استنفار إسرائيلي.. كيف يتلقّف لبنان التلويح بعملية برية وشيكة؟!
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، يوم فتح "حزب الله" جبهة جنوب لبنان إسنادًا لقطاع غزة في وجه الحرب الإسرائيلية التي اندلعت في أعقاب "طوفان الأقصى"، تبدو هذه الجبهة أبعد ما يكون عن "الثبات"، فهي تسخن حينًا، سواء على المستوى العسكري وفي الميدان، أو على المستوى السياسي، ولا سيما النفسي، لتعود وتبرد بعد ذلك، من دون أن يُفهَم سبب السخونة، ولا أن يُفَكّ لغز البرودة الطارئة بعد ذلك.
هكذا، توتّرت الأوضاع على الجبهة في الأيام القليلة الماضية، بصورة مفاجئة، بعد هدوء نسبيّ شهدته منذ ردّ "حزب الله" على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، وولّد انطباعًا بأنّ الأمور انتهت، وأنّ الخطر زال، لتنقلب الأمور رأسًا على عقب بعد ذلك، ومن دون أيّ مقدّمات، فتتصاعد التهديدات الإسرائيلية بصورة غير مسبوقة، وصولاً إلى حدّ التلويح بعملية عسكرية واسعة، أو بغزو برّي، اتخذ صفة "المحدود والسريع".
وفي الساعات القليلة الماضية، بلغ الاستنفار الإسرائيلي أوجه، بالتزامن مع زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى تل أبيب، حيث تكثّفت التسريبات في الصحافة الإسرائيلية عن انعدام الآمال بالوصول إلى اتفاق، حتى قيل إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم إقالة وزير دفاعه يوآف غالانت بذريعة عرقلته توسيع الهجوم في لبنان تحديدًا، فهل هي طبول الحرب التي قُرِعت، وما مدّى جدّيتها هذه المرّة؟
استنفار غير مسبوق
قد لا تكون المرّة الأولى التي يُظهِر فيها العدو الإسرائيلي استنفارًا إزاء الجبهة اللبنانية منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، باعتبار أنّ الجبهة شهدت العديد من جولات الصعود والهبوط، لعلّ أقواها كانت في المرحلة الفاصلة ما بين ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت وردّ "حزب الله" عليها، لكن على الرغم من ذلك، فإنّ طبيعة الاستنفار الإسرائيلي هذه المرّة تكاد تكون غير مسبوقة، وتصل لحدّ قرع طبول الحرب بأتمّ معنى الكلمة.
يتجلّى هذا الاستنفار بشكل أساسي بالحديث العلني عن عملية برّية في جنوب لبنان، بعدما كان التركيز منصبًّا طيلة الأشهر الماضية على القصف والغارات، فضلاً عن تكتيك الاغتيالات الذي يبدو أنّ مفعوله تراجع في الآونة الأخيرة، مع اتخاذ "حزب الله" لإجراءات وتدابير احترازية، بل إنّ المعطيات أشارت إلى "مقترح جدّي" تقدم به قائد لواء الشمال في جلسة تقييمية مغلقة للقيام بعملية برية سريعة، قال إنّ ظروفها باتت أسهل.
وفي حين استند هذا المقترح إلى أنّ الجيش الإسرائيلي تمكن من اغتيال غالبية مقاتلي فرقة الرضوان، إضافة إلى نزوح معظم سكان البلدات الحدودية، فإنّ انفجار الخلافات في إسرائيل، تحديدًا بين نتنياهو وغالانت، جاءت لتعزّز أجواء الاستنفار، ولا سيما أنّ غالانت يصنَّف على أنّه العائق الأكبر أمام توسيع الحرب ضدّ لبنان، بل إنّه يكاد يكون الشخصية الوحيدة التي تواجه نتنياهو، ولذلك فُهِم الحديث عن إقالته تمهيدًا لاتخاذ مثل هذا القرار.
الحرب "مستبعَدة" لبنانيًا
كلّ شيء في إسرائيل يوحي إذاً أنّ قرع طبول الحرب هذه المرّة يختلف عن كلّ المرّات السابقة، وأنّ القرار بالتصعيد قد اتُخِذ عمليًا، ولا ينتظر سوى الخروج لدائرة الضوء، وهو مدفوع أيضًا بالضغط الداخلي من جانب المستوطنين غير القادرين على العودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها قسرًا، علمًا أنّ زيارة هوكستين إلى تل أبيب حصرًا، فُهِمت أيضًا في سياق محاولة احتواء التصعيد، وثني تل أبيب عن المضيّ قدمًا في مخططاتها.
لكن، رغم كلّ ذلك، لا يبدو أنّ سيناريو التصعيد الواسع يجد صداه في الداخل اللبناني، وتحديدًا بالنسبة لـ"حزب الله" الذي يقول العارفون بأدبيّاته، إنّ الحرب بالمعنى الواسعة لا تزال "مُستبعَدة" بالنسبة إليه، ولو أنّ الإسرائيلي يحاول الهروب إلى الأمام بتهديداته المتصاعدة، ويشيرون إلى أنّه يدرك جيّدًا أنّ المعركة البرية التي يلوّح بها لن تكون في صالحه، وأنّ فكرة احتلال أراضٍ لبنانية ستفتح عليه أبواب جهنّم، إن جاز التعبير، وهو ما اختبره سابقًا.
وفيما يبدو هؤلاء مقتنعين بأنّ كلّ ما يجري من تهويل من الجانب الإسرائيلي يبقى في خانة الحرب النفسية ليس إلا، باعتبار أنّ العدو ليس جاهزًا للذهاب إلى حرب يمكن أن تفجّر صراعًا إقليميًا، خلافًا لكلّ ما يدّعيه، إلا أنّهم يؤكدون أنّ المعادلة بالنسبة إلى "حزب الله" لا تزال ثابتة في كلّ الأحوال، فهو لا يريد الحرب ولا يسعى إليها، لكنّه جاهزٌ لها إذا ما فُرِضت عليه، وسيقاتل فيها متحرّرًا من كلّ الضوابط والسقوف، كما قال أمينه العام في أحد خطاباته.
برأي كثيرين، فإنّ التصعيد الإسرائيلي هذه المرّة لا يشبه غيره، وأنّ طبول الحرب التي تُقرَع هذه المرّة تستند إلى وقائع ملموسة أكثر من أيّ وقتٍ مضى، باعتبار أنّ الإسرائيليين اقتنعوا بأنّ فرص التوصل إلى اتفاق بالدبلوماسية تتعثّر، وأنّ جرّ "حزب الله" لفكّ الارتباط بين لبنان وغزة "شبه مستحيل". لكن، هل تترجم إسرائيل تهديداتها بالفعل، أم أنّ ضابط الإيقاع الأميركي سينجح في احتواء الموقف، ولو إلى حين؟! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: طبول الحرب هذه المر ة حزب الله
إقرأ أيضاً:
تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".
وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".
"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.
ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.
وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".
"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.
وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".
وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".
إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.
توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.
وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".
وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".
واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".
إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.
وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".
واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".
وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.
شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".
ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".
إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".