خارج حدود الكافيين: أسرار أخرى تكمن في فنجان قهوتك!
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
يقول مثل سائد «أنا لا أشرب القهوة إلا في الأيام التي تبدأ بحرفي الألف واللام». لو أن هذا القول يسري عليك، فأهلا وسهلا بك في نادي محبي القهوة. تشير التقديرات إلى أن الكافيين، المكون الأساسي للقهوة، هو أكثر المنبهات شيوعا واستخداما في العالم. يستهلكه مليارات الأشخاص يوميا. على الرغم من ذلك، لا تخضع القهوة للقيود نفسها المفروضة على المواد الإدمانية الأخرى، ولا يثير استغراب أحد إذا قال إنه لا يستطيع البدء بيومه بدونها!.
ربما يكون عشاق القهوة على حق في عشقهم هذا المشروب، فتشير العديد من الدراسات إلى أن الكافيين، عند تناوله بكميات معتدلة، يمكن أن يعزز القدرات العقلية ويحسن التركيز والانتباه. بالإضافة إلى ذلك، قد يرتبط شرب القهوة بمجموعة من الفوائد الصحية. ومع ذلك، ليست كل مصادر الكافيين متساوية. فقد حذرت دراسات حديثة من مخاطر الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة الغنية بالكافيين، مما أثار جدلا حول أمان هذه المشروبات. إذ تعهد حزب العمال -الذي يشكل الحكومة الحالية في المملكة المتحدة- في يونيو الماضي بحظر بيع هذه المشروبات للأطفال دون السادسة عشرة بسبب «الارتفاع الخطير» لمكوّن الكافيين فيها. يأتي هذا في أعقاب تقرير شامل بعنوان «الجانب المظلم لمشروبات الطاقة» يوثق حالات أشخاص أصيبوا بحالات صحية جسيمة من جراء استهلاكهم لها.
ماذا تفعل القهوة لأدمغتنا؟
يقال إن اكتشاف أغنى مصدر طبيعي للكافيين، أي القهوة، يرجع إلى إثيوبيا في عام 850 للميلاد، حينما لاحظ راعي غنم أن حيواناته تصاب بالهيجان بعد تناولها ثمار نبات البن العربي، فأعطى بعض هذه الثمار لراهب في المنطقة ليقوم بتحضير أول فنجان قهوة في تاريخ العالم.
نعرف الآن أن هذا الهيجان يرجع إلى أثر الكافيين على المخ، وأن امتصاص الدورة الدموية لكل فنجان قهوة من الكافيين يستغرق خمسا وأربعين دقيقة، حيث ينتقل إلى المخ، ويعبر بسهولة حاجز الدم في الدماغ. وهناك، يرتبط بمستقبلات ناقل الأدينوزين العصبي ويمنع عملها، وهي المادة الكيميائية التي تتراكم على مدار اليوم لتثبط نشاط الألياف العصبية مما يجعلنا نشعر بالنعاس. تقول جينيفر تيمبل من جامعة بافالو في نيويورك: «إن مادة الأدينوزين تهدئنا، ويتنافس الكافيين مع الأدينوزين في الوصول إلى المستقبلات، لذا فإن له تأثيرا معاكسا، إذ يشعرنا بمزيد من النشاط والانتباه واليقظة».
لهذا السبب، يدرك كل من يواجه مهمة صعبة أو رحلة طويلة أهمية فنجان القهوة. تؤكد الأبحاث ما يعتقده عشاق القهوة، فمن يتناول الكافيين يصبح أكثر يقظة وتركيزا، ويتحسن أداؤه بشكل ملحوظ سواء كان ذلك في العمل أو الرياضة، فالدراسات أظهرت أن متناولي الكافيين كانوا أسرع في الاستجابة، وأكثر تركيزا، وقادرين على بذل مجهود بدني أكبر، هذا التحسن في الأداء يستمر لمدة ساعتين تقريبا، لكنه يختلف من شخص لآخر ويتأثر بعوامل أخرى، في ضوء هذه النتائج، ليس من المستغرب أن تحتوي مشروبات الطاقة على الكافيين، حيث يتم تسويقها كمحفز للطاقة والتركيز والأداء.
سعادة أكبر.. وقلب أكثر صحة
وثمة تأثيرات أخرى أيضا، فبعد تناول الناس للكافيين، يقولون في الغالب إنهم يشعرون بمزيد من السعادة، وثمة دلائل على أن هذه المادة يمكن أن تتسبب في تحسين المزاج على مدى أطول فعلى سبيل المثال، تشير الدراسات دائما إلى أن الأشخاص الذين يتناولون ما بين ثلاثة وأربعة فناجين (أو جرعات) من القهوة ذات الكافيين في اليوم يكونون أقل عرضة للاكتئاب وخطر الانتحار، ولم تظهر العلاقة نفسها مع القهوة منزوعة الكافيين، بما يعني أن الكافيين نفسه هو المسؤول.
يقول ألبرتو أشيرو من جامعة هارفرد إن «النتائج قوية للغاية، وهذا مفاجئ لأن أحدا لم يكن يتصور أن يكون الكافيين مضادا قويا للاكتئاب».
وتوصلت أبحاث أشيرو وآخرين إلى أن احتمال إصابة شاربي القهوة ذات الكافيين بمرض باركنسون أقل كثيرا من غيرهم. وبرغم أن السبب في هذا غير واضح، يشير أشيرو إلى قدرة الكافيين المعروفة على زيادة مستويات ناقل دوبامين العصبي في الدماغ، وللدوبامين دور في تنظيم حركة الجسم ونقصه مسؤول عن كل من باركنسون والاكتئاب.
وتشير الأبحاث إلى أن للقهوة فوائد صحية تتعدى تأثير الكافيين. فقد أظهرت الدراسات ارتباطا عكسيا بين استهلاك القهوة وخطر الإصابة بأمراض القلب، وهو ما يتناقض مع الاعتقاد السائد بأن الكافيين يزيد من ضربات القلب ويشكل خطرا على صحة القلب. كما يشير تيم سبكتور من كلية كينج لندن إلى أن هذا الاكتشاف كان مفاجئا للكثيرين نظرا للتأثيرات المعروفة للكافيين على الجهاز القلبي الوعائي.
أظهرت دراسة واسعة النطاق أجريت في المملكة المتحدة على أكثر من 380 ألف شخص على مدى عشر سنوات نتائج مثيرة للاهتمام. فقد وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يتناولون ما بين فنجانين وثلاثة فناجين من القهوة يوميا يكونون أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب المختلفة، بما في ذلك النوبات القلبية وقصور القلب.
و الجدير بالذكر، أن هذه الفوائد لم تقتصر على القهوة المحتوية على الكافيين فقط، بل امتدت أيضا إلى القهوة منزوعة الكافيين، مما يشير إلى وجود عوامل أخرى في القهوة تسهم في حماية القلب. ويؤكد الباحث، بيتر كيستلر أن شرب حوالي ثلاثة فناجين من القهوة يوميا مرتبط بانخفاض بنسبة 25% في خطر الإصابة بأمراض القلبوالعلاقة لا تعني بالضرورة السببية.
فأغلب هذه الدراسات ينتمي إلى ما يعرف بالدراسات الوبائية أي التي تُجرى بتعقُّب أعداد كبيرة من الناس على مدى فترة زمنية لرصد ما إذا كانوا سوف يصابون بأمراض معينة. وعندما يتعلق الأمر بتناول القهوة، فهناك عدد قليل من التجارب العشوائية الخاضعة للرقابة -وهي المعيار الذهبي للبحث الطبي- لأنه من الصعب للغاية التحكم في العوامل الغذائية الأخرى. غير أن قليلا من هذه التجارب هي التي أظهرت أن بالإمكان تقليل المؤشرات الحيوية لأمراض القلب عن طريق تقديم القهوة للناس.
القهوة ليست فقط كافيين
إذا لم يكن الكافيين هو المسؤول عن فوائد القهوة الصحية، فما هو السبب؟ الجواب يكمن في تعقيد تركيبة القهوة. فعملية تحميص حبوب البن تؤدي إلى ظهور مجموعة متنوعة من المركبات النشطة بيولوجيا، بما في ذلك البوليفينولات. هذه المركبات تعمل كدرع يحمي النبات من التلف، ولها تأثيرات مضادة للأكسدة والالتهابات في الجسم. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي القهوة على الألياف الغذائية التي تسهم في صحة الجهاز الهضمي. قد يكون هذا التنوع في المركبات هو السبب وراء الفوائد الصحية للقهوة.
وقد يكون الميكروبيوم في النهاية ـ حسبما يعتقد سبكتور ـ هو السبب في بعض آثار القهوة الإيجابية على الصحة. ففي دراسة لم تنشر بعد، جمع هو وفريقه عينات براز من أكثر من ثلاثين ألف شخص من بلاد مختلفة. وتوصلوا إلى وجود بكتيريا معينة، وهي نوع من اللوسينبكتر التي توجد بصورة شبه حصرية في أحشاء من يتناولون القهوة حتى منزوعة الكافيين، يقول سبكتور «إن لدى شارب القهوة من هذه البكتيريا خمسة أمثال ما لدى شارب الشاي. والأمر مثير للاهتمام حقا لأنني أصادف للمرة الأولى ميكروبا صاحب مزاج إلى هذا الحد، فهو لا يأكل غير نوع واحد من الطعام. بما يجعله أكثر الميكروبات التي تم تسجيلها ارتباطا بنوعية الطعام».
وكلما شرب المرء مزيدا من القهوة، ازدادت سيطرة بكتيريا اللوسينبكتر على أمعائه. وهذا أمر طيب، لأن هذه البكتيريا حينما تتغذى على ما في القهوة من الألياف والبوليفينول، تنتج مواد كيميائية يطلق عليها الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة ومن المعروف أنها مضادة للالتهابات، وتهدئ الجهاز المناعي.
قد يرجع السبب وراء الفوائد الصحية الواسعة النطاق للقهوة إلى قدرتها على تقليل الالتهاب المزمن في الجسم. يُعتقد أن الالتهاب المزمن هو عامل رئيسي في العديد من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسكري والسمنة والحساسية. تشير الدراسات إلى أن شرب القهوة يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بهذه الأمراض، مما يدعم فكرة أن القهوة تساعد في تهدئة الالتهاب المزمن. كما يشير الباحث تيم سبكتور إلى أن الالتهاب المزمن يلعب دورا مهما في الصحة العقلية، وأن القهوة قد تساعد في الحفاظ على توازن الالتهاب في الجسم.
تدعم الأبحاث العلمية فكرة أن استهلاك القهوة بكميات معتدلة قد يكون مرتبطا بعدة فوائد صحية. ويشير الباحث تيم سبكتور إلى أن شرب ما بين فنجانين وثلاثة فناجين من القهوة يوميا قد يكون جزءا من نظام غذائي صحي. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الإفراط في استهلاك الكافيين، سواء كان من مصادر طبيعية أو صناعية، قد يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة. فالكافيين المضاف صناعيا قد يحتوي على تركيزات أعلى من الكافيين الطبيعي، مما يزيد من خطر الآثار الجانبية المرتبطة بالكافيين.
جرعات زائدة
عند تناول كميات كبيرة من الكافيين، يحفز الجسم على إنتاج كميات أكبر من هرموني الأدرينالين والنورادرينالين، وهذان الهرمونان مسؤولان عن الاستجابة الفورية للجسم للخطر أو التوتر. ونتيجة لذلك، تتسع حدقة العين، ويزداد التعرق، وترتفع ضربات القلب وضغط الدم، كما تشرح الدكتورة مارجريت طومسن من مركز أونتاريو للسموم في كندا.
تقول مارجريت طومسن إنه «عندما يتناول الناس جرعة زائدة من الكفايين، يصلون عادة إلى قسم الطوارئ وهم مضطربون ومنفعلون وقلقون وقد يتطور الانفعال إلى التسبب في نوبات صرع، وغالبا ما يشكون من سرعة خفقان القلب.
الأمر الأكثر إشكالية، وفقا لتقرير (الجانب المظلم لمشروبات الطاقة) هو أن هذه المنتجات غالبا ما تحتوي منشطات شرعية أخرى من قبيل الجوارانا والتورين وإل-كارنيتين. وبعض هذه المنشطات تعمل على مزيد من الزيادة في ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، ومعدل التنفس. ودراسات الحالة الواردة في التقرير تدعو إلى التأمل، إذ تضرب أمثلة بأشخاص تعرضوا لمشكلات قلبية خطيرة بعد استهلاكهم مشروبات الطاقة.
يقول الدكتور أندريا كوستانتينو، أحد مؤلفي التقرير، إننا على الرغم من معرفتنا بتأثيرات الكافيين، لا نفهم تماما كيف تتفاعل مكونات القهوة المختلفة مع بعضها البعض وكيف تؤثر على الجسم على المدى الطويل، خاصة عند الاستهلاك المتكرر. علاوة على ذلك، تختلف حساسية الأفراد للكافيين اختلافا كبيرا. فبينما يتحمل بعض الأشخاص كميات كبيرة من الكافيين دون أن يشعروا بأي آثار جانبية، يعاني آخرون من آثار سلبية حتى عند تناول كميات صغيرة. ويرجع ذلك جزئيا إلى الاختلافات الفردية في مستقبلات الأدينوزين. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الاستهلاك المنتظم للكافيين إلى التعود عليه، مما يتطلب زيادة الجرعة للحصول على التأثير نفسه المنبه. وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون الكافيين، خاصة في وقت متأخر من اليوم، يعانون من اضطرابات في النوم.
وتشير الأبحاث إلى أن مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية التي تحتوي على الكافيين قد تكون ضارة بالصحة، وذلك بسبب محتواها العالي من السكر والمواد المضافة الأخرى. يحذر الباحث تيم سبكتور من أن هذه المشروبات تفتقر إلى أي قيمة غذائية، ويوصي بتجنبها قدر الإمكان. أما الدكتور أندريا كوستانتينو فيقترح، كإجراء احترازي، عدم تجاوز علبة واحدة من مشروبات الطاقة يوميا للبالغين.
جاسمين فوكس سكيلي
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الالتهاب المزمن مشروبات الطاقة أن الکافیین من الکافیین من القهوة القهوة من قد یکون إلى أن أن هذه
إقرأ أيضاً:
من السفة إلى الهريس والفول المحوج.. أسرار السحور على الموائد العربية
تجمع وجبة السحور المثالية بين البساطة والسرعة والإشباع، لكنها تختلف جذريًا من بلد عربي إلى آخر دون مكونات ثابتة.
من السفة إلى الهريس والفول المحوج وغيرها، تتعدد الأطباق والألوان والمكونات، ليضع كل بلد عربي طابعه الخاص وبصمته المميزة على مائدة السحور، مما يجعلها فريدة ومختلفة عن غيرها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مفاتيح السعادة في رمضان.. كيف تخفف العبء عن زوجتك دون جهد كبير؟list 2 of 2شاهد.. مزراوي وديالو ثنائي يونايتد يؤديان صلاة التراويح بأحد مساجد مانشسترend of list السحور التقليدي أصول وعادات خاصةفي مدينة تطوان شمالي المغرب، كان يُطلق المدفع بعد السحور وقبل الفجر بنصف ساعة إيذانًا بانتهاء وقت الأكل، لينطلق الناس إلى المساجد والزوايا لصلاة التهجد، كما وثّق الباحثون في كتاب "العادات والتقاليد في المجتمع المغربي".
أما في بيروت، فقد رصد الكاتب خالد لحام في كتابه "بيروت الذاكرة الشعبية" الأثر العميق للسحور في نفوس الأطفال، خاصة عند سماعهم طبلة المسحراتي وهو ينادي بأسمائهم.
مشهد مماثل وثّقه منير كيال عام 1973 في كتابه "رمضان وتقاليده الدمشقية"، حيث أشار إلى استمرار السهر بعد التراويح حتى موعد السحور، وتحدث عن شيخ كار المسحرين، المسؤول عن تدريبهم وتنظيم عملهم والتأكد من التزامهم بمواعيد التسحير. طبول ونداءات تجوب الشوارع والأزقة، تدعو الناس لتناول وجبة تحمل في طياتها سر البركة.
"الغبقة" أجواء اسثتنائية في قطرتعيش الروائية القطرية هدى النعيمي أجواء رمضانية خاصة، تراقب خلالها تغير طقوس تناول الطعام في منطقة الخليج، وخاصة في قطر. وتقول للجزيرة نت "أصبح لدينا تقليد مميز وشائع خلال رمضان وهو الغبقة، الوجبة التي تقع بين الفطور والسحور، حيث يجتمع القطريون كعائلات أحيانًا بشكل يفوق تجمعاتهم خلال الفطور أو السحور. بعضهم يكتفي بها، في حين يفضل آخرون تناول شيء خفيف لاحقًا مثل اللبن الرائب مع الماء، أو التمر واللبن مع الخبز".
إعلانوتشير هدى إلى اختلاف العادات بين العائلات، فبينما يفضل البعض الشوربة حتى وقت الغبقة، يتناول آخرون إفطارًا مشبعا يعيدون تناوله في السحور، حيث يصبح طعام الفطور هو ذاته السحور.
وتضيف "الهريس والثريد من الأطباق الأساسية التي لا تخلو منها الموائد القطرية في رمضان، فالهريس عبارة عن حب القمح الممزوج باللحم والمخلوط جيدًا، أما الثريد فهو الخبز الرقاق المشبع بمرق اللحم مع قطع اللحم".
الفول المدمس والبيض على السفرة المصريةفي الأغنية الشهيرة للفنانة صباح بصحبة الفنان المصري فؤاد المهندس، يخلد مؤلف الأغنية حسين السيد المكانة الكبيرة التي يحظى بها طبق الفول على السفرة المصرية بقوله "يسيب الأكل كله ويمسك طبق الفول ولقمة تجر لقمة يشبع ويقوم على طول"، في إشارة إلى أن الفول بأشكاله المختلفة، والإضافات المتعددة له من زيت حار أو زيت حلو مع الطحينة والليمون والخلطات المتعددة، يعد عنصرا أساسيا لدى المصريين خلال شهر رمضان.
بالنسبة للبعض في مصر، تحظى وجبة السحور بأهمية تفوق الإفطار، إذ تقول الشيف المصرية هبة عبد العليم للجزيرة نت "يؤمن المصريون بأن السحور المتكامل هو المفتاح لصيام مريح دون الشعور بالجوع أو العطش. وتتميز وجبة السحور المصرية بمكوناتها التقليدية التي تتشابه في معظم البيوت، حيث تتكون من الفول المدمس، والبيض بمختلف طرق إعداده، والجبن الأبيض أو القريش، والزبادي، والخضروات كالخس والخيار، إلى جانب الخبز البلدي الأسمر".
وتشير إلى أن تدميس الفول في المنازل عادة متأصلة، حيث يُطهى في قدور خاصة، ورغم سهولة تحضيره، فإنه يستغرق وقتًا طويلًا، مما يدفع البعض إلى شرائه طازجًا من المطاعم يوميا.
من جانبها، توضح منسقة ومصورة الطعام المصرية أن مكونات السحور صُممت بعناية لتوفير أقصى فائدة للصائم "الفول كبقول غني بالبروتين النباتي، يُهضم ببطء مما يمنح شعورًا بالشبع لمدة طويلة، في حين يعد البيض والجبن مصدرًا متوازنا من البروتين الحيواني. أما الزبادي والخضروات فتمد الجسم بالماء، مما يساعد على ترطيب الجسم وتقليل الشعور بالعطش أثناء الصيام".
إعلانتعد وجبة السحور المصرية أحد الأمور الأصيلة والثابتة على مدى التاريخ المصري، إذ ترصد الشيف والكاتبة المصرية هبة عبد العليم على مدى سنوات طويلة كيف تغيرت التركيبة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك بقيت تلك الوجبة على حالها ربما منذ دخول الإسلام إلى مصر.
تقول هبة "قبل أيام مثلا عرفت أن هناك من يمزج الفول المصري بالجواكومولي المكسيكي، وهو صوص تغميس أساسه الأفوكادو، مما يمثل مزيجا عابرا للثقافات، ورغم أن الوصفة تعد حداثية أكثر مما يجب، فإن مكونها الأساسي ما زال الفول المدمس الذي لا يجد المصريون عنه بديلا للسحور".
"البطبوط" البطل على المائدة المغربيةفي منزلها بمنطقة أكادير في المغرب، تحرص حسناء مسلم على إعداد خبز البطبوط المغربي على السحور مع عصير فواكه طبيعي أو رايب، أو ربما البغرير، تقول للجزيرة نت "خبز البطبوط من أطيب أنواع الخبز المغربي، وهو من وجبة رئيسية على مائدة الفطور، نعده ساخنا، لا يستغرق إعداده وقتا طويلا، حيث يتم تسويته على الصاج، عجينته خفيفة ويكون منتفخا وهشا، وطعمه لذيذ، يتكون بالأساس من خليط من الدقيق الأبيض والسميد والملح والحليب والخميرة والماء، كما أحرص في بعض الأيام على التنويع بإعداد البغرير الذي أعده مرات أقل لأنه لا يمكن إعداده قبلها بوقت كبير، يتوجب إعداده في وقت السحور مباشرة، حيث لا يمكن تركه لأكثر من 10 إلى 15 دقيقة قبل تسويته، يتكون من السميد والدقيق والماء والسكر والملح والخمير".
"السفة أم المسفوف" الوجبة الحاضرة بين الجزائر وتونسيعد المسفوف من الأطباق التقليدية التي تحضر بانتظام على موائد السحور في شمال أفريقيا، مع اختلافات بسيطة في طرق إعداده وفقا للعادات العائلية.
في تونس، تحرص لميا العامري، وهي جدة لخمسة أحفاد من ولاية بنزرت، على إعداد المسفوف بالزبيب أو بالرمان، وتحب التنويع في مكوناته. تقول "المسفوف سحوري المفضل، لا أستغني عنه. يجمع بين فوائد الحبوب، حيث يحتوي على الكسكسي المطهو بالبخار، مع التمر، ويمكن إضافة الفواكه والمكسرات، إلى جانب زيت الزيتون أو الزبدة حسب الرغبة. كما أضيف له الحليب، فيصبح وجبة غذائية متكاملة بمذاق متجدد كل يوم".
إعلانأما في الجزائر، فتشتهر أم عبد الكريم، وهي أم لثلاثة أطفال، بطريقة مميزة في تحضير "السفة" أو "المسفوف"، وتعتبره الطبق الأساسي على مائدة السحور. تقول للجزيرة نت "أحيانًا نكتفي بسحور بسيط مثل الحليب والتمر، لكن في بعض الأيام، خاصة خلال بداية رمضان، أحرص على تقديم مائدة تقليدية غنية، يكون فيها المسفوف الطبق الرئيسي".
وتضيف "هذه الوصفة مغذية ومشبعة، نحضرها إما حلوة بالزبدة والزبيب والعسل، أو مالحة مع الحليب والبيض. شخصيًا، أفضل النسخة الحلوة، حيث أدمج الكسكس مع الزبيب واللوز المجروش والزبدة، ثم أزينها بالجوز والسكر المطحون لتعزيز النكهة".
رغم اختلاف طرق التحضير، يظل "المسفوف" وجبة سحور شهية ومغذية تعكس تراث المطبخ في المنطقة.