بلغت حد إعادة إنتاج نفسها من خلال منصات مرفوضة فى الفكر الرجعى أصلًا مثل الفن، وقد تجد من الأعمال الفنية ما يدعم الخرافة والعربية القديمة بشكل مباشر وغير مباشر، ووصل الأمر للتغول على مجالات النقد والإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا.
وحين تلقى نظرة على قوائم الأكثر مبيعا تجد من أبرزها روايات بعضها كتبه متطرفون وأعضاء فى أشكال تنظيمية كالإخوان، وقد تجد منقبات يكتبن روايات يظهرن فيها فتى الأحلام المنتظر سلفى يقوم الليل ويصل الرحم وملتح، إلى آخر الصفات التى تعرفها عن النموذج المطلوب المراد رجعيًا للإنسان الذى يخاصم اللحظة ويعيش اغترابًا خاصًا كأنه قام للتو من رمال ماضى الصحراء العربية.
■ فى رأيك لماذا سار بعض المثقفين اليساريين سندا ومعاونا للتيار الإسلامي؟
هذا مبحث كبير، هناك فيما يبدو أسس أو أرضية تجمع الفريقين. منذ بدأ الغزو العربى فى حوالى ٦٤٠ ميلادية بدأ تكوين المثل الأعلى وتشكيل جهاز الرؤية الحالى للحياة فى مصر، كلنا ننشأ فى تلك الأرضية المستلبة رجعيًا من قديم.
وهنالك مشتركات تجمع بين الفكر الدينى الرجعى والفكر اليسارى (ذو التوجه الرجعى أيضًا). أولها الكراهية، كراهية المختلف رجعيًا والكراهية الطبقية يساريًا، هنالك فى الرجعية ميل لصالح الفقراء حيث إنهم الأسهل فى التجنيد للغزو الذى يقوم عليه الاقتصاد فى التأسيس الرجعي.
هذا مع تشكيل ذهنية تسول يقابلها فكرة الاستحقاق اليساري، كذلك كلا الفكرين له تركيبة دوجمائية مغلقة، تسعى لتحقيق الجنة على الأرض من خلال تطبيق نموذج ذهنى مثالى انطلاقًا من تلك الدوجما، هذا تشابه بنيوى فى التفكير، يسهل التلاقي، وإن اختلف الموضوع.
هناك تصور خطى للتاريخ فى اتجاه تحقيق الجنة الموعودة، إما بتطبيق ما يقال له شرع الله أو الحتمية التاريخية بانتصار البروليتاريا، والفريقان لديهما التوجه الأممى المعادى لفكرة الوطن أو الدولة الوطنية الحديثة.
هذا يقال له فى الرجعية الدينية بالتعبير الإخوانى أستاذية العالم، كما يجمع الفكرين القابلية للتشكل التنظيمى فى الواقع، ويجتمع الفريقان كذلك على الشمولية وعداء الفردية، وكراهية الغرب وتجربته الحداثية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: من المثقفین من المثقف دائم ا فى مصر من جهة رجعی ا
إقرأ أيضاً:
نائبة ولاية صفاقس في البرلمان التونسي لـ«البوابة»: ما يحدث في سوريا يؤثر على بلادنا.. فاطمة المسدى: تونس لن تكون أرض استيطان المهاجرين الأفارقة غيرالشرعيين.. المهاجرون أسسوا "شبه دولة" في صفاقس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق ما يحدث فى سوريا يؤثر على تونس. تونس لن تكون أرض استيطان المهاجرين الأفارقة غيرالشرعيين. المهاجرون أسسوا "شبه دولة" فى صفاقس. منظمات تونسية تعمل لصالح دول أجنبية فى تهيئة مخطط التوطين.وجود الأفارقة فى حقول الزياتين تسبب فى خسائر اقتصادية.منسوب العنف واستعمال الأسلحة البيضاء ارتفع لدى المهاجرين. نخسر 10% من ميزانيتنا بسبب الهجرة غير النظامية.مخطط المهاجرين فى تونس يشبه ما جرى فى فلسطين.تجار البشر يساعدون على تدفق المهاجرين إلى تونس. الاتحاد الأفريقى غائب عن حل الأزمة.خطر المهاجرين يهدد الأمن القومى التونسى مثل الإخوان.التحديات التى تنتظر الرئيس التونسى أكبر من الولاية الأولى.الشعب التونسى جاهز لتحمل تبعات الإصلاح الاقتصادى.نص الحوار من النسخة الورقية لصحيفة البوابة
تموج تونس فى الوقت الحالى بعدد من الأزمات الداخلية، ولكن أبرزها بالطبع هى موجات المهاجرين الأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء، الذين تمركزوا فى ولاية صفاقس التونسية الساحلية قادمين من ليبيا ومناطق أخرى وتسبب وجودهم فى عدد من الأزمات، وكانت النائبة فى البرلمان التونسى عن ولاية صفاقس فاطمة المسدي، هى رأس الحربة للتصدى لما يتردد أنه مخطط للاستيطان الأفريقى فى البلد المغاربي.
وفاطمة المسدي، دائما تتصدى للقضايا المهمة والمفصلية فى تاريخ تونس فى الآونة الأخيرة حيث فجرت من قبل ما يعرف فى تونس بقضية "التسفير" وهى الخاصة بتسفير الشباب التونسى للانخراط فى صفوف الجماعات الإرهابية فى السنوات التالية لعام 2011 وتلقت بسبب ذلك عددا من التهديدات، ورفعت ضدها جماعة النهضة، قضية اتهمتها بالإساءة للغير، بعد تصريحاتها بوقوف الحركة وراء شبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر، وعلاقتها بالإرهاب، واصفة الحكم الصادر فى فبراير 2022 بأنه أول هزيمة قضائية لحركة النهضة.
ومؤخرا رفعت راية التحدى ضد وجود أفارقة جنوب الصحراء، فى تونس واصفة هذه التحركات بـ"الاستيطان".
التقت «البوابة» فاطمة المسدى فى هذا الحوار، الذى تحدثت خلاله عن خطورة مخطط المهاجرين غير الشرعيين أو غير النظاميين على تونس، كما تحدثت عن تأثير ما جرى فى سوريا على بلادها إلى جانب التحديات التى تواجه الرئيس التونسى قيس سعيد، بعدما فاز بولاية ثانية، خلال الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أكتوبر الماضي، وإلى نص الحوار.
■ ما تأثير ما جرى فى سوريا على تونس؟
- لا يمكن أن نتغاضى عما حدث فى سوريا والخطر الذى يمكن أن يحدث بعد إطلاق سراح الإرهابيين من السجون ودور تركيا فى هذا الملف الإقليمى حيث من سهل وبارك عمليات التسفير إلى سوريا لا يجد إحراجا فى دعم نقل الإرهابيين لدولة أخرى والتخطيط لإسقاطها ولكن تونس لها مؤسسات أمنية قوية عصية على مخططاتهم، وقد قمت باستجواب لوزير الداخلية فى فبراير ٢٠٢٤ الذى أكد أن هناك ٤٣ إرهابيا تونسيا فى سجون سوريا وهم معروفون، فمن المستحيل ألا يتم القبض عليهم إذا حاولوا التسلل إلى تونس، لكن ما يقلق حقيقة هو هل سيكون للمهاجرين غير النظاميين دور فى مخططات إرهابية تحاك ضد تونس، خاصة أن أغلب المهاجرين لا نعرف هويتهم، فلذا الترحيل هو أيضا حل استباقى لإحباط كل التهديدات.
■ هل التنظيمات الإرهابية فى سوريا ما زالت لها صلة بالإخوان فى تونس؟
- التنظيمات الإرهابية فى سوريا لها ذراع سياسية إخوانية، والإخوان هو تنظيم موجود فى عدة دول منها فرع تونس الممثل فى حركة النهضة وما لم يتم حل هذه الحركة قانونيا فأكيد أن التنظيمات الإرهابية ستبحث عن التواصل مع كامل أذرع الإخوان حتى فى تونس.
■ ما الأعباء التى تمثلها قضية اللاجئين الأفارقة على تونس اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟
- صارت قضية اللاجئين الأفارقة قضية أمن قومى فى تونس وأصبحت تشكل معاناة للمواطنين فى كل أنحاء البلاد وخاصة ولاية صفاقس فى مناطق العامرة وجبنيانة جراء تواجد أفارقة جنوب الصحراء فى غابات الزياتين القريبة من السكان، مما خلق مناخا متشنجا للمواطنين وعطل الأنشطة الزارعية إضافة إلى تواجد عمليات اعتداء وعنف على المواطنين وفقدان المواد الغذائية الأساسية وتواجدها عند أفارقة جنوب الصحراء، وتقدر التكاليف المرتبطة بالأضرار الناتجة عن تواجدهم عشر الميزانية؛ كما أصبحت السياسة الخارجية لتونس محل نقد وتشكيك وامتعاض من المواطنين مطالبين برفضهم لمخطط التوطين ومطالبين الحكومة بترحيلهم، وقد أكد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، فى المجلس الأمنى القوم أنه لا مجال أن تكون تونس حارسة للحدود أو أرض استيطان.
■ هل هناك تأثير أمنى لوجود المهاجرين الأفارقة فى تونس؟
- ألحق تواجد المهاجرين غير النظاميين العديد من الأضرار لعناصر الحرس الوطنى التونسى والقوات الأمنية فى تونس رغم تمسك قواتنا الأمنية باحترام حقوق الإنسان وتجنب التصادم ولكن منسوب العنف واستعمال الأسلحة البيضاء ارتفع لدى المهاجرين الأفارقة الذين يحاولون بكل طريقة الإبحار خلسة.
كما أن التوافد الكبير من حدودنا أصبح يهدد أمننا القومى خاصة أن الهويات مجهولة، إلى جانب تنامى المخاطر من تسرب إرهابيين.
■ هل تأخر حل هذه الأزمة يعبر عن فشل دبلوماسى أم أن هناك عوامل خارجية تعطل الحل؟
- إن معالجة هذه الأزمة يجب أن تكون على مستويات عدة منها ديبلوماسى كمراجعة الاتفاقيات التى تسببت فيها بداية من ٢٠١١ وهذه مسألة حساسة وعلى مستوى أمنى وعسكرى كتوفير التجهيزات لحماية حدودنا البرية وعلى مستوى اقتصادى كتشديد مراقبة التمويلات.ورغم ذلك هناك عوامل خارجية أخرى تتمثل فى مخطط الاتحاد الأوروبى لدعم كل الوسائل لتكون تونس حارسة لحدودهم وهذا ما ترفضه الدولة التونسية بكل قوته، ويكشف سبب بطء تواجد الحلول لهذه الأزمة.
المنظمات المدنية
■ هل توجد شخصيات أو منظمات فى تونس ضد توجه الدولة فى هذه الأزمة أو مستفيدة منها؟
- هذا الملف فضح تورط العديد من الجمعيات التونسية ومنظمات المجتمع المدنى الذين يعملون لصالح دول أجنبية فى تهيئة أرضية لمخطط التوطين سواء عبر توفير التمويلات أو الإقامة أو محاولات إدماجهم بكل الطرق، ولقد تم إيقاف العديد من قيادات هذه الجمعيات وفتح تحقيق فى نشاطاتهم مثل جمعية تونس أرض اللجوء، حتى أن بعض الجمعيات تستعمل عناوين مختلفة لتخفى نشاطها فى تمويل وتوطين الأفارقة من جنوب الصحراء.
■ هل ترين أن وصول هذه الأعداد مخطط أم أمر عفوى بحكم أن تونس نقطة قريبة من أوروبا؟
- لو تعلق الأمر ببعض العشرات من الوافدين والتى تجتاز حدودنا بطريقة غير قانونية لقلنا إن هذا الأمر عفوي، لكن وصول مثل هذه الأعداد والتى تقدر بالآلاف لا يمكن أن تكون عفوية بل هو مخطط ومدروس، وهناك تجار بشر يساعدونهم للدخول خاصة أن تونس بعيدة جغرافيا على جنوب الصحراء ولا حدود لها مع بلدان الوافدين واختيار تونس كمنطقة عبور لأوروبا مبنى على عديد من النقاط منها وجود أرضية مجتمعية تحترم حقوق الإنسان وأرضية اقتصادية وأمنية مشجعة.
■ وصف البعض وجود الأفارقة فى تونس بـ"الاستيطان" هل هذا توصيف دقيق وما الأمور التى تؤكد ذلك؟
-الاستيطان هو عملية تأسيس مجتمعات بشرية جديدة فى منطقة معينة، سواء كانت هذه المنطقة مأهولة بالسكان أم لا، والاستيطان يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل مثل الهجرة غير النظامية، وما يحدث فى تونس هو نوع من الاستيطان، فوجود هذه الأعداد الكبيرة التى قد تتجاوز عشرات الآلاف فى مخيمات داخل حقول الزياتين خاصة فى منطقة العامرة وجبنيانة وقد أسسوا شبه دولة داخل هذه الحقول فنجد داخل المخيمات، أماكن للتجارة ومستشفيات وملاهى وغيرها، ونمطا اجتماعيا مختلفا عن التونسيين فإذا نحن فى شبه استيطان أفريقي.
■ كيف تأثرت ولاية صفاقس بهذه الأزمة؟
- شهدت ولاية صفاقس تدفقا متزايدا من المهاجرين غير النظامين من أفارقة جنوب الصحراء حتى أنها أصبحت نقطة تمركز لهم قبل محاولة العبور لأوروبا، وهؤلاء المهاجرين يعيشون داخل المدينة بطريقة غير قانونية مما ولد ضغطا كبيرا على المواطنين التونسيين من حيث فقدان المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها وانتشار السوق الموازية لتزويد المهاجرين والاحتكار، كما ولد ضغطا فى المستشفيات والخدمات الأساسية.
وجود الأفارقة فى حقول الزياتين ولد أزمات منها خسائر اقتصادية لعدم قدرة المواطنين على استغلال أراضيهم الزارعية التى احتلوها المهاجرون، ومنها مشاكل أمنية لتفاقم أعمال العنف والسرقة تجاه السكان التونسيين.
هذه الأزمات خلقت توترا شعبيا فتظاهر سكان صفاقس منددين بوجود المهاجرين غير النظامين من أفارقة جنوب الصحراء وقاموا بعرائض شعبية مطالبين الحكومة بترحيلهم.
■ ما رأيك فى دور الاتحاد الأفريقى بأزمة المهاجرين فى تونس؟
- أعتقد أنه إلى حد الآن لم نر دورا أو موقفا للاتحاد الأفريقى بخصوص أزمة المهاجرين غير نظامين فى تونس بل رأينا فقط بعض اللقاءات الثنائية بين وزراء الخارجية التونسيين مع نظرائهم فى بعض البلدان، بالإضافة إلى لقاء رسمى ثلاثى تونسى ليبى جزائرى لبحث الأزمة، ولكن الاتحاد الأفريقى غائب.
■ ما الحل الأمثل لأزمة المهاجرين إذا كان عودتهم إلى بلدانهم صعبا؟
- رغم احترام تونس لحقوق اللاجئين وحقوق الإنسان لكن تونس لن تكون حارسة لحدود أوروبا ولن تكون أرض استيطان للمسافرين غير النظاميين فلا يوجد حل مقبول شعبيا إلا ترحيلهم، وهذا يتطلب عملا كبيرا وتنسيقا مع الجزائر وليبيا والاتحاد الأوروبى وما هو صعب على تونس لا يمكن أن يكون صعبا إذا تظافرت الجهود ووضعت النقاط على الحروف فى هذا الملف.
■ فى بعض الأحيان لجأت بعض الدول إلى فتح باب الهجرة إلى أوروبا.. هل يمكن أن تلجأ تونس إلى هذا الحل؟
- فى ظل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة الناتجة عن حكم الإخوان فى تونس ازدادت أعداد المهاجرين التونسيين سواء بالهجرة المنظمة أو الهجرة غير الشرعية، تبنت الحكومات السابقة فى إطار اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، سياسة تشجع على الهجرة لأسباب اقتصادية أو كحل للمشاكل الداخلية عوضا على فرض الإصلاحات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، وحتى أنها لم تعد تهتم بهجرة الكفاءات التونسية بأعداد مهولة، كما أنها لم تدرس أو تغاضت عن نتائج التحولات الإقليمية والعالمية بما فى ذلك التحديات التى تواجه تونس فى استيعاب موجات الهجرة غير النظامية من مناطق أخرى وخاصة من أفارقة جنوب الصحراء، إذن، رغم أن تونس قد تكون قادرة على فتح باب فتح باب الهجرة إلى أوروبا كما فعلت الحكومات السابقة إلا أن هذا لا يمكن أن يكون حلا.
■ هل هناك تواطؤ من جانب دول جوار تونس فى هذه الأزمة؟
هناك عوامل متعددة تؤثر على سياسة الهجرة فى دول الجوار لتونس، ولكن الحديث عن "تواطؤ" قد يكون مبالغًا فيه، وقد يكون من الأفضل أن نتحدث عن وجود تواطؤ غير رسمى فدول الجوار مثل الجزائر وليبيا قد تواجه ضغوطًا مشابهة لتونس بشأن الهجرة غير نظامية من أفارقة جنوب الصحراء فبعض التقارير تشير إلى أن المهربين وتجار البشر فى ليبيا والجزائر قد يسهلون رحلات الهجرة غير الشرعية إلى تونس.
لذا يجب النظر إلى الوضع على أنه تحدٍ مشترك مع دول الجوار فالحلول تحتاج إلى تعاون وتنسيق بين تونس وليبيا والجزائر.
الرئيس التونسي قيس سعيد■ هل الرئيس سعيد بين مطرقة الالتزام خارجيا بوقف تدفق المهاجرين ومطرقة الغضب الداخلى؟
- لا أعتقد أن هناك التزاما للرئيس قيس سعيد أهم من التزامه أمام الشعب للمحافظة على الأمن القومى التونسى فمسألة الهجرة غير النظامية هى ليست قضية تثير غضب الشعب فقط بل هى تهدد الأمن القومى التونسي، ولذا يجب الحسم فى هذه الأزمة بصفة سريعة والعمل على مراجعة الاتفاقيات السابقة إذا لزم الأمر فالتردد والبطء فى أخذ القرارات اللازمة قد يكلف تونس خسائر كبيرة.
سياق تاريخى
■ هل هناك تشابه بين الاستيطان الإسرائيلى فى فلسطين والهجرة غير الشرعية فى تونس؟
- رغم أن السياقات التاريخية والجغرافية والسياسية تختلف بشكل كبير لكن، يمكن العثور على بعض النقاط المشتركة وأوجه التشابه بين الاستيطان الإسرائيلى فى فلسطين والهجرة غير النظامية من أفارقة جنوب الصحراء إلى تونس، فاحتلال أراضى المواطنين من أجانب دون شرعية قانونية والمشروع الاستيطانى الذى تقف وراءه جهات سياسية لتنفيذ مخطط صهيونى فى المنطقة يجعل من هذه القضية مسألة أمن قومى بامتياز مما جعل كل مؤسسات الدولة التشريعية تتحرك وتطالب السلطة التنفيذية بوضع حد لهذا الاستيطان.
■ أيهما أخطر على تونس الإخوان أم المهاجرين غير الشرعيين؟
- عندما سقط الإخوان فى تونس بعد ٢٥ يوليو ٢٠٢١ شهدت تونس ارتفاعا فى عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين من أفارقة جنوب الصحراء، ويمثل هذا العدد الكبير خطرا حقيقيا خاصة أننا لا نعرف هوياتهم فإمكانية تسلل بعض الإرهابيين من تنظيمات إرهابية كبوكو حرام أو مجرمين فارين من دولهم أو مرتزقة وعملاء فى هذا الحشد الكبير وارد، خاصة أنهم معتادون على حمل السلاح والقتال فإذا الإخوان أو المهاجرون غير الشرعيين لهم نفس الخطورة لأن التنظيمات الإرهابية وراءها تنظيمات سياسية، فلا يمكن أن نغطى على خطورة الوضع فى تونس بشعار الديمقراطية والإنسانية.
تحديات أمام الرئيس
■ هل التحديات التى يواجهها الرئيس قيس سعيد فى ولايته الثانية أصعب من الأولى؟
- طبعا التحديات الحالية التى ينتظرها المواطنون فى الولاية الثانية لرئيس الجمهورية هى تحديات اقتصادية بامتياز فبعد ملف المحاسبة لمن أجروا فى حق تونس يجب أن تعمل الدولة على تحقيق نموذج اقتصادى وتعالج مسألة الفقر والبطالة وهجرة الكفاءات وتشجع الاستثمار لتحقيق عدالة اجتماعية.
كما أن التحديات الكبرى فى استرجاع السيادة الوطنية والثروات الوطنية ومراجعة الاتفاقيات المشبوهة التى عقدها الإخوان مع باعة الوطن.
فلذا ما ينتظر رئيس الجمهورية فى هذه العهدة الرئاسية الثانية أصعب من العهدة الأولى التى خلص بها البلاد من باعة الوطن.
■ تواجه تونس فى الوقت الحالى صعوبات اقتصادية جمة كسائر البلدان مثل الغلاء والديون والبطالة.. هل الشعب على استعداد لتقبل قرارات اقتصادية صعبة؟
- إن الشعب التونسى وضع ثقته مجددا فى رئيس الجمهورية عبر انتخابات نزيهة وشفافية بأغلبية مطلقة رغم الوضع الاقتصادى والاجتماعى الصعب، وذلك لأن الشعب اختار أن يقود المرحلة رجل وطنى همه الوحيد مصلحة تونس والسيادة الوطنية فلذا الشعب قابل للإصلاح الاقتصادى حتى ولو كان صعبا فقط يجب أن تكون القرارات مدروسة وليست ارتجالية وفى إطار رؤية شاملة للإصلاح يطلع عليها الشعب.
■ هل المنظومة القضائية تواكب مشروع الإصلاح الذى انتهجه الرئيس قيس سعيد؟
- رغم تكلس الإدارة فإن المنظومة القضائية تحاول مواكبة المشروع الإصلاحى الذى انتهجه رئيس الجمهورية، ولكن يبقى النسق فى معالجة القضايا بطيئا ولا يستجيب لتطلعات الشعب التونسي.
ولذا فإن وزارة العدل تعمل على الرقمنة كأولوية ولكن فى نفس الوقت يجب التخلص من الفساد فى القضاء.
■ لماذا تأخر تشكيل المحكمة الدستورية فى تونس؟
- رغم الخطوات الكبيرة فى تركيز المؤسسات الدستورية مثل مجلس النواب والمجلس الوطنى للجهات والأقاليم ولكن نحن فى انتظار استكمال بقية المؤسسات الدستورية أهمها المحكمة الدستورية التى تتطلب تشريعات لتنظيم عملها وفق رؤية الجمهورية الجديدة ولذا فإننا ننتظر مبادرة من رئاسة الجمهورية لذلك.