أصدر مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي بيانا بشأن قانون الإجراءات الجنائية الجديد والذي انتهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية أمس الأربعاء من مناقشته تمهيدا لعرضه على الجلسة العامة لمجلس النواب في بداية دور الانعقاد في مطلع أكتوبر القادم، جاء ذلك عقب موجة من الاعتراضات على القانون، كان آخرها اعتراض نادي القضاة.

وجاء في البيان أنه، في إطار سعي مجلس النواب الحثيث نحو إصلاح المنظومة التشريعية المصرية، مضطلعًا بدوره الدستوري، فقد اختتمت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس أعمالها- أمس الأربعاء الموافق ١١ سبتمبر ٢٠٢٤- في شأن دراسة مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي أعدتها اللجنة الفرعية المنبثقة عنها، ووافقت عليها بشكل نهائي، حيث كان قد كلفها المجلس بذلك بنهاية دور الانعقاد المنقضي.

ويُعَدُّ مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة هامة في تحديث النظام القانوني في مصر، ويهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية، حيث يمنح النيابة العامة اختصاصات أوسع في تحريك الدعوى الجنائية، فباتت صاحبة الاختصاص الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية إعمالاً لحكم المادة (١٨٩) من الدستور، كما يشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز من حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائي في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ، كما يتضمن المشروع تنظيمًا متكاملاً لحماية الشهود والمبلغين والمتهمين والمجنى عليهم، وتقديم تسهيلات لذوي الهمم في مراحل التحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تنظيم التحول التدريجي للإعلان الرقمي والتحقيق والمحاكمة عن بُعد.

هذا المشروع هو ثمرة مجهود استمر لعامين من العمل المتواصل بين اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، واللجنة الأصلية، حيث تضافرت جهود كلتا اللجنتين لضمان صياغة قانون يعكس روح الدستور المصري ويُلبي احتياجات المجتمع، مع مراعاة أدق التفاصيل القانونية والحقوقية، وجاءت المسودة النهائية بعد مراجعات شاملة وتعديلات متأنية، لتؤكد أن التشريع هو نتاج عمل جماعي تشاركي، هدفه الأساسي إرساء نظام قضائي عادل يحمي حقوق الأفراد ويصون استقرار المجتمع، فقد استجابت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لعديد التعديلات المقدمة، سواء من أعضاء اللجنة أو ممثلي الحكومة أو مجلس القضاء الأعلى أو النيابة العامة أو نقابة المحامين وكذلك بعض مطالب الصحفيين، حيث ارتأت اللجنة أن تلك التعديلات جميعًا جاءت لتضبط أحكام مشروع القانون الذي هو ركيزة التنظيم القضائي في الشق الجنائي.

وفي هذا المقام لا يفوتنا الإشادة باللجنة الفرعية التي وضعت اللبنة الأولى لمشروع القانون، والتي عملت متدثرة بأحكام الدستور المصري، والتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومبدأ الشرعية الإجرائية، وضمت في عضويتها نخبة من القانونيين المتخصصين من الوزارات ذات الصلة، مثل وزارات الشئون النيابية والعدل والداخلية، إلى جانب ممثلين عن مجلس الشيوخ، مجلس القضاء الأعلى، مجلس الدولة، النيابة العامة، هيئة مستشاري مجلس الوزراء، المجلس القومي لحقوق الإنسان، ونقابة المحامين. هذا التشكيل المتنوع الذي يعكس بجلاء أن ما دار في اجتماعات اللجنة كان تجسيدًا لحوار مجتمعي حقيقي.

ومن جانب آخر، يؤكد مجلس النواب أن الحوار الوطني يُعَدُّ إحدى الركائز الأساسية لتعزيز التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع، حيث يُمكِّن من تبادل الأفكار والرؤى التي تسعى إلى تحقيق المصالح الوطنية العليا. وقد برزت بعض توصيات هذا الحوار كأدوات قيِّمة يمكن لمجلس النواب الاستفادة منها في إعداد تشريعات تتماشى مع تطلعات المجتمع وتستجيب للتحديات الحالية، ولا شك أن هذه الخطوة الرائدة ما كانت لتتم لولا المبادرة الحكيمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الذي أطلق فكرة الحوار الوطني، حرصًا منه على إشراك جميع فئات المجتمع في رسم ملامح مستقبل البلاد، وإيمانًا بأهمية الحوار كوسيلة لبناء مجتمع متماسك ومتطور.

ولذلك قام مجلس النواب بدراسة توصيات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية، وتم بالفعل إدماج عدد من هذه التوصيات في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد- من أبرز ها:

أولاً- تقليص مدد الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لها، حيث أكد مشروع القانون على ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي أربعة أشهر في الجنح (بدلًا من ستة)، واثني عشر شهرًا في الجنايات (بدلًا من ثمانية عشر)، وثمانية عشر شهرًا في القضايا المتعلقة بالسجن المؤبد أو الإعدام (بدلًا من سنتين)، كما تم تحديد مدة حبس المتهمين في محكمة النقض لمدة لا تتجاوز سنتين، بعدما كانت غير محددة في القانون القائم.

ثانيًا- السماح بالتظلم من قررات الحبس الاحتياطي بالطرق الإلكترونية، حيث تضمن مشروع القانون صياغات متكاملة للتظلم من جميع الأوامر بما فيها الأمر بالحبس الاحتياطي بالوسائل التقليدية (المواد ١٦٤ وما بعدها) والإلكترونية (المواد ٥٢٥ وما بعدها).

ثالثًا- إلغاء القانون رقم (٨٣) لسنة ٢٠١٣ بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، والذي منح لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرًا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيًا لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد دون التقيد بمدة محددة، حيث تضمنت المادة (١٢٤) من مشروع القانون تقييد سلطة محكمة النقض في هذا الخصوص على النحو المبين سلفًا ليصبح الحد الأقصى لها بما لا يجاوز سنتين.

رابعًا- التقدم بطلبات التعويض بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى عن كل يوم حبس احتياطي، وهو ما أكدت عليه المادة (٥٢٤) من مشروع القانون.

خامسًا- ضرورة أن يصدر الأمر بالمنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول والتحفظ على الأموال، من سلطة تحقيق قضائية، بمناسبة قضية منظورة، تقتضي طبيعتها هذا الإجراء، وأن يكون هذا القرار مسببًا ومحددًا بمدة زمنية معقولة، ولا تزيد على مدة الحبس الاحتياطي، حيث تم تضمين المقترح في المواد (١٤٧، ١٤٨، ١٤٩) من مشروع القانون، ووضع المشروع تنظيمًا متكاملاً لأوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول بتحديد السلطة المختصة بإصداره بقرار من النائب العام أو من يفوضه، أو من قاضي التحقيق المختص، على أن يكون هذا الأمر مسببًا ولمدة سنة قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، لأمر تستلزمه ضرورات التحقيقات أو حسن سير إجراءات المحاكمة، كما نظم آلية التظلم منها.

سادسًا- في الأوضاع الاستثنائية التي تتطلب تجديد حبس متهم من داخل محبسه عن طريق التقاضي الإلكتروني، يجب أن تكون الأولوية لحضور المحامي مع المتهم في نفس مكان تواجده (أي في محبسه)، وقد تم تضمين المقترح في الباب المتعلق بإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد (المواد ٥٢٥ وما بعدها) والذي نص صراحة على حضور المحامي مع المتهم وعدم جواز الفصل بينهما عند اتخاذ إجراءات التقاضي عن بُعد.

هذا، ويُشار إلى أن بعض التوصيات لا تزال قيد الدراسة، إذ تبين للمجلس أن إدماجها في البيئة التشريعية سيكون ضمن قوانين أخرى بخلاف قانون الإجراءات الجنائية، ومن هذه التوصيات: التوصية المتعلقة بالتوسع في إشهار الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تهدف إلى دعم دمج الأفراد وتذليل العقبات الإجرائية التي تعترض عودتهم إلى العمل أو الدراسة واستعادة حياتهم الطبيعية، وتشمل هذه التوصية تقديم التدريب المناسب بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والتأهيل اللازمين لهم. ويرى المجلس أن المكان الأنسب لتطبيق هذه التوصيات هو بعض القوانين المتخصصة، فضلاً عن أنه لا يوجد ما يمنع قانونًا، سواء في قانون العمل أو قانون الخدمة المدنية، من عودة المحبوس احتياطيًا إلى عمله بعد الإفراج عنه.

وأخيرًا، فإن مجلس النواب لطالما حرص على استيعاب كافة الآراء، إدراكًا منه بأن المسائل التشريعية قد تحمل وجوهًا متعددة، وجميعها قد تتماشى مع أحكام الدستور، وفي هذا الإطار، يعمل المجلس على المفاضلة بين البدائل المتاحة لاختيار الأفضل من بينها، بما يحقق المصلحة العامة، ويؤكد المجلس أنه مازال يفتح أبوابه لمناقشة أية تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، طالما تهدف إلى إرساء نظام عدالة ناجز وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة، فالغاية المشتركة تظل تحقيق العدالة وضمان حماية حقوق الجميع.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مجلس النواب حنفي جبالي بيان عاجل الحبس الاحتياطي قانون الإجراءات الجنائية لجنة الشئون الدستوریة والتشریعیة قانون الإجراءات الجنائیة الجدید مشروع قانون الإجراءات الجنائیة من مشروع القانون الحبس الاحتیاطی حقوق الإنسان مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

ما هي ضوابط رد الاعتبار للمحكوم عليه بمشروع قانون الإجراءات الجنائية؟

حدد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، ضوابط رد الاعتبار للمحكوم عليه في جناية أو جنحة، فقد نصت المادة (٤٨٥)  على أن يجوز رد الاعتبار إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة، ويصدر الحكم بذلك من محكمة جنايات أول درجة التابع لها محل إقامة المحكوم عليه، وذلك بناء على طلبه.


ونصت المادة (٤٨٦) يجب للحكم برد الاعتبار ما يأتي:


أولًا: أن تكون العقوبة قد نفذت تنفيذًا كاملًا، أو صدر عنها عفو أو سقطت بمضي المدة.


ثانيًا: أن يكون قد انقضى من تاريخ تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها مدة ست سنوات إذا كانت عقوبة جناية، أو ثلاث سنوات إذا كانت عقوبة جنحة. وتضاعف هذه المدد في حالتي الحكم للعود وسقوط العقوبة بمضي المدة.


فيما نصت المادة (٤٨٧) تبدأ المدة اللازمة لرد الاعتبار، إذا كان المحكوم عليه قد وضع تحت مراقبة الشرطة بعد انقضاء العقوبة الأصلية، من اليوم الذي تنتهي فيه مدة المراقبة، وإذا كان قد أفرج عن المحكوم عليه تحت شرط، فلا تبدأ هذه المدة إلا من التاريخ المقرر لانقضاء العقوبة أو من التاريخ الذي يصبح فيه الإفراج تحت شرط نهائيًا.

 

ونصت المادة (٤٨٨) على أنه: يجب للحكم برد الاعتبار أن يوفي المحكوم عليه كل ما حكم به عليه من غرامة أو رد أو تعويض أو مصاريف، ويجوز للمحكمة أن تتجاوز عن هذا إذا أثبت المحكوم عليه -أنه ليس بحال يستطيع معها الوفاء. وإذا لم يوجد المحكوم له بالتعويضات أو الرد أو المصاريف، أو امتنع عن قبولها وجب على المحكوم عليه أن يودعها طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات في المواد | المدنية والتجارية.


ويجوز له أن يستردها إذا مضت خمس سنوات ولم يطلبها المحكوم | له. وإذا كان المحكوم عليه قد صدر عليه الحكم بالتضامن، يكفي أن يدفع مقدار ما يخصه شخصيًا في الدين. وعند الاقتضاء تحدد المحكمة الحصة التي يجب عليه دفعها.



ونصت المادة (٤٨٩) على أنه في حالة الحكم في جريمة تفالس، يجب على الطالب أن يثبت أنه قد حصل على حکم برد اعتباره التجاري.  


وأفادت المادة (٤٩٠) بأنه إذا كان الطالب قد صدرت عليه عدة أحكام، فلا يحكم برد اعتباره إلا إذا تحققت الشروط المنصوص عليها في هذا الباب بالنسبة إلى كل حكم منها، على أن يراعى في حساب المدة إسنادها إلى أحدث الأحكام.


فيما نصت المادة (٤٩١) على أنه يقدم طلب رد الاعتبار بعريضة إلى النيابة العامة، ويجب أن يشتمل على البيانات اللازمة لتعيين شخصية الطالب، وأن يبين فيها تاريخ الحكم الصادر عليه والأماكن التي أقام فيها منذ الإفراج عنه.


ونصت المادة (٤٩٢) على أن: تجري النيابة العامة تحقيقًا بشأن الطلب للاستيثاق من تاريخ إقامة الطالب في كل مكان نزله من وقت الحكم عليه ومدة تلك الإقامة، وللوقوف على سلوكه ووسائل ارتزاقه وبوجه عام تتقصى كل ما تراه لازمًا من المعلومات وتضم التحقيق إلى الطلب وترفعه إلى المحكمة في الثلاثة الأشهر التالية لتقديمه بتقرير يدون فيه رأيها، وتبين الأسباب التي بني عليها، ويرفق بالطلب (۱) صورة الحكم الصادر على الطالب. (۲) صحيفة الحالة الجنائية. (۳) تقرير عن سلوكه أثناء وجوده في مركز الإصلاح والتأهيل.

 

ونصت المادة (٤٩٣) على أنه تنظر المحكمة الطلب وتفصل فيه في غرفة المشورة. ويجوز لها سماع أقوال النيابة العامة والطالب، كما يجوز لها استيفاء كل ما تراه لازمًا من المعلومات، ويكون إعلان الطالب بالحضور قبل الجلسة بثمانية أيام على الأقل. ولا يقبل الطعن في الحكم إلا بطريق النقض لخطأ في تطبيق القانون أو في تأويله وتتبع في الطعن الأوضاع والمواعيد المقررة للطعن بطريق النقض في الأحكام.

 

 

مقالات مشابهة

  • موعد صدور قانون الإيجار القديم.. 3 أشهر تنهي أزمة طال انتظارها لعقود
  • «صناعة النواب» توافق على تعديل قانون الثروة المعدنية
  • بدء اجتماع «صناعة النواب» لمناقشة تعديل قانون الثروة المعدنية
  • صناعة النواب توافق نهائيا على تعديلات مشروع قانون الثروة المعدنية
  • صناعة النواب توافق نهائيا على مشروع تعديل قانون الثروة المعدنية
  • مجلس الدولة يناقش مشروعي قانون "تحصيل مستحقات الدولة" و"حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"
  • ما ضوابط التحقيق بمعرفة القاضي في مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟
  • مجالس دستورية تنبه البرلمان إلى إشكالات المسطرة الجنائية قبل المرور إلى مرحلة المصادقة
  • كتي يتم تطبيق قانون العمل الجديد بعد إقراره رسميا؟ .. اعرف الموعد
  • ما هي ضوابط رد الاعتبار للمحكوم عليه بمشروع قانون الإجراءات الجنائية؟