لجريدة عمان:
2025-04-28@23:28:38 GMT

ترجمة عمانية لـ«شهر في سيينا»

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

صدرت خلال هذا الشهر الترجمة العربية لكتاب شهر في سيينا، للكاتب الليبي الذي يكتب بالإنجليزية هشام مطر وذلك بتوقيع المترجمة العمانية زوينة آل تويه، ومراجعة إبراهيم الشريف. صدرت الترجمة عن دار الشروق التي تحتفظ بالحقوق الحصرية لكتب هشام مطر الذي يزداد لمعان نجمه في العالم مع كل عمل جديد يقدمه. عُرف هشام مطر بكتابه العودة الذي لم يترجم بعد، والذي يحقق فيه بعد موت القذافي بعيد الثورة في ليبيا، البحث عن والده الذي غيّبه النظام الليبي، على أمل الحصول عليه، أو معرفة ما جرى له، حتى وإن كان ذلك يعني الوصول للمقبرة التي دفن فيها إن كان قد اغتيل، لطالما بحثت العائلة خلال عقود عن حل هذا اللغز.

شبح هذا السؤال شكّل هوية هشام مطر ككاتب، من الصعب بما كان حتى في كتبه الأخرى أن يغيب هذا الهاجس، فرواية اختفاء التي قرأتها قبل نحو عام من الآن، يختفي فيها الأب كذلك في ظروف غامضة لها علاقة بدور سياسي يؤديه. كذلك الأمر في شهر في سيينا الأب وليبيا حاضران.

ليس هذا فحسب بل تمتد تلك الذكرى في تشكيل مفهوم «العودة» وعلاقة خاصة بالرؤى التي تتلبس الكاتب حول الأماكن التي يرغب في قضاء الوقت فيها. إن العودة عند هشام مطر هي امتداد لذلك الفقد الكبير، قلما وجدتُ ذلك في الأدب غير الفلسطيني، إذ إن هذه المفردة تحديدًا باتت علامة على الأدب الذي يكتبه اللاجئون أو الفلسطينيون في المهجر على وجه التحديد. يصبح المكان بالنسبة لهشام مطر، نقطة مركزية، إنه لا يحلم سوى به، وكأنه ممسوس بالفضاء المحدد والحيز المسمى، وبهذا يصبح الزمن طيفًا أمام وطأة المكان وأثره عليه، كان هشام مطر، قد قضى طفولته المبكرة في ليبيا قبل اضطراره للمغادرة مع عائلته بسبب الظروف السياسية التي حتّمت عليهم ذلك. تصبحُ الأماكن إذن الفردوس المفقود بالنسبة لمطر.

حَلمَ هشام مطر بزيارة سيينا الإيطالية لعلاقته الوثيقة والقديمة بالفن السييني، وهكذا يعزم على زيارتها مدة شهر كامل برفقة زوجه ديانا. يكتب هشام مطر إذن عن اللوحات السيينة في المتاحف، دون أن ينسى هويته وتاريخه الذي يستدعيه في هذا التأمل، في قراءة خاصة تتقاطع فيها التجربة الشخصية مع ما يشاهده في تلك اللوحات. يصبح تقدير الفن مضيئًا في هذه الكتابة بشكل خاص، فيكتب «بتحدي المخيلة يكِز الفنانون مداركنا قليلًا، وفي لحظة على الأقل، يُعاد خلق العالم» وفي موضع آخر «إن ما يبتغيه الفنان ربما... هو أن يدفع السطح المستوي إلى فسح المجال، فتح فضاء» وفي جزء آخر من الكتاب يقول: «لعل هذا ما يبتغيه كل فنان في نهاية المطاف، أن يبقيك ضمن الحدود، ويمنحك ضربًا من حرية نادرة لا تأتي إلا من الحدود».

تصبحُ هذه اللوحات التي يقضي مطر الساعات في تأمل كل واحدة منها حتى أن حارسات المتحف يأتين إليه بكرسي بعد أن اعتدن على وجوده ووقوفه ساهمًا أمام كل لوحة، منفذًا للإيمان والحب والرغبة واللغة، والأمل، ووصف الحياة اليومية للناس في سيينا قديمًا وحديثًا، واللقاء بهم، خصوصًا العائلة الأردنية التي سيتعرّف عليها هناك، وتأخذنا بطبيعة الحال لليبيا، وبينما يتمشى مطر في سيينا، يصبح للأفق معنى مختلف، الأفق الذي يختفي في سماء المدينة، لكنه مطبوع بفنها، ممتد به، يقول هشام مطر وهو ما أثر عليّ بشكل خاص، أنه في سيينا تحديدًا تحرر من الرغبة في أن يكون في مكان آخر، لم يعد هنالك شيء يفوته في مكان آخر، هذا الإحساس الذي يصعب الإمساك به، إذ إنني شخصيًّا كثيرًا ما أشعر في أي مدينة أحط الرحال بها، بأنه ينبغي أن أكون في مدينة أخرى، وأن هذه المدينة التي أكون فيها هذه اللحظة ليست هي المدينة المنشودة. ربما شعرتُ بأن إسطنبول تتملكني أحيانًا بهذه الطريقة، لقد جعل هشام مطر هذا الحلم ممكنًا، أن تزور مكانًا ما، وتألفه بتلك السرعة، فيصبح مرة أخرى كأنه مكان «تعود» إليه بدلًا من أنك تكتشفه.

تتمدّد اللحظات الوادعة في كتابة مطر، لتكافئنا بإيقاع يتملكنا طيلة لحظات القراءة، كان هذا في روايته «الاختفاء» أيضًا. ويصبح تمدده في الحديقة برفقة ديانا وهي تضع رأسها على صدره، لحظة يحبسها الزمن، وتجعلنا في ذلك القيد الرقيق كما لو أنه الأبدية، ليس هذا فحسب، تعود هذه اللحظة بمطر إلى لحظات أخرى مماثلة في تاريخهما هو وديانا، وعندما يحدق رجلٌ فيهما، لا يفوت الفضول بالتفكير في ذلك الرجل وقدره وفكرته التي يكونها الآن عنه وديانا، إلا أنه سريعًا ما يشرك ديانا داخل سره الذي لا ينطق به علانية، فهل تراها تفكّر في الرجل أيضًا بالطريقة نفسها. هكذا يحب هشام مطر ديانا كثيرًا. ويقتبس عنها في موضع آخر مقطعًا من كتابة لها عن والد هشام مطر المغيب الذي لم تره إلا في الصور، وكانت قد أشرقت في روحي بشكل خاص الجملة التي قالت فيها مخاطبة والد هشام «أتساءل كيف ستنادي زوجي باسمه؟»

وكما الحال في تفكير مطر في الرجل الذي يحدق فيهما في حديقة، يصبحُ للناس من حوله مكانة في كتابته، حتى أولئك الهامشيين، يهجس بهم، يتخيل أقدارهم، فيخصص فصلًا كاملًا لحارسات المتحف، ولتلاشيه في وجودهن، حتى أنهن كن يتحدثن مع أنفسهن في وجوده، بينما تصمت الواحدة منهن إذا انضمت زميلة لها. يختفي هشام مطر إذن أمام الفن، يصبحُ ربما كما يستحق، ضربة فرشاة في اللوحات التي يظل أسيرًا لها، متحدًا بها، كما لو أنه «يعود» لوطنه الوحيد.

طُبع الكتاب في طبعة أنيقة، مزودة باللوحات التي يكتب عنها هشام مطر، الأمر الذي ذكرني بمثال آخر حزين في الترجمات العربية، فهنالك الكتاب المهم «السينما التدميرية» لفوغل، والذي طبع دون الصور التي تحيل إليها كتابات فوغل المهمة، فيخسر الكتاب قدرًا مهمًّا من قيمته. أما ترجمة زوينة آل تويه، فهي ترجمة رائعة ورائقة، كما عودتنا منذ «بارتلبي النساخ» كنتُ قد بدأت هذا الأسبوع بقراءة ترجمتها الأخرى «هامنت» عن دار أثر السعودية، أتمتع بها أيما متعة، وأحب شباب وشابات بلادي الذين يحققون حلمهم في هذا الحقل كما يليق بهم.

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هشام مطر

إقرأ أيضاً:

تطبيع سوريا مع إسرائيل.. فكّر فيها

نشرت عدّة مواقع إخبارية أجنبية الأسبوع المنصرم تقارير تحدّثت عن نيّة الحكومة السورية الجديدة التطبيع مع إسرائيل. وسرعان ما انتشرت هذه التقارير انتشار النار في الهشيم لاسيما في المواقع العربية مع تركيز على نيّة الرئيس السوري أحمد الشرع المبادرة بتطبيع العلاقات مع تل أبيب كوسيلة للمساعدة على رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.

لكن اللافت للنظر أنّ هذه التقارير لم تأت على لسان الشرع نفسه وإنما على لسان بعض الشخصيات الغربيّة التي زارت دمشق وقيل أنّها التقته، وهي عضو الكونغرس الأمريكي كوري ميلز، وعضو الكونغرس الأمريكي مارلين ستوتزمان، والدبلوماسي البريطاني السابق كريغ موراي.

هذه الشخصيات تناولت موضوع التطبيع في سياقات مختلفة، إذ ذكر التقرير المتعلق بكوري ميلز، وهو التعليق الأحدث أنّ  الرئيس السوري عبّر عن "اهتمام محتمل" بالانضمام إلى الإتفاقات الإبراهيمية تحت "ظروف مناسبة".

أمّا التقرير المتعلق بمارلين ستوتزمان فقد أشار إلى وجود شروط سوريّة تشمل من بين ما تشمل الحفاظ على وحدة سوريا وعلى سيادتها، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية. أمّا التقرير المتعلق بالنائب البريطاني، والذي يعود إلى منتصف شهر أبريل، فقد أشار إلى أنّ الرئيس الشرع أكّد بشكل خاص أنّه سيقوم بتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل وبتبادل السفراء نهاية عام 2026.

من الناحية التحليلية، يمكن ملاحظة أنّ التفاصيل المتعلّقة بهذه التصريحات ليست متطابقة أو منسجمة مع بعضها البعض، وهو ما يتناقض مع الإفتراض القائل أنّ الشرع فاتحهم بالتطبيع. فإذا كان موقف الشرع التطبيع، فإنّ روايته على الأقل ستكون واحدة. لكن خلفية الشخصيات المشار إليها وسياق التصريحات تشير على الأرجح إلى أن طرح موضوع التطبيع كان بمبادرة منهم وأنّ الجواب عليه يرتبط بهم أكثر مما يرتبط بموقف مبدئي.

بمعنى آخر، إذا طرح الزائر سؤال التطبيع، فهذا إما لأنّه يبحث عن لعب دور متعلق فيه، وإمّا لأنّه يبحث عن شهرة، وإنما لانّه يبحث عن مشكلة. بالنسبة إلى الشخص الذي يتم توجيه السؤال له، فإنّ السؤال قد يكون بمثابة فخ يجب تفاديه بأقل الأضرار الممكنة.

لا يوجد لدي أدنى شك أنّ الإدارة الأمريكية والعديد من المسؤولين فيها قد يرغبون برؤية عملية تطبيع بين سورية وإسرائيل كما فعلوا سابقا بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. ولا شك كذلك أنّ الظروف تسمح لهم لممارسة ضغوطات على الحكومة السورية في ظل حاجة الأخيرة إلى رفع العقوبات.لكن لتفترض جدلاً أنّ الشرع يريد التطبيع فعلاً بمبادرة منه، هناك الكثير من المعطيات التي تشير إلى أنّ إمكانية تحقيق ذلك صعب جداً. هل سيكون بالإمكان إجراء تطبيع وإسرائيل تحتل أراضي سورية وتخترق أجواءها بشكل شبه يومي وتقصف أراضيها؟ هل تعتقد أنّ نتنياهو سينسحب من سورية مقابل تطبيع مع الحكومة السورية؟ هل ستلتزم إسرائيل بأي تعهدات ستقطعها؟ ماذا عن شرعية الرئيس السوري داخلياً؟ هل سينسجم هذا الموقف مع غالبية الشوريين حتى ولو كان شرطاً لرفع العقوبات؟ من جهة أخرى، ماذا عن تجربة من طبّعوا بشكل سابق خلال الأعوام القليلة الماضية؟ وأين أصبح تطبيعهم اليوم؟ لا بل ماذا عن الدول التي لديها اتفاقيات سلام مع إسرائيل؟ كيف هو حال العلاقات الإسرائيلية مع مصر والأردن؟

القصد من طرح هذه الأسئلة الإشارة إلى أنّ الحديث عن التطبيع سهل بغض النظر عن المصدر التي يتحدث عنه، لكن تطبيقه حتى لو افترضنا وجود نية لذلك غير ممكن في الظروف الحالية، وغير ممكن لأنّ إسرائيل هي إسرائيل. علينا أن نفرّق أيضاً بين تصريحات الشرع الواضحة والمباشرة والتي ذكر فيها انّ الجانب السوري لا يريد التصادم مع إسرائيل وأنّه ملتزم بالاتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن التي أنشات المنطقة العازلة، وبين الحديث عن تطبيع. فالشق الأوّل يتعلق بعملية تجنّب الصراع أو الصدام بينما يتعلق الشق الثاني بالسعي إلى الإعتراف والتطبيع والتمثيل، وسيكون من الخطأ خلط المعنى والهدف والغاية المتعلقة بالطرح الأوّل بالمعنى والهدف والغاية من الطرح الثاني.

لا يوجد لدي أدنى شك أنّ الإدارة الأمريكية والعديد من المسؤولين فيها قد يرغبون برؤية عملية تطبيع بين سورية وإسرائيل كما فعلوا سابقا بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. ولا شك كذلك أنّ الظروف تسمح لهم لممارسة ضغوطات على الحكومة السورية في ظل حاجة الأخيرة إلى رفع العقوبات. والأمر نفسه قد ينطبق على بعض المسؤولين الإسرائيليين. لكن حتى لو نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر إسرائيلية، هل هناك من يعتقد أنّ إسرائيل نتنياهو ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلّتها مؤخراً، وستقوم بإنهاء احتلالها للجولان وتفكيك المشاريع والمستوطنات هناك، وستتوقف عن الخروقات، وعن استهداف العمق السوري، وعن عمليات التوغل، وعن التدخل في الشؤن الداخلية السورية من أجل تطبيع مع حكومة سورية مؤقتة؟ لا أعتقد ذلك.

الخلاصة هو أنّه يجب ألاّ ننجر بشكل عاطفي إلى بالونات الاختبار التي يتم إطلاقها هنا وهناك أو الأخبار التي تأتي من خلف البحار. نظرياً التطبيع قد يحصل في أي مكان، لكن عملياً هل سيحصل ذلك؟ علينا أن نفكّر بمصالح مختلف الأطراف والظروف الداخلية والسياق الإقليمي، وهذه كلّها لا تشجّع الآن على حصول مثل هذا الأمر. لكن حتى لو افترضنا جدلاً مرّة أخرى أنّ هذا التحليل قد أثبت عدم صحته، وأنّ هناك اتجاه حقيقي لدى الحكومة السورية للتطبيع مع إسرائيل، فماذا سيكسب الشرع أو سورية من عملية التطبيع؟ رفع العقوبات ليس بمثابة عصا موسى، وعليه فإنّ التطبيع سيكون في هذه الحالة خطأ كبيراً في الحسابات.   

مقالات مشابهة

  • متى أحتاج إلى ترجمة العلامة التجارية وما أهمية ذلك؟
  • لغة لا تحتاج إلى ترجمة
  • الساعة الأخيرة للجنجويد: حين يصبح الهروب هو المصير الوحيد
  • تطبيع سوريا مع إسرائيل.. فكّر فيها
  • رسالة سورية لطمأنة واشنطن.. ماذا جاء فيها؟
  • تفاصيل معركة الشجاعية التي قتل فيها ضابط وجندي إسرائيلي
  • موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
  • جهود عمانية متواصله.. الجولة الثالثة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية
  • جهود عمانية تتواصل.. الجولة الثالثة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية
  • الشاي المر… عندما يصبح الرزق تهمة