الذكاء الاصطناعي وقدرته على تعزيز الذكاء البشري.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
الكتاب: صناعة العقول ـ إبداع ابتكار تجديد الذكاء الاصطناعي
الكاتب: د.عصام شيخ الأرض
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الأولى 2024،(160 صفحة من القطع الكبير)
في سياق الثورات التكنولوجية والصناعية المتلاحقة، بدأ المبدعون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي يتم تنفيذها يدويًا بكفاءة أكبر، والتواصل مع العملاء، وتحديد الأنماط، وحل المشكلات.
فالمبدأ الرئيسي للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي ويتخطى الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولنا، الأمر الذي أصبح سريعًا الركيزة الأساسية لتحقيق الابتكاروالإبداع. بعد أن أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى. كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه. وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال.
التنمية الإبداعية هنا تتمثل في قدرتنا على التخيل والحلم. والإبداع توجه أكثر منه عملاً، وأن التنمية الإبداعية تسير عكس تيار المعارف التقليدية. ليس علينا أن نصبح أكثر (خبرة) في المجال ولا أن نحشد المزيد من الحقائق حول التفكير الإبداعي وحل المشكلات، إنما علينا أن نعرف كيف ننفتح على أفكار واحتمالات جديدة، وكيف نستغل ونسخر الفضول الفطري الذي تولد به.لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي من دون التفكير الإبداعي بوصفه آلية ضرورية عبر التاريخ لتحسين نوعية الحياة. لكنَّ منذ سنوات، أصبح الإبداع والابتكار مرتبطين بشكل أساسي بعالم المؤسسات التكنولوجية و الصناعية العملاقة العاملة في ظل هذه العولمة الرأسمالية الليبرالية. ويمكن ملاحظة ذلك في تقرير حول مستقبل العمل نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2016، اعتبر الإبداع فيه من بين أهم ثلاث مهارات مطلوبة لعام2020. وهذا يمثل مطلباً جاداً على المؤسسات أن تكون مبتكرة لقدرتها التنافسية في سياقالعولمة الرأسمالية المتوحشة .
الإبداع أمر حاسم فيما يتعلق بمستويات القدرة التنافسية في الشركات والقطاعات وكذلك في اقتصاد البلدان في مجال الأعمال اليوم، يجب على المديرين التنفيذيين والمؤسسات المضي قدماً في إدارة الإبداع المهني في سياقهم الخاص. يجب على كل مؤسسة أو رائد أعمال أن يصمم أعماله في تركيبة فريدة تسمح لهم باكتشاف فرص الابتكار وقدرات التنفيذ الناجحة.
عندما سئل أينشتاين ذات مرة عن الفرق بينه وبين الإنسان العادي، قال: (الإنسان العادي إذا طلبت منه أن يبحث عن إبرة في كومة قش، فإنه بمجرد أن يعثر على الإبرة فسوف يتوقف عن البحث فوراً، أما أنا فسوف استمر في البحث والتنقيب في كومة القش بحثاً عن احتمال وجود إبر أخرى).
فالتنمية الإبداعية هنا تتمثل في قدرتنا على التخيل والحلم. والإبداع توجه أكثر منه عملاً، وأن التنمية الإبداعية تسير عكس تيار المعارف التقليدية. ليس علينا أن نصبح أكثر (خبرة) في المجال ولا أن نحشد المزيد من الحقائق حول التفكير الإبداعي وحل المشكلات، إنما علينا أن نعرف كيف ننفتح على أفكار واحتمالات جديدة، وكيف نستغل ونسخر الفضول الفطري الذي تولد به.
في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "صناعة العقول ـ إبداع ابتكار تجديد الذ كاء الاصطناعي" المتكون من مقدمة وأربعة فصول، ويتضمن حوالي 160 صفحة من القطع الكبير،و الصادر عن دار تموز للنشر في عام 2024، لمؤلفه الدكتور عصام شيخ الأرض، عضو التحاد الكتاب العرب، والذي درَّس العلاقات الدولية في عدة جامعات لبنانية وسورية خلال الأعوام 2004 ـ 2005 ـ 2006، ويشغل منصب رئيس تحرير مجلة اقتصاديات منذ عام 2003 ولغاية الآن، في هذا الكتاب يحاول فيد الدكتور عصام تقديم الإابة عن كثير من التساؤلات التي تدور حول مصطلح الإبداع والابتكار كمفهوم وعملية إنتاج لأفكار والفروقات بينهما، ورفد المعرفة وفواعل العقل البشري وتطويرها، وكذلك يسبر شمولية الذكاء الاصطناعي إمكانية محاكاته لأخلاق الإنسان وتأثيره عليه بشكل يتسم بالشفافية.
ماهو الإبداع؟
في الفصل الأول يتناول الدكتور عصام ماهية التفكير والإبداع، ويركز على موضوع الإبداع بوصفه روحاً حرة إضافية تضاف إلى مكنون الإنسان تجعله يقضي الساعات الطوال بسعادة في أحلامه التي لا تنتهي، فالإبداع لا يتقيد بروتين وقيود وعراقيل إدارية، ولا يتقوقع داخل توقعات وقوالب ثابتة، الإبداع يصارع دائماً لكسر القيود، والبحث عن الفرصة الذهبية للظهور والتحليق. وحين تضع القيود والعراقيل أمامه يقتل الإبداع..
والتفكير الإبداعي هو الوسيلة للحصول على حلول للمشاكل الموجودة بطرق ابداعية ابتكارية. ومن خلال هذا التفكير الإبداعي نتعلم كيف نتأقلم من أجل أن نتمكن من التعامل مع المستقبل، بدونه سنبقى دائماً عالقين في الماضي ولن نتمكن من البقاء في خضم العلوم والابتكارات السريعة التي يعيشها العالم اليوم.
ويقدم الباحث عصام تعريفات محدّدة للمصطلحات الإبداع، الابتكار، التجديد، حيث من الممكن أن تكون لهذه الكلمات مترادفة فيما بينها بالمعنى، ولكن فعلياً، هي مختلفة فيما بينها بالمطلوب منها، فهي تعطي معاني متعددة لمفهوم واحد.
الإبداع: جاء معنى الإبداع في اللغة على النحو التالي: أصل الكلمة في المعجم بدع الشيء يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أنشأه وبدأه وعند الفلاسفة: إيجاد الشيء من عدم.
وفي مختار الصحاح: ابتدع الشيء أو ابتدع في الشيء: بدعه، ابتكره واستحدثه، أنشأه على غير مثال سابق. ومثال على ذلك: ابتدع الطب أسلوباً جديداً في تشخيص الأمراض، يبتدع الرسامون طرائق جديدة في الرسم، ابتدع آلة أو نظاماً: اخترع، ابتكر، هو مبتدع وليس مقلداً.
الابتكار: تأتي من كلمة بكر أي إيجاد شيء لأول مرة غير مسبوق الوجود.
التجديد: وهي إعادة عمل الأمور القديمة بطريقة جديدة مستحدثة وتسمى أيضاً التطوير الابتكاري. ويطلق عليها حديثاً مصطلح إعادة التدوير.
يقول الدكتور عصام: "معظمنا يخلط بين الكلمات الثلاثة المذكورة وغالباً ما نراها مترادفة حتى في القواميس، ولكن في الواقع العملي هي متباينة فيما بينها، ومعرفة هذا التباين أساسي لمعرفة وتطوير المهارات الابداعية في حياتنا.وهنا يمكننا تعريف الإبداع بأنه القدرة على الخروج بأفكار من لا شيء بعد إطلاق العنان لكل الإمكانيات الموجودة لدينا. وينحصر الابداع بالفكر ومن هنا يأتي مصطلح (الفكر الإبداعي) والذي يتولد من الأفكار الجديدة.
في كثير من الأحيان تبقى هذه الأفكار سجينة الأذهان ولا تتحول إلى شيء ملموس في الحياة. والأفكار التي يولدها الإبداع ممكن أن تكون مفيداً جداً في حل المشاكل الابداع تعبير الفرد منا عن نفسه من خلال خلق شيء جديد، هكذا ببساطة يرتبط مفهوم الإبداع بالخلق والإنتاج، قد يكون المنتج سيمفونية أو قصيدة شعر أو رسم أو نحت أو معادلة كيميائية أو منهجية تساعد الناس على التفكير بشكل أفضل"(ص 12).
يحدِّد الباحث عصام الأساليب اللازمة لتنمية التفكير الإبداعي في العمل ومنها:
1 ـ التفكير بشكل متناظر، وهذا يقتضي الابتعاد عن عن الأجهزة الالكترونية قدر الإمكان والتوجه نحو التفكير الإبداعي المتناظر كالقيام بالأعمال الموكلة إلينا بفكر متيقظ. ذلك أنَّ الأجهزة الذكية الحديثة قد تبقين مستمتعين ومشغولين لساعات وقد يبدو هذا رائعاً، إلى أن ندرك أنه بمجرد القيام بذلك طوعاً سيقل معدل تركيزنا بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى إعاقة التفكير الإبداعي. وتظهر الأبحاث أنه عندما نسمح لأنفسنا بالمشاركة في مهام مكررة روتينية تتطلب وظائف تنفيذية قليلة، فسوف ينعكس ذلك سلباً على عقولنا وسنكون قد قضينا على عمليات التفكير الإبداعي. لذلك فمن الأفضل الابتعاد
2 ـ مرِّن نفسك على التفكير بطرق إبداعية:تُعَدُّ هذه الطريقة مؤكدة لتعزيز التفكير الإبداعي، فلا يصنع الإبداع في جزء سحري في الدماغ. إذ يستخدم التفكير الإبداعي الأدوات نفسها التي تعمل على فعل أي شيء آخر، ولكن تطبيق هذه الأدوات يكون بطرق خاصة بالإبداع.
وتظهر الأبحاث أنه من الممكن أن يحاول الناس التفكير بشكل أكثر إلهاماً، وهذه التأثيرات كبيرة ويمكن تكرارها، وهنالك قول مأثور قديم في علم الأعصاب (الخلايا التي تعمل معاً ترتبط معاً). أي أنه كلما استخدمت عقلك لفعل شيء ما، أصبحت الروابط بين الخلايا المعنية أقوى ولكن مفتاح ذلك يكمن في تخصيص مزيد من الوقت في يومك للتفكير بنشاط، وهو ما يعني عادة إلغاء الوسائط الاجتماعية وغيرها.
3 ـ استخدم يديك: يحدث التفكير الإبداعي بشكل رئيس في الدماغ، فعندما تتدرب على مهارة تتطلب تنسيقاً مكثفاً بين اليد والعين فإن ذلك يساعد على تجديد نشاط الشبكة العصبية.
4 ـ قدر إبداع الآخرين: أشبع تفكيرك الإبداعي جيداً من خلال استيعاب الأعمال الإبداعية للأشخاص الآخرين، وتقترح جوليا كاميرون خبيرة الإبداع المشهورة ومؤلفة كتاب."The Artist's Way" القيام بهذا أسبوعياً وتطلق على ذلك اسم (موعد الفنان) كالذهاب مثلاً لمشاهدة فيلم في سينما للفنون الشعبية لم تشاهد مثله من قبل، أو المشاركة في معرض في متحف لم تزره مسبقاً، أو قراءة رواية إذا كنت عادة تقرأ كتب ريادة الأعمال (أو العكس)، أو خذ كراسة رسم وأقلام رصاص واذهب إلى الحديقة وارسم ما تراه.
كما أن هناك طريقة أخرى لتطبيق هذه النصيحة وهي تحديد نقطة للبحث عن المهارات الإبداعية لصنع القرار لدى الآخرين، كالطريقة التي يتعامل بها شخص ما مع زميله ضمن العمل أو إعلان شراكة عمل جديدة في جريدتك المحلية لم تكن تتوقعها أبداً، فقد يزودك ذلك بالكثير من التغذية الفكرية الإبداعية.
5 ـ ممارسة التأمل بانتظام:سواء كنت تمارس التأمل بشكل ثابت أو تقوم به للوصول إلى العصف الذهني والتفكير بشكل إبداعي، فمن المهم تخصيص بعض الوقت للتأمل، إذا كنت ترغب في الحفاظ على قدراتك الإبداعية.بالتأكيد سوف يجذب انتباهك تلك البقرة البنفسجية اللون، هذا ما يعني أن كل ما هو فريد، ومبدع، وجديد يؤثر بشكل كبير على الانتباه للفكرة التي تقدمها.
ثم يتطرق الباحث عصام إلى النظريات المختلفة للإبداع، فيستعرض عددًا منها:
1 ـ نظرية (March & Simon: 1958):
فسرت هذه النظرية الإبداع من خلال معالجة المشكلات التي تعترض فتحاول من خلال عملية البحث خلق بدائل، فعملية الإبداع تمر بعدة مراحل هي المنظمات إذ تواجه بعض المنظمات فجوة بين ما تقوم به وما يفترض أن تقوم به، فجوة أداء، عدم رخاء، بحث ووعي، وبدائل، ثم إبداع حيث عزيا الفجوة الأدائية إلى عوامل خارجية (التغير في الطلب أو تغيرات في البيئة الخارجية أو داخلية.
2 ـ نظرية (Burns & Stalker; 1961):
وكانا أول من أكدا على أن التراكيب والهياكل التنظيمية المختلفة تكون فاعلة في حالات مختلفة، فمن خلال ما توصلوا إليه من أن الهياكل الأكثر ملائمة هي التي تسهم في تطبيق الإبداع في المنظمات من خلال النمط الآلي الذي يلائم بيئة العمل المستقرة والنمط العضوي الذي يلائم البيئات سريعة التغير، كما أن النمط العضوي يقوم عن طريق مشاركة أعضاء التنظيم باتخاذ القرارات، فهو يسهل عملية جمع البيانات والمعلومات ومعالجتها.
3 ـ نظرية (Wilson; 1966):
قد بين عملية الإبداع من خلال ثلاثة مراحل هدفت إلى إدخال تغيرات في المنظمة وهي: إدراك التغير، اقتراح التغير، وتبني التغير وتطبيقه، ويكون بإدراك الحاجة أو الوعي بالتغير المطلوب ثم توليد المقترحات وتطبيقها، فافترضت نسبة الإبداع في هذه المراحل الثلاث متباينة بسبب عدة عوامل منها التعقيد في المهام (البيروقراطية) وتنوع نظام الحفظ، وكلما زاد عدد المهمات المختلفة كلما ازدادت المهمات غير الروتينية مما يسهل إدراك الإبداع، بصورة جماعية وعدم ظهور صراعات، كما أن الحوافز لها تأثير إيجابي لتوليد الاقتراحات وتزيد من مساهمة أغلب أعضاء المنظمة.
4 ـ نظرية (Harvey of Mill; 1970):
قد استفاد مما قدمه كلاً من (March & Simon) و(Burns& Stalker)، فانصب تركيزهم على فهم الإبداع من خلال مدى استخدام الأنظمة للحلول الروتينية - الإبداعية لما يعرف بالحالة والحلول، فقد وصفوا أنواع المشكلات التي تواجهها المنظمات وأنواع الحلول التي قد تطبقها من خلال إدراك القضية (المشكلة) عن طريق ما تحتاجه من فعل المجابهتها أو بلورتها (أي كيفية استجابة المنظمة) أو البحث بهدف تقدير أي الأفعال المحتملة التي قد تتخذها المنظمة أو اختيار الحل (انتقاء البديل الأمثل أو إعادة التعريف بمعنى استلام معلومات ذات تغذية عكسية حول الحل الأنسب، إذ تسعى المنظمة إلى وضع حلول روتينية لمعالجة حالات أو مشكلات تم التصدي لهما سابقاً الخبرات السابقة بينما تسعى لاستحضار حلول إبداعية لم يتم استخدامها من قبل لمعالجة المشكلات غير الروتينية أو الاستثنائية بتبني الهياكل التنظيمية والميكانيكية والعضوية.(صص 59 ـ 60).
اكتشاف الحل الفريد الإبداعي
يمرُّالتفكير الإبداعي بعدة مراحل لتصل الفكرة إلى التنفيذ، ومن هنا نرى مجموعة من المقولات الشعبية التي تؤكد مراحل الإبداع، مثلاً: (الحاجة أم الاختراع) فنرى أن الشخص يبدأ بالتفكير بالمشكلة، ينتقل إلى تبني الفكرة، ليصل إلى ايجاد فكرة الحل، ومنها يصل إلى ايجاد أدوات الحل، وفترة التحقق والوصول لنتائج عمله، وانتهاء بالحالة الأخيرة وهي النتيجة النهائية التي وصل إليها. وفي ضوء المحاولات التي يقوم بها المبدع للوصول إلى النتيجة التي يرجوها، يقوم بإعادة صياغة المشكلة والغوص في أعماقها بما يتوافق ما مشاهداته التي قام بها بالمرحلة التي سبقت من التفكير والتحليل، ليصل إلى أبعاد المشكلة الأساسية وجذورها وأصولها، مما يساعده على اكتشاف الحل الفريد لها.
ويقول تشارلز داروين في هذا الصدد بأنه عاش أعواماً عدة يجمع المعلومات حتى تكتمل الرؤية الإبداعية التي يعمل عليها، قبل أن يلهم نظريته في تطور الأنواع، حيث يقول في هذا (إنني أذكر بكل دقة ذلك الموقع من الطريق، وأنا مستلق في عربتي عندما قفز الحل إلى ذهني، وقد تملكتني ساعتها نشوة غامرة).
الربط بين المعلومات والعصف الذهني (القدرة العقلية):
العمل على تجميع مفردات الحل بالكامل، من بيانات ومعلومات لضبط الحل المناسب، وذلك عن طريق ربط المعلومات الذهنية والعصف الذهني في عملية الحل. إن على قدراتنا العقلية من ذكاء وحكم وتقييم، أن تأخذ دورها بجوار فاعلية الخيال الملهم، يقول هنري أيرنج: (ليس الإبداع مجرد لمحة حدس مفردة إنما هو تدريب على التحليل الدائم لعزل العوامل الهامة من العوامل العارضة).
يقول الباحث عصام بشأن تحقيق الفكرة الإبداعية:" تدخل العملية الإبداعية طورها النهائي في هذه المرحلة، حيث أنه أمكن من خلال الإلهام وضع الفكرة الأولى في صياغة محددة المعالم نسبياً، أما تحول تلك المادة إلى أشكال متكاملة ونهائية، فهذا من شأن ما يقوم به المبدع في هذه المرحلة أي مرحلة الصقل، والتعديل وتحقيق الفكرة، أو وضع العمل الإبداعي في صورته النهائية. ويعتبر داروين نموذجاً لهذا النموذج فقد قضى السنوات تلو السنوات، وهو يعدل من إلهاماته ويجمع الشواهد والأدلة قبل أن يجرؤ على نشر بحوثه الأولى"(ص 66)..
أما التداخل بين المراحل الإبداعية للوصول للشكل النهائي، فيتوقف على الربط بين البدائل والحل النهائي، وهي من الأمور الصعبة التي يجب العمل عليها، وتعتبر مهارات القدرة على التخيل والتصور والتوقع والمزج والربط بين الأدوات الرئيسية والمشكلة لإيجاد أفضل النتائج واستحداث أكبر قدر ممكن من البدائل على أن تكون بدائل ابداعية فريدة.
في النهاية الأمر، سنتمكن من التمسك بالأفكار التي ثبت بالتجربة الواقعية جدواها وفعاليتها، وسوف نستبعد مجموعة من الأفكار الأخرى حتى وإن كانت جديدة أو مبتكرة، لأنها لا تلبي حاجتنا الحالية فربما تكون الفكرة الحل رائداً أو جديداً ومبتكراً ولكنه غير مجد للمشكلة التي نحن بصدد التفكير بشأنها.
ويجب التنويه إلى أن هذه المراحل الإبداعية هي مراحلة مرتبطة بالشخص المبدع فأسلوب عمله وتحضيره يختلف بين شخص وآخر، وما يصلح لشخص مبدع قد لا يصلح لآخر، فالأسلوب الذي يعمل به له الأثر الكبير على تكوير الحالة الإبداعية التي تتولد من هذا العمل. فالعملية بحد ذاتها بالكامل هي عملية شخصية بحتا لا ترتبط بقواعد دقيقة وثابتة للجميع.
تواجه عملية الإبداع العديد من المعوقات والتي تؤثر على العملية الإبداعية في مضمونها الشكلي والفكري وأيضاً من قدرة المبدع على العطاء والإبداع وإمكانية استثمار قدراته وتقديم الفكرة الجديدة بقالب إبداعي مميز، فمعوقات الإبداع كثيرة، منها ما يكون من الإنسان نفسه ومنها ما يكون من الأخرين، علينا أن نستوعب نوعية هذه المعوقات لنتجنبها بقدر الإمكان في عملنا الإبداعي، لأن وجودها في حياة المبدع تقتل لديه روح الإبداع والثقة بما يقدمه.
معوقات الإبداع
يتطرق الباحث عصام في الفصل الثاني إلى الموانع التي تحول دون تحقيق الإبداع،ومنها الإحباط بوصفه عدوا للإبداع. ويؤكد الباحث على القيام بالمبادرة في إبداع شيء جديد لا أن نقوم بتجديد الموجود، فالتكرار في رفض أفكار الطفل وأجوبته واسئلته المحرجة يولد لديه نوع من التغيير الضار الحذر والذي يستمر مدى الحياة لأنه اكتسب هذه الصفة في سنة التعلم والتقليد والحفظ لكل شيء، مما يجعل الإبداع لديه في عقله الباطن منطقة غير مسموح الاقتراب والعمل بها.
لا يمكن الوصول إلى مرحلة الإبداع والابتكار والتجديد إلا عن طريق الإفراغ الذهني عندما نقوم بتفريغ دماغنا من الأمور القديمة والصلبة والسالبة، لذلك فالإبداع يبدأ عند وجود حيز له لدينا. وهنا يتولد الخوف من الفشل، والخوف من ارتكاب الأخطاء، يجب تغير منظورنا حول الفشل، بانه ليس خطأ فادح، وإنما هو مرحلة أولى من مراحل النجاح، فهل بالإمكان أن يكون الفشل جزءاً من مكونات النجاح. لا يمكن الوصول إلى مرحلة الإبداع والابتكار والتجديد إلا عن طريق الإفراغ الذهني عندما نقوم بتفريغ دماغنا من الأمور القديمة والصلبة والسالبة، لذلك فالإبداع يبدأ عند وجود حيز له لدينا.
عندما سأل الكاتب الأمريكي أرنست هيمنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عن أهمية الدافع للمال والأمان المادي بالنسبة للكاتب أو المفكر لم يتردد في الحديث عن أهمية الدافع المادي، ولكنه سرعان ما قال: (متى أصبحت الكتابة بليتك الكبرى ومتعتك الأكبر، فلن يوقفها منك إلا الموت). من هنا يشير إلى أن هناك دوافع أخرى تدفع بالكاتب إلى مواصلة العمل والعطاء، وهي عوامل أهم في نظره بكثير من أي دوافع أخرى في الحياة بما فيها المال والأمان المادي. وهو في هذا يتفق مع كثير من المعطيات المعاصرة في الدراسات السيكولوجية للمبدعين، خاصة ما يتعلق منها بدراسة الدوافع الشخصية التي تتصل بالإبداع.
وهناك أيضاً ما يشير إلى أن النشاط في بعض جوانب السلوك الإنساني يظل مستمراً حتى بعد إرضاء الحاجة التي يسعى للوصول إليها، وأن السلوك لا يضعف بمجرد تحقيق هذه الحاجة، بل إن تحقيقها يكون دافعاً لخلق أهداف وحاجات جديدة. ففي مجال الإبداع والابتكار لا يكاد يتحقق إنجاز هدف معين حتى تتفتح أمام المفكر الإبداعي آفاق أشد اتساعاً مما كان الأمر قبل ذلك.
يرى الباحث عصامى أنَّ مفاتيح الابتكار المستقبلي تكمن في قدرة المؤسسة على رعاية الإبداع، واتخاذ قرارات واختيارات على أساس استعدادها الجيد ومعرفتها واتصالاتها. وسينتج عن مصادر الأفكار المتعددة ـ الموظفين وأصحاب المشروعات وقسم البحث والتطوير والعملاء والموردين والجامعات ـ فرص للابتكار والإبداع باستمرار، ويكمن التحدي في تشجيع أفضلها، وانتقائها وتعديلها ولاستكشاف كيف يمكن للمؤسسات التعامل في المستقبل مع هذه التحديات، نلجأ إلى مثال شركة IBM العالمية للتكنولوجيا والحاسب الآلي (الكمبيوتر)، وهي شركة تستخدم عملية إبداع منتشرة على نطاق واسع، وتتهيأ لإحداث المزيد من التطوير في المستقبل. وقد اخترنا هذه الشركة لأنها - على عكس المؤسسات مثل مايكروسوفت وتويوتا، أو شركات تنظيم المشروعات الأصغر حجماً، تتمتع بتاريخ طويل من التغييرات التي أدخلتها على نظامها فواجهت شركة IBM تحديات مستمرة، بعضها من صنعها، والآخر فرض عليها، ويعتمد بقاؤها في المستقبل، كما كان في الماضي، على الاختراع والابتكار والإبداع في العمل(ص 84).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشره لبنانية لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبداع والابتکار التفکیر الإبداعی الذکاء الاصطناعی الدکتور عصام التفکیر بشکل الإبداع فی علینا أن عن طریق لا یمکن أن تکون من خلال ـ نظریة إلى أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
بعد مأساة المنوفية: الذكاء الاصطناعي هو الحل في مواجهة سائقي "الكيف"
لم يكن صباح الجمعة، السابع والعشرين من يونيو 2025، سوى بداية يوم عمل بسيط لتسع عشرة فتاة من قرية صغيرة في محافظة المنوفية. صعدن إلى "ميكروباص" يحمل حلمهن اليومي في الرزق، غير مدركات أنهن على موعد مع شاحنة يقودها سائق تحوّل في لحظة إلى أداة موت، حصدت أرواحهن وخلّفت وجعًا لا يُحتمل في قلوب الأمهات والآباء.
في مثل هذه الحوادث، لا تكون السرعة وحدها أو رعونة القيادة هي القاتل، بل المخدر الذي يتسلل إلى أعصاب السائق، ويخدّر ضميره قبل أن يعطل قدرته على التقدير واتخاذ القرار.
في مواجهة هذا الخطر الخفي، نحن بحاجة إلى عيون لا تنام، تراقب وتكشف لحظات الغفلة والاضطراب قبل أن تتحول إلى كارثة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، كدرع رقمي لحماية الأبرياء على الطرقات.
الحديث في سطور البحث عن حلول جذرية لا يدور عن تحليل البول أو الدم أو اللعاب، بل عن خوارزميات ترصد الارتباك المجهري في حدقة العين، أو ذلك "اللا انتباه" الذي يدوم 300 ميلي ثانية فقط، لكنه قد يكون الدليل القاطع على تعاطي مواد مخدرة.
فكيف يعمل هذا النظام؟ ما التجارب الدولية التي نجحت في تطبيقه؟ وما البنية التقنية المطلوبة لتفعيله؟ الأهم: كيف يتحول إلى نظام ردع شامل يضع نهاية للتعاطي خلف عجلة القيادة؟
نبدأ من الأساس العلمي. الذكاء الاصطناعي لا يكتشف المادة المخدرة كيميائيًا، بل يتتبع التأثيرات العصبية والسلوكية الناتجة عنها، عبر تغيرات بصرية دقيقة مثل اتساع غير مبرر في حدقة العين أو رَمش متكرر، وسلوكيات نمطية عبارة عن حركات لا إرادية متكررة، وتأخر زمني بسيط في الاستجابة لمحفز بصري يظهر من انحراف في الانتباه، أو خلل في استقرار الرأس أو اتجاه النظر أثناء القيادة. ويمكن رصد إشارات كافية للاشتباه بداية من 30 ثانية إلى دقيقتين.
يتم تدريب أنظمة التعلم العميق على ساعات من فيديوهات لسائقين طبيعيين وآخرين تحت تأثير مواد مختلفة. بعدها، يتمكن النموذج من اكتشاف التعاطي من خلال مجرد "رصد السلوك".
ما يُحدث الفرق في تطبيق التجربة ليس النظام نفسه، بل نقاط تفعيله. ففي النموذج المستقبلي المتكامل، يتم تضمين الذكاء الاصطناعي في عدة مواقع، والتركيز على سائقي شاحنات النقل الثقيل:
- أكمنة الطرق السريعة: تُزرع كاميرات مزودة بخوارزميات ذكاء بصري قادرة على تحليل نظرات السائق أثناء توقفه.
- محطات الوزن والصيانة: يُراقب السائق تلقائيًا وهو يسلّم أوراق الشاحنة، دون علمه أنه يخضع لاختبار.
- مقار استخراج المستندات الرسمية (رخص القيادة، بطاقات التشغيل): يُطلب من السائق التفاعل مع شاشة ذكية أثناء ملء البيانات، وفي الخلفية تُحلل الخوارزمية استجاباته وسلوكه الدقيق. - سيارات تفتيش متنقلة (Mobile AI Labs): تنفذ حملات مفاجئة بمناطق متفرقة، وتُجري فحصًا سريعًا مدعومًا بتحليل بصري وسلوكي.
بُنية تحتية لا بد من توافرها:
1 - كاميرات تتبع العين Eye-Tracking Cameras)).
2 - خوارزميات رؤية حاسوبية مثبتة على أجهزة ميدانية أو مدمجة في بوابات الطرق السريعة.
3 - شاشات ذكية للتفاعل النفسي- السلوكي في المقار الرسمية.
4 - أنظمة تنبيه فوري مرتبطة بالمراكز الأمنية.
ما يميز تقنيات الذكاء الاصطناعي أنها لا تعتمد على مفاجأة السائق، بل على سلوك المخ الذي لا يمكن أن يُزيَّف. فمهما حاول السائق التظاهر باليقظة، فإن اتساع حدقته، رَمش عينه، تأرجح رأسه، وميله اللاواعي إلى الارتباك.. .كلها إشارات لا يدركها. وهذا ما يجعل الذكاء الاصطناعي أداة ردع نفسي دائم، وليست أداة عقاب أو قمع. فبمجرد علم السائق أن منظومة تراقب تصرفاته على مدار اللحظة، دون إذن أو إنذار، تنشأ حالة ردع قسرية تؤدي إلى "الامتناع التلقائي".
لا يمكن النظر إلى هذه المنظومة باعتبارها خيالًا تقنيًا، بل هي واقع ميداني في دول متقدمة:
في أستراليا: طبّقت شركة Seeing Machines تقنية Guardian على آلاف الشاحنات، بربط كاميرا تحليل نظرة العين بحاسوب يُنذر في حال الاشتباه. وكانت النتيجة: انخفاض بنسبة 97% في الحوادث المرتبطة بالإرهاق والتأثيرات النفسية خلال عام واحد فقط.
وفي السويد: اعتمدت شركة Smart Eye على خوارزميات تتبع العين داخل سيارات النقل والحافلات، وتُصدر تنبيهًا عند تغيّر حركة النظر أو السلوك. والنتيجة: رفع فعالية الفحص الفوري في الطرق بنسبة تجاوزت 88% خلال أول 6 أشهر.
أما في كوريا الجنوبية، فقد أدخلت وزارة النقل نظام تحليل السلوك داخل محطات الوزن الإلزامي. وعند ظهور مؤشرات اضطراب سلوكي، يُحوَّل السائق لتحليل لعاب ميداني. وكانت النتيجة: انخفضت حالات التعاطي بين سائقي النقل العام بنسبة 53% خلال 18 شهرًا.
تقنيات الذكاء الصناعي لا تُثبت تعاطي المخدرات قانونيًا، لكنها مستشار رقمي ذكي يمنح القدرة غير مسبوقة على رصد مؤشرات الخطر في الوقت الحقيقي، ويرفع مؤشر الخطر لمستوى يستدعي اختبارًا كيميائيًا لاحقًا، مثل التحليل الأولي للعاب، أو التحليل التأكيدي بالبول أو الدم، أو تحليل الشعر، وهو الصندوق الأسود لكل مدمن.
لذلك يجب دمج تحليل اللعاب وتحليل الشعر ضمن نظام الكشف المتكامل عن تعاطي المخدرات:
تحليل اللعاب: سهل، فوري، ومناسب لميدان الطرق. يُظهر وجود مواد مثل الأفيون، الكوكايين، والحشيش، بدقة تتجاوز 95% خلال أول يومين من التعاطي، ويحتاج إلى أجهزة Oratect، Drug Wipe، So Toxa. وهي أجهزة فحص سريع تعطي نتائج خلال أقل من 8 دقائق، وتكشف معظم المخدرات الشائعة، ولا تتطلب مختبرًا متقدمًا.
تحليل الشعر: وهو أداة لا تكذب. يُحلل المخدرات المترسبة في الشعرة، ويُكشف الاستخدام المزمن لمدة 90 يومًا فأكثر، ويصلح للحسم في حالة الإنكار. وهذا النوع يحتاج إلى أجهزة كروماتوغرافيا - كتلة (GC-MS) متخصصة بتحليل عينات الشعر، تتطلب تدريب فنيين وخبراء في سموم الأعصاب، وتُستخدم في تأكيد التعاطي المزمن ضمن تحقيقات رسمية أو إعادة التأهيل.
ليس الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي مجرد تركيب كاميرات أو أجهزة تحليل سريعة، بل بناء منظومة ذكية تستبق الخطر، وتقرأ سلوك السائق قبل أن يتحوّل إلى تهديد متنقل.
ويتحقق ذلك عبر تكامل ثلاثة عناصر أساسية: إصدار تشريعات تعترف بنتائج الذكاء الاصطناعي كمؤشرات قانونية للاشتباه، تدريب رجال المرور على قراءة البيانات الحية التي توفرها الخوارزميات، وإنشاء سجل مركزي يربط بين المخالفات المؤكدة والجهات المرورية والجنائية.
وبهذا ننتقل من نموذج "الفحص بعد وقوع الخطأ" إلى نموذج "الرؤية الاستباقية"، حيث يصبح الطريق نفسه عينًا يقظة، والذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في إنقاذ الأرواح.