رحلة الطماطم من فاكهة لاتينية غامضة إلى ملكة المطابخ العالمية
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
إذا سُئلت عن أكبر عنصر مشترك بين مختلف المطابخ العالمية اليوم، فغالبا ستكون الإجابة هي الطماطم، أو البندورة حسبما يُسميها بعض الشعوب. هذه "الفاكهة" الحمراء الشهيرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأطباق المختلفة حول العالم.
تُعتبر الطماطم فاكهة، لأنها من الناحية النباتية تنمو من مبيض الزهرة وتحتوي على بذور، وهي الخصائص الرئيسية للفاكهة، وعلى الرغم من أنها تُستخدم غالبا في الأطباق المالحة مثل الخضراوات، فإن تصنيفها كفاكهة يعتمد على هيكلها وتطورها في النباتات.
إلا أن الغريب في الأمر أن الطماطم لم تكن معروفة خارج أميركا الوسطى والجنوبية قبل اكتشاف "العالم الجديد"، بل كان الأوروبيون يعتبرونها في البداية غير صالحة للأكل، وذهب البعض إلى اعتبارها سامة.
الطماطم نبات أصلي في أميركا الجنوبية، وتحديدا في المنطقة الممتدة من شمال تشيلي إلى جنوب الإكوادور، وكانت تُستهلك من قِبل السكان الأصليين في تلك المناطق منذ قرون، حيث بدأت زراعتها في المكسيك حوالي عام 500 قبل الميلاد، وفي تلك الفترة، كانت صغيرة الحجم وذات لون أصفر وطعم حامض.
ومع مرور الزمن، خضعت لعمليات تدجين وتحسين، وأصبحت جزءا أساسيا من النظام الغذائي للأزتيك وسكان أميركا الوسطى.
مع قدوم المستكشفين الإسبان إلى أميركا الجنوبية والوسطى، تم جلب الطماطم إلى أوروبا في القرن السادس عشر.
في البداية، تعامل الأوروبيون معها بحذر، واعتبروها نباتا للزينة وليس للأكل، لهذا السبب، لم تُستهلك على نطاق واسع في البداية، وكانت تُزرع غالبا كنبات للزينة في الحدائق.
إلا أنه مع مرور الزمن، أدرك الأوروبيون قيمتها الغذائية، وبدأت زراعتها واستخدامها في المطبخ.
في كتابه "كيف وقعنا في حب الطعام الإيطالي"، يوضح الأستاذ الفخري للغات العصور الوسطى والحديثة في جامعة أكسفورد، دييغو زانكاني، أن البندورة كانت تُعتبر "فاكهة" مثيرة للاهتمام، لكنها قد تكون خطيرة، ولم يكن يخطر ببال أحد استخدامها كغذاء.
لكن سرعان ما تبددت هذه الشكوك، وأصبحت إضافة صالحة للأكل في العديد من الأطباق، وبعد سنوات قليلة من ظهورها في إسبانيا، بدأ الناس في زراعتها واستهلاكها، خاصة في مناخ البحر الأبيض المتوسط الذي كان مثاليا لنموها.
وفي حين كان الإسبان يستهلكون الطماطم بكميات كبيرة، استمر الأوروبيون، خاصة الإيطاليين، في اعتبارها مجرد زينة لعقود عديدة، فلم يبدأ تناولها إلا في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، ولكن بحلول منتصف القرن الثامن عشر، تم قبولها وانتشرت على نطاق واسع في أوروبا ومستعمراتها بآسيا وأميركا الشمالية.
وفي أميركا الشمالية، يرجع أول ظهور للبندورة المزروعة إلى عام 1710، وتحديدا في ولاية ساوث كارولينا، ومع توسع الإمبراطورية الإسبانية وتعدد مستعمراتها، انتقلت الطماطم إلى الفلبين في منتصف القرن السادس عشر، حيث بدأت زراعتها هناك، ومنها انتقلت إلى دول جنوب شرق آسيا، حيث تنبت بسرعة، وقد أُدمجت في المطبخ المحلي.
وبحلول أواخر القرن السادس عشر، وصلت إلى الصين والهند، حيث أطلق على الطماطم اسم "الباذنجان الأجنبي"، نظرا لتشابهها في بعض الجوانب مع الباذنجان التقليدي وأضفت إليها كلمة الأجنبي نظرا لمصدرها الغربي.
حتى القرن الثامن عشر، لم تكن البندورة معروفة في الشرق الأوسط، إلا أنه في أواخر ذلك القرن، دخلت إلى المنطقة لأول مرة بفضل القنصل البريطاني في حلب، جون باركر، الذي كان لديه شغف بالبستنة والزراعة، ومع مرور الوقت، انتشرت زراعتها في بلاد الشام، ثم امتدت إلى مصر وشمال إفريقيا، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت شائعة للغاية، وأصبح لها مكانة بارزة في العديد من الأطباق التقليدية بمختلف أنحاء المنطقة.
واليوم، تُعتبر منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكبر منتجي الطماطم على مستوى العالم، ووفقا لمنظمة "فاو"، تتصدر كل من تركيا ومصر قائمة أكبر منتجي الطماطم عالميا بعد الصين والهند والولايات المتحدة.
البندورة اليوم
وتعد الطماطم اليوم من أكثر المحاصيل انتشارا في العالم، وتُزرع بكميات هائلة، وهي مكون أساسي للعديد من الأطباق في مختلف الثقافات، بدءا من الهند والصين، وصولا إلى أوروبا، والأميركتين، وأفريقيا، ولا يكاد يوجد جزء من العالم لم يتأثر بنكهتها.
وتُعد المحصول الثاني عالميا بين الفواكه والخضراوات بعد البطاطس، وتتم زراعتها في جميع أنحاء العالم، من المناخات الحارة في إيطاليا وإسبانيا إلى المناطق الأكثر برودة في أميركا الشمالية.
ووفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، تعتبر من بين المحاصيل الأكثر إنتاجا على مستوى العالم، حيث تُزرع على نطاق واسع في جميع القارات.
وللطماطم مكانة خاصة في الثقافة الأوروبية، فهي ليست للأكل فقط، ففي إسبانيا، في الثامن والعشرين من أغسطس كل عام ببلدة بونول في مدينة فالنسيا يُقام مهرجان "لا توماتينا" السنوي منذ عام 1945، حيث يحتفل الناس بالطماطم من خلال رميها على بعضهم البعض في أجواء احتفالية، ويعتبر الإسبان أنفسهم من أوائل الشعوب التي عرّفت العالم على هذه الفاكهة.
في إيطاليا، تُقدَّر الطماطم ليس فقط في المطبخ، ولكن أيضا ثقافيا، ففي مدينة بارما بإقليم إميليا رومانيا يوجد متحف مخصص للاحتفاء بالطماطم وتاريخها، ويعرض تاريخها ودورها في الثقافة والمطبخ الإيطالي والعالمي، ويضم معروضات متنوعة تتعلق بزراعة الطماطم واستخدامها في الطهي، بالإضافة إلى معلومات عن أصنافها المختلفة.
تُعتبر الطماطم فاكهة من الناحية النباتية، لكن بفضل طعمها الرائع وخصائصها الفريدة، أصبحت تنافس الخضراوات في عالم الطهي، حيث نكهتها المميزة ذات الطابع اللاذع، ولونها الزاهي، ووجود الحلاوة في بعض أصنافها جعلها عنصرا أساسيا في معظم المطابخ حول العالم.
تتميز بمرونتها الكبيرة في الاستخدامات المتعددة، حيث يمكن تناولها نيئة في السلطات مثل الفتوش والتبولة، أو طهيها في مجموعة متنوعة من الأطباق، أو إدماجها في تحضير العديد من الوصفات، كما تُستخدم أيضا في تحضير العصائر وصنع الصلصات الشهيرة، مثل صلصة الـ"تابوليتان" الإيطالية والصلصة الفرنسية "إسبانيول".
وفي نطاق واسع، تُعتبر مكونا رئيسيا في أشهر الأطباق العالمية، وفي المطبخ المتوسطي، تلعب دورا محوريا في تحضير البيتزا وصلصات المعكرونة، في حين تندمج مع الكاري في الهند لتقديم أشهر النكهات الآسيوية. وفي الصين، توجد صلصة البندورة الحلوة التي تضفي طابعا مميزا من الحلاوة والحموضة.
باختصار، تظل الطماطم عنصرا لا غنى عنه في المطبخ، مما يجعلها حقا تستحق لقب "ملكة المطابخ".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على نطاق واسع فی من الأطباق فی البدایة فی المطبخ فی تحضیر ت عتبر
إقرأ أيضاً:
البرنامج النووي السلمي الإماراتي يرسخ ريادته العالمية
أبوظبي (وام)
أخبار ذات صلةحققت شركة الإمارات للطاقة النووية، خلال عقد من الزمن، إنجازات استثنائية، عززت مكانة دولة الإمارات الريادية في المسيرة العالمية للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ويعد تطوير محطات براكة للطاقة النووية السلمية وتشغيلها ضمن الجدول الزمني والميزانية المخصصة، أحد أبرز تلك الإنجازات التي جسدت جانباً مهماً في قصة النجاح الإماراتية في قطاع الطاقة النووية، ففي سبتمبر 2024، تم تشغيل المحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، وبالتالي التشغيل الكامل لمحطات براكة الأربع، وإنتاج 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء النظيفة سنوياً، وهو ما يعادل 25% من الطلب على الكهرباء في دولة الإمارات، في موازاة الحد من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، تعادل انبعاثات نحو 122 دولة.
وقال ويليام ماغوود، المدير العامّ لوكالة الطاقة النووية التابعة لمنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن نجاح مشروع محطات براكة للطاقة النووية في دولة الإمارات يعد شهادة على أن بالإمكان بناء محطات الطاقة النووية وفقاً للجدول الزمني، وفي حدود الميزانية المحددة، ما يدعم المسار نحو مستقبل مستدام للطاقة.
وأشاد بالتزام شركة الإمارات للطاقة النووية وشركاتها ببناء القدرات البشرية، وتعزيز التوازن بين الذكور والإناث في قطاع الطاقة النووية.
وحازت تجربة الإمارات في قطاع الطاقة النووية تقديراً عالمياً تجلى في ترؤس محمد الحمادي، العضو المنتدب، الرئيس التنفيذي لشركة الإمارات للطاقة النووية، المنظمة النووية العالمية، منذ أبريل 2024، وكذلك ترؤسه المنظمة الدولية للمشغلين النوويين للفترة ما بين 2022 و2024، إلى جانب عضويته في مجلس إدارة مركز أطلنطا التابع للمنظمة الدولية للمشغلين النوويين، وعضوية مجلس إدارة شركة «تيراباور» المتخصصة في تطوير نماذج المفاعلات النووية المصغرة.
وفي موازاة ذلك، وخلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي استضافته الدولة في أواخر العام 2023، أفضت الجهود التي بذلتها شركة الإمارات للطاقة النووية إلى تأسيس فرع الشرق الأوسط لمنظمة «المرأة في الطاقة النووية» الأول من نوعه في المنطقة، والذي يركز على هدف مشترك يتمثل في تبادل المعارف والخبرات، وتعزيز ثقافة التميز ورفع الوعي بأهمية وفوائد الطاقة النووية، إلى جانب تعزيز التوازن بين الجنسين في هذا القطاع، حيث تضم المنظمة ما يقارب 4800 عضو في أكثر من 107 دول.
وجمعت شركة الإمارات للطاقة النووية والمنظمة الدولية للمشغلين النوويين، خلال المؤتمر نفسه، خبراء العالم في قمة للطاقة النووية، وما تلاها من إطلاق مبادرة «الطاقة النووية من أجل الحياد المناخي»، والتي حققت نجاحاً كبيراً، تمثل في تعهد 31 دولة حتى اللحظة بمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة النووية 3 مرات بحلول عام 2050، وهو ما تبعه إجراء مماثل من قبل 14 بنكاً و120 شركة عالمية، بينها شركات عملاقة مثل «أمازون» و«مايكروسوفت» و«جوجل»، وغيرها.
وأكدت تلك الجهود صواب الرؤية الاستشرافية الإماراتية في قطاع الطاقة الذي يعد عصب الحياة العصرية وضمان مستقبلها المستدام، فقد أفادت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها بأن الطلب العالمي على الطاقة شهد ارتفاعاً سنوياً أعلى من المتوسط بنسبة 2.2% في عام 2024؛ إذ ارتفع استهلاك الكهرباء العالمي بنحو 1100 تيراواط في الساعة، أي بنسبة 4.3%، وكان من أبرز أسباب الزيادة الحادة في استهلاك الكهرباء في العالم العام الماضي، النمو المذهل لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
وتواصل شركة الإمارات للطاقة النووية جهودها للمساهمة على نحو ريادي في نمو الطاقة النووية على مستوى العالم، للوفاء بالطلب المتزايد على الكهرباء من قبل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال الشراكات مع كبريات الشركات في العالم لاستكشاف فرص الاستثمار وتطوير التقنيات المتقدمة للطاقة النووية، وفي الوقت نفسه مشاركة خبراتها ومعارفها مع مشاريع الطاقة النووية الجديدة حول العالم، عبر تأسيس ذراع استراتيجية جديدة للشركة، شركة الإمارات للطاقة النووية - الاستشارات.