لجريدة عمان:
2024-09-19@06:35:36 GMT

ترجمة عمانية لـ«شهر في سيينا»

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

صدرت خلال هذا الشهر الترجمة العربية لكتاب شهر في سيينا، للكاتب الليبي الذي يكتب بالإنجليزية هشام مطر وذلك بتوقيع المترجمة العمانية زوينة آل تويه، ومراجعة إبراهيم الشريف. صدرت الترجمة عن دار الشروق التي تحتفظ بالحقوق الحصرية لكتب هشام مطر الذي يزداد لمعان نجمه في العالم مع كل عمل جديد يقدمه. عُرف هشام مطر بكتابه العودة الذي لم يترجم بعد، والذي يحقق فيه بعد موت القذافي بعيد الثورة في ليبيا، البحث عن والده الذي غيّبه النظام الليبي، على أمل الحصول عليه، أو معرفة ما جرى له، حتى وإن كان ذلك يعني الوصول للمقبرة التي دفن فيها إن كان قد اغتيل، لطالما بحثت العائلة خلال عقود عن حل هذا اللغز.

شبح هذا السؤال شكّل هوية هشام مطر ككاتب، من الصعب بما كان حتى في كتبه الأخرى أن يغيب هذا الهاجس، فرواية اختفاء التي قرأتها قبل نحو عام من الآن، يختفي فيها الأب كذلك في ظروف غامضة لها علاقة بدور سياسي يؤديه. كذلك الأمر في شهر في سيينا الأب وليبيا حاضران.

ليس هذا فحسب بل تمتد تلك الذكرى في تشكيل مفهوم «العودة» وعلاقة خاصة بالرؤى التي تتلبس الكاتب حول الأماكن التي يرغب في قضاء الوقت فيها. إن العودة عند هشام مطر هي امتداد لذلك الفقد الكبير، قلما وجدتُ ذلك في الأدب غير الفلسطيني، إذ إن هذه المفردة تحديدًا باتت علامة على الأدب الذي يكتبه اللاجئون أو الفلسطينيون في المهجر على وجه التحديد. يصبح المكان بالنسبة لهشام مطر، نقطة مركزية، إنه لا يحلم سوى به، وكأنه ممسوس بالفضاء المحدد والحيز المسمى، وبهذا يصبح الزمن طيفًا أمام وطأة المكان وأثره عليه، كان هشام مطر، قد قضى طفولته المبكرة في ليبيا قبل اضطراره للمغادرة مع عائلته بسبب الظروف السياسية التي حتّمت عليهم ذلك. تصبحُ الأماكن إذن الفردوس المفقود بالنسبة لمطر.

حَلمَ هشام مطر بزيارة سيينا الإيطالية لعلاقته الوثيقة والقديمة بالفن السييني، وهكذا يعزم على زيارتها مدة شهر كامل برفقة زوجه ديانا. يكتب هشام مطر إذن عن اللوحات السيينة في المتاحف، دون أن ينسى هويته وتاريخه الذي يستدعيه في هذا التأمل، في قراءة خاصة تتقاطع فيها التجربة الشخصية مع ما يشاهده في تلك اللوحات. يصبح تقدير الفن مضيئًا في هذه الكتابة بشكل خاص، فيكتب «بتحدي المخيلة يكِز الفنانون مداركنا قليلًا، وفي لحظة على الأقل، يُعاد خلق العالم» وفي موضع آخر «إن ما يبتغيه الفنان ربما... هو أن يدفع السطح المستوي إلى فسح المجال، فتح فضاء» وفي جزء آخر من الكتاب يقول: «لعل هذا ما يبتغيه كل فنان في نهاية المطاف، أن يبقيك ضمن الحدود، ويمنحك ضربًا من حرية نادرة لا تأتي إلا من الحدود».

تصبحُ هذه اللوحات التي يقضي مطر الساعات في تأمل كل واحدة منها حتى أن حارسات المتحف يأتين إليه بكرسي بعد أن اعتدن على وجوده ووقوفه ساهمًا أمام كل لوحة، منفذًا للإيمان والحب والرغبة واللغة، والأمل، ووصف الحياة اليومية للناس في سيينا قديمًا وحديثًا، واللقاء بهم، خصوصًا العائلة الأردنية التي سيتعرّف عليها هناك، وتأخذنا بطبيعة الحال لليبيا، وبينما يتمشى مطر في سيينا، يصبح للأفق معنى مختلف، الأفق الذي يختفي في سماء المدينة، لكنه مطبوع بفنها، ممتد به، يقول هشام مطر وهو ما أثر عليّ بشكل خاص، أنه في سيينا تحديدًا تحرر من الرغبة في أن يكون في مكان آخر، لم يعد هنالك شيء يفوته في مكان آخر، هذا الإحساس الذي يصعب الإمساك به، إذ إنني شخصيًّا كثيرًا ما أشعر في أي مدينة أحط الرحال بها، بأنه ينبغي أن أكون في مدينة أخرى، وأن هذه المدينة التي أكون فيها هذه اللحظة ليست هي المدينة المنشودة. ربما شعرتُ بأن إسطنبول تتملكني أحيانًا بهذه الطريقة، لقد جعل هشام مطر هذا الحلم ممكنًا، أن تزور مكانًا ما، وتألفه بتلك السرعة، فيصبح مرة أخرى كأنه مكان «تعود» إليه بدلًا من أنك تكتشفه.

تتمدّد اللحظات الوادعة في كتابة مطر، لتكافئنا بإيقاع يتملكنا طيلة لحظات القراءة، كان هذا في روايته «الاختفاء» أيضًا. ويصبح تمدده في الحديقة برفقة ديانا وهي تضع رأسها على صدره، لحظة يحبسها الزمن، وتجعلنا في ذلك القيد الرقيق كما لو أنه الأبدية، ليس هذا فحسب، تعود هذه اللحظة بمطر إلى لحظات أخرى مماثلة في تاريخهما هو وديانا، وعندما يحدق رجلٌ فيهما، لا يفوت الفضول بالتفكير في ذلك الرجل وقدره وفكرته التي يكونها الآن عنه وديانا، إلا أنه سريعًا ما يشرك ديانا داخل سره الذي لا ينطق به علانية، فهل تراها تفكّر في الرجل أيضًا بالطريقة نفسها. هكذا يحب هشام مطر ديانا كثيرًا. ويقتبس عنها في موضع آخر مقطعًا من كتابة لها عن والد هشام مطر المغيب الذي لم تره إلا في الصور، وكانت قد أشرقت في روحي بشكل خاص الجملة التي قالت فيها مخاطبة والد هشام «أتساءل كيف ستنادي زوجي باسمه؟»

وكما الحال في تفكير مطر في الرجل الذي يحدق فيهما في حديقة، يصبحُ للناس من حوله مكانة في كتابته، حتى أولئك الهامشيين، يهجس بهم، يتخيل أقدارهم، فيخصص فصلًا كاملًا لحارسات المتحف، ولتلاشيه في وجودهن، حتى أنهن كن يتحدثن مع أنفسهن في وجوده، بينما تصمت الواحدة منهن إذا انضمت زميلة لها. يختفي هشام مطر إذن أمام الفن، يصبحُ ربما كما يستحق، ضربة فرشاة في اللوحات التي يظل أسيرًا لها، متحدًا بها، كما لو أنه «يعود» لوطنه الوحيد.

طُبع الكتاب في طبعة أنيقة، مزودة باللوحات التي يكتب عنها هشام مطر، الأمر الذي ذكرني بمثال آخر حزين في الترجمات العربية، فهنالك الكتاب المهم «السينما التدميرية» لفوغل، والذي طبع دون الصور التي تحيل إليها كتابات فوغل المهمة، فيخسر الكتاب قدرًا مهمًّا من قيمته. أما ترجمة زوينة آل تويه، فهي ترجمة رائعة ورائقة، كما عودتنا منذ «بارتلبي النساخ» كنتُ قد بدأت هذا الأسبوع بقراءة ترجمتها الأخرى «هامنت» عن دار أثر السعودية، أتمتع بها أيما متعة، وأحب شباب وشابات بلادي الذين يحققون حلمهم في هذا الحقل كما يليق بهم.

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هشام مطر

إقرأ أيضاً:

شركة عمانية تبدأ في إنتاج صناديق عينات الصخور لتلبية الاحتياجات المحلية والعالمية

 

مسقط- العُمانية

أكدت شركة "تاترونك الشرق الأوسط" جاهزيتها لإنتاج صناديق عينات الصخور محليًّا، بالتعاون مع شركة "تنمية معادن عُمان"، لتعزيز المحتوى المحلي وتوسيع القيمة المحلية المضافة؛ في إطار الجهود المتواصلة لتحقيق الاستدامة والابتكار في قطاع التعدين بسلطنة عُمان.

وقد بدأت الشركة في مرحلة تصميم القوالب الخاصة وإنتاج النماذج الأولية واختبارات الجودة، حيث تم تحسين تصميم الصناديق بما يتناسب مع المعايير التي تتطلبها أنشطة الاستكشاف والتنقيب في تنمية معادن عُمان.

وسيتم تصنيع صناديق العينات عبر 6 خطوط إنتاج تحتوي على قوالب مختلفة ستنتج أجزاء مختلفة من الصناديق ما سيرفع القدرة الإنتاجية للشركة إلى 550 ألف صندوق سنويًّا ويمكنها من تلبية احتياجات الأسوق المحلية والإقليمية والعالمية.

وقد اعتمدت شركة تنمية معادن عُمان في مراحلها الأولية من عمليات الاستكشاف على استيراد صناديق عينات الصخور من الأسواق الخارجية، إلا أن سياسات المحتوى المحلي بالشركة وسعيها إلى تطوير سلاسل القيمة المحلية دفعتها إلى البحث عن شركات محلية تسهم في توطين صناعة صناديق عينات الصخور وتلبية احتياجات السوق المحلي والتقليل من الاستيراد بالإضافة إلى فتح أسواق التصدير؛ وذلك في إطار برنامج "قمم" إحدى مبادرات جهاز الاستثمار العُماني للقيمة المحلية المضافة.

وقد وقعت تنمية معادن عُمان في عام 2022، مذكرة تفاهم مع شركة "تاترونك الشرق الأوسط" لتطوير وتصنيع صناديق عينات الصخور محليًّا وفق أعلى المعايير، حيث مثلت هذه الخطوة نقطة انطلاقة في مسيرة الشركة.

وأوضح المهندس خالد بن عبدالله الحوسني الرئيس التنفيذي لشركة "تاترونك الشرق الأوسط"، أن هذه الشراكة ستلبي احتياجات تنمية معادن عُمان من خلال تقديم منتجات ذات جودة عالية ومعايير عالمية وتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الاقتصاد المحلي وتقديم حلول صديقة للبيئة بإعادة استخدام المواد وتطوير تقنيات تصنيع مبتكرة.

وقال إن هذه المبادرة تعد خطوة نحو تمكين الصناعات العُمانية وفتح آفاق جديدة للنمو المستدام، موضحًا أن الشركة تستخدم المواد الخام المحلية من البوليمرات لضمان جودة عالية ودعم الاقتصاد المحلي وتعتمد على إعادة استخدام الصناديق التالفة في إطار نهج مبتكر يهدف إلى إعادة تدوير المخلفات.

وأضاف أن قرار تنمية معادن عُمان بتوطين إنتاج صناديق عينات الصخور يعكس التزامها بالابتكار والاستدامة وإبراز قدرة الصناعات المحلية على تحقيق وتجاوز المعايير الدولية، معربًا عن أمله في أن يسهم هذا التعاون في توطين هذه الصناعة في سلطنة عُمان بشكل مستدام وموثوق يدعم الاقتصاد الوطني من خلال تقليل الاعتماد على الاستيراد.

 

 

مقالات مشابهة

  • إدريس إلبا: في الإمارات المستحيل يصبح واقعاً وتتحقق الأحلام
  • النجم الشهير إدريس إلبا: المستحيل يصبح واقعاً في الإمارات
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • مندالا كَدم «رمز التاريخي يحكي أسرار مدينة عمانية أثرية»
  • وكالة أمريكية: ما هو التهديد الذي يشكله الحوثيون في اليمن على إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • شركة عمانية تبدأ في إنتاج صناديق عينات الصخور لتلبية الاحتياجات المحلية والعالمية