تبذل الدولة المصرية جهوداً دؤوبة ساعية لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد المصرى، لما لهذا النمط من النشاط الاقتصادى الذى يعمل فى الظل، من تأثير على الاقتصاد الكلى، وأبرز أبعاد هذا التأثير على البعد الاقتصادى والبعد الاجتماعى والسلامة والأمن العام، وتم استخلاصها من تعريفات الاقتصاد غير الرسمى.

ووفقاً لإحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر قُدّر بنحو 40% من إجمالى الناتج المحلى للدولة، أى بما يوازى 7 تريليونات جنيه، فيما قدّرته بعض المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولى وغيرها، بنحو 55% من حجم اقتصاد البلاد الرسمى، ويرتفع إلى 60% فى دراسات أخرى، بما يوضح ما نحن أمامه من عبء على اقتصادنا، لارتفاع هذه النسبة، مقارنة بدول نامية أخرى، فهذه الكيانات تعمل فى الظل، بعيداً عن الإطار الرسمى، وهى كيانات غير مرخّصة وغير مسجّلة ضريبياً.

60% من قوة العمل عالمياً ترتبط بكيانات غير رسمية.. و«العمل الدولية» قدّرتها بنحو مليارى عامل

وفقاً لبيانات صادرة عن منظمة العمل الدولية، فهناك نحو مليارى عامل حول العالم يعملون فى كيانات تتبع اقتصادات الظل، أى نحو 60% من قوة العمل عالمياً، والذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً حتى ما فوق الـ60 عاماً يعملون فى الاقتصاد الموازى بشكل دائم أو يمضون فيه جزءاً من أوقاتهم فى أحسن الظروف، إذن فنحن أمام مشكلة عالمية وليست محلية أو حتى إقليمية أو تعانى منها اقتصادات دون أخرى وغير مرتبطة بمشكلة النمو بالأساس، لأنها توجد بالاقتصادات المتقدّمة والنامية على حدٍّ سواء، رغم التفاوت فى النِّسب بينهما، فالدول الأقل نمواً تعانى من هذه المشكلة بصورة أكبر، ما يطرح أمامنا الكثير من التساؤلات تباعاً حول جذور هذه الظاهرة من الأساس.

أما صندوق الدولى فوضعنا أمام دراسة معمّقة لهذه المشكلة، قد تجيب عن التساؤلات حول مدى ارتباط الاقتصاد غير الرسمى بمعدلات النمو للبلدان، فقد أظهرت الدراسة التى أجريت على 158 دولة خلال الفترة بين عامى 1991 و2015، أى قرابة 25 عاماً، وصول متوسط حجم اقتصاد الظل فى هذه الدول إلى نحو 32.5% من إجمالى الناتج المحلى للاقتصاد الرسمى.

فيما تشير إحصاءات صندوق النقد العربى لعام 2017، إلى تقديرات أولية لحجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، والتى بلغت 23.12%، مقارنة بما لا يتجاوز 1% فقط لدولة الإمارات، و11.3% للمغرب، و22% فى تونس، ليُرجع الصندوق هذا التفاوت إلى مجموعة أسباب، فى مقدّمتها إدراج القطاع الزراعى المصرى ضمن القطاع غير الرسمى، مقابل استبعاد الكثير من الدول الأخرى له عند احتساب نسبة الاقتصاد غير الرسمى من الاقتصاد الكلى، ورصدت بيانات حديثة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن قطاع الزراعة من أكثر القطاعات التى تعمل داخلها منشآت غير رسمية فى مصر، فتُقدّر نسبة المنشآت الزراعية العاملة بشكل غير رسمى بنسبة 73% من إجمالى المنشآت العاملة بقطاع الزراعة.

«البنا»: على منشآت الظل الاستفادة من مزايا الدعم المالى والفنى.. والبورصة أسهمت فى ضم الكثير من الشركات الصغيرة

وفى هذا السياق، أوضح الدكتور محمد البنا، أستاذ المالية العامة بجامعة المنوفية، أن بعض الآراء التى تقول بوجود منافع للاقتصاد الموازى مع سلبياته، تستند إلى مساهمته فى رفع معدلات التشغيل داخل الدولة وتوفيره الكثير من فرص العمل التى تزيد من متوسط دخل الفرد والأسرة، لكنهم يغفلون أنه يحرم هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع التى لم يستوعبها الاقتصاد الرسمى من الأمن والرضا الوظيفى والعمل تحت مظلة من الحماية الاجتماعية، مثل التأمينات والمعاشات التى يتمتّع بها العاملون بالقطاع الرسمى.

وتابع فى تصريحات لـ«الوطن»: «فى حين تحرم المنشآت العاملة فى اقتصاد الظل العمال من حقوقهم الاجتماعية، التى يوفّرها الاقتصاد الرسمى، سواء للعاملين به أو للمستفيدين، أى متلقى الخدمات أو المستهلكين، ويكفى عيباً فى الاقتصاد غير الرسمى أنه لا يخضع للرقابة، وبعيد عن الجهات المنوط بها حماية المستهلك، فلا يمكن اللجوء إلى جهاز حماية المستهلك عند التعرّض للغش، بل قد يصل الضرر إلى تهديد الحياة ذاتها».

وأكد «البنا» أن الدولة تعمل بكل أجهزتها على دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى، بل وتولى خطة التنمية أهمية وأولوية قصوى للوصول إلى هذا الهدف وتحقيقه عبر تفعيل حزمة من السياسات والآليات، أبرزها منح تيسيرات مالية لتحفيز المنشآت للانضمام إلى القطاع الرسمى والعمل تحت مظلته، كما أطلق الرئيس السيسى مبادرة بمنح إعفاء ضريبى لمدة 5 أعوام للمنشآت التى تنضم إلى العمل بالقطاع الرسمى، بخلاف تيسير إجراءات ممارسة الأعمال، سواء استخراج التراخيص والتسجيل وتصاريح المبانى وتكلفة أداء الأعمال بصفة عامة، وتفعيل سياسة الشباك الواحد.

ويرى أن توفير أراضٍ مُرفقة من أصعب التحديات التى يواجهها أصحاب المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، ولذلك عملت الدولة على توفيرها كنوع من التحفيز للانضمام إلى القطاع الرسمى، بل ووفرتها فى صورة مجانية أو بأسعار رمزية، ويتم طرحها داخل المجمّعات الصناعية، وواصلت جهودها التى شملت العاملين بهذا القطاع غير الرسمى عبر توسيع مظلة التأمينات الاجتماعية، لتُغطى شريحة كبيرة منهم، ويمكن للعاملين فى منشآت خارج الاقتصاد الرسمى الانضمام إلى منظومة التأمين الصحى الشامل والاستفادة من الخدمات الصحية والعلاجية التى يوفرها.

وأضاف: «المنشآت التى تعمل فى الظل عليها أن تستفيد من الدعم المالى والفنى والتمويلات التى يتيحها الجهاز للتوسّع فى أنشطتها وتنفيذ خططها التوسعية ورفع كفاءة الإنتاج»، كما عملت الأجهزة التشريعية والرقابية على مراجعة قوانين العمل وإضفاء مزيد من المرونة التى تسهم فى توسيع دائرة العمالة وزيادة التشغيل بالقطاع الرسمى، عبر الاهتمام بتحسين جودة التعليم وضمان اتساق مخرجاته مع متطلبات سوق العمل.

وأشار إلى دور قطاع التأمين الذى لا يمكن إغفاله من حيث تشجيع العاملين خارج المنظومة الرسمية على الانضمام إلى القطاع الرسمى والاستفادة من مزايا التأمين على الحياة والممتلكات والأنشطة التجارية، وكذلك أسهمت البورصة المصرية فى ضم الكثير من الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر عبر إطلاق بورصة النيل ومنح الحوافز لهذه الشركات ودعم خططها التوسّعية بتمويلات غير مصرفية، لتشجيعها على العمل بالقطاع الرسمى.

واستطرد: «الدولة تستهدف من دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى الحد من الأنشطة غير المشروعة وزيادة إيرادات الدولة ومعدلات النمو وزيادة فرص حصولها على تمويلات دولية واستثمارات مباشرة، سواء من الداخل أو الخارج، ورفع التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى».

ولتحقيق هذه الأهداف أوصى بضرورة تبنى الدولة سياسات بعيدة كل البُعد عن السياسات العقابية، بمعنى أدق «سياسة الجزرة بدلاً من العصا»، وتيسير الإجراءات على المستثمرين فى المصالح الحكومية وإعطاء حوافز اقتصادية وضريبية تشجّع الغير على الإفصاح عن حجم أعمالهم والعمل وفقاً لقواعد ولوائح ومعايير وشروط لا تقودهم نحو العزوف عن الاندماج فى الاقتصاد الرسمى، ويمكن التسجيل الضريبى وغيره بالحصول على تدريب مجانى للعمالة وفتح قنوات تمويل لمشروعاتهم وتقديم مساعدات فنية وتسويق لمنتجاتهم، التى تتطابق مع المعايير فى المعارض المحلية، مما يُعزّز مكاسب وأرباح هذه المنشآت التى تعمل فى الظل، ويولد الرغبة لديهم للعمل بشكل رسمى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: اقتصاد الظل قطاع الزراعة الحوار الوطنى الاقتصاد الرسمى فى الاقتصاد الکثیر من

إقرأ أيضاً:

هاكرز بكوريا الشمالية يستهدفون قطاع الطاقة النووية بهجمات إلكترونية معقدة

كشف باحثون من شركة Kaspersky عن تصعيد جديد في أنشطة مجموعة الهاكرز الشهيرة المرتبطة بكوريا الشمالية، Lazarus Group.

 إذ بدأت المجموعة توجيه هجماتها نحو قطاع الطاقة النووية، مستهدفة شركات تعمل في هذا المجال.

محاولات لاختراق مؤسسات ذات قيمة عالية
تشير التقارير إلى أن هذه الهجمات تمثل جزءًا من جهود متزايدة لاستهداف القطاعات ذات الأهمية الأمنية، مثل الدفاع والطيران والعملات المشفرة.

يعتقد  أن المنظمات النووية اصبحت الآن ضمن قائمة الأهداف التي تسعى Lazarus Group لاختراقها.

هاكرز بكوريا الشمالية تسرق 41 مليون دولار من العملات المشفرة | ما القصةفي لمح البصر .. هاكرز يسرقون ملايين الدولارات من البنك المركزي الأوغنديهاكرز روس يستخدمون تكتيكات مبتكرة لاختراق شبكات Wi-Fi

أسلوب الهجوم: تطور مستمر في التكتيكات
في واحدة من الهجمات الحديثة، أوضحت Kaspersky أن المجموعة أرسلت ملفات أرشيف تحتوي على برامج خبيثة لموظفين في منظمة مرتبطة بالطاقة النووية.

 استمرت هذه المحاولات على مدار شهر كامل.

أظهرت التحقيقات سلسلة عدوى معقدة تشمل عدة أنواع من البرمجيات الضارة، منها برامج downloader، loader، وbackdoor، مما يعكس تطور الأساليب التي تتبعها المجموعة لتحسين قدرتها على البقاء داخل الأنظمة المصابة.

ارتباط بالهجمات السابقة: عملية DreamJob
تشير التقارير إلى أن هذه الهجمات الجديدة هي امتداد لحملة سابقة تُعرف باسم Operation DreamJob. تعتمد الحملة على خداع الضحايا عبر تقديم ملفات تبدو كاختبارات تقييم تكنولوجية، لكنها تحتوي على ملفات أرشيف مفخخة.

عندما يفتح الضحية هذه الملفات، يبدأ تسلسل معقد من التنزيلات والروابط المؤدية إلى برمجية خبيثة تتيح التحكم عن بُعد في الأنظمة المصابة.

أداة جديدة: CookiePlus
ما يميز الهجمات الأخيرة هو استخدام أداة جديدة تُعرف باسم CookiePlus.

 تعمل هذه البرمجية داخل ذاكرة النظام لتحميل برمجيات خبيثة على شكل مكونات إضافية plugins، مما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة بالنسبة لأدوات الأمان الشبكية.

وصف باحثو Kaspersky هذه الخطوة بأنها استراتيجية غير تقليدية للمجموعة، مشيرين إلى أن إدخال برمجيات خبيثة جديدة يعكس تطورًا مستمرًا في أساليبهم لتجنب الاكتشاف وتحسين فاعلية الهجمات.

خلاصة

تعد هذه الهجمات تصعيدًا جديدًا في تهديدات مجموعة Lazarus Group، مما يثير القلق حول أمن المؤسسات التي تعمل في القطاعات الحيوية. 

مع استمرار تطور أساليب القرصنة، تحتاج الشركات إلى تعزيز أنظمتها الأمنية لمواجهة هذا النوع من التهديدات المتطورة.

مقالات مشابهة

  • متحدث الزراعة: يكشف تفاصيل خطة الدولة لاستصلاح 4 ملايين فدان خلال 2025- 2026| فيديو
  • «الاقتصاد» تنظم جلسة حوارية حول منظومة الملكية الفكرية
  • هاكرز بكوريا الشمالية يستهدفون قطاع الطاقة النووية بهجمات إلكترونية معقدة
  • المداني يؤكد على تسهيل مهام لجنة الدمج لضمان تحقيق التنمية المحلية والريفية
  • طرح شركات الجيش فى البورصة يعزز ثقة القطاع الخاص
  • رئيس الوزراء يتلقى دعوة رسمية لزيارة سلطنة عمان
  • النيابة العامة تأمر بحبس متهمين بتزوير وثائق رسمية وتقليد أختام الدولة
  • المدني يوجه بتسهيل مهام وأعمال لجنة الدمج لضمان تحقيق الأهداف المنشودة
  • إنجازات «العمل» خفض البطالة ودعم العمال.. 10 سنوات من المساهمة في تنشيط الاقتصاد
  • العدل تنجز إحصاء وتصنيف ملكية أكثر من مليون عقار ضمن أملاك الدولة