الذكاء الاصطناعي وقدرته على تعزيز الذكاء البشري.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
الكتاب: صناعة العقول ـ إبداع ابتكار تجديد الذكاء الاصطناعي
الكاتب: د.عصام شيخ الأرض
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الأولى 2024،(160 صفحة من القطع الكبير)
في سياق الثورات التكنولوجية والصناعية المتلاحقة، بدأ المبدعون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي يتم تنفيذها يدويًا بكفاءة أكبر، والتواصل مع العملاء، وتحديد الأنماط، وحل المشكلات.
فالمبدأ الرئيسي للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي ويتخطى الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولنا، الأمر الذي أصبح سريعًا الركيزة الأساسية لتحقيق الابتكاروالإبداع. بعد أن أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى. كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه. وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال.
التنمية الإبداعية هنا تتمثل في قدرتنا على التخيل والحلم. والإبداع توجه أكثر منه عملاً، وأن التنمية الإبداعية تسير عكس تيار المعارف التقليدية. ليس علينا أن نصبح أكثر (خبرة) في المجال ولا أن نحشد المزيد من الحقائق حول التفكير الإبداعي وحل المشكلات، إنما علينا أن نعرف كيف ننفتح على أفكار واحتمالات جديدة، وكيف نستغل ونسخر الفضول الفطري الذي تولد به.لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي من دون التفكير الإبداعي بوصفه آلية ضرورية عبر التاريخ لتحسين نوعية الحياة. لكنَّ منذ سنوات، أصبح الإبداع والابتكار مرتبطين بشكل أساسي بعالم المؤسسات التكنولوجية و الصناعية العملاقة العاملة في ظل هذه العولمة الرأسمالية الليبرالية. ويمكن ملاحظة ذلك في تقرير حول مستقبل العمل نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2016، اعتبر الإبداع فيه من بين أهم ثلاث مهارات مطلوبة لعام2020. وهذا يمثل مطلباً جاداً على المؤسسات أن تكون مبتكرة لقدرتها التنافسية في سياقالعولمة الرأسمالية المتوحشة .
الإبداع أمر حاسم فيما يتعلق بمستويات القدرة التنافسية في الشركات والقطاعات وكذلك في اقتصاد البلدان في مجال الأعمال اليوم، يجب على المديرين التنفيذيين والمؤسسات المضي قدماً في إدارة الإبداع المهني في سياقهم الخاص. يجب على كل مؤسسة أو رائد أعمال أن يصمم أعماله في تركيبة فريدة تسمح لهم باكتشاف فرص الابتكار وقدرات التنفيذ الناجحة.
عندما سئل أينشتاين ذات مرة عن الفرق بينه وبين الإنسان العادي، قال: (الإنسان العادي إذا طلبت منه أن يبحث عن إبرة في كومة قش، فإنه بمجرد أن يعثر على الإبرة فسوف يتوقف عن البحث فوراً، أما أنا فسوف استمر في البحث والتنقيب في كومة القش بحثاً عن احتمال وجود إبر أخرى).
فالتنمية الإبداعية هنا تتمثل في قدرتنا على التخيل والحلم. والإبداع توجه أكثر منه عملاً، وأن التنمية الإبداعية تسير عكس تيار المعارف التقليدية. ليس علينا أن نصبح أكثر (خبرة) في المجال ولا أن نحشد المزيد من الحقائق حول التفكير الإبداعي وحل المشكلات، إنما علينا أن نعرف كيف ننفتح على أفكار واحتمالات جديدة، وكيف نستغل ونسخر الفضول الفطري الذي تولد به.
في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "صناعة العقول ـ إبداع ابتكار تجديد الذ كاء الاصطناعي" المتكون من مقدمة وأربعة فصول، ويتضمن حوالي 160 صفحة من القطع الكبير،و الصادر عن دار تموز للنشر في عام 2024، لمؤلفه الدكتور عصام شيخ الأرض، عضو التحاد الكتاب العرب، والذي درَّس العلاقات الدولية في عدة جامعات لبنانية وسورية خلال الأعوام 2004 ـ 2005 ـ 2006، ويشغل منصب رئيس تحرير مجلة اقتصاديات منذ عام 2003 ولغاية الآن، في هذا الكتاب يحاول فيد الدكتور عصام تقديم الإابة عن كثير من التساؤلات التي تدور حول مصطلح الإبداع والابتكار كمفهوم وعملية إنتاج لأفكار والفروقات بينهما، ورفد المعرفة وفواعل العقل البشري وتطويرها، وكذلك يسبر شمولية الذكاء الاصطناعي إمكانية محاكاته لأخلاق الإنسان وتأثيره عليه بشكل يتسم بالشفافية.
ماهو الإبداع؟
في الفصل الأول يتناول الدكتور عصام ماهية التفكير والإبداع، ويركز على موضوع الإبداع بوصفه روحاً حرة إضافية تضاف إلى مكنون الإنسان تجعله يقضي الساعات الطوال بسعادة في أحلامه التي لا تنتهي، فالإبداع لا يتقيد بروتين وقيود وعراقيل إدارية، ولا يتقوقع داخل توقعات وقوالب ثابتة، الإبداع يصارع دائماً لكسر القيود، والبحث عن الفرصة الذهبية للظهور والتحليق. وحين تضع القيود والعراقيل أمامه يقتل الإبداع..
والتفكير الإبداعي هو الوسيلة للحصول على حلول للمشاكل الموجودة بطرق ابداعية ابتكارية. ومن خلال هذا التفكير الإبداعي نتعلم كيف نتأقلم من أجل أن نتمكن من التعامل مع المستقبل، بدونه سنبقى دائماً عالقين في الماضي ولن نتمكن من البقاء في خضم العلوم والابتكارات السريعة التي يعيشها العالم اليوم.
ويقدم الباحث عصام تعريفات محدّدة للمصطلحات الإبداع، الابتكار، التجديد، حيث من الممكن أن تكون لهذه الكلمات مترادفة فيما بينها بالمعنى، ولكن فعلياً، هي مختلفة فيما بينها بالمطلوب منها، فهي تعطي معاني متعددة لمفهوم واحد.
الإبداع: جاء معنى الإبداع في اللغة على النحو التالي: أصل الكلمة في المعجم بدع الشيء يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أنشأه وبدأه وعند الفلاسفة: إيجاد الشيء من عدم.
وفي مختار الصحاح: ابتدع الشيء أو ابتدع في الشيء: بدعه، ابتكره واستحدثه، أنشأه على غير مثال سابق. ومثال على ذلك: ابتدع الطب أسلوباً جديداً في تشخيص الأمراض، يبتدع الرسامون طرائق جديدة في الرسم، ابتدع آلة أو نظاماً: اخترع، ابتكر، هو مبتدع وليس مقلداً.
الابتكار: تأتي من كلمة بكر أي إيجاد شيء لأول مرة غير مسبوق الوجود.
التجديد: وهي إعادة عمل الأمور القديمة بطريقة جديدة مستحدثة وتسمى أيضاً التطوير الابتكاري. ويطلق عليها حديثاً مصطلح إعادة التدوير.
يقول الدكتور عصام: "معظمنا يخلط بين الكلمات الثلاثة المذكورة وغالباً ما نراها مترادفة حتى في القواميس، ولكن في الواقع العملي هي متباينة فيما بينها، ومعرفة هذا التباين أساسي لمعرفة وتطوير المهارات الابداعية في حياتنا.وهنا يمكننا تعريف الإبداع بأنه القدرة على الخروج بأفكار من لا شيء بعد إطلاق العنان لكل الإمكانيات الموجودة لدينا. وينحصر الابداع بالفكر ومن هنا يأتي مصطلح (الفكر الإبداعي) والذي يتولد من الأفكار الجديدة.
في كثير من الأحيان تبقى هذه الأفكار سجينة الأذهان ولا تتحول إلى شيء ملموس في الحياة. والأفكار التي يولدها الإبداع ممكن أن تكون مفيداً جداً في حل المشاكل الابداع تعبير الفرد منا عن نفسه من خلال خلق شيء جديد، هكذا ببساطة يرتبط مفهوم الإبداع بالخلق والإنتاج، قد يكون المنتج سيمفونية أو قصيدة شعر أو رسم أو نحت أو معادلة كيميائية أو منهجية تساعد الناس على التفكير بشكل أفضل"(ص 12).
يحدِّد الباحث عصام الأساليب اللازمة لتنمية التفكير الإبداعي في العمل ومنها:
1 ـ التفكير بشكل متناظر، وهذا يقتضي الابتعاد عن عن الأجهزة الالكترونية قدر الإمكان والتوجه نحو التفكير الإبداعي المتناظر كالقيام بالأعمال الموكلة إلينا بفكر متيقظ. ذلك أنَّ الأجهزة الذكية الحديثة قد تبقين مستمتعين ومشغولين لساعات وقد يبدو هذا رائعاً، إلى أن ندرك أنه بمجرد القيام بذلك طوعاً سيقل معدل تركيزنا بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى إعاقة التفكير الإبداعي. وتظهر الأبحاث أنه عندما نسمح لأنفسنا بالمشاركة في مهام مكررة روتينية تتطلب وظائف تنفيذية قليلة، فسوف ينعكس ذلك سلباً على عقولنا وسنكون قد قضينا على عمليات التفكير الإبداعي. لذلك فمن الأفضل الابتعاد
2 ـ مرِّن نفسك على التفكير بطرق إبداعية:تُعَدُّ هذه الطريقة مؤكدة لتعزيز التفكير الإبداعي، فلا يصنع الإبداع في جزء سحري في الدماغ. إذ يستخدم التفكير الإبداعي الأدوات نفسها التي تعمل على فعل أي شيء آخر، ولكن تطبيق هذه الأدوات يكون بطرق خاصة بالإبداع.
وتظهر الأبحاث أنه من الممكن أن يحاول الناس التفكير بشكل أكثر إلهاماً، وهذه التأثيرات كبيرة ويمكن تكرارها، وهنالك قول مأثور قديم في علم الأعصاب (الخلايا التي تعمل معاً ترتبط معاً). أي أنه كلما استخدمت عقلك لفعل شيء ما، أصبحت الروابط بين الخلايا المعنية أقوى ولكن مفتاح ذلك يكمن في تخصيص مزيد من الوقت في يومك للتفكير بنشاط، وهو ما يعني عادة إلغاء الوسائط الاجتماعية وغيرها.
3 ـ استخدم يديك: يحدث التفكير الإبداعي بشكل رئيس في الدماغ، فعندما تتدرب على مهارة تتطلب تنسيقاً مكثفاً بين اليد والعين فإن ذلك يساعد على تجديد نشاط الشبكة العصبية.
4 ـ قدر إبداع الآخرين: أشبع تفكيرك الإبداعي جيداً من خلال استيعاب الأعمال الإبداعية للأشخاص الآخرين، وتقترح جوليا كاميرون خبيرة الإبداع المشهورة ومؤلفة كتاب."The Artist's Way" القيام بهذا أسبوعياً وتطلق على ذلك اسم (موعد الفنان) كالذهاب مثلاً لمشاهدة فيلم في سينما للفنون الشعبية لم تشاهد مثله من قبل، أو المشاركة في معرض في متحف لم تزره مسبقاً، أو قراءة رواية إذا كنت عادة تقرأ كتب ريادة الأعمال (أو العكس)، أو خذ كراسة رسم وأقلام رصاص واذهب إلى الحديقة وارسم ما تراه.
كما أن هناك طريقة أخرى لتطبيق هذه النصيحة وهي تحديد نقطة للبحث عن المهارات الإبداعية لصنع القرار لدى الآخرين، كالطريقة التي يتعامل بها شخص ما مع زميله ضمن العمل أو إعلان شراكة عمل جديدة في جريدتك المحلية لم تكن تتوقعها أبداً، فقد يزودك ذلك بالكثير من التغذية الفكرية الإبداعية.
5 ـ ممارسة التأمل بانتظام:سواء كنت تمارس التأمل بشكل ثابت أو تقوم به للوصول إلى العصف الذهني والتفكير بشكل إبداعي، فمن المهم تخصيص بعض الوقت للتأمل، إذا كنت ترغب في الحفاظ على قدراتك الإبداعية.بالتأكيد سوف يجذب انتباهك تلك البقرة البنفسجية اللون، هذا ما يعني أن كل ما هو فريد، ومبدع، وجديد يؤثر بشكل كبير على الانتباه للفكرة التي تقدمها.
ثم يتطرق الباحث عصام إلى النظريات المختلفة للإبداع، فيستعرض عددًا منها:
1 ـ نظرية (March & Simon: 1958):
فسرت هذه النظرية الإبداع من خلال معالجة المشكلات التي تعترض فتحاول من خلال عملية البحث خلق بدائل، فعملية الإبداع تمر بعدة مراحل هي المنظمات إذ تواجه بعض المنظمات فجوة بين ما تقوم به وما يفترض أن تقوم به، فجوة أداء، عدم رخاء، بحث ووعي، وبدائل، ثم إبداع حيث عزيا الفجوة الأدائية إلى عوامل خارجية (التغير في الطلب أو تغيرات في البيئة الخارجية أو داخلية.
2 ـ نظرية (Burns & Stalker; 1961):
وكانا أول من أكدا على أن التراكيب والهياكل التنظيمية المختلفة تكون فاعلة في حالات مختلفة، فمن خلال ما توصلوا إليه من أن الهياكل الأكثر ملائمة هي التي تسهم في تطبيق الإبداع في المنظمات من خلال النمط الآلي الذي يلائم بيئة العمل المستقرة والنمط العضوي الذي يلائم البيئات سريعة التغير، كما أن النمط العضوي يقوم عن طريق مشاركة أعضاء التنظيم باتخاذ القرارات، فهو يسهل عملية جمع البيانات والمعلومات ومعالجتها.
3 ـ نظرية (Wilson; 1966):
قد بين عملية الإبداع من خلال ثلاثة مراحل هدفت إلى إدخال تغيرات في المنظمة وهي: إدراك التغير، اقتراح التغير، وتبني التغير وتطبيقه، ويكون بإدراك الحاجة أو الوعي بالتغير المطلوب ثم توليد المقترحات وتطبيقها، فافترضت نسبة الإبداع في هذه المراحل الثلاث متباينة بسبب عدة عوامل منها التعقيد في المهام (البيروقراطية) وتنوع نظام الحفظ، وكلما زاد عدد المهمات المختلفة كلما ازدادت المهمات غير الروتينية مما يسهل إدراك الإبداع، بصورة جماعية وعدم ظهور صراعات، كما أن الحوافز لها تأثير إيجابي لتوليد الاقتراحات وتزيد من مساهمة أغلب أعضاء المنظمة.
4 ـ نظرية (Harvey of Mill; 1970):
قد استفاد مما قدمه كلاً من (March & Simon) و(Burns& Stalker)، فانصب تركيزهم على فهم الإبداع من خلال مدى استخدام الأنظمة للحلول الروتينية - الإبداعية لما يعرف بالحالة والحلول، فقد وصفوا أنواع المشكلات التي تواجهها المنظمات وأنواع الحلول التي قد تطبقها من خلال إدراك القضية (المشكلة) عن طريق ما تحتاجه من فعل المجابهتها أو بلورتها (أي كيفية استجابة المنظمة) أو البحث بهدف تقدير أي الأفعال المحتملة التي قد تتخذها المنظمة أو اختيار الحل (انتقاء البديل الأمثل أو إعادة التعريف بمعنى استلام معلومات ذات تغذية عكسية حول الحل الأنسب، إذ تسعى المنظمة إلى وضع حلول روتينية لمعالجة حالات أو مشكلات تم التصدي لهما سابقاً الخبرات السابقة بينما تسعى لاستحضار حلول إبداعية لم يتم استخدامها من قبل لمعالجة المشكلات غير الروتينية أو الاستثنائية بتبني الهياكل التنظيمية والميكانيكية والعضوية.(صص 59 ـ 60).
اكتشاف الحل الفريد الإبداعي
يمرُّالتفكير الإبداعي بعدة مراحل لتصل الفكرة إلى التنفيذ، ومن هنا نرى مجموعة من المقولات الشعبية التي تؤكد مراحل الإبداع، مثلاً: (الحاجة أم الاختراع) فنرى أن الشخص يبدأ بالتفكير بالمشكلة، ينتقل إلى تبني الفكرة، ليصل إلى ايجاد فكرة الحل، ومنها يصل إلى ايجاد أدوات الحل، وفترة التحقق والوصول لنتائج عمله، وانتهاء بالحالة الأخيرة وهي النتيجة النهائية التي وصل إليها. وفي ضوء المحاولات التي يقوم بها المبدع للوصول إلى النتيجة التي يرجوها، يقوم بإعادة صياغة المشكلة والغوص في أعماقها بما يتوافق ما مشاهداته التي قام بها بالمرحلة التي سبقت من التفكير والتحليل، ليصل إلى أبعاد المشكلة الأساسية وجذورها وأصولها، مما يساعده على اكتشاف الحل الفريد لها.
ويقول تشارلز داروين في هذا الصدد بأنه عاش أعواماً عدة يجمع المعلومات حتى تكتمل الرؤية الإبداعية التي يعمل عليها، قبل أن يلهم نظريته في تطور الأنواع، حيث يقول في هذا (إنني أذكر بكل دقة ذلك الموقع من الطريق، وأنا مستلق في عربتي عندما قفز الحل إلى ذهني، وقد تملكتني ساعتها نشوة غامرة).
الربط بين المعلومات والعصف الذهني (القدرة العقلية):
العمل على تجميع مفردات الحل بالكامل، من بيانات ومعلومات لضبط الحل المناسب، وذلك عن طريق ربط المعلومات الذهنية والعصف الذهني في عملية الحل. إن على قدراتنا العقلية من ذكاء وحكم وتقييم، أن تأخذ دورها بجوار فاعلية الخيال الملهم، يقول هنري أيرنج: (ليس الإبداع مجرد لمحة حدس مفردة إنما هو تدريب على التحليل الدائم لعزل العوامل الهامة من العوامل العارضة).
يقول الباحث عصام بشأن تحقيق الفكرة الإبداعية:" تدخل العملية الإبداعية طورها النهائي في هذه المرحلة، حيث أنه أمكن من خلال الإلهام وضع الفكرة الأولى في صياغة محددة المعالم نسبياً، أما تحول تلك المادة إلى أشكال متكاملة ونهائية، فهذا من شأن ما يقوم به المبدع في هذه المرحلة أي مرحلة الصقل، والتعديل وتحقيق الفكرة، أو وضع العمل الإبداعي في صورته النهائية. ويعتبر داروين نموذجاً لهذا النموذج فقد قضى السنوات تلو السنوات، وهو يعدل من إلهاماته ويجمع الشواهد والأدلة قبل أن يجرؤ على نشر بحوثه الأولى"(ص 66)..
أما التداخل بين المراحل الإبداعية للوصول للشكل النهائي، فيتوقف على الربط بين البدائل والحل النهائي، وهي من الأمور الصعبة التي يجب العمل عليها، وتعتبر مهارات القدرة على التخيل والتصور والتوقع والمزج والربط بين الأدوات الرئيسية والمشكلة لإيجاد أفضل النتائج واستحداث أكبر قدر ممكن من البدائل على أن تكون بدائل ابداعية فريدة.
في النهاية الأمر، سنتمكن من التمسك بالأفكار التي ثبت بالتجربة الواقعية جدواها وفعاليتها، وسوف نستبعد مجموعة من الأفكار الأخرى حتى وإن كانت جديدة أو مبتكرة، لأنها لا تلبي حاجتنا الحالية فربما تكون الفكرة الحل رائداً أو جديداً ومبتكراً ولكنه غير مجد للمشكلة التي نحن بصدد التفكير بشأنها.
ويجب التنويه إلى أن هذه المراحل الإبداعية هي مراحلة مرتبطة بالشخص المبدع فأسلوب عمله وتحضيره يختلف بين شخص وآخر، وما يصلح لشخص مبدع قد لا يصلح لآخر، فالأسلوب الذي يعمل به له الأثر الكبير على تكوير الحالة الإبداعية التي تتولد من هذا العمل. فالعملية بحد ذاتها بالكامل هي عملية شخصية بحتا لا ترتبط بقواعد دقيقة وثابتة للجميع.
تواجه عملية الإبداع العديد من المعوقات والتي تؤثر على العملية الإبداعية في مضمونها الشكلي والفكري وأيضاً من قدرة المبدع على العطاء والإبداع وإمكانية استثمار قدراته وتقديم الفكرة الجديدة بقالب إبداعي مميز، فمعوقات الإبداع كثيرة، منها ما يكون من الإنسان نفسه ومنها ما يكون من الأخرين، علينا أن نستوعب نوعية هذه المعوقات لنتجنبها بقدر الإمكان في عملنا الإبداعي، لأن وجودها في حياة المبدع تقتل لديه روح الإبداع والثقة بما يقدمه.
معوقات الإبداع
يتطرق الباحث عصام في الفصل الثاني إلى الموانع التي تحول دون تحقيق الإبداع،ومنها الإحباط بوصفه عدوا للإبداع. ويؤكد الباحث على القيام بالمبادرة في إبداع شيء جديد لا أن نقوم بتجديد الموجود، فالتكرار في رفض أفكار الطفل وأجوبته واسئلته المحرجة يولد لديه نوع من التغيير الضار الحذر والذي يستمر مدى الحياة لأنه اكتسب هذه الصفة في سنة التعلم والتقليد والحفظ لكل شيء، مما يجعل الإبداع لديه في عقله الباطن منطقة غير مسموح الاقتراب والعمل بها.
لا يمكن الوصول إلى مرحلة الإبداع والابتكار والتجديد إلا عن طريق الإفراغ الذهني عندما نقوم بتفريغ دماغنا من الأمور القديمة والصلبة والسالبة، لذلك فالإبداع يبدأ عند وجود حيز له لدينا. وهنا يتولد الخوف من الفشل، والخوف من ارتكاب الأخطاء، يجب تغير منظورنا حول الفشل، بانه ليس خطأ فادح، وإنما هو مرحلة أولى من مراحل النجاح، فهل بالإمكان أن يكون الفشل جزءاً من مكونات النجاح. لا يمكن الوصول إلى مرحلة الإبداع والابتكار والتجديد إلا عن طريق الإفراغ الذهني عندما نقوم بتفريغ دماغنا من الأمور القديمة والصلبة والسالبة، لذلك فالإبداع يبدأ عند وجود حيز له لدينا.
عندما سأل الكاتب الأمريكي أرنست هيمنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عن أهمية الدافع للمال والأمان المادي بالنسبة للكاتب أو المفكر لم يتردد في الحديث عن أهمية الدافع المادي، ولكنه سرعان ما قال: (متى أصبحت الكتابة بليتك الكبرى ومتعتك الأكبر، فلن يوقفها منك إلا الموت). من هنا يشير إلى أن هناك دوافع أخرى تدفع بالكاتب إلى مواصلة العمل والعطاء، وهي عوامل أهم في نظره بكثير من أي دوافع أخرى في الحياة بما فيها المال والأمان المادي. وهو في هذا يتفق مع كثير من المعطيات المعاصرة في الدراسات السيكولوجية للمبدعين، خاصة ما يتعلق منها بدراسة الدوافع الشخصية التي تتصل بالإبداع.
وهناك أيضاً ما يشير إلى أن النشاط في بعض جوانب السلوك الإنساني يظل مستمراً حتى بعد إرضاء الحاجة التي يسعى للوصول إليها، وأن السلوك لا يضعف بمجرد تحقيق هذه الحاجة، بل إن تحقيقها يكون دافعاً لخلق أهداف وحاجات جديدة. ففي مجال الإبداع والابتكار لا يكاد يتحقق إنجاز هدف معين حتى تتفتح أمام المفكر الإبداعي آفاق أشد اتساعاً مما كان الأمر قبل ذلك.
يرى الباحث عصامى أنَّ مفاتيح الابتكار المستقبلي تكمن في قدرة المؤسسة على رعاية الإبداع، واتخاذ قرارات واختيارات على أساس استعدادها الجيد ومعرفتها واتصالاتها. وسينتج عن مصادر الأفكار المتعددة ـ الموظفين وأصحاب المشروعات وقسم البحث والتطوير والعملاء والموردين والجامعات ـ فرص للابتكار والإبداع باستمرار، ويكمن التحدي في تشجيع أفضلها، وانتقائها وتعديلها ولاستكشاف كيف يمكن للمؤسسات التعامل في المستقبل مع هذه التحديات، نلجأ إلى مثال شركة IBM العالمية للتكنولوجيا والحاسب الآلي (الكمبيوتر)، وهي شركة تستخدم عملية إبداع منتشرة على نطاق واسع، وتتهيأ لإحداث المزيد من التطوير في المستقبل. وقد اخترنا هذه الشركة لأنها - على عكس المؤسسات مثل مايكروسوفت وتويوتا، أو شركات تنظيم المشروعات الأصغر حجماً، تتمتع بتاريخ طويل من التغييرات التي أدخلتها على نظامها فواجهت شركة IBM تحديات مستمرة، بعضها من صنعها، والآخر فرض عليها، ويعتمد بقاؤها في المستقبل، كما كان في الماضي، على الاختراع والابتكار والإبداع في العمل(ص 84).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشره لبنانية لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبداع والابتکار التفکیر الإبداعی الذکاء الاصطناعی الدکتور عصام التفکیر بشکل الإبداع فی علینا أن عن طریق لا یمکن أن تکون من خلال ـ نظریة إلى أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
هل تسهم المهرجانات الفنية في تعزيز الإبداع أم تروج للسلعة الثقافية؟
تعتبر المهرجانات الفنية أحد أهم الأحداث التي تجمع الفنانين والجمهور من مختلف أنحاء العالم، حيث يتم تقديم أعمال فنية متنوعة في مجالات السينما، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، وغيرها. ولكن مع ازدياد عدد المهرجانات الفنية وانتشارها في كافة أنحاء العالم، تطرح العديد من الأسئلة حول دور هذه الفعاليات: هل تسهم المهرجانات في تعزيز الإبداع الفني وتطويره، أم أنها أصبحت مجرد منصات تروج للسلعة الثقافية وتتحول إلى سوق تجارية؟ وبين هذه الأسئلة المعقدة، يظهر تساؤل أساسي: هل المهرجانات الفنية قادرة على حفظ قيم الفن الأصيلة أم أنها تسهم في تسليع الثقافة وتحويلها إلى منتج استهلاكي؟
في الأصل، كانت المهرجانات الفنية تهدف إلى تقديم الإبداع الفني في مجالاته المختلفة، ومنح الفنانين منصة لعرض أعمالهم وتبادل الأفكار والخبرات. كانت هذه المهرجانات تسهم في فتح أفق الجمهور على أشكال جديدة من الفن والثقافة، وتساهم في تعزيز الحوار الثقافي بين مختلف الشعوب والمجتمعات. ومن خلال هذه المهرجانات، كان يتم تسليط الضوء على أعمال فنية مبتكرة تساهم في تطوير الصناعة الفنية وتوسيع نطاق التأثير الفني على المجتمعات.
على سبيل المثال، مهرجان كان السينمائي أو مهرجان فينيسيا للأفلام يعكسان دور المهرجانات في دعم السينما والفنانين المستقلين، وتقديم فرصة لهم للوصول إلى جمهور عالمي. بينما المهرجانات الموسيقية مثل "مهرجان كوتشيلا" أو "غلاستونبري" توفر منصات للموسيقيين والفنانين الشباب لتقديم موسيقاهم، مما يعزز التنوع الثقافي ويسهم في خلق حوار بين مختلف الأجيال والأساليب.
مع مرور الوقت، وتحت ضغوط العولمة والتجارة، بدأت المهرجانات الفنية تتحول بشكل تدريجي من منصات إبداعية إلى سلع ثقافية تُروج وتُسوق. في العديد من الحالات، أصبحت المهرجانات تركز بشكل أكبر على جذب السياح والمستثمرين أكثر من تسليط الضوء على الفن نفسه. كما أن بعض المهرجانات تروج لنجوم الفن العالميين وتعرض أعمالًا تركز على جذب الجمهور، في حين تُغفل الأعمال الفنية المستقلة أو التجريبية التي لا تملك القدرة على جذب حشود ضخمة أو تحقيق إيرادات كبيرة.
هذه التحولات قد تؤدي إلى فرض قيود على الإبداع، حيث يصبح الفنانون مجبرين على تقديم أعمال تناسب متطلبات السوق وتواكب الاتجاهات السائدة. وبدلًا من أن تكون المهرجانات مساحة مفتوحة للابتكار والتجديد، تتحول إلى فعاليات تروج لمنتجات ثقافية تُسوق بطريقة تجارية.
إن أحد أبرز التحديات التي تواجه المهرجانات الفنية في العصر الحالي هو التوازن بين الفن والربح. فبينما يُعد الجانب التجاري جزءًا من أي حدث كبير في العصر الحديث، فإن المهرجانات الفنية التي تركز بشكل أكبر على الربح قد تؤدي إلى تهميش الفنون التي لا تجذب الانتباه الجماهيري أو التي لا تملك القدرة على تحقيق أرباح ضخمة.
المهرجانات التي تُركز على استعراض الأسماء الكبيرة، سواء في السينما أو الموسيقى أو المسرح، قد تساهم في تعميم فكرة أن الفن هو مجرد منتج قابل للاستهلاك. بدلًا من تكريم الأعمال التي تسعى لإحداث تغيير ثقافي أو اجتماعي، يتم تقديم الأعمال التي تتوافق مع الذوق العام وأذواق الجماهير الواسعة، مما يجعل المهرجانات أقل إبداعًا وأقل تحفيزًا للفنانين الجدد أو المبتكرين.
علاوة على ذلك، فقد تحول بعض المهرجانات إلى مناسبات تجارية موجهة نحو السياحة، حيث يهيمن الجانب التجاري على التنظيم والبرمجة. في هذا السياق، يتم التركيز على جلب الزوار، مما قد يؤدي إلى تقليص فرص الفنانين المحليين أو الجدد في عرض أعمالهم في تلك الفعاليات.
رغم هذه الانتقادات، تبقى المهرجانات الفنية أماكن مهمة لتسليط الضوء على التميز الثقافي والفني. فهي توفر فرصة للفنانين والمبدعين للتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع جمهور عالمي، مما يعزز فهم الثقافات المختلفة. بعض المهرجانات، مثل "مهرجان القاهرة السينمائي" و"مهرجان دبي السينمائي"، على سبيل المثال، لعبت دورًا هامًا في دعم السينما العربية وتقديم أعمال مستقلة تحكي قصصًا متنوعة وتنقل رسائل قوية حول قضايا مجتمعية وإنسانية.
وتعتبر المهرجانات أيضًا منصات لتقديم الفنون التي تعكس الهويات الثقافية المختلفة وتساعد على الحفاظ عليها من الاندثار. ومن خلال التفاعل بين الفنانين والجمهور، يتم تبادل القيم الثقافية والفنية بين المجتمعات المختلفة، مما يساهم في بناء جسر من الفهم المتبادل.
على الرغم من الضغوط التجارية التي تواجهها المهرجانات الفنية، يمكن أن تسهم هذه الفعاليات في تعزيز الإبداع بشرط أن تبقى المهرجانات ملتزمة بمهمتها الأصلية في دعم الفن والفنانين بعيدًا عن الضغوط التجارية. يمكن للمهرجانات أن تخلق مساحة للفنانين الجدد والمبتكرين، وتساعد في تقديم أعمال فنية تثير النقاش والتفكير النقدي لدى الجمهور. في هذا السياق، فإن المهرجانات التي تركز على الجودة الفنية وتركز على تقديم أعمال متنوعة تجذب الجمهور من خلال الإبداع، لا تجلب الفائدة للفنانين وحسب، بل تساعد أيضًا في تطوير الثقافة والفنون في المجتمع.
من خلال توفير منصات لعرض الأعمال المستقلة والمبتكرة، قد تسهم المهرجانات في تحفيز الحوار بين الأجيال المختلفة، وتعزيز التنوع الثقافي. كما يمكن أن تركز المهرجانات على تسليط الضوء على الفنانين الذين يتناولون قضايا اجتماعية أو بيئية هامة، مما يساهم في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع من خلال الفن.
المهرجانات الفنية، في مجملها، تظل ساحة حيوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الإبداع الثقافي والفني. ومع ذلك، فإنها لا تخلو من التحديات التي قد تؤثر في توازنها بين الفن والربح. إذا كانت المهرجانات تهدف إلى أن تكون منصات للفن الحقيقي والابتكار، فإنها بحاجة إلى الالتزام برسالتها الأصلية والتركيز على دعم الأعمال الفنية ذات القيمة الثقافية والفكرية، بدلًا من الاكتفاء بالتجارة والربح السريع. وفي النهاية، تظل المهرجانات الفنية بحاجة إلى التوازن بين إرضاء الجمهور وتحقيق الأرباح وبين الحفاظ على الأصالة الفنية وتشجيع الإبداع المتجدد.