تحدثنا في الأسبوع المنصرم عن بروز ما سمي بالفلسفة الليبرالية الكلاسيكية -التقليدية- التي صاحبت عصر الأنوار في الغرب بعد تحجيم دور الكنيسة ومحاربة العلم والاختراع، وظهور عصر النهضة الصناعية والعلمية بعد القرن السابع عشر، وإن هذه الليبرالية رفعت شعار الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان، وكانت بدايتها إيجابية نظريًا بعد أن بدأت أوروبا الخروج من الصراعات والحروب الداخلية التي عصفت بها لعقود طويلة، ثم طرح بعض الفلاسفة والمصلحين «فلسفة العقد الاجتماعي» والتداول السلمي للسلطة من خلال التصويت والاقتراع كحل سياسي للأزمات القائمة التي أخرت أوروبا طويلا، ونجحت فيه أوروبا فيما بعد القرن الثامن عشر من هذه الأزمات الداخلية، لكن هذه الليبرالية الكلاسيكية لم تسلم من انحرافات الليبراليين من أصحاب رؤوس الأموال والبرجوازيين، خاصة استغلالهم لمقولة «آدم سميث» (دعه يعمل، دعه يمر)، فلذلك تم رفض أي تدخل للدولة في حركة السوق، وأن السوق نفسه بحركته الفردية، يعمل في تلقائية للمجموع، وبه «اليد خفية» هي التي تسير السوق بصورة طبيعية من ذاته، دون حاجة لتدخل يد مادية بشرية فيه، وهذه العبارة «اليد الخفية» تذكرنا من نفس فكرة الفيلسوف الألماني «فريدريش هيجل» فيما اسماه بـ«مكر التاريخ»، أو «خبث العقل» وكلاهما يسيّران الحركة والفاعلية دون أن تكون هناك يد دافعة أو تدخل ذاتي، لكن هذه الأفكار النظرية ليست علمية مبرهنة، ولم تكن دقيقة ولا واقعية، ولذلك هذه الليبرالية الكلاسيكية، واجهت ما سمي بـ (بالكساد الكبير)، في الغرب الذي بدأ عام 1929 ـ 1930، وقد قلب الأوضاع الاقتصادية في أوروبا رأسًا على عقب، وحصل انهيار كبير لأصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة، وأيضا الشركات الكبرى وكل الحركة الاقتصادية في كل العالم، وهذه نتيجة لسلبيات حركة السوق التي لا تكون متابعة ومراقبة من الدولة بما لا تخرج الأسوق على السيطرة، ولا تحرم طبقة من الطبقات من حقوقها بموجب ما طرته الليبرالية نفسها عندما وضعت فلسفتها، وكأن«اليد الخفية» أصابها الشلل عن إدارة الحركة ذاتيًا دون تدخل من الدولة، لذلك برزت رؤى جديدة لحل أزمة الليبرالية التقليدية.

ففي عام 1936 أصدر الاقتصادي البريطاني اللورد «جون مينارد كينز» كتابه الشهير (ثروة الأمم)، انتقد فيها الليبرالية الكلاسيكية، ودعا إلى تدخل الدولة لتسيير حركة السوق وتنظيمه والاهتمام بالرفاه الاجتماعي، وهي ما سميت بـ(الليبرالية المنظمة) والتي اعتبرت الليبرالية الكلاسيكية بالليبرالية المطلقة، وهذه الليبرالية المنظمة سمي بـ(البرنامج الجديد)، وتم من خلال هذا البرنامج إدخال العديد من التعديلات الجديدة لإنعاش الاقتصاد الرأسمالي المتأزم أو التخفيف مما أصابه من آثار اقتصادية على الشعب الأمريكي، كما تم التخفيف من الحرية الفردية، لكنه كان متجردًا من جشع بعض الرأسماليين البيروقراطيين، وهذا ما واجه الأزمة بشجاعة نادرة انتقد فيها الفردية الاحتكارية عند بعض الرأسماليين عندما قال: «ليس صحيحا من مبادئ الاقتصاد أنَّ المصلحة الشخصية تصب دائما في خانة المصلحة العامة». وهو ما دعا بعد ذلك بعض الدول الغربية، إلى تعديلات جوهرية في الليبرالية الكلاسيكية، بعد اشتداد الأزمات الاقتصادية، أو ما يعرف بالكساد الكبير أو التضخم الذي عصف بالرأسمالية، والأخذ بنظرية اللورد «كينز» لإحداث التوازن عندما عجزت الليبرالية الكلاسيكية عن تحقيق التوازن الذي لم يتحقق عندما تركت الأمور سائبة لقوى السوق وتعطش أصحاب رؤوس الأموال للمصلحة الخاصة دون أي اعتبارات أخرى.

ولا شك أن فلسفة «للورد كينز» التي هدفت إلى وقف حركة الاستغلال والحد من النشاط الاقتصادي المطلق، والذي يبعد الجانب الاجتماعي في اهتمامه ويتم استغلال الطبقات الصغيرة والمتوسطة من قوى السوق، وأن التلقائية واليد الخفية ظهرت بوارها، بعد هذا الكساد الضخم الذي عصم بكل الفلسفات والتنظيرات الفكرية السياسية والاقتصادية، وتم إعادة التوازن مرة أخرى من خلال تدخل الدولة، لكن المتغيرات الاقتصادية، لم تبق الأمور على مسارات ثابتة، فقد زادت أعباء الدول مع زيادة السكان والخدمات والأعباء الاجتماعية الأخرى، ومع وصول الرئيس ريجان في الولايات المتحدة (من الحزب الجمهوري) وتاتشر في المملكة المتحدة (المحافظين)، 1990/1979، برزت ما عُرف بـ (الليبرالية الجديدة)، وهي التي استعادت الليبرالية الكلاسيكية في فكرتها المطلقة دون حواجز، ولكنها زادت عليها شراسة وأكثر قربا من الرأسماليين المغالين في إبعاد الدولة عن الـتأثير والمتابعة لحركة السوق عن الجموح في السيطرة على التجارة والثروة، دون النظر للظروف الاجتماعية. ومن هنا كان هدف الليبرالية الجديدة التي تعاظمت وتوسعت في الانتشار، جاء نتيجة سقوط المعسكر الاشتراكي الشيوعي في أوروبا الغربية، واعتبرت أن هذا السقوط هو انتصار للفلسفة الليبرالية الرأسمالية، وأن الدول الشمولية التي تسيّر حركة السوق بدلا من اليد الخفية، أثبت فشلها، وأن الليبرالية الرأسمالية هي الحل السياسي والاقتصادي لكل متاعب الأسواق التي يتم تسييرها من قبل المؤسسات الشمولية كما حل في الدول الاشتراكية.

ولذلك طالب الليبراليون الجدد، بإعادة الاعتبار لليبرالية التقليدية بوصفها الدواء السحري، للنظام الرأسمالي الغربي، ولمواجهة ذلك كله - ينبغي العودة للأصولية الرأسمالية كما انطلقت وتم إضافة الكثير من السياسات الاقتصادية التي تخدم رؤوس الأموال. وهذه العودة تحتاج إلى تغيرات أساسية في بنية وقواعد وآليات تشغيل النظام الرأسمالي وفق رؤيتهم. واقترح الليبراليون في هذا الخصوص جملة من السياسات الصارمة التي تمت ـ خاصة بعد سقوط النظم الاشتراكية في عام 1991، مثل تحجيم دور الدولة وإبعادها عن النشاط الاقتصادي، وأن تتخلى الحكومات عن هدف التوظف الكامل ودولة الرعاية الاجتماعية، وإنه لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وعودة الدماء لتراكم رأس المال، يتعين التصدي بحزم لعجز الموازنة العامة للدولة من خلال إلغاء الدعم، وخفض المصروفات الحكومية الموجهة للخدمات الاجتماعية، وإلغاء إعانات البطالة، وزيادة أسعار الطاقة والضرائب غير المباشرة، ونقل ملكية المشروعات العامة إلى القطـاع الخــاص، وتحويل بعض الوظائف التقليدية للدولة تدريجيا للقطاع الخاص، كما طالب الليبراليون الجدد بخفض معدلات الضرائب على الدخول المرتفعة، وأرباح الشركات وعلى رؤوس الأموال حتى يمكن حفز الطبقة الرأسمالية، على زيادة الادخار والاستثمار والإنتاج. وانحصرت مطالب الليبراليين الجدد فيما يتعلق بدور الحكومة في أن تحمي حرية السوق من أية تدخلات في أنشطة السوق، وأن تضع سياسة نقدية صارمة للتحكم في عرض النقود بما يتناسب وحاجة التداول.

واستقوى النظام النيوليبرالي الجديد، وتم إدخال العديد الأفكار الاقتصادية التي تحصن هذه الليبرالية من العواصف السياسية والاقتصادية، وتم تأسيس ما سمّي بـالحاكمية الدولية، إذ من خلالها إقامة حواضن اقتصادية تبنتها الدول الصناعية، ويتبع الأمم المتحدة كإشراف، منها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، هذه المؤسسات الاقتصادية رفعت شعارات جميلة في أهدافها، مثل مفهوم الحوكمة الجيدة، والشفافية المالية ومحاربة الفساد، لكن التنظير أحيانًا لا يختلف عن الواقع وممارساته، وهذا جرى قبل ذلك لليبرالية الكلاسيكية، لن يظل ترك الأوراق على عاهنها، دون رقابة له مساوئه على المجتمعات واستقراها، فالسياسات النظريات الاقتصادية في الغرب، التي روجعت وهذبّت، في ظل الحريات العامة في الغرب بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، والتداول السلمي للسلطة، لكن النزعة الرأسمالية، وربيبتها الليبرالية المطلقة ثم الليبرالية الجديدة التي أعادت مرة أخرى بقوة، من أجل تثبيت وتكييف النظرية الاقتصادية الطائشة، أو كما تسمى بـ (النظام التلقائي) كما أشرنا آنفًا، حتى ولو في غياب العدالة الاجتماعية! ودور الدولة في هذا النظام، (اقتصاد السوق)، وهذا لاشك لها مساوئ كثيرة، لو ابتعدت الدولة عن مهمتها في إدارة الموارد الأساسية، وتكافؤ الفرص إلخ: فلا بأس من أنه في ظل التحولات الاقتصادية، وتراجع الكثير من الموارد، أو لسد العجز في الموازنات أن تلجأ الدولة إلى الترشيد، أو فرض بعض الضرائب، لكن أن تكون هذه القرارات متوازنة ومقبولة، وليس قفزة كبيرة دون محاذير لأي تطبيقات دون الانتباه للواقع وتحدياته، أو حرقًا للمراحل في التطبيقات التي قد تكون قفزة للمجهول، ويرى د. الطيّب بو عزة في كتابه (نقد الليبرالية)، أن الليبرالية الجديدة: «وقد أدى هذا النزوع الفرداني الذي تتسم به النظرية النيو ليبرالية إلى إسقاطها في كثير من الإشكالات والمآزق سواء من جهة المنظور الأخلاقي أو المنظور الاقتصادي. بل حتى على المستوى المنهجي فإن المقاربة الفردانية للواقع الاقتصادي أنتجت الكثير من المفارقات والمزالق. وهذا ما وعاه بعض النيوليبراليين أنفسهم فنبهوا إلى مكامن الاختلال، لكنهم ظلوا مشدودين في هذا النقد إلى إشكاله المنهجي فقط، ولم يوسعوا رؤيتهم لنقد الرؤية المجتمعية النيوليبرالية». ولا شك أن النزوع النيوليبرالية بصورة الحادة التي تفرض سيطرتها لقوى السوق وميكانيكية العرض والطلب دون النظر للقضايا الاجتماعية، سيكون له مشكلات وقد ظهرت في الغرب قضية الشعبوية، التي هي معارضة لليبرالية الجديدة.

عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللیبرالیة الجدیدة هذه اللیبرالیة رؤوس الأموال حرکة السوق فی الغرب من خلال

إقرأ أيضاً:

من التوازن المالي إلى الاستدامة الاقتصادية

حاتم الطائي

 

◄ المواطن تحمَّل ضغوط التوازن المالي وينتظر انفراجة اقتصادية

◄ ضرورة اتخاذ إجراءات ناجعة وفاعلة لضمان النمو الاقتصادي

◄ لا بديل عن دعم القطاع الخاص وتمكينه من قيادة الازدهار الاقتصادي

شهدت السنوات الماضية قيام حكومتنا الرشيدة بتنفيذ خطة "التوازن المالي" والتي رغم ما صاحبها من تحديات اقتصادية، إلّا أنها نجحت في تحقيق المُستهدف منها، والمُتمَثِّل في خفض الدين العام وتقليص العجز المالي في الميزانية العامة للدولة؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة الإسراع في ضمان بلورة خطط واستراتيجيات تضمن الاستدامة الاقتصادية.

فمنذ أن أطلقت الحكومة خطتها لتحقيق التوازن المالي في أعقاب الأزمة المزدوجة الناتجة عن التراجع الحاد في أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، شهد اقتصادنا الوطني العديد من التحديات والتقلبات، كان أشدها الانخفاض الشديد في سعر برميل النفط، الذي وصل لمستويات تاريخية مُتدنية، ما أثر بالسلب على الإيرادات العامة للدولة، والتي ما زال النفط والغاز يمثلان حوالي 70% من مجموع هذه الإيرادات. وألقى ذلك بظلال سلبية على أوضاعنا المعيشية والاقتصادية؛ حيث لجأت الدولة إلى الاستدانة لتغطية النفقات الأساسية، والتي تمثلت بصورة رئيسية في رواتب موظفي الدولة ودعم الطاقة، مع تنفيذ بعض المشاريع العاجلة والمحدودة. في حين ظلت الأوضاع الاقتصادية تمضي نحو الركود المحتوم، ونتج عن ذلك غلق الآلاف من الشركات، وتسريح العديد من العاملين، وتراجع لافت في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء وقطاع العقارات وقطاع السياحة، علاوة على تراجع القوة الشرائية. ومع استمرار خطة التوازن المالي وما أفرزته من زيادة الضرائب ورسوم الخدمات، ورفع الدعم جزئيًا عن الوقود والخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه)، وغيرها من الإجراءات التي أثرت بالسلب على دخل المواطن، دخل اقتصادنا الوطني في حالة من الركود لا سيما مع استمرار تراجع الناتج المحلي الإجمالي، ثم تحول هذا الركود مع مرور الوقت إلى كساد اقتصادي، في ظل عدم قدرة المواطن على الشراء، وغياب المبادرات المُحفِّزة للنمو الاقتصادي.

وقد تحمَّل الجميع، حكومةً ومواطنين، هذه الضغوط رغبةً في الخروج من شرنقة الأزمة، وقد نجحت خطة التوازن المالي بالفعل في جني ثمار الضوابط الاقتصادية الصارمة، واستطاع اقتصادنا أن ينعتق من براثن تلك الأزمة الطاحنة، وأخذ يتحول تدريجيًا نحو التعافي الاقتصادي، خاصةً مع نجاح جهود خفض الدين العام وكذلك تقليص عجز الميزانية وتحويله إلى فائض مالي خلال السنتين الماليتين الأخيرتين، علاوة على ذلك، استعادة الجدارة الاستثمارية بفضل رفع التصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عُمان، أكثر من مرة، حتى وصل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات.

مثل هذه النتائج الإيجابية المُتحققة تفرض على الحكومة ضرورة تبنّي نهج استراتيجي مُغاير يتواكب مع الاستدامة المالية، لكن من منظور آخر، ألا وهو الاستدامة الاقتصادية. وثمّة فارق بين الاستدامة المالية والاستدامة الاقتصادية، فالأولى تَعني ضمان تدفق الموارد المالية للدولة لتدبير الإنفاق العام وخفض العجز المالي إن وُجِد، وهي عملية مُحاسبية تعتمد بصورة أساسية على الإدارة المالية الحصيفة، دون أن تنظر إلى الأبعاد الاقتصادية الأخرى. وهذه الأخيرة تُركِّز عليها الاستدامة الاقتصادية، والتي تهتم بصورة أساسية بآليات تعزيز النمو الاقتصادي، بغض النظر عن الظروف المالية للدولة، وذلك من خلال تبني مبادرات لتحفيز نمو القطاعات المختلفة، وعلى رأسها القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات، علاوة على تقديم التسهيلات المالية اللازمة لنمو هذه القطاعات، عبر برامج تمويلية مُيسَّرة توفر القروض منخفضة التكلفة للشركات، لضمان توسيع الأنشطة. كما أن الاستدامة الاقتصادية توفر البيئة اللازمة لنمو القطاع الخاص، وتمكينه من أداء أدواره بما يضمن توفير المزيد من فرص العمل، وزيادة مداخيل الأفراد العاملين في القطاع الخاص، سواء عبر الحوافز أو العمولات أو الزيادات السنوية القائمة على تقييم مستويات الأداء.

وما يواجهه اقتصادنا من تحديات، وما ينتظره أيضًا من فرص واعدة، يُتيح المجال أمام مؤسسات الدولة الفاعلة لاتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة ومُحفِّزة للنمو الاقتصادي، تساعد على تعميق الاقتصاد وتوسيع قاعدة القطاع الخاص، وبصفة خاصة الإنتاجي منه، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنعاش اقتصادنا الوطني، والعمل بكل طاقتنا من أجل زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، والأهم من ذلك كله منح القطاع الخاص الفرصة ومساعدته على تحمل مسؤوليات في قيادة النمو الاقتصادي، وهي أهداف جميعها تتوافق وتتماشى تمامًا مع الرؤية المستقبلية "عُمان 2040".

ولن يتحقق أي نمو اقتصادي بعيدًا عن القطاعات الحيوية والواعدة التي تزخر بها عُمان، وفي المقدمة قطاعات: التعدين والسياحة والثروة السمكية والصناعات التحويلية؛ حيث إن هذه القطاعات قادرة على أن تقود اقتصادنا لمستويات مرتفعة من النمو، والحقيقة أننا في هذا السياق لا نريد النمو الذي يتوقعه لنا صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية، نحن نبحث عن معدلات نمو قياسية كتلك التي حققتها النمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، أو ما نجحت في بلوغه بعض اقتصادات أفريقيا؛ إذ نتحدث عن معدلات نمو تتجاوز 7%، أما غير ذلك فنحن "محلك سِرْ"! ولا ينازعني شك في قدرتنا الاقتصادية على تحقيق هذه المعدلات، إذا ما أُتيحت الفرصة أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية لتنفيذ المزيد من المشاريع في تلك القطاعات. ولا يجب الحديث في هذا السياق عن مشروع أو اثنين؛ بل نتحدث عن عشرة مشاريع في القطاع الواحد، مع التوسع في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع وتيرة الإحلال، من أجل تخفيف حدة أزمة الباحثين عن عمل، بالتوازي مع توليد وظائف جديدة للعُمانيين.

إن الاستدامة الاقتصادية التي نطالب بها تمثل الرديف الحقيقي لخطط التنويع الاقتصادي، الذي نسعى لتحقيقه منذ عقدين من الزمن على الأقل، ورغم ما تحقق من نتائج إيجابية، إلّا أن مقوماتنا وطبيعة الفرص المُتاحة، تؤكد أننا قادرون على تحقيق المزيد أضعافًا مُضاعفة، فقط نحتاج إلى قرارات جريئة تُنعش الاقتصاد، وتساعد في توفير التمويل اللازم، وهنا أتحدث بصورة أساسية عن دور القطاع المصرفي، الذي -مع الأسف- ما زال يُركز على إقراض الحكومة لمساعدتها في دفع الرواتب عبر أذون الخزانة، وإقراض الموظف الحكومي عبر قروض استهلاكية يُفاقِم التضخم ولا يعكس أي نمو اقتصادي حقيقي. لذلك لا بديل عن برامج تمويلية مُيسَّرة تستهدف بالمقام الأول القطاع الخاص الإنتاجي، وبمعدلات فائدة منخفضة، علاوة على منح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة منحًا مالية لا تُسترد، تساعد رائد العمل في مستهل حياته العملية على بدء مشروعه الصغير أو المتوسط؛ إذ لا ينبغي أن يُفرض على رواد الأعمال الجُدد أي أعباء مالية، في وقت يتملس طريقه وسط تحديات اقتصادية متعددة المستويات.

ويبقى القول.. إنَّ أي نمو اقتصادي لا يُتيح فرص التوسع أمام القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية والصادرات، لن يُسهم في تحقيق النتائج المرجوة، وسيظل يتأرجح بين 2% و3%، ما يعني استمرار الركود، ولذلك نحن في أمسِّ الحاجة إلى حلول ناجعة وفاعلة تعكس حيوية الاقتصاد وقدرته على التجدد والتعافي، من أجل ضمان الاستقرار المعيشي للمواطن والرخاء في مختلف جوانب الحياة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كيف يعمل النظام الانتخابي في ألمانيا؟ وما أبرز التعديلات الجديدة التي طرأت عليه هذا العام؟
  • عمرو بدر: دعم الدولة للقطاع العقاري وراء صمود السوق المصرية أمام الأزمات
  • بكين تلوح بالرد على القيود الاقتصادية الاميركية الجديدة
  • مطار القليعات بين التجاذب السياسي والجدوى الاقتصادية
  • «شباب فلج المعلا» يطلق برنامجاً لإعادة تصنيع السيارات الكلاسيكية
  • من التوازن المالي إلى الاستدامة الاقتصادية
  • الأنظمة الاقتصادية والاقتصاديون الميكافيليُّون
  • محافظ المنوفية يوجه بزيادة أكشاك السوق الحضارية الجديدة في شبين الكوم
  • سايحي: مجهودات الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج
  • متحدث الزراعة: الدلتا الجديدة مشروع مدعوم بقوة من الدولة