عربان الشتات: العمي الايديولوجي المستند الي جهالة بالجغرافيا والتاريخ (٣-٥)
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
د. هشام عثمان
مصطلح "عرب الشتات" يُظهر جهلًا واضحًا بالجغرافيا والتاريخ المعقدين لما يُسمى "السودان الشرقي" و"السودان الغربي" تاريخيًا، وهما منطقتان تاريخيتان شهدتا تفاعلات كبيرة بين شعوب وأعراق متعددة نتيجة للهجرات، التجارة، الحروب، والممارسات الاستعمارية بما في ذلك تجارة الرق. لكي نفهم بعمق السياق التاريخي لهذه المناطق، من الضروري أن نلقي نظرة على العوامل التاريخية والجغرافية التي شكلت هويات السكان فيها:
### 1.
السودان الشرقي يمتد على طول البحر الأحمر ويمثل منطقة استراتيجية لعبور الهجرات والتجارة عبر البحر الأحمر. هذه المنطقة كانت معبرًا تاريخيًا للحجاج المسلمين في طريقهم إلى مكة، وكانت أيضًا مركزًا للتجارة بين أفريقيا والجزيرة العربية وآسيا.
- **الهجرات**: منذ عصور قديمة، كان شرق السودان ممراً رئيسياً للهجرات العربية والأفريقية، بما في ذلك القبائل العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية. هذه الهجرات لم تكن بالضرورة نتيجة للشتات بل كانت جزءًا من التنقلات الطبيعية بين مختلف المناطق.
- **التجارة**: السودان الشرقي كان مركزًا هامًا للتجارة الدولية، بما في ذلك تجارة الذهب، التوابل، والسلع الأخرى. هذا النشاط التجاري جذب مجموعات متعددة من التجار العرب والأفارقة وغيرهم، مما خلق مجتمعًا متنوعًا ومتعدد الثقافات.
- **تجارة الرق**: المنطقة شهدت تجارة الرق العربية والأوروبية التي ازدهرت عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث تم نقل العبيد من إفريقيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا. ولكن هذه التجارة كانت جزءًا من نظام أوسع يشمل أوروبا والعالم الإسلامي ولم يكن لها علاقة مباشرة بمفهوم "الشتات" بالمعنى الحديث.
### 2. **السودان الغربي**:
السودان الغربي يشمل مناطق تمتد عبر مالي، النيجر، وتشاد، وكان منطقة حيوية من الناحية الجغرافية والتاريخية للتفاعلات بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء. هذا الامتداد الجغرافي الشاسع شهد هجرات ونقلات سكانية كبيرة على مر العصور.
- **طرق التجارة**: السودان الغربي كان جزءًا من شبكة طرق التجارة عبر الصحراء الكبرى التي ربطت شمال أفريقيا بمناطق الغرب والجنوب الأفريقي. عبر هذه الطرق، تم نقل الذهب والملح والعبيد، وكانت هذه الطرق أيضًا ممرات للحجاج المتجهين إلى مكة.
- **ممالك كبيرة**: مناطق السودان الغربي كانت موطنًا لممالك كبيرة مثل مملكة غانا، وإمبراطورية مالي، وإمبراطورية السونغاي. هذه الممالك كانت جزءًا من شبكة تجارية واسعة عبر الصحراء الكبرى وكانت على اتصال بالعالم العربي والإسلامي.
- **تأثير الإسلام**: الإسلام دخل هذه المناطق مبكرًا عن طريق التجارة والهجرات، وليس نتيجة للشتات أو الحروب. العديد من القبائل والمجموعات تبنت الإسلام على مدار قرون، مما خلق نوعًا من الهوية الثقافية المتداخلة بين الأفارقة والعرب.
### 3. **الهجرات لأغراض متعددة**:
الهجرات في هذه المناطق لم تكن بالضرورة مرتبطة بالشتات بمعناه الحديث. الهجرات كانت لأسباب عديدة، منها:
- **الحج**: طرق الحج التي عبرت السودان الشرقي والغربي كانت جزءًا أساسيًا من حركة السكان، حيث كانت القوافل تتنقل من غرب أفريقيا عبر السودان إلى الحجاز.
- **الحروب والصراعات**: العديد من الهجرات جاءت نتيجة للحروب والصراعات الداخلية في المناطق الأفريقية أو بين القوى الاستعمارية. ولكن حتى في هذه الحالات، كانت الهجرات داخل إطار المنطقة ولم تكن جزءًا من مفهوم "الشتات" الحديث.
### 4. **حملات الرق**:
حملات الرق العربية والأوروبية في هذه المناطق كانت جزءًا من تجارة عالمية للعبيد، ولكن لا يمكن اختزال تلك الفترات من التاريخ في مصطلح "عرب الشتات". تجارة الرق كانت تجارة عالمية معقدة وشملت العديد من اللاعبين، وكانت موجهة نحو استغلال الشعوب الأفريقية وليس نتاجًا لنزوح جماعي للعرب إلى هذه المناطق.
### 5. **جهل المصطلح بالتاريخ والجغرافيا**:
المصطلح "عرب الشتات" يتجاهل هذا التاريخ الغني والمعقد للتفاعل بين العرب والأفارقة في هذه المناطق. هذه المجتمعات لم تكن مجتمعات "شاردة" أو "منفية"، بل كانت جزءًا من أنظمة معقدة من التجارة، الدين، والتحركات السكانية الطبيعية. استخدام هذا المصطلح يشوه هذه الحقائق ويجعل من الهجرات التاريخية الطبيعية جزءًا من سردية سياسية ضيقة قد تكون موجهة لإثارة التوترات العرقية أو الطائفية في السودان المعاصر.
السودان الشرقي والغربي ليسا مجرد مساحات جغرافية بل مناطق ذات تاريخ طويل من التداخل بين شعوب متعددة من العرب والأفارقة. الهجرات في هذه المناطق كانت مدفوعة بأسباب دينية، اقتصادية، وسياسية ولم تكن جزءًا من مفهوم الشتات بمعناه الحديث. استخدام مصطلح "عرب الشتات" يعكس جهلًا بتاريخ وجغرافيا هذه المناطق ويقلل من أهمية التفاعل الحضاري والثقافي الذي شكّل هوياتها عبر القرون.
نواصل
hishamosman315@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السودان الشرقی السودان الغربی فی هذه المناطق کانت جزء ا من عرب الشتات
إقرأ أيضاً:
البنك الوطني للأعضاء البشرية: فرصة إنقاذ أم تجارة مقنعة؟
22 يناير، 2025
بغداد/المسلة:
كتب سهيل الطائي: تتصاعد النقاشات في العراق حول إنشاء “البنك الوطني للتبرع بالأعضاء البشرية”، اذ يثير هذا المقترح جدلًا واسعًا بين مؤيديه ومعارضيه.
وطرح محافظ البصرة أسعد العيداني مقترحا رسميا إلى مجلس الوزراء، لاقامة مؤسسة لتوفير الأعضاء البشرية بطريقة منظمة وآمنة، مع تقديم حوافز مالية تصل إلى 15 مليون دينار عراقي، إلى جانب إعفاءات ضريبية وتخفيضات على تكاليف السفر للمتبرعين.
وباعتبار أن العراق بلد يعاني من ارتفاع معدلات الفقر، يمكن أن تشكل هذه الحوافز جاذبية كبيرة للكثيرين، لا سيما الفئات الأكثر تضررًا، لكن هذا البعد الاقتصادي يحمل معه تساؤلات حول أخلاقيات استغلال حاجة الفقراء لدفعهم إلى التبرع بأعضاء حيوية مقابل المال ، فيما تحليلات تشير الى أن هذا التوجه قد يتحول إلى سوق تجارية للأعضاء البشرية، وهو ما قد يفاقم الفساد الموجود أصلًا في النظام الإداري العراقي.
و في ظل ضعف الآليات الرقابية التقنية والإدارية في العراق، هناك مخاوف جدية من أن يؤدي إنشاء مثل هذا البنك إلى تعزيز شبكات الاتجار غير الشرعي بالأعضاء البشرية حيث الفساد والرشاوى تسهّل تهريب الأعضاء أو تجاوز الضوابط القانونية المفترض وضعها لحماية المتبرعين.
و بينما يرى مؤيدو المقترح أنه خطوة تنظيمية يمكن أن تحل أزمة مرضى يحتاجون إلى زراعة أعضاء، وصف معارضون الفكرة بأنها “جريمة لاستغلال وابتزاز الفقراء”.
وقالت تغريدة لأحد الناشطين على تويتر بأنه “غطاء قانوني لتشجيع تجارة الأعضاء الممنوعة دوليًا”، في حين طالب آخرون بتعزيز الرقابة وضمان عدم تحول البنك إلى منصة لتجارة الأعضاء.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts