لا يوجد بديل (محلي) لهمجية الدعم السريع إلا توطين المساومة السياسية
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
زرياب عوض الكريم
نقض أوهام الثورة المدنية المستحيلة من مسرح إنكار وتغييب الآخر
منذ عام 1955 يشكوا القوميين الشماليين ومجتمعات البرجوازية الإقطاعية Feudalist Bourgeoisiation المرتبطة بتجربة إعادة إنتاج الإستعمار 1898 ونظامه الهجين في جغرافية السودان المفيد الميتربولية المعرفة لاحقا كمثلث حمدي 2008 ، يشكون عموماً من عًنف ثورات - إحتجاجات الهامش ضد مجتمعاتهم الإستيطانية داخل الهامش وخارجه [أحداث عُنف الجنوبيين ومجتمعات جبال النوبا المتكررة داخل مدن السودان المفيد منذ الخمسينيات مثالاً] كعنف مسلح ومدني يحملهم مسؤولية ممارسات دولة مابعد الإستعمار 1956 المنتجة للحروب والعنف والميليشيات ، و يعرضهم لإنتقام الإثنيات الوطنية الأخرى المستبعدة من تكوين دولة 1820 الكولونيالية وإستمراريتها في 1956 ، المستبعدة من تكوين القومية السودانية نفسها.
هذا السيناريو ليس جديداً وهو فعلاً سيناريو أزمة ليس مرتبطاً بإنحياز مجتمعات دولة 1956 ضد الأقاليم والإثنيات السياسية الوطنية المتمردة على هيمنتهم ، أو بسبب إنحيازهم إلى جانب الجيش البريتورياني الممثل للإقطاعيين الشماليين وإستمرارية مصالحهم في حرب الخرطوم 15 إبريل حتى قبل أن تبدأ.
** مخطط سيسيولوجي :
1.دولة 1820 الكولونيالية دولة عسكرتارية هجينة مستوردة (دولة مستوردة) ، قامت بالتجذر وتوطين رأسمالية الدولة ، و أنتجت الرأسمالية الطرفية peripheral capitalism.
[راجع نظرية الدولة المستوردة : بادي]
2.دولة 1956 النيوكولونيالية دولة قومية متطرفة. دولة 1956 النيوكولونيالية دولة مصنوعة (وظيفية) مثلها مثل الأردن وموريتانيا.
- على عكس ما يظن الكثيرين لا تمثل دولة 1956 إستمرارية للإستعمار التركو مصري الذي إنتهى سنة 1885.. بل إعادة إنتاج وتمثُل لبنياته الإجتماعية social representation. لكن بشكل فوقي From Above يفتقر للتجذر L'Enracinement.
[إيمانويل كانط : نظرية التمثلات الإجتماعية].
3.ثورة الإثنيات الوطنية المستبعدة من التكوين السياسي والجنيني ضد البنيات العسكرتارية (البريتوريانية) لدولة الإستعمار ونظامه الإجتماعي 1820 المعاد إنتاجه بمحتوى عرقي مختلف - نيوكولونيالي 1956 بالسبل السلمية غير ممكن.
4. ثورة المهمشين المدنية في المونوبول (الخرطوم) إنتهت بتصفية القائد الجنوبي وليم دينق جسدياً 1968 وإلغاء أو نقض جميع المواثيق السياسية التوافقية منذ 1955.
5.ثورة الهامش (الزحف الماوي من الريف إلى المدينة) أو الثورة الفلاحية peasantry revoultion لا يُمكن أن تكون ثورة مدنية. والعنف ضرورة ثورية.
** مُخطط مسرحي لدراما التاريخية ..
كانت أول الأدوار المسرحية لدولة 1956 النيوكولونيالية هو محاولات الإقطاعيين الشماليين سابقاً 1926 والقوميين الشماليين لاحقاً 1938 إنكار الآخر.
حدث ذلك في مذكرات عبدالرحمن المهدي 1 ضد ثورة اللواء الأبيض ومذكرة عبدالرحمن المهدي 2 1926 المعروفة باسم مذكرات (كرام المواطنين) التي يبدو أن منصور خالد عضو مدرسة النقد الذاتي في القومية الشمالية قد استند في تكنيك قلب السرد في وصف ثقافة ضحايا تلك المذكرات الآثمة بكريم المعتقدات.
جهود ما يسمى (مؤتمر الخريجين) داخل المائدة المستديرة وخارجها لتعويق مسيرة القومية الإقليمية الجنوبية هو إمتداد لمسرح إنكار الآخر.
في ملابسات هزيمة دولة 1956 في هذه الحرب أطلق القوميين الشماليين مجموعة من المقولات الإمبريالية المكررة Imperial categories من بينها مقولتهم الشهيرة .. المساومة السياسية مع من؟ وهي مقولة التبرير لرفض التفاوض مع قوة الدعم السريع وعائلته السياسية التي كررها اسلافهم بالكربون مع الجنوبيين منذ 1955 وفي بداية صراع دارفور 2003.
(i)
بحكم متابعتي الطويلة لهذا الصراع ، تابعت جميع بيانات الكراهية العرقية للهامش والهامش المزدوج الذي تنحدر منه الإثنية السياسية للقوات شبه العسكرية (قوة الدعم السريع) ، لوهلة صدورها ووجدت أن تلك البيانات كانت جاهزة ومعدة منذ إرهاصات الصراع وقبل أن تمضي ساعات الإنتظار الأولى من نوعها منذ خمسة عشر عاماً 10 مايو 2008.
يجدر تذكير صانعي الرأي والتعبير السياسي إلى الماضي قليلاً ، إلى تاريخ اول ثورة وطنية شاملة 1885 لم تكن ضد الإستعمار في حد ذاته بل ضد بنياته المحلية المنتجة لعنف الجباية التي أفرزت السخط العام المهيئ للعنف السياسي والثورة [وإن كانت الرواية الأخرى رواية التاريخ من الباطن Sub-historianism ، تقول ان الثورة كانت صراعاً داخلياً محضاً بين بنيات الإستعمار المحلية أو الداخلية بين الكمبرادور والخلاسيين - اولاد ريف حول مركنتلية وتشريع الإسترقاق] .
شارك الإقطاعيون الشماليون أنفسهم في مثل هذه الجرائم ضد مجتمعات دولة 1820 الكولونيالية، متمثلاً في الإبادة الجماعية ضد إثنية - طبقة الخلاسيين Mestizo (الريافة) البرجوازية بمختلف جذورهم الإثنية ، وكانت من ارذل جرائمها وفظائعها مذبحة بلدة (التيارة) - في كردفانيا (شمال) تقتيلاً وتمثيلاً وبقر لبطون الحوامل وإغتصاباً.
بعد فتوى المتمهدي وهو فقيه شمالي منشق من المدرسة الدينية ضدهم بقتل كل صاحب أذن بيضاء (أضان حمراء) ، أصبحت إثنية الخلاسيين اولاد ريف البرجوازية هدفاً للقتل ودونية التراتبية الإجتماعية والإستغلال الجنسي - السبي والتسري والإستباحة حتى من قبل الأرقاء السابقين للإقطاعيين (الكريول) Creol.
التراتبية الإجتماعية الإستلحاقية والثانوية لإثنية الخلاسيين اولاد ريف ، اكتسبوها من واقع تلك الأحداث التي حكمت عليهم كمهزومين في الصراع الإجتماعي حول التغيير والتحديث حول الدولة ، كمهزومين في الحرب. بل بمحوهم من سجل الإثنيات الوطنية المتنافسة ، وتصفية تنظيمهم الإجتماعي.
رفض الإقطاعيون الشماليون سابقاً القوميين لاحقاً ، فكرة التصنيف الإجتماعي للخلاسيين (الريافة) كإثنية قائمة في حد ذاتها ، ووظفوا ضدهم الإزدواجية السيسيوإقتصادية بتعبير الدكتور بيتر ادوك نيابا (المفكر الجنوبي لمدرسة النقد الذاتي داخل الجنوب السابق) لإجبارهم على التزاوج من مجتمعات أقل منهم شأناً بغرض تذوييبهم Forced Assimilation.
وهو نفسه مافعله حسن الترابي في سياق آخر من الصراع مسكوت عنه 1985 - 1990 في سعيه المحموم لإعادة تعريف القومية السودانية لمصلحة إثنياته الزبونية التي أسماها بالإثنيات الإسلامية.
لقد تحولت إثنية الخلاسيين اولاد ريف إلى واحدة من ممتلكات - منقولات دولة الغنيمة الثانية الموروثة عن الإستعمار الأصلي Capture state ، أداة لطقس قتل الأم في الهوية الشمالية - السودانية في عنوان تكتيكي آخر وموارب ، (المولدة) أو (الملونة) Matricide وتحسين سلالتها البرجوازية. لكن خؤولة هذه الإثنية السياسية لم تفضي أبداً إلى الإعتراف التاريخي بالآخر والقبول به (بول ريكور) ، الإعتراف بتلك الإثنية.
وقد تتبعت كسيسيولوجي حُر نقاشاً بين الجيل الجديد من البرجوازية الشمالية (في موقع الراكوبة) - حول ضرورة الإعتراف بالأقباط والهنود (وهم جزء من إثنيات الخلاسيين اولاد ريف) وبدور سياسي لهم كجزء من تكوين القومية السودانية ، جاءت فيه اغلب الاراء رافضة لهذا الإعتراف التاريخي الممكن وداعية إلى تذوييبهم قسريا وتصفية تنظيمهم الإجتماعي البرجوازي والإثني Social organization.
تذكرني فتوى المتمهدي ضد إثنية الخلاسيين - اولاد ريف التي قادت إلى قلب تراتبيتهم الإجتماعية وتصفية تنظيمهم العرقي كجزء من مخلفات دولة الغنيمة الإستعمارية من خلال مذبحة بلدة التيارة التأسيسية (Foundationalist masscre) التي لم يكتب عنها الانثربولجي الشمالي دكتور عبدالله علي إبراهيم العضو المنشق في مدرسة النقد الذاتي (الشمالي الآخر) ماكتبه عن مذبحة زنجبار 1964، تذكرني بالفتوى الثقافية للمفكر الجنوبي المتعصب لقومية الدينكا الثقافية وهيمنتهم (جينقيزم) Jiengism .. السيد بونا موال ، الذي دعا كتابة إلى تذويب وإستيعاب إثنية (البانتو) أو (الفرتيت) والتخلص من مشكلتهم الإجتماعية في مقاومتهم التبعية الإجتماعية للدينكا التي تمثل صداعا مربكا برأيه ، في راجا غربي مديرية بحر الغزال من خلال تزويج نسائهم للدينكا اي تصفية تنظيمهم الإجتماعي والسلالي من خلال ميكانيزم (التسري) أو طقس قتل الأم معكوسا - طقس قتل الأب patricide.
إذن كانت إبادة إثنية الخلاسيين أولاد ريف الممنهجة في 1882 و 1885 ، اول محاولة وقفت ورائها القومية الشمالية ورمزها الإجتماعي المتمهدي لإعادة تعريف القومية السودانية 1840.
ثاني تلك المحاولات هي موقف عبدالرحمن المهدي (الإقطاعي الشمالي) واحد الآباء المؤسسين للقومية الشمالية المشهور من حركة اللواء الأبيض وقائدها الرمزي على عبداللطيف 1924. موقف إعتبر فيه أن إثنية (الملكية) أو الكريول ليست جزءاً من القومية السودانية أو رفض من الأساس تصنيفها كإثنية سياسية.
ثالث تلك المحاولات هي محاولة حسن الترابي قائد الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين ، لإعادة تعريف القومية السودانية لمصلحة الإثنيات الزبونية لأيدلوجية الإقطاع الإسلامي أو مجتمعات غرب إفريقيا العمالية المهاجرة Immigrant labour التي أسماها بالإثنيات الإسلامية ، و إستبعاد الإثنيات الوطنية الأقل أسلمة وأقل تعريباً تماماً من تكوين القومية السودانية ، وهي المحاولات التي انتهت بطرده من الحكم في مذكرة متوارية اللغة عرفت بإسم مذكرة الموقعين العشرة 1999 أو المفاصلة.
- راجع كتيب التجاني حامد عبد القادر مدرس العلوم السياسية بجامعة الخرطوم وعضو مجلس شورى الجبهة الإسلامية (الزنوجة) الصادر عن معهد البحوث الإجتماعية وتفسيره لقانون الجنسية 1994 الذي أصدرته الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين مقروناً مع الخطابات الإذاعية الموثقة لقادتها عن انهم سيمنحون الجنسية الوطنية لأي مسلم اجنبي يرغب في الحصول عليها.
أفكار المتمهدي وبونا موال والترابي الشبيهة بممارسة التهجير القسري للإثنيات الوطنية (القبائل) إلى مستوطنة عبدالله تورشين في ام درمان ، حسب التسلسل التاريخي تمثل جريمة ثقافية وإجتماعية في حد ذاتها جديرة بالإدانة ، وهي جريمة التوطين الثقافي غير الشرعية (التعسفية) وغير الموضوعية Cultural Indigenization.
مثلت تلك الفكرة المرعبة الشبيهة بالأفكار النازية في دول شمولية مثل الصين وألمانيا هتلر وبولندا ، واحدة من بنات أفكار الترابي الثقافية الموغلة في السرية وحلفاءه المخفيين Invesible Turabism ، للندوة التأسيسية التي دعا إليها سنة 2014 تحت عنوان (الحوار الوطني) اي الندوة الوطنية التي لم تكن سوى تمرير إجرائي حول قناعاته المستوحاة من مدرسة الإقطاع الإسلامي عن أمة كريولية.
في أثناء بحثي بالمصادفة في المستودع الرقمي لجامعة الخرطوم في تلك السنة وجدت أطروحة نازية شبيهة ، تدعوا إلى نفس الفكرة وإلى تغييب الهويات الثقافية الوطنية المتعددة التي إعتبرها الترابي في الثمانينات إبتلاءاً (عقبة) أمام تنفيذ مشروعه الهوياتي والسياسي ، وتشيد بتجربة عبدالله تورشين في التهجير القسري وتقوم بتاويلها فلسفيا (!) وهي رؤية عملية - رؤى التوطين الثقافي التعسفي المتصارعة بإستعارة تعبير فرانسيس دينق ، رائجة في أوساط الأجهزة الأمنية السيكروقراطية [راجع خطاب الجنرال ياسر عبدالرحمن العطا أمام جبريل إبراهيم وحركاته المسلحة المتحالفة مع الجيش في حرب 15 إبريل عما أسماها القومية العربية في الشمال وفي الغرب].
مسألة إعادة تعريف القومية السودانية Redefintion Question واحدة من أكبر مخلفات الإستعمار وإشكالياته المأزومة وهي موجودة في كل أجندة حركات الهامش ، لكن المفكر والقائد الجنوبي دكتور جون قرنق قام بنقل هذا الجند من البراكسيس العملي (الأيدلوجيا العملية) للقومية الشمالية منذ انتخابات 1958 الاوتوقراطية ، إلى محاولة نقاش دستوري وثقافي عمومي ، بعد أن ظلت هذه المسألة لخمسين عاماً من التابوهات في توجه القوميين الشماليين وأسرار الدولة النيوكولونيالية المسكوت عنها.
**
في نهاية هذه التقدمة الخلاصة ، أود الإشارة إلى مسألتين مهمتين.. إلى أن مسألة إعادة تعريف تكوين الهوية الوطنية أو تكوين الامة أخذت بعدا تأريخياً في نهاية القرن التاسع عشر بداية العشرين ، من الصراعات التأسيسية في دول مهمة مثل تركيا العثمانية التي كانت تنزع إلى الإنفصال نحو هوية وطنية لا إمبريالية (ولا إستردادية Irrendative او حتى تعاونية cooperation).
والي أن الدولة الكولونيالية 1820 وإعادة إنتاج بنيتها في سياق النيوكولونيالية العالمية الرائجة في 1956 ، هي دولة غنيمة ، تشكل تحت ظلال دينامياتها الإجتماعية للغزو - الفتح أو نظامها الإجتماعي للحرب social Order of War الهامش الريفي في السودان الأنغلو مصري كغنيمة إسترقاق وإستغلال ريعي Rentierism للإقطاعيين والكمبرادوريين الشماليين (مؤسسة الكمبرادور - الجلابة).
وبما أن ديناميات التغيير السياسي والإجتماعي البدائية (الحرب) وانظمتها الإجتماعية المتفاوتة من إثنية إلى أخرى لم تتغير لا في داخل الهامش ولا خارجه طيلة قرنين من الصراع ، فإننا أمام تنافس همجيات محلية رأسمالية ولا رأسمالية مصطرعة على فراغ الإستعمار . أمام دولة غنيمة وغنيمة مضادة counter capture state.
عليه الحاجة ماسة إلى الفرصة الحالية التي تمثلها حرب 15 إبريل 2023 ، في توطين ثقافة وتجربة المساومة السياسية Political negotiating indigenization .. تماماً كما تم في نيجيريا إبان الحرب الأهلية وتأزيم الصراع في حرب بيافرا وفي ماليزيا (الصراع بين السكان الأصليين الملايو مع المستوطنين من قبل الإستعمار البريطاني الهنود والصينيين) بدلا عن تكرار التجربة الهندية (بجذورها البريطانية) في الهند وباكستان وبنغلاديش ، التي أفرزت قومية هجومية Militant Nationalism أو دولة غير متسامحة ثقافياً ولا تؤمن بالمساومة السياسية فى القضايا الثقافية والصراع الإجتماعي في إيران والهند. وحتى في الصين.
لقد اهتممت بقراءة كل ماكتبه اللورد فريدريك لوغارد ، الحاكم السابق في الصين ونيجيريا ومنظر اللاهوت الكولونيالي (كتاب نظرية الوصاية المزدوجة) ، ونعلم جيداً أن بريطانيا خلفت تركة فيدرالية مبتسرة في نيجيريا والصومال وكينيا وماليزيا لم تتركها في السودان الأنغلو مصري 1898.
غياب التجذر الثقافي الكولونيالي للفدرالية في تجربة السودان الأنغلو مصري ، هو السبب في توطن دولة الغنيمة كما هو الحال في دول جنوب آسيا بريطانية الإستعمار سابقا والسبب في الحروب الدائمة في تلك الدول من باكستان إلى بورما وتايلاند .. بدلاً عن توطين المساومة السياسية الوطنية التي لا يمكن أن تتم إلا بتدخل خارجي عسكري أو سياسي ضروري لغياب الإقتصاد السياسي للحوار والتفاهم في الداخل وفي المركز أو المونوبول ولدي القومية الشمالية ، و بجهد إضافي من القوميين الشماليين ومدرسة النقد الذاتي أو الشمالي الآخر Northern otherness.
هذه المقاربة السيسيولوجية والأنثربولوجية أكثر أهمية من محاولات الدكتور عبدالله علي إبراهيم المثقف المنشق عن مدرسة النقد الذاتي والحوار الذاتي البديل في القومية الشمالية المهيمنة ، الاستعارة التبريرية (لكتابات شارلس تلي charles Telly عن الحرب والدولة في واقع لا يشبه الواقع الإفريقي ، و استعارة كتابات إلكس دي وال Alex de waal عن تعديل سوق الأعمال السياسية وهي كتابات من زاوية ليست قريبة جداً من جامعة لندن عن القرن الإفريقي).
تفضي محاولات عبدالله علي إبراهيم ومثيلاتها من التأويل التحريفي لا السيسيولوجي ، إلى نهج توطين الخوف Fear Indigenization من الآخر في الهامش السياسة الذي تذكيه النخب الشمالية العسكرية والمدنية التي تحاول أن تبني من خطاب تسييس حقوق الإنسان وعنف ثورة الهامش ضد مجتمعات الإقطاعية البرجوازية في المونوبول (المركز) كخطاب مظلومية مضادة عن إنتهاكات الحرب والثورة الإجتماعية ضدهم ، الذي هو أيضا توطين للتهديد threat indigenization غير مجدي ، لأن كل الثورات مدنية أو مسلحة كثورة الخبز ديسمبر 2018 مثلاً تتحول في النهاية إلى ثورة إجتماعية متطرفة أو غير متطرفة ضدهم بإعتبارهم طبقة مستغِلة رقم واحد. إلى جانب طبقات أخرى نيوكولونيالية ومستغلة قديمة وجديدة طبعاً.
إنتهت التقدمة الأولى.
(ii)
تقدمة ثانية عن السمة الإجتماعية لحرب 15 إبريل
1. هل من خصوصية سيسيولوجية للحرب الأخيرة؟
2. من إنتخاب النماذج البدئية إلى صياغة الأمن السياسي للقومية الشمالية الهجومية أو المحاربة
تمثلات الوعي السياسي الأتوماتيكي (التضامن الآلي) للاقلية الشمالية أو لنخبتها الإقطاعية . لا تخرج عن إثنين انها أقلية مهيمنة و مهيمنة أيضاً لا يمكنها تكريس بقاءها خارج سياقات الهيمنة كستراتيجية حكم. وكدينامية مكررة للأمننة.
اعتبرت القومية الشمالية استناداً لتلك التصورات حرب 15 إبريل 2023 واحداً من سلسلة ممارساتها الطويلة منذ 1955 تاريخ اول مقاومة إجتماعية لتلك الهيمنة practices or political praxis لصياغة أمنها السياسي political Security من خلال تدمير الآخرين.
لكن كان ذلك يمكن أن يكون طبيعياً لو كان جهداً وقائيا إستباقياً لكن بعد صعود كل قومية ثقافية أو تسلح قومية إقليمية أو حصولها على إستقلالها الذاتي Autonomy سياسياً وامنياً وإقتصادياً كما حصل في معركة أبيي بعد إنفصال الجنوب التي سعت لجر الدولة الوليدة إلى صراع يجعلها تنهار داخلياً (كل علاقات دولة 1956 مع دول الجوار مازومة تأريخياً) فهي فكرة تدميرية غريبة من نوعها.
لكنها (فكرة الأمن السياسي للقوميين الشماليين ) بالتطابق هي نفسها بالمناسبة عقيدة الجدار الحديدي لجابوتينسكي Wladimir Jabotinsky في إسرائيل. وللكاتب جورج اوريل مقولة أن دول الأقليات لا يمكنها أن تتواجد بدون حرب دائمة.
**
نهاية التقدمة الثانية.
حرب 15 إبريل نقض التابوهات وإزدواج الخطابات
منذ إندلاع حرب الخرطوم 15 إبريل 2023 بدأت خيوط المؤامرات المزدوجة داخلياً في الإنعقاد على مستوى الإقليم السياسي الذي تنحدر منه الإثنية السياسية للقوات شبه العسكرية (نظرية المورد السياسي political resource) والقومية الثقافية التي تمثل قاعدتها الإجتماعية (وحدة إثنيات العطاوة Pan-attawism) ، وقُطرياً على مستوى المونوبول (المركز) بهدف شل وتعويق حركة تحرر سياسية يقودها أكبر تجمع إثني موحد يمثل 20 بالمائة من التعداد السكاني الوطني قبل إنفصال الجنوب 2011. وهي أكبر ثورة وطنية حقيقية تمثل الزحف الماوي من الريف المهمش إلى المدينة التي إصطنعها الإستعمار التركو مصري وكرست هيمنتها وتهميشها للداخل والريف منذ نهاية القرن التاسع عشر (رغم الملابسات التاريخية الشائكة التي أفضت إلى تصفية رمز التحديث السياسي والإجتماعي - النبيل الإنكليزي والجنرال المهندس شارلس غوردون).
واحدة من إشكاليات تلك الثورة والإندفاعة من الريف بإتجاه المدينة الكولونيالية والإقطاعية البرجوازية 1885 ، انها ثورة إجتماعية بدون قيادة شعبية ولا توجيه ثقافي ، شكلت جزءاً مهما من إثنيات العطاوة Attawism (المسيرية ودغيم بشكل كبير وتاريخي) ديناميتها الإجتماعية المؤثرة والموجهة لكن هذه الإثنيات كما سيتضح لم تكن نفسها منظمة سياسياً لتحصد ثمرات التغيير وتتحكم في إنتاجه ، وإلى جانبهم لعب الأرقاء المجندين في الجيش التركو مصري من إثنيات البانتو غرب جغرافية بحرالغزال (تنظيم الجهادية Bantu Armed serfdom) كقوة مساندة ومأجورة دوراً خطيراً في القمع السياسي وإرتكاب الفظائع (الإبادة والإغتصاب والتهجير) التي تمت بحق إثنية اولاد ريف (الخلاسيين من جذور تركومصرية Mestizo) الذين مثلوا القاعدة والطبقة البرجوازية للمجتمع الكولونيالي كإثنية منظمة سياسياً ومبدعة (مذابح بلدة التيارة ريفي- أم روابة وشركيلا في كردفانيا مثالاً ) التي وقف وراء توجيهها القوميين الشماليين الذين كانوا حانقين على التوجهات الحاسمة بإلغاء الرق التي وقف خلف حيثياتها الخلاسيين من إثنية - اولاد ريف - السياسية في قرارات شارلس غوردون.
حاولت الإثنيات الشمالية المشكلة للكمبرادور والجغرافيا المفيدة لدولة القرن التاسع عشر الكولونيالية وبعض الإثنيات التابعة للقوى الكمبرادورية - المنتفعة من النظام الإجتماعي الولائي (الزبوني) للإستعمار ، توجيه عنف هذه الثورة ضد الخلاسيين بشكل إنتقامي من جهة والتوجه الإجرامي للقنانة المسلحة (الجهادية) ضدهم.
المسألة الثالثة هي تغييب دور الإستخبارات الإنكليزية (البريطانية) في صناعة المهدوية كثورة ملونة على غرار ومطابقة ثورة السنوسي في ليبيا الذي تم إستقدامه من الجزائر لمواجهة الإيطاليين ، وظفت لحشده الديناميات الإجتماعية للعطاوة وحماسهم لتغيير النظام السياسي ، الذي تزامن بريبة مع الإحتلال البريطاني لمصر 1881 والتخلص من وجود المصريين الأتراك في وادي النيل.
كل تلك الأحداث الجانحة جعلت من تاريخ 1882 وتمثلاته السياسية 1885 ثورة وطنية إثنية ملونة بقيادة كمبرادورية شمالية (المتمهدي) وايدلوجيا من صناعة الإستخبارات البريطانية على غرار ايدلوجيا إدريس السنوسي التي أفضت إلى صياغة نظام حداثي وملكية دستورية أقرت الخصوصية الثقافية المعاصرة والقومية الإقليمية والثقافية لكانتون (برقة) الليبية Cyrenaica ، لكنها ثورة ميئوس منها.
(1)
الخطاب رقم واحد
[ثورة أصحاب الإمتيازات التاريخية - الكولونيالية منذ قرنين ضد التغيير ]
يحاول القوميون الشماليون في أعقاب حرب 15 إبريل الدامية التي إبتدرتها واحدة من فصائلهم (الجناح اليميني أو الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين) إعادة تأويل وتمثيل التاريخ على مقاس هواجسهم ومخاوفهم (نزعة الامننة securitization) ، من خلال إستدعاء عنف عبدالله تورشين الحاكم العملي لتمرد ماعرف (حركة الدراويش) وهو المسمى والواجهة الحركية لثورة 1885. ونسبة عنفه السلطوي إلى إثنيات العطاوة.
من خلال تسويق تلك السردية الزائفة والمضللة للصراع الإجتماعي وتوظيفه حاول القوميون الشماليون المقارنة بين خطاب المظلومية المضادة المتحايلة والرافضة للتغيير في حرب 15 إبريل وبين إستبدادية عبدالله تورشين.
والحقيقة أن عنف عبدالله تورشين لم يكن موجهاً ضد الإثنيات الشمالية المهيمنة والمنتفعة من الإستعمار ومن ممارسة الإسترقاق والإستغلال والنهب لثروات المهمشين والمستضعفين والإثنيات متخلفة نمط الإنتاج ومجتمعاتها ماقبل الرأسمالية في القرن التاسع عشر ، التي صارعت (ع. تورشين) على السلطة وعملوا على إستحثاث وإستقدام التدخل الخارجي لمصلحتهم ولم تتقبل الوحدة الوطنية القسرية - الدموية (اليونتارية التركو مصرية) Colonial Unitarism - التي شاركوا في فرضها على القوميات الوطنية المختلفة وحملته المشروعية الوجودية لتلك اليونتارية الإستعمارية إلى السلطة.
عنف عبدالله تورشين كان عنفاً عاماً وقمع غير مخصوص لم يستثني منه أحد ، من إبادة إثنيات الشكرية والكبابيش وتهجير إثنيات معارضة لحكمه والتنكيل بالرزيقات الجنوبية الذين ذبح ناظرهم الشيخ مادبو.
لكن يتغاضى القوميون الشماليون عن جرائم المتمهدي نفسه ، الذي قام بسبي أكثر من مائة مرأة مسلمة ، وإضافتهن إلى قائمة سباياه وإمائه شخصياً وقام بإلغاء تعاليم الدين الإسلامي بحجة التفويض الإلهي له. وتمت إبادة جماعية لإثنية الخلاسيين (اولاد ريف) Mestizoes بتوجيه سياسي وعقائدي منه أسس لتاريخ من الإرهاب السياسي وإرهاب الدولة Statist terror (ابوسليم : الوثائق الكاملة).
بمقارنة السلوك السياسي لعبدالله تورشين (المنسوب حقبة عنفه الإقطاعي وإرهاب دولته السياسية لإثنيات العطاوة) - مع المغامرين الشماليين (الكمبرادوريين والنخاسين) ، من لدن المجرم الزبير باشا رحمة الذي دمر مجتمعات البانتو (الفرتيت) بالإسترقاق والإستغلال ، ورصيفه المجرم رابح فضل الله الذي دمر وحطم مجتمعات إمبراطورية - إقليم (برنو) Borno وهي مسألة من المسكوت عنها في أدب القوميين الشماليين ، نجد أنهم أسلاف مؤسسين للسلوك الإجرامي لإبراهيم عبود ضد الجنوبيين وعمر البشير ضد الدارفوريين (خصوصا شعب الفور) . وأخيراً جرائم عبدالفتاح البرهان ضد شعب العطاوة.
بمقارنة نصف قرن من التاريخ قام منتسبي إثنيات العطاوة في الجيش مابعد الكولونيالي (قوة دفاع السودان SDF) بحراسة القوميين الشماليين من إنتقام القوميات الأخرى والمقاومة ، في الجنوب والغرب دون أن يسجل في تاريخهم مجرم حرب واحد منذ أن كان آدم مادبو وزيرا مدنياً للدفاع إلى آخر وزير عسكري للدفاع ينحدر من إثنيات العطاوة - الجنرال فضل الله برمة ناصر. ولم يشأ العميد محمد نور سعد القيام بأي عمل انتقامي رغم مؤامرات الإسلاميين الشماليين والصادق المهدي التي اوقعته في الأسر.
الحقيقة أن إثنيات العطاوة عرفوا بالكثير من الشيم الفضيلة من بينها الصدق وعفة الفرسان ، لكن الأجيال الأحدث الذين هم ضحايا مزدوجين لسياسات حزب (الإقطاع المهدوي) - حزب الأمة NP التي حرمتهم من عملية التعليم والتدين ، وسياسات الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين التي حرمتهم من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزجت بهم في محرقة الصراع الوجودي مع جون قرنق والقوميين الجنوبيين التي إستهدفت محوهم حين وصفهم جون قرنق (الحشرات) ، بوصفهم عقبة أمام مشروعه التوسعي والإمبريالي وحالت مقاومتهم له دون تمدد أوهام قرنق السياسية ، وكانت سبباً في إعادة صياغة خطابه وأفكاره.
هذا الجيل الأحدث يرفض إستغلال القوميين الشماليين والمقولات الزائفة pusedo categories حول السلم الأهلي والتعايش الطبيعي غير الدستوري غير التعاقدي ، وتلك صدمة أخرى لم تنتجها حرب 15 إبريل بل ابرزتها فقط.
يُهمل القوميين الشماليين والأنتلجنتسيا العقلانية منهم في اليسار وتبشيرهم الثقافي ، دور الجناح اليميني للقوميين الشماليين وأولغارشيتهم متعددة الجنسيات (من القوميات النيجيرية والتشادية وحتى الإرترية) ، وهم طبعاً تنظيم الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين INF ، دوره خلال ثلاثين عاما منصرمة في إعادة تعريف القومية السودانية Redefintion كأسطورة سياسية (نغلة) تتداول أجنحة الصراع في الحكم داخل (المركز) النيوكولونيالي تعريفها وإعادة تعريفها حسب مصالح المجموعات المهيمنة والمستفيدة (الزبونية) من السلطة وتراكمها البدائي من الريع والثروة.
إعادة تعريف القومية السودانية خلال ثلاثين عاماً من حكم نظام الجبهة الإسلامية اليميني القومي ، كان فعلاً إنتقامياً Revanchist موجهاً ضد الأقاليم والإثنيات السياسية الوطنية المستبعدة من تكوين دولة 1820 الكولونيالية وإستمراريتها في دولة 1956 النيوكولونيالية التي ظلت تنتج المليشيات والحروب من أجل الحفاظ على هذا الوضع المختل القائم ، وإثنيات العطاوة (العطاويزم) واحدة من هؤلاء.
مثلما أن إعادة تعريف القومية السودانية تم لمصلحة ما أسماها حسن الترابي 1994 - الإثنيات الإسلامية من غرب إفريقيا ، أو الإثنيات العمالية في النظام الإقطاعي الأوربي (الهجين) السائد في البلاد ، الذي يرفض قطعاً وبشراسة فكرة الإعتراف بالإثنيات السياسية الوطنية العقارية وغير العقارية Titular citizenship ، ويرفض فكرة الإعتراف بالنظام الكونفدرالي للإثنيات الوطنية العقد الإجتماعي التاريخي الوحيد منذ القرن الخامس عشر الميلادي المحدد لعلاقة الإثنيات البينية Intercommunal Confedration والضابط للحدود المجالية بينها.
تركة إعادة تعريف القومية السودانية .. التي قام بها حسن الترابي بسهولة ودون مقاومة حقيقية من النخبة في الخرطوم (المونوبول) ، لها تبعات ثقيلة وتراكمية ، وتقف خلف العنف الثوري غير الموجه ثقافياً في حرب 15 إبريل كصدام بين مجتمعات ماقبل الإستعمار الوطنية ومابعده ، وإثنيات العطاوة السياسية في هذه الحرب لم يفقدوا إرادتهم المعرفية والسياسية في تعريف الصراع كما هو.
كتب العضو التاريخي في مدرسة ( الشمالي الآخر) والنقد الذاتي للنخبة الشمالية inter-elitist criticism ، الانثربولجي الشمالي الوحيد والسيسولوجي الشامل الذي مثل مدرسة موازية داخل مدرسة ، رغم تعصبه الفج للقومية الشمالية وإرتماءه في أحضان التحريفيين الذين يسمون أنفسهم بالمناسبة الإتجاه العربي الإسلامي Islam-Arabism ، من خلال محاولاته الخجولة في الدفاع عنهم في كتاباته عن تجربتهم مع الشريعة الإسلامية التي تندرج تحت سياق النقد الثقافي العام الذي ظل يقدمه منذ أربعين عاما ، دكتور عبدالله علي إبراهيم وهو أيضاً يساري منشق.
كتب عبدالله طويلاً عما أسماه (صدأ الريف) Rural Decay ويقصد تعفن علاقات الإنتاج وتحلل مجتمعات الهامش الريفي خصوصاً في الإقليمين الغربيين ، وحذر النخبة الكمبرادورية الشمالية في الخرطوم من تداعياته قبل ثلاثين عاماً.
بالطبع كانت كتابات عبدالله الطريد من المسرح والحقل السياسي منذ فصله من الحزب الشيوعي غير كتابات الكادر السياسي المؤثل على محدودية دوره والفيلسوف محمد أبوالقاسم حاج حمد ، محل إستهزاء وتجاهل النخبة والأجهزة الأمنية الحكومية (السيكروقراطية) التي تحميهم.
نرى من ذلك تعامل القوميون الشماليون مع تاريخ 1885 وعنفه الثوري المخملي بإنتقائية محضة من خلال ثنائية التزييف والتحريف من خلال التجريم وصناعة الميثولوجيات السياسية والبطولة الأسطورية لأبطالهم المزيفيين Anti-heroism.
بإستثناء مدرسة الشمالي الآخر أو النقد الذاتي Northern Intellctual otherness school التي إبتدرها جعفر محمد علي بخيت 1968 وآخرين من بينهم منصور خالد 1970 ، فإنه لا يوجد مؤرخين شماليين بل تحريفيين Revisionists ، وتعتبر مدرسة جامعة الخرطوم التي أفرزت عشرة أكاديميين تلخصت مهمتهم في تطبيق تكنيك قلب التاريخ وقلب الرواية الكولونيالية لمصلحة القومية الشمالية وانتاج رواية رسمية - مزيفة وتاريخ رسمي Inverted narrative.
رغم أن محمد سعيد القدال صاحب السرد الكونرادي (التأويلي) للتاريخ Conradian narrative من كتابه الذي بمثابة رواية رسمية (الإمام المهدي) كان يسارياً معروفاً الا انه اختار عدم الانضمام إلى بدايات مدرسة الشمالي الآخر أو مدرسة الإختلاف والنقد الذاتي عقلانية التوجه ربما بسبب تكوينه اللاانثربولوجي ، وكان من ضمن التحريفيين العشرة وفي مقدمتهم إلى جانب مكي شبيكة وحسن فضل وقد تتلمذوا جميعاً في مدرسة الإستشراق الانثربولوجي الكولونيالي (مجلة رسائل ومدونات لناشرها وينجت باشا) لكنهم إختاروا مفارقتها.
منذ ذلك التاريخ كان القوميون الشماليون يستخدمون خطاباً مخاتلاً ضد الوحدة (اليونتارية الكولونيالية) إذا كانوا محكومين أو ليست في مصلحتهم ، وفي إستخدام الوحدة القسرية كسلاح لقمع وسحق مقاومة القوميات الاخري في حالة هيمنتهم.
الحقيقة التي لا مجال لإنكارها ، هو أن تمدد المصريين الأتراك أو العثمانيين أبعد من الإقليم الشمالي (نوبيا Beyond Nubia)، إلى البدويت الجنوبية southern badwiet (سنار) وإلى كردفانيا (شمال) kordfania ، كان سبباً حاسماً في تمدين وإلغاء همجية القبيلة.
وكان سبباً في تطويع نظامها الإجتماعي - (القبيلة) للحرب في مجتمعات ماقبل الإستعمار الوطنية ، وان التمدد المصري هو العامل التاريخي الوحيد الذي يمكن أن يخرج الجغرافيا السياسية لسودان وادي النيل (شمال شرق إفريقيا - جغرافية السودان المفيد الميتربولية) من مأزقها التاريخي الذي تجاوز خمسمائة عام من اليأس التاريخي منذ تخريب دولة ألوديا Alodia في سوبا ونظامها آسيوي الإنتاج (1505) بقيادة الاكسوميين العنج الذي إستمر لألف سنة من التاريخ ، في غياب العامل الرئيسي المتمثل في عجز - غياب التأثير الغربي (الأوربي) والثقافة الغربية عن التمدد والتجذر والتأثير (المثاقفة) Europeanization disabilities. في بيئة منخفضة طبوغرافياً (منخفضات الهضبة الإثيوبية) متمسكة بعزلتها الثقافية وعدم قابليتها للمثاقفة والتغريب كشرط ضروري للتحديث الإجتماعي والتطور السياسي من المفاهيم إلى الثقافة.
من المسلمات التي لا داعي لتكرارها هو أن إستعمار القرن التاسع عشر مثل إستيعاباً مدنياً غير متكافئ ، إعتمد منهج الإقطاع الأوربي وطبقاته التي بدأت كثلاثة طبقات وضمت إليها لاحقاً في القرن العشرين حتى الخمسينيات منه طبقة رابعة هجينة عمالية أستقدمت من غرب أفريقيا (الإقطاع الإسلامي).
وان الإشكالية الجوهرية لتلك التجربة الكولونيالية والإقطاعية البرجوازية على نمط الإقطاع الأوربي الذي إستبعد الإثنيات الوطنية أو الأهالي من تكوين الدولة الإستعمارية ومؤسساتها بسبب تخلفهم (نظرية فريدريك لوغارد - الوصاية المزدوجة) ومن تكوين القومية الوطنية (القومية السودانية) في القرن العشرين ، كامنة في إستمراريتها حتى اللحظة وعدم قدرة اي سياسي على إحداث قطيعة معرفية (بتعبير فرانسيس بيكون عن الأوهام الأربعة والأورغانون الجديد) وتجاوز معرفي وثقافي مع تلك الوضعية الكامنة.
عليه كرس القوميون الشماليون الذين صنع الإقطاع الإسلامي وجودهم إلى سطح التاريخ قبل خمسة قرون وفشلوا في كل شيء ، خلال أزيد من 70 عاماً وضعية العزلة لمكونات وادي النيل (إثنيات البدويت الشمالية والجنوبية) كمجتمعات متخلفة تحمل ثقافات منقرضة عن أي تطور خارجي ، ووضعوا قيوداً على التأثير المصري والإثيوبي شمالاً وشرقاً بذريعة التدخل الخارجي رغم دورهم الكمبرادوري عبر التاريخ كرواد للغزو الخارجي ووكلاء محليين له ، وقد تلخص نضالهم الكمبرادوري في العشرينات والثلاثينات من خلال قياداتهم الإقطاعية ولاحقاً البرجوازية ، في منع تطور ونشوء القوميات الوطنية الإقليمية والثقافية الجنينية داخل الأقاليم الأخرى ، في الغرب والجنوب والشرق وأقصى الشمال ، كشرط ضروري لبقاءهم في السلطة وتفوقهم في أدوات الهيمنة والإخضاع.
(2)
الخطاب 2
[مقاومة أصحاب الإمتيازات المضادة (النيوكولونياليات المضادة) منذ 1985 لإستكمال التغيير ]
الخطاب الآخر والسردية الثانية المعادية لأي تغيير سياسي وإجتماعي نحو ثورة وطنية ديموقراطية تقودها طليعة الإثنية السياسية للرزيقات الشمالية والكتلة التاريخية لوحدة إثنيات العطاوة Pan-attawism ، هو خطاب داخل إقليم - مقاطعة دارفور بحدودها البريطانية الموحدة 1916 ، يمثله تحالف نخب السلطنات الإقطاعية الإفريقية الثلاثة المكون من ثلاثة قوميات ثقافية هم مكون وحدة الزغاوة Pan - Zaghawism ومكون وحدة المساليت - المابا Pan Maba-Massalit ومكون قومية الفور Fur nationalism.
قدم هذا التحالف نفسه في 1992 مبكراً على أنه تحالف إفريقاني ضمن سلسلة من التحولات السيكولوجية لنخب السلطنات الإقطاعية الإفريقية التي مثلت مينوبول - مركز إحتكار محلي توزع فيما بينه متناوباً عبر ستة قرون من التاريخ من القرن الخامس عشر حتى 2003 إضطهاد ثلاثة أقليات إعتبرها هامشاً مزدوجاً double periphery تكاتفت مجهودات نخبها الإثنية في حرمانه من أي إعتراف سياسي وإجماع (بول ريكور - الإعتراف بالآخر).
وذهب بعض المتطرفين منهم إلى إنكار اي وجود ثقافي لتلك الأقليات الثلاثة والسعي وراء تغييب وطمس تلك الأقليات الثقافية من خلال سياسة الإستيعاب التاريخية في هوية (الفور) وسياسة الإستيعاب في هوية (الزغاوة).
إفريقيانية هذا التحالف أو المكون العرقي وإرتماوهم في أحضان مشروع جون قرنق هو ردة فعل ، أكثر منه فعل سياسي منظم وموجه لم تترتب عليه بعد 2003 كما كان متوقعاً مُفاصلة الهوية وتحضير الحياة بعيداً عن التعايش غير الدستوري والمواطنة غير التعاقدية (راجع : أبوالقاسم قور 2008).
أيضاً إفريقانية هذا التحالف الثلاثي ، هو هوية تكتيكية (أيدلوجية) لا تاريخية رغم أن إفريقيته حقيقة أنثربولوجية مجردة ، وجزء لا يتجزأ من الخطابات المخاتلة للصراع الإجتماعي ، [إلى جانب حقيقة أخرى أن تلك المجتمعات قبلت الإقطاع الإسلامي في القرن الخامس عشر وتحولاته بما فيها الأسلمة (الإستيعاب الإسلامي) والتعريب (الإستيعاب العرقي والالسني ولو على مستوى الأنساب السياسية Political Genealogy) ].
مثل ذلك جزءاً من سياسة التحدي الإثني ethnic deffiance والقوميات المتنافسة competiting nationalisms ، فرموز هذا التكوين تبنت وحاولت تبني القومية العربية منذ الستينيات : راجع المواجهة بين محمد أحمد المحجوب ضد أحمد إبراهيم دريج في برلمان 1968 ، لكن القوميين الشماليين صادروا منهم هذا الإمتياز.
لذلك أفضل وصف ماجرى في 2003 على أنه ثورة - حركة فرولينا أخرى أو حركة فرولينا شرقية ، أكثر من كونه ثورة ثقافية تفرز مفاصلة هوياتية مكتملة الوجود total social being - partition.
ما يميز هذا الخطاب - خطاب السلطنات الإقطاعية ضد 15 إبريل انه ليس متحايلاً ضد التغيير الإجتماعي والجذري للحرب الأهلية بل خطاب عدواني ومتحرش إجتماعياً Agressive ، خطاب مباشر في عدوانيته وهجوميته مستمد من النزعة الثقافية الهجومية للقوميين من الزغاوة العابرين للحدود Militant trans-nationalism الذين إقترضوا الأدب الهجومي لجون قرنق ومدرسة دار السلام بقيادة القس يوليوس نيريري (مدرسة الإشتراكية الكنسية في شرق إفريقيا) - نهاية التسعينات لكن ليس ضد القومية الشمالية بل ضد وحدة إثنيات العطاوة (العطاويزم) بإعتبارهم عقبة أمام مشروع دولة الزغاوة في شمال تشاد وجنوب ليبيا (إقليم فزان) وشمال مقاطعة دارفور ، الذي جعل منه حسن عبدالله الترابي طموحاً عابراً للخصوصية الإقليمية المحلية ونقل نشاطهم لصالح منظمة الدعوة الإسلامية العالمية وتمويلها الخليجي من تشاد 1986 إلى قلب العاصمة الخرطوم لتصفية حساباته الشخصية مع النخب الكمبرادورية الشمالية علمانية التوجه منذ أن كان طالبا في إرسالية قرية (حنتوب) و إختاره الإستعمار البريطاني كواحد من أنسال البيوتات الدينية التقليدية لعضوية تلك البعثة التي أريد منها صناعة نخبةً الحكم النيوكولونيالي (1947).
إستقوى الترابي في الثمانينات بعد خروجه من السجن 1985 بقومية الزغاوة وعزز من هيمنتهم الإقتصادية والسياسية والعسكرية داخل الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين INF على حساب بقية القوميات والإثنيات السياسية داخل مقاطعة دارفور بحدودها البريطانية وخارجها ضمن سياساته المتهورة والمتطرفة المعروفة بسياسة حافة الهاوية - كإثنية زبونية ضمن ما أسماه حزام الإثنيات الإسلامية الذي يشمل الإثنيات العمالية المهاجرة من غرب إفريقيا (الكنابي) Immigrant Cannabi Labour. وعقيدته الكولونيالية المستمدة من الفلسفة الغربية المسماة بالحتمية الدينية الإسلامية Essentialism doctrine m.
بمجرد إبعاد الترابي 1998 من السلطة حين احس القوميين الشماليين الذين أتوا به إلى السلطة والعمل السياسي بعيد أكتوبر 1964 في الوقت الذي لم يكن عضواً في الإتجاه الإسلامي وليس له حزب سياسي يخترق به المد الثوري لتلك الإنتفاضة المدينية الكمبرادورية (مقابلات شخصية : مع قيادات تاريخية في جبهة الميثاق الإسلامي التي لم تكن حزباً سياسياً بالمعنى الكلاسيكي بل تجمع برلماني لأعضاء في مجموعة من الأحزاب الشمالية يؤمنون بالحل الإسلامي) وفي مقدمتهم عبدالرحيم حمدي وزير المالية الأسبق الذي هندس عملية الإطاحة بالامين العام لجبهة الميثاق القاضي والمستشار الرشيد الطاهر بكر - لمصلحة الترابي.
أحس هؤلاء بالخطر وجهود الترابي الذي يدمن العمل السري وبناء التنظيمات الموازية للإطاحة بالقومية الشمالية لمصلحة هيمنة الزغاوة (الزغاويزم) وإثنيات الستلايت التي قبلت التبعية في مدارهم الثقافي والإجتماعي داخل مقاطعة دارفور. (راجع الإفادات غير المنشورة لموقعي ما عرفت مذكرة العشرة موقعين الذين ادانوا إنفراده بتسيير الجبهة الإسلامية أو سياسة الرجل الأوحد one man show.
إستشعر الإسلاميون والقوميون من الزغاوة على حد سواء أن تلك القرارات بإبعاد الترابي من السلطة تستهدفهم وكان سبباً مهماً في تحوير مسار الصراع في حرب 2003 من حركة إقليمية (حركة تحرير دارفور من العرب الرحل DLM-A) إلى تنظيم سياسي يونتاري غير فيدرالي تحت قيادتهم (JEM) يعارض السلطة المركزية في الخرطوم ويسعى لإستبدالها.
واجهت هيمنة الزغاوة (الزغاويزم) العديد من التحديات داخل مقاطعة دارفور ، من بينها وفي مقدمتها (1) مقاومة قومية الفور Fur لتلك الهيمنة داخل معقلهم التاريخي في مرتفعات جبل مرا Marra highlands التي أدت لإنشقاق عبدالواحد محمد نور والصراع بالأسلحة البيضاء بين إثنيات الفور والزغاوة داخل معسكرات النازحين كلمة وغيرها (راجع تقرير جريدة التلغراف البريطانية 2006) ، (2) مقاومة الإثنيات النوبية تحديداً قومية التنجر في مناطق (شنقل طوباي) ومقاومة قومية المساليت لهيمنتهم التي أدت لإنشقاق احد اهم حلفاءهم رئيس المجلس التشريعي لحركة العدل والمساواة 2006 رفضاً لدخول قوات الحركة إلى مدينة الجنينة وماوصفه بممارساتها في جبل مون ضد (إثنيات التاما) المرتبطة بقوميته.
رداً على ذلك بدأ القوميين الزغاوة سلسلة من الممارسات القمعية لسحق إحتجاجات إثنيات الستلايت وتلفيق تهم لهم بالتعاون مع الحكومة وهذا دليل كافي على السخط ضدهم وإنعدام المشروعية الإجتماعية والتاريخية للثورة التي يقودونها ، تم إعدام وسجن مجموعة كبيرة من ابناء شعب الميدوب النوبي وسجن آخرين في حركة العدل والمساواة Jem وحركة ميني اركو مناوي Slma بسبب القلق الذي إعتور نخب الزغاوة من الدور الطليعي لإثنية الميدوب في الميدان العسكري ، ومماطلة قيادة الحركتين السياسيتين في منح أبناء الميدوب الرتب العسكرية المستحقة كسياسة ممنهجة لتخفيض قيمتهم الإجتماعية ، تمت الإعدامات والتصفيات الجسدية - الميدانية في محاكم صورية بتهم تأكد لاحقاً وأكثر من مرة انها كانت ملفقة ومتحيزة من خلال مذبحة جماعية مشهورة الأمر الذي ترك قطيعة تامة بين القوميتين إعترتها مشاعر الدونية والإزدراء العرقي للميدوب (مقابلات شخصية مع الضحايا وعدد من مثقفي الزغاوة 2020).
وفي ولاية غرب دافور (شعب المساليت والمابا MABA-MASSALIT) التي إعتبرتها نخب الزغاوة حديقة خلفية لهم في الصراع وإحتكرت التفاوض بإسمهم مما أدى إلى رفض هذه الإثنيات لعبت حركة العدل والمساواة دوراً مهماً في التجنيد القسري لأبناء إثنية (الارنقا) وهم فرع منشق من إثنيات التاما Tama والقومية الأم (المابا) ، تم تجنيد أبناء هذه الإثنية قسريا في الحركة وإقتيادهم من معسكرات النزوح إلى الميدان مباشرة (مقابلات شخصية : مع عدد من ممثلي الطرفين 2024) ، ولعبت حركة مني اركوا مناوي دوراً مهماً في تعبئة إثنية التاما في (جبل مون) والزج بهم في صراع مع إثنية الرزيقات من خلال سرقة ماشيتهم إلى تشاد بعد كل تواجد لها.
أدت هذه الممارسات مجتمعة إلى رفض إثنيات المساليت والمابا - لاتفاق سلام جوبا 2020 ومقاومته بإعتباره ثمرة نهائية لحصيلة هيمنة الزغاوة منذ 1985 خلال نحو أربعين عاما ومشروع نخبتهم ، مما أدى لمجموعة من الصدامات الساخنة لتقويض الإتفاق والإهتزازات في الإستقرار السياسي بالولاية الإقليمية.
تجتمع تلك الشواهد على إنهيار وتداعي التمثلات الإجتماعية لوحدة القومية الإفريقية (السوداء) وتعبئتها السياسية Political mobilization تحت هيمنة الزغاوة (الزغاويزم) إلى ثلاثة مركزيات إثنية هي الزغاويزم / الفوريزم / مساليتيزم. دون أن تتعداها إلى خطاب حقيقي يؤمن بتعددية أو تعدد المركزيات الإثنية على الشمول ، إلي تمثلات إجتماعية جديدة ومفاهيم مركزية (themes) نحو الإعتراف التاريخي بسيادة جميع القوميات الثقافية أو بتعددية السيادة الإجتماعية لكل الإثنيات (الحق في الكينونة).
خلفية موجزة عن تشكل الجنوب الجديد 1964
كانت إنتفاضة أكتوبر 1964 (النقابية) ، كثورة برجوازية إقطاعية أو ميتربولية كمبرادورية داخل المركز (المونوبول) ، داخل القومية الشمالية (صراعولوجيا إنقسام نخبوي داخلي Conflictology) حول الحكم العسكري (البريتورياني) .. إيذانا مهماً بإنقسام الشمال الكبير أو الشمال الواحد Greater North إنقساماً مدنياً في مواجهة الجنوب (غير المعرب - غير المسلم).
إنقسام الشمال الكبير إلى (غرب) - تقود مديرياته الثلاثة [كردفانيا / جبال النوبا / دارفور] نخب السلطنات الإقطاعية الدارفورية ، وإلى (شرق) تقوده النخب الشمالية (مؤسسة الجلابة الكمبرادورية).
تم ذلك الإنقسام المجالي - الإجتماعي بإيعاز من الجناح اليساري للقوميين الشماليين والأنتلجنتسيا العقلانية منهم (القاعدة الصلبة لمدرسة النقد الذاتي أو الشمالي الآخر otherness school) ، وما كان ليتحقق بدون سماحهم بذلك نظراً لقبضتهم الحديدية على الدولة . كجزء من المهمة (المدنية) في تقسيم الأعباء والعمل social burden لا أكثر.
بإيعاز من الجناح اليساري للقوميين الشماليين ، تم تأسيس (إتحاد قوى الريف) Rural Forces Union ، كسياق إقليمي و هيكل فيدرالي لتعبئة وتنظيم عدد من الإثنيات السياسية والقوميات الثقافية والأقاليم.
من تلك الإتحادات الريفية ( الإقليمية) و (الإثنية) ، إتحاد دار حمر / إتحاد المسيرية / إتحاد جبال النوبا / إتحاد جنوب الفونج / جبهة نهضة دارفور.
إضافة إلى إتحادات مزارعي الجزيرة وجنوب النيل الأبيض في الخمسينيات ، سبق كل هؤلاء في الأربعينات من القرن العشرين هيكل (مؤتمر البجا) الفيدرالي Beja Congress.
بعض تلك المسميات تحول إلى أحزاب سياسية مسجلة في فترات لاحقة.
كل تلك المسميات صاغها الجناح اليساري من القوميين الشماليين أو الأنتلجنتسيا العقلانية منهم بأنفسهم ناجحاً لتصورهم الأنثربولوجي للآخر ، وقد تم تصنيف ذلك التوجه من قبل الجناح اليميني والإقطاعي للقوميين الشماليين كأيدلوجيا أو عقيدة إقليمية من اليسار الشمالي لتعبئة وتنظيم الهامش (الريفي) insidecountry ، اي peripheral doctrine عقيدة شد أطراف ، عارضوه بشدة وانتخبوا لاحقاً في السبعينات إتجاه الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين وأولغارشيتها متعددة الجنسيات لمواجهته والتخلص منه داخل نظام مايو الذي تبلورت رؤيته من داخل ثورة أكتوبر 1964 ، بعد المصالحة بين القوميين الشماليين 1977.
[راجع المواقف المتطرفة للجبهة الوطنية للقوميين الشماليين بقيادة حسين الهندي في المنفى من تلك التحولات الإقليمية ومن ضرورة إلغاء اتفاق السلام مع الجنوبيين - إتفاق أديس أبابا 1972.
وتلك المواقف المتطرفة هي الأساس اللاحق لتصورات الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين من مسألة الهامش والمركز - وضرورة إلغاء التناقضات الثقافية من خلال إستيعاب قسري غير متكافئ وتصفية الصراع الإجتماعي بالقوة لذا أنتجوا أيدلوجية الحل النهائي النازية Final solution المتمثلة في التعريب الشامل وإعادة الأسلمة].
إشكاليات وأزمات الجنوب الجديد
من كرونولوجيا التكوين الجنيني إلى توليد النظرية
1. سقوط أسطورة القومية الإفريقية في دارفور
لا تخفي نخب الزغاوة (الزغاويزم) مثلاً طبيعة مشروع هيمنة الزغاوة المتعدية intracommunal supermacy ، الذي ليس مشروعاً فيدرالياً إثنياً (كما هو تحالف وحدة العطاوة مثلاً) ويدافعون علناً عن مشروعية الإستعمار الداخلي من خلال سلسلة من التبريرات البرجوازية لسلوك هاته الهيمنة في مساومات 2006 وذروتها في تفاوض نخبهم عن قضايا الإثنيات الأخرى المتنافسة والتابعة (إثنيات الستلايت satellite ethnicities التابعة والمنقسمة في تبعيتها تأريخياً بين مدار هيمنة الزغاوة والفور) ولا تسمح لهم بالجلوس تفاوضياً مع الآخر (الشمالي) خلال ماسمي وثيقة سلام جوبا الذي تبجح بعضهم بأنه إتفاق إمتيازات عرقي خاص بالإثنيات التي تحمل السلاح وهم بشكل أساسي الزغاوة والفور وأخيراً المساليت وليس لرفع التهميش عن الإثنيات في مقاطعة دارفور.
منذ عام 1987 وقبل ذلك بكثير وجدت نخب السلطنات الإقطاعية الإفريقية الثلاثة في خطاب جون قرنق التدميري (مستوطنين ضد أهالي) ضالتها ضد مكونات الهامش المزدوج وهم المكونات العربية (بمن فيهم البقارة أو الشوا Shawa العطاوة والفولان - الفولبي) والمكونات النوبية الاربعة (التنجور والبرتي والميدوب والبيرقد بالإضافة للداجو جنوباً) ومكون البانتو (الفرتيت) Bantu الذين يتوزع إنتشارهم خارج مقاطعتهم التاريخية في (صونغو - وادي الردوم).
في تلك اللحظة رفض رئيس وزراء الإقليم الذي كان ينحدر من السلطنات الإقطاعية (تيجاني سيسي) الجلوس مع تنسيقية التجمع العربي وقراءة مذكرتهم السلمية المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وبتمثيلهم بنسبة 40 % من مناصب الإقليم.
تعرض ممثلي إثنيات العطاوة (تنسيقية التجمع العربي) لتنمر يسار القوميين الشماليين الذين أرادوا منهم الإستمرار في قبول هيمنة المكونات الإفريقية منذ قرون. بنفس تلك المحولات التاريخية القديمة ومن خلال سردية جديدة كحكام جدد لشعوب الإقليم الغربي المتعددة يجب تقبل هيمنتهم تحت عنوان إخترعه اليساريون الشماليين (من يحكم الجغرافيا X؟ أو من يحكم الهامش؟ ) نخبة الخرطوم الكمبرادورية طبعاً هي من يحدد من يحكم جغرافيات الهامش أو جغرافيات التهديد في وجهة نظرها ، وهو الأمر الذي رفضه ممثلي العطاوة.
بدأ الشيوعيين الشماليين هجماتهم ضد الإثنيات السياسية للعطاوة في أعقاب ذلك 1987 ، خصوصاً منهم مدرسي العلوم الإجتماعية في جامعة الخرطوم ، كتاب ماعرف بإسم كتاب مذبحة الضعين (سليمان بلدو وعشاري محمد خليل) التي كانت أول خدمة يقدمها الشيوعيين الشماليين لخدمة جون قرنق وخطاب مجلس الكنائس الإفريقي في الغرب الذي يبحث عن ضحية يجسدون من خلالها سردية المبشرين الأفارقة ومظلومية الجنوبيين بدلا من تحميلها إلى مسؤولية الدولة في الخرطوم ، وقد قام الشيوعيين الشماليين بصك مصطلح - (الجنجويد) ضد شعب العطاوة في تلك اللحظات ولتبرير جرائم الدينكا (جينق) وعنف جون قرنق ضد القوميات الثقافية المنافسة لإثنيته والصراع الإجتماعي داخل الجنوب قبل أن تفضحهم حروب الدينكا والنوير التاريخية في التسعينات التي قوضت خطاب الحركة الشعبية التي قامت بتصفية رئيس أركانها المؤسس الجنرال وليم نون (المنحدر من النوير) في تلك الملابسات.
خطاب الشيوعيين الشماليين ضد شعب العطاوة في الثمانينات يذكرني دائماً بنادرة يذكرها الصوماليون للوزير السابق والمثقف دكتور منصور خالد الذي قاوم وجود الصومال في جامعة الدول العربية في الستينيات ، موقفه ذلك موثق صوتاً وصورة.
المهم أن الخطاب والنضال الطبقي الأساسي لنخب السلطنات الإقطاعية التلاثة ، لم يكن ضد هيمنة القومية الشمالية في المونوبول ، بل من أجل تكريس وضع الإستعمار الداخلي للهامش المزدوج (الداخلي) ومن أجل تجريد إثنياته من كل أسباب القوة.
وهي مسألة تقدح في ستراتيجية الشيوعيين الشماليين عن أسطورة الهامش peripheral doctrines ، فلم يكن كفاح الهامش في الغرب ولا الشرق حالياً ولا الجنوب سابقاً - إلا كفاحاً طبقياً ضد إثنيات غير معترف بها محلياً ، التقريت (بني عامر) Tigre ضد الهدندوة والعكس ، الدينكا ضد النوير والإستوائيين ، جبال النوبا الشرقية والغربية ضد الحوازمة والعكس ، والانقسنا Gaahmg ضد البرثا bertha والعكس.
2. تحدي الكوكرا إعادة هيكلة الهامش
الكوكرا لجوزيف لاقو.. السيادة لكل القوميات الثقافية أو ويستفاليا الإفريقية
إقترح اللواء جوزيف لاقو 1980 نائب الرئيس السابق والمثقف الجنوبي وقائد حركة انانيا 1 ، حلاً جذرياً لهذه المعضلة من خلال فدرلة عادلة للهامش ، من خلال صيغة برويسترويكا محلية (إعادة هيكلة فدرالية) ، أسماها (الكوكرا Kokora ) مُقترضاً من لغة الباريا Bari للإشارة إلى عملية لامركزة مكتملة أو تفويض منظمة للسلطة والثروة الممركزة في يد مجموعات بعينها decentralisation - devoultion of power ، على غرار ميليس زيناوي في إثيوبيا لاحقاً وجوزيف تيتو في الإتحاد اليوغسلافي وجوزيف ستالين في الإتحاد السوفياتي وفي دول الإمبراطورية المجرية النمساوية داخل أوربا الشرقية والوسطى الإشتراكية بما فيها تجربة رومانيا مع التنوع والإختلاف الإثنوثقافي ، سماها جوزيف لاقو سياسة الكوكرا.
3. تنافس الهمجيات المصطرعة داخل الهامش
كانت هذه الخلفية التاريخية مهمة لفهم تحالف القوميين الزغاوة الاخير (2024) مع القوميين الشماليين ومتطرفي دولة 1956 داخل مؤسسة الجلابة - الكمبرادورية بأثر رجعي وتبريري ، بعد مرور عام من حرب 15 إبريل 2023 وإعلانهم تخليهم عن الحياد السياسي في الحرب بذريعة الإنتهاكات الحقوقية والدفاع عن تجمعاتهم في مدينة الفاشر ، وهو خطاب تكتيكي مخاتل ناقض لتحالفهم التكتيكي السابق مع قوة الدعم السريع وعائلته السياسية بقيادة محمد حمدان دقلو الذي أثمر لمصلحتهم وثيقة الإمتيازات العرقية المسماة سلام جوبا التي لم تكون أكثر من رشوة زبونية من المجلس العسكري الإنتقالي في الخرطوم 2020.
وهو تحالف مرتبط بظروف حرب 15 إبريل الجارية موجه ضد الجناح اليساري من القومية الشمالية أكثر مما هو موجه ضد الإثنية السياسية لقوة الدعم السريع ، سبقهم إليه القوميين من المساليت بقيادة خميس عبدالله أبكر (2020) الرافضين لوثيقة سلام جوبا التي حملتهم إلى السلطة ، والذي إعتقد أن تحالفه مع الجيش الشمالي فرصة تاريخية لتنفيذ الحل النهائي بالتخلص من وجود الإثنيات العربية والرزيقات الشمالية في ولاية غرب دارفور الإقليمية من خلال حوادث تطهير عرقي مسنودة من القيادات الإجتماعية والشبابية للإثنية ومسكوت عنها من الدولة.
تكرر الأمر نفسه (2020) بتحالف القوميين من إثنية جبال النوبا الغربية بقيادة كافي طيار وجاو ونيس قائد كتيبة الإستطلاع في الجيش الحكومي منذ التسعينات ومبارك اردول مع مؤسسات دولة 1956 ضد الكتلة التاريخية لقوة الدعم السريع في إقليمهم إثنية الحوازمة. وهي الأحداث المتناسقة التي مهدت لحرب 15 إبريل 2023.
**
بالعودة إلى تاريخ 2005 و 2006 على التوالي تعاملت الإثنيات الوطنية المستبعدة من تكوين دولة 1820 و جمهورية 1956 بتسامح مع فكرة (المركزية الإثنية الجديدة) بمحتوى عرقي مختلف عن القومية الشمالية ، ولم تمتلك وعياً سياسياً أو ثقافياً حول أهمية تعدد المركزيات الإثنية Ethnocentrisms كضمانة دستورية وتعاقدية إجتماعية مهمة لصون وحراسة التعددية الثقافية Multiculturalism في أي نظام سياسي وأي نظام قانوني جديد. إلا أن تجربتها الإجتماعية مع هيمنة الدينكا (جينقيزم) في الإقليم الجنوبي وهيمنة الزغاوة (الزغاويزم) في الإقليم الغربي لم تكن جيدة ولم تنفع معها كل محاولات المعالجات الخطابية - الإرتجالية والتبسيطية في تسطيح الصراع الإجتماعي وإعادة إنتاج الهمجيات المصطرعة لمصلحة مكونات إثنية سياسية تزعم التفوق العرقي وتسعى إليه من خلال توظيف الصراع ، ولديها جوع للهيمنة والسلطة ونزعة نيوكولونيالية عارمة.
لقد تعلم الكثيرون أن عملية فدرلة الإقليم Federalisation إلى مكوناته التاريخية المعروفة في الحدود البريطانية 1916 إلى خمسة مكونات متجانسة ثقافياً ، من خلال إعادة هيكلة (بروسترويكا محلية) وعملية (كوكرا) حقيقية لا مزيفة بتعبير جوزيف لاقو ، على غرار النموذج الإثيوبي والسوفياتي واليوغسلافي الذي كانوا يسمونه في الماضي (البلقنة) Balkanization وقد قال اول شخص رفضه رئيس زائير السابق جوزيف كابيلا (لقد رفضنا فعلاً مشروع بلقنة الكونغو الديمقراطية كحل للصراع ، ولكننا فعلنا ذلك من غير عمق (وعي).
[We inevitably rejected this subject in various ways but not in depth.]
رفض الصوماليون الجنوبيون رؤية ميليس زيناوي 2009 لفدرلة الصومال الإيطالي كحل لصراعاته والإنخراط السريع في الإستقرار والتنمية ، لكنهم واجهوا شجاعة لم يتوقعونها من المكونات المعنية التي إستلهمت النموذج الإثيوبي وجذوره في أوربا الشرقية مابعد إمبراطورية آل هابسبورغ المجرية النمساوية - في فدرلة الصومال الإيطالي خلال الفترة الإنتقالية وإمتثلوا لذلك.
**
4.تحدي وتنافس النماذج البدئية خارج الهامش
واجهت نظرية - مشكلة الهامش Peripheralization منذ بلورتها في 1964 وإن سبق تأسيسها إلى الأربعينيات ، وأزمة الهامش المزدوج Double Peripheralization في التسعينيات (حرب الدينكا والنوير ، وإن كانت جذورها سابقة في الخمسينيات من خلال الصراع بين التقريت / بني عامر Tigre والتبداويت badwiet).
واجهت النظرية والقضية تحدي تنافس النماذج البدئية prototypes أو primary types للإقطاعي الشمالي أو الإقطاعيين الشماليين داخل الجيش وخارجه ، على سحق الهامش وإبادة الإثنيات الوطنية المتنافسة Competiting Nationalisms لهيمنة وإنفراد القومية الشمالية.
وصل الإقطاعيين الشماليين إلى قناعة يعقوبية Jacobian بالإجماع إلى أن سقف قضية الهامش ليس إقليمياً بل وطنياً أو مركزياً (طموحات غير فيدرالية) ، لهذا لابد من سحق نمو القوميات الثقافية المتعددة والمتنافسة.
مثل إبراهيم عبود في إبادته للجنوبين 1958 النموذج البدئي رقم واحد number one للإقطاعي الشمالي ، الذي جسده الزبير باشا رحمة في تدمير مجتمع البانتو bantu وفضل الله رابح في تدمير مجتمع الكانوري borno في القرن التاسع عشر (راجع خطاب زعيم إثنية الزاندي Azande السيد أقري جادين إلى عبدالخالق محجوب).
وعلى خطى المجرم المؤسس (عبود) ، ظهرت النماذج البدئية المعبرة عن اللاوعي الجمعي الإقطاعي والكمبرادوري الشمالي [راجع : كارل غوستاف يونغ] ونزعتهم النازية والفاشية ، عمر البشير 1989 والثنائي عبدالفتاح البرهان وياسر العطا 2023.
والحقيقة أن المدنيين الشماليين أو المتقمصين للقومية الشمالية و روح الإقطاع الشمالي كانوا أكثر عنفاً ودموية من العسكريين ، من لدن إسماعيل الأزهري صاحب مذبحة جودة 1956 ومحمد أحمد المحجوب صاحب سلسلة من المذابح في الجنوب في الستينيات وعبدالرحمن نقد الله (تصفية القائد الجنوبي وليم دين وإغتيال المعلم السراج على طريقة خاشقجي) وعلى عثمان محمد طه إلخ. هؤلاء لم يكونوا أمنيين (سيكروقراط) بل ساسة مدنيين أشد عنفاً وإرهابا.
يتنافس هؤلاء ويمثلون عقلية الحروب الدائمة للإقطاعي الشمالي أو الجلابي في السلطة Permanent wars ، لتكريس الهيمنة المركزية والإستعلاء القومي.
على عكس إقتباس ماركس عن نابليون ، فإن هؤلاء كانوا محض إرهابيين أو إرهابيي دولة (حالمين ومتواضعي القدرات الذهنية منفصلين عن الواقع : راجع عن شخصية عمر البشير كتابات فتحي الضو).
هذه النماذج البدئية تقاوم شخصية صانع السلام داخل القومية الشمالية وتمنع بلورتها وصعودها إلى القيادة وبالتالي تحول دون تحقق سلام حقيقي ومستقبل سلمي أو إنتقال سلمي للسلطة من القومية الشمالية في الأجيال القادمة.
5. الكوكرا أو توطين البيريسترويكا نظرية الجنوب الجديد
مثلت نظرية أو خطاب الكوكرا kokora لجوزيف لاقو 1980 ، توليدا دلاليا لمفهوم الجنوب الجديد الرمزي ، الجنوب دائماً هو الهامش ، كخطاب نقد ذاتي مؤسس للحوارية dialougism بدلا عن ستراتيجية الهيمنة المضادة counter hegemony التي تفرز المركزية الإثنية البديلة للإستعمار الداخلي أو ماتعرف بقومية الأغلبية Majority nationalism التي قامت عليها عقيدة الإستعمار الجديد في قاموس العلاقات الدولية.
فبدلاً عن التفاوض (المساومة السياسية) مع المونوبول والقومية الشمالية للإعتراف بالهامش ، وتقديراً للتفاوتات الهيكلية للتنظيمات الإجتماعية للإثنيات الوطنية السياسية المختلفة منها أو البدائية التي يمكن أن تنتج إستعمارا داخلياً جديداً على نحو ما حصل في جنوب السودان 2011 ، يتوجب صياغة خريطة لإعادة هيكلة الهامش والهامش المزدوج في الريف.. لإعادة هيكلة الريف وتجنيد إثنياته mobilization على أسس فدرالية عادلة أو بتعبير مختصر فدرلة أمم الهامش Federalization على نحو ماتم في الإتحاد السوفياتي مستلهما من التجربة النمساوية وتلاه في دول أوربا الشرقية من بينها يوغسلافيا وتلاه القرن الإفريقي 1991 في إثيوبيا ميليس زيناوي وحتى إريتريا إسياس افورقي التي يشبه تنظيمها للإثنيات المتعددة (تسعة إثنيات) في بلد صغير تجربة رومانيا الإشتراكية.
أساساً لتحولات إجتماعية وتنموية متكافئة في مجتمعات تعددية وإنقسامية بتعبير إيفانز بريتشارد عن أنثربولوجيا النوير Nuer. وسلام داخلي مستدام لن يخلوا من التحديات التي تواجهها العبقرية السياسية والتوليدية الدلالية للأفكار.
بدلاً عن التفاوض مع المونوبول والقومية الشمالية على منح السيادة Sovereignty لإثنية مسلحة منتصرة في الصراع الإجتماعي ، منحها السيادة على الهامش الريفي لتصبح مركزيتها الإثنية مركزاً إحتكار اخر للسلطة (مونوبول) كما هو في وثيقة سلام جوبا 2020 كرشوة سياسية تؤسس لإستعمار جديد لا مساومة سياسية مكتملة الوجود الهوياتي والتمثيل الإجتماعي ، هناك حاجة لصيغة هيكلة تصيغ عقداً إجتماعياً يعترف للإثنيات الثقافية بسيادتها ضمن حدودها الإقليمية (العقارية) Titular citizenship وللاقليات غير العقارية non Titular citizenship بحقها الوجودي وخصوصيتها الثقافية ، بما يحقق شرعية تمثيلية de jure تتجاوز شرعيات الأمر الواقع ، تحقق تعددية المركزيات الإثنية وتعدد السيادة بدلاً عن إحتكارها مستلهماً من مبدأ ويستفاليا Sovereignty For All ، وهو المعنى الضمني لفدرلة متعددة القوميات حقيقية ومتكافئة لا مزيفة.
إنتاجات الجنوب الجديد والقديم
1. حرب 15 إبريل وتنافس الهمجيات المصطرعة
(1)
من هي الهمجيات المصطرعة على دولة مابعد الإستعمار؟
حدد المثقف والأكاديمي الشمالي هشام عمر النور ، توجه (السودان الجديد) New Sudan البرنامج الأيدلوجي للحرب الأهلية الواسعة للقوميين الجنوبيين 1983 المعرفة (أنانيا 2) أو الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM ، كواحد من برامج الهمجيات المصطرعة علي وراثة - إعادة إنتاج الهيمنة في دولة مابعد الإستعمار 1956، من خلال (حرب ثقافية) Cultural War مرافقة لكفاح طبقي مسلح تنتهي بتغيير المحتوى العرقي للهيمنة Racial composition.
الحقيقة أن الخطاب الذي أدلى به هشام عمر النور مثل توفيقاً منهجياً وموضوعياً في التوصيف السيسيولوجي لفلسفة الحرب الأهلية منذ 1955.
لكنه أهمل مسألة مهمة هي أن القومية الشمالية ، التي تأسست انثربولجياً في القرن السادس عشر الميلادي (سياقات الإقطاع الإسلامي 1505) من خلال تدمير دولة - سوبا (Alodia) بنخبتها السلالية التغراوية (الاكسوميين العنج) ونمط إنتاجها الآسيوي ، لتمثل رمزياً خمسة قرون من يأس الإقطاع الإسلامي أو من اليأس التاريخي لمدرسة - نهج الإقطاع الإسلامي (بإستعارة تعبير زعيم الخمير الحُمر في كمبوديا).
تأسست أو أعيد تأسيسها سياسياً في القرن التاسع عشر كطبقة حكم كمبرادورية موازية - [في نظام الإقطاع الأوربي الذي إستبعد الإثنيات الوطنية من تكوين دولة 1820 الكولونيالية والإقطاعية البرجوازية ، على نمط الإقطاعيات الاوربية في أمريكا اللاتينية والهند الصينية والفارسية (الآرية) التي يحميها جيش بريتورياني Praetorian Regime : راجع المناضل الإجتماعي من طبقة المستوطنين في الجزائر الفرنسية إسماعيل أوربان].
أن تلك القومية الشمالية بوضعيتها السيسيوتاريخية والإقتصادية المزدوجة (كطبقة حكم) هي من مخلفات الإستعمار - التي يتوجب إلغائها National disabilities.
إلغاء مخلفات الإستعمار يكون من خلال تصفية الإزدواج السيسيوتاريخي والإقتصادي (البرجوازية الإقطاعية) ، وإعادة تأهيلها وتعريفها أنثربولوجياً كقومية ثقافية فرعية (ضمن هوية البدويت التاريخية) ، وسيسيولوجياً كإثنية سياسية تتمتع بالإستقلال الذاتي Autonomy في حدودها الإقليمية.
(2)
القوميات الثقافية تهزم القومية الإقليمية
جينقيزم Jiengism - (هيمنة الدينكا) كهزيمة لفاشية القومية الجنوبية المضادة (أيدلوجية الزنوجة) ؟
إستعارة جون قرنق (الإثنية السياسية للدينكا - جينق) والقوميين الجنوبيين المتطرفين (الإستوائيين) Pan Equatorian Ethnicities ، لأدب مدرسة دار السلام (الإشتراكية الكنسية في شرق إفريقيا - القس يوليوس نيريري) ، والأيدلوجيا الإفريقيانية Pan africanism ، مثّل ردة فعل مقاومة بشهادة المفكر الجنوبي من إثنية (جينق) فرانسيس دينق : الرؤى المتنازعة.
اي أنها بمثابة فاشية مضادة لفاشية القومية الشمالية (التي تبنت الهوية التكتيكية للايدلوجيا العروبية - القومية العموم العربية Pan Arabism).
من أفضل التحليلات الإجتماعية الناقدة للهويات التكتيكية (الأيدلوجيات الشاملة Full Ideology أو القوميات العمومية Pan nationalisms) كجزء من من ديناميات إخترع التقاليد مابعد الإستعمارية و إنتاج الهيمنات الإجتماعية ، كالقومية الإفريقيانية أو القومية الآسيوية أو القومية العربية إلخ ، ما كتبه المفكر الزائيري (ف. موديمبي ) V. Y. Mudimbe.
مقالة موديمبي الموسومة [إختراع إفريقيا وأمريكا اللاتينية.. أفضل السبل إلى الوحدة الإفريقية والأمريكولاتينية] ، وعلى ذات خطاه نسج أستاذ التاريخ المشارك (مايكل غوبات) Micheal gobat أطروحة كتابه [إختراع أمريكا اللاتينية - تاريخ إنتقالي للديمقراطية المعادية للإمبريالية والعرق].
وهناك كتابات عديدة (مثلا مايكل ليفر Michael Leifer) لا يتسع المجال لذكرها عن مأزق (القومية الآسيوية) Pan Asianism كواجهة إمبريالية للقومية اليابانية والقوميين اليابانيين.
هناك كتاب آخر لهاني الديك عن ملابسات تشكل القومية العربية Pan arabism ، كواجهة لهيمنة القومية الدمشقية والدمشقيين على المشرق البيزنطي القديم المشرق العثماني اللاحق في سياق الصراع مع القومية الحلبية Alpeo واللبنانيين (المارونيين).
(3)
القوميات الثقافية تهزم فاشية القومية الشاملة
العطاويزم (وحدة إثنيات العطاوة) كترياق وهزيمة لفاشية القومية الشمالية (أيدلوجية القومية العموم العربية) ؟
الشرعية التاريخية للقومية الشمالية منذ الستينيات كانت هي حماية الإثنيات العربية والمسلمة من هيمنة القومية الإفريقية وعملية التنصير Christianization ، ونقض هذه السردية من خلال ممارسات الهيمنة والإزدراء والتهميش marginalization قاد إلى تشكل الجنوب الجديد داخل الشمال الكبير الذي تفاوضت القومية الشمالية بالنيابة عنه مع الإدارة البريطانية في 1954.
تدخلت القومية الشمالية في الصراع ضد الجنوبيين إنطلاقاً من هذه السردية (سردية أمننة) التي لم يسعى جون قرنق إطلاقاً لتبديدها بل تأكيدها. وقد كانت مخاوف المسلمين الجنوبيين من جون قرنق الذين كان يصفهم اتباعه بالموندكورو (المسمى المحلي للكمبرادور) أكبر من مخاوف المسلمين الشماليين منه.
في التفاوض مع جون قرنق كممثل للقومية الجنوبية 2005 تخلى القوميين الشماليين عن مسلمي الجنوب ولم يشركوهم في المفاوضات كقوات شعبية صديقة Friendly Forces. لم يشركوا أيضاً ممثلي إثنيات التماس (أو التمازج في سردية أتباع جون قرنق لاحقاً).
في التفاوض مع الحركات المسلحة لإثنية الزغاوة السياسية 2006 كممثل للقومية الإقليمية (حركة تحرير السودان في دارفور) في مقاطعة دارفور بحدودها البريطانية الموحدة ، أيضاً لم يشرك القوميون الشماليين بقيادة طاقم مجذوب الخليفة التفاوضي ، ممثلي إثنيات العطاوة كقوات مسلحة صديقة لديها مخاوف أمننة جعلتها تشترك في الصراع وتدافع عن ماشيتها التي كان ينهبها مسلحي الثورة الإفريقية (القوميون الأفارقة في دارفور) الذين جيروا خطابهم لإلغاء وجودها وإعتداءاتهم على أراضيها في جنوب الإقليم (فرولينا 2).
من الغرائب أن القومية الشمالية في حرب 15 إبريل 2023 تبنت خطاب القومية الإفريقية ضد مجتمعات العطاوة وضد الثورة السياسية لوحدة إثنيات العطاوة وضد قوة الدعم السريع وعائلته السياسية ، التي أصبحوا يقترضون لمصلحتهم في الصراع من قاموس الحركة الشعبية (القوميين الإفريقانيين) صفة (عرب الشتات) أو diasapora Arabs أو خطاب جون قرنق عن (المستوطنين العرب) settlers لتجريدهم من المواطنة.
حين أن القومية الشمالية التي استخدمت تأريخياً القومية العربية كسلاح ستراتيجي فرق تسد divide and rule والتي كانت تعتبر نصرة الوجود العربي في إفريقيا قضيتها .. استشعرت من حركة وحدة إثنيات العطاوة تجريدها من مشروعيتها الأيدلوجية والإجتماعية وأصبحت تتحالف مع حركات إفريقية متطرفة تأريخياً كالقوميين الزغاوة والمساليت ومع دعاة الكراهية ضد كل ماهو عربي Arabphopia.
اعتبر هؤلاء القوميين الأفارقة سابقاً أن الإنقلاب الزبوني أو المفاصلة الزبونية للقوميين الشماليين والقومية الشمالية ضد (العروبة) الثقافية والايدلوجية على حد سواء مكسب تاريخي يخلصهم من عبئ المواجهة مع المركز.
لكن عربفوبيا الجلابة أو القومية الشمالية ليست جديدة فقد كانت لدى القوى الكمبرادورية الشمالية مخاوفهم من وجود وانتشار الجالية اليمنية وتأثيرها التجاري في الخمسينيات وقد طالب برلمان 1954 بطرد اليمنيين والنيجريين (الهوسا) من البلاد وإستعادة الرق.
[محاضر برلمان 1954 : مداخلة النائب عن دائرة مديرية النيل الأبيض ابوالأسد وآخرين].
(4)
إصطراع التمثلات الإجتماعية
الإصطراع على تأويل السودانوية وإعادة تعريف القومية السودانية
- من هو الشعب السوداني؟
في كتابه حوار مع الصفوة (الشمالية) إنتهى عضو مدرسة الشمالي الآخر أو النقد الذاتي منصور خالد 1969 إلى أن مصطلح الشعب السوداني يقصدون به دلاليا وفي تمثلاتهم الإجتماعية (النخبة).
بتفعيل الإستراتيجية القرائية نجد أن مصطلح السودانوية Sudanism في خطاب جون قرنق وتلاميذته في القومية الجنوبية ، يقصدون به دلالياً مفهوم (الزنوجة) negrotitude المركزي في خطابهم الفلسفي ومشروعيتهم الإجتماعية.
مصطلح الشعب السوداني في الإستراتيجية القرائية لخطاب النخب الدارفورية بإنقساماتها الإثنية الثقافية المختلفة ، يقصدون به الهامش الريفي في غربي السودان الأنغلو مصري 1898 المستبعدة مكوناته من تكوين الدولة والقومية الوطنية ، دون أن يشمل في إزدواجيات وعيهم السياسي والجوهري (Essential ) مجتمعات السودان المفيد الميتربولية المعرفة لاحقا كمثلث حمدي. أو خصوصية الإثنيات الشمالية ومفارقاتها الطبقية والسيسيوإقتصادية.
إذن هناك دوامة من المغالطات وعنف التمثلات الإجتماعية لمفهوم وهوية الشعب السوداني المفترضة. وتلك واحدة من التباسات العقل السياسي المهمش أو العقل السياسي للمهمشين في الصراع الإجتماعي المسلح.
ليس هناك شعب سوداني واحد بل شعوب سودانية متفاوتة هيكليا في فروقاتها الثقافية والإجتماعية وتطلعاتها السياسية. لهذا هناك إنقسام دائم حول التغيير والتحديث الإجتماعي منذ 1874 وتصفية شارلس غوردون ذبحاً مرورا بكافة التجارب السياسية.
محاولة إخضاع هذه التناقضات بالقوة أو لصالح وعي مجتمعي وسياسي واحد هو واحد من ديناميات وميكانيزمات تأزيم الصراع في حرب 15 إبريل 2023 وقبلها وبعدها.
**
2. من مستقبل السودان الجديد إلى الجنوب الجديد
يمثل الجنوب القديم Old South مجتمعات التركة الكولونيالية التي إعتبرت تاريخ جمهورية 1956 تاريخ مقاومة لها.
وقد وصل هذا المسار إلى إستحالة منطقية وتاريخية وسياسية للتعايش الطبيعي والدستوري (الإندماج).
بينما الجنوب الجديد أو مجتمعات التركة النيوكولونيالية في غرب السودان خصوصاً التي تأخر إرتباطها الإستعماري مرتين 1874 و 1916 سيكون لها مسار آخر مختلف.
في ثنيات هذه الإحالة للتاريخ لابد من الإشارة إلى أن البريطانيين وعدوا مكونات البجا الشمالية 1945 بدولة مستقلة أو تقرير مصير عن دولة القومية الشمالية اللاحقة في الخرطوم.
العلاقة المأزومة للشمال بكل محمولات الهيمنة (جغرافية الخوف وإنتاج العنف ) Fear geography مع الجنوب القديم (جغرافيات التهديد وإنتاج المقاومة ) التي وصلت إلى المسار التراكمي في إنفصال 2011 كتعبير عن التمسك بسياسة العزل العنصري و هيمنة الأقلية segregation. هي مسطرة (عينة) لمازق القومية الشمالية الذي هو مأزق الجنوب الجديد New South معاكساً.
فبدون علاقة تفاعلية وإستجابة سياسية او توطين للحوارية (النزعة الحوارية أو التفاوضية) ، بتعبير آخر توطين المساومة السياسية الوطنية Political negotiating بدلاً عن توطين الخوف Fear Indigenization. لا يمكن إنجاز تحول سياسي تأسيسي تاريخي.
إحتماء القومية الشمالية بالجيش البريتورياني وبالإقطاعيين الشماليين ملوك المجازر وأجراء الحرب بالباطن Subwariors من الإثنيات الأخرى المنافسة لوحدة إثنيات العطاوة أو الكارهة والمتحدية لهم ، ضد القوميات الأخرى إقليمية وثقافية لن يجلب لهم الأمن أو معادلة الإستقرار المتوسط ولا القريب ، ولن يحصنهم من كراهية النخب الإثنية والقوميات الأخرى.
ولكن مثل ذلك المسار يبدوا مساراً طويلاً لقومية مهيمنة عاجزة عن الإعتراف بالآخر والقبول به ، قومية شمالية موحدة ولديها إجماع داخلي مضمر وآلي (أتوماتيكي) حول الحروب ضد الهامش والأقاليم المتمردة على هيمنتها ، قومية هجومية أو محاربة Militant nationalism لديها دولة متكتلة وكلية الوجود total being من الولاءات الإقطاعية الداخلية - والزبونية الخارجية متراصفة منذ وقت طويل ، قومية عاجزة عن إقتلاع مخاوفها (نظرية الأمننة) و مطامعها (نظرية الإستغلال الماركسية) المبتناة على التراكمية الجرائمية لمائتي سنة من العنف والهيمنة.
يمكن مقارنة مصير دولة القومية الشمالية (الدولة المصنوعة) في الخرطوم 1956 بالمصير المتخيل الذي رسمه المفكر والفيلسوف الموريتاني الذي لم تعرف موريتانيا غيره (محمد يحظيه ولد أبريد الليل) لموريتانيا كدولة وحيدة للبيضان (امازيغ صنهاجة - ازناكة المعربين).
السودان الأنغلو مصري 1898 أيضاً هو دولة إستعمارية أو نيوكولونيالية مصنوعة للقوميين الشماليين. والقوى الدولية في الصراع تتحرك من خلال دينامية هذا الوعي.
البديل الحقيقي لمسار توطين المساومة السياسية المهم للغاية ، هو فكرة ومسار توطين الجنوب الجديد أو إعادة هيكلة مجتمعات التركة النيوكولونيالية من خلال الإعتراف بتعددية السيادة - السيادات الإجتماعية Sovereignty للقوميات الثقافية المختلفة والقوات الإجتماعية المختلفة social forces.
أو بتعبير مختلف صناعة ويستفاليا إفريقية (وطنية) تنهي الوعي التناحري antagonism والصراعات التناحرية للقوميات المتنافسة تمهيدا لتوطين المساومة السياسية.
northernwindpasserby94@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبدالله علی إبراهیم القومیة الإفریقیة السیاسیة الوطنیة الصراع الإجتماعی القرن التاسع عشر قوة الدعم السریع القومیة العربیة الشعب السودانی الجنوب الجدید جامعة الخرطوم إعادة إنتاج إعادة هیکلة فی الخرطوم ثورة وطنیة التفاوض مع منصور خالد الصراع فی سلام جوبا فی الصراع من بینها التی کان إلى جانب واحدة من فی القرن سلسلة من فی الغرب جون قرنق على غرار أکثر من کجزء من من خلال التی لم لا یمکن یمکن أن واحد من إلى أن لم تکن أن تلک لم یکن فی تلک کما هو فی دول
إقرأ أيضاً:
واشنطن تعيد تقييم مزاعم الإمارات حول عدم تسليح الدعم السريع
ذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن إدارة بايدن ستقدم للمشرعين الأمريكيين تقييما بحلول 17 من الشهر الجاري حول مصداقية تأكيدات الإمارات بأنها لا تزود قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان بالسلاح.
من جانبه قال بيرت ماكغورك، مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي في رسالة إلى الكونغرس، "أبلغت الإمارات الإدارة بأنها لا تنقل الآن أي أسلحة إلى قوات الدعم السريع ولن تفعل ذلك في المستقبل".
وأضاف، "ستعمل الإدارة مع الإدارات والوكالات ذات الصلة لمراقبة مؤشرات مصداقية وموثوقية هذه الضمانات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة".
ومطلع الشهر الجاري، أرسل اثنان من المشرعين الديمقراطيين في الولايات المتحدة رسالة إلى إدارة بايدن يهددون بعرقلة مبيعات الأسلحة الهجومية إلى دولة الإمارات بسبب دعمها الحرب الأهلية في السودان عبر تسليح ميليشيات قوات الدعم السريع.
ووجه السيناتور كريس فان هولن وعضوة الكونجرس سارة جاكوبس رسالة إلى الرئيس بايدن، حذرا فيها من أن المشرعين سيسعون إلى إجراء تصويت على قرار برفض بيع أسلحة هجومية إلى الإمارات، بما في ذلك صواريخ بقيمة 1.2 مليار دولار، ما لم يشهد بايدن بأن أبوظبي لا تدعم قوات الدعم السريع.
وجاء في الرسالة التي أوردتها مجلة بوليتيكو، “نحن نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت الدعم المادي، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة، لقوات الدعم السريع وسط الحرب الأهلية في السودان، ونعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن توقف مبيعات الأسلحة الهجومية حتى يتوقف هذا الدعم “.
وقالت الرسالة “إذا قدمت إدارتكم تأكيدًا مكتوبًا بأن الإمارات لا تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة وتعهدت بالامتناع عن مثل هذه التحويلات في المستقبل، فإننا سنكون قد حققنا هدفنا ولن نحتاج إلى الدعوة للتصويت على هذا التشريع في الكونجرس”.
وسبق أن اتهم مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، الإمارات بإشعال الحرب في بلاده عبر دعم قوات "الدعم السريع"، فيما نفت الإمارات ذلك وقالت؛ إن "تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها".
وغير مرة، عرض الجيش السوداني صورا وتسجيلات لكميات كبيرة من الأسلحة التي انتزعها من أيدي قوات الدعم السريع في محاور القتال، وقال إنها إماراتية.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.